الأربعاء ١ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٣

أنين الفرات

مروة سعيد

"ما أجمل هذا النهر , وما أروع منظره , وما أبهى هيئته, وما أعذب خريره" هكذا همهمت أمل و هي تدلف إلى شرفة غرفتها المطلة على نهر الفرات. وما إن انزاح الستار حتى رأت عينيها الفرات بمنظر غير ذاك الذي اعتادته , وهيئة غير تلك التي ألفتها وسمعت أذنيها أنينا حزينا , فأثار هذا في نفسها قلقا و هواجس دفعتها إلى خارج منزلها و على ضفته حيث دار هذا الحوار.

أمل : فراتي العزيز مابك تبدو شاحب الوجه , حزين الشكل , ذابل الهيئة هكذا؟
الفرات: مصابي جليل و العزاء جميل .

أمل :أي مصاب جلل هذا الذي أصابك؟وما هذا الأنين الذي أسمع؟

الفرات: أصابني داء عضال شحب له وجهي , و سقمت منه مياهي , وانكسرت منه نفسي , وتوجع منه قلبي فصدر عن حلقي هذا الأنين.

أمل: أما من علاج لهذا الداء ؟ أما من طبيب يداوي هذا الوباء؟

الفرات: (بألم)لا يا أمل , فهو خبيث كالحية الرقطاء . أصابني متخفيا منذ ثلاثة عشر عاما بحجة أنه يريد مداواتي من علل أخرى فإذا به يلج في أعضائي فيضعفها ,و يتوغل في أحشائي فيوهنها , وما عن تحقق له ما أراد لي من ضعف و وهن بدأ يفصح عن نواياه الحقيقية .

أمل : ولكن لكل داء دواء وحتما يوجد الدواء لدائك هذا.

الفرات : إنه كالأفعى التي تنقض على فريستها , وتلتف حولها لتبث سمومها القاتلة في كل جزء من أجزائها. فيزيدها هذا قوة , وتجبرا وتحكما.

أمل: : وأين الأطباء من هذا ؟أما يدعي هؤلاء القدرة على الشفاء ؟و الشجاعة في مقاتلة الأدواء؟

الفرات:بلى يدعون. ولكنه داء عياء ألجم أفواههم بقوته ,وكتف أيديهم بسطوته ,وأرهب عقولهم بجبروته , وشل تفكيرهم بضيمه, فبات علاجه مستعصيا وعقاره مستحيلا.

أمل:كفا يا فراتي.لا أريد أن اسمع أنين اليأس هذا. أما أصبت من قبل بأدواء معضلة , وعلل مضنية, وأمراض مستعصية؟ ولكنك دوما كنت قادرا على قهرها بقوتك, وفتكها بصلابتك, ومعالجتها بعظمتك التي أدهشت تاريخ معالجة الأمراض و التصدي لها.

الفرات:بلى. ولكن هذا الداء أعجزني فلم اعد قادرا على مقاومته أو التصدي له.

أمل: هراء يا فرات.أنت قادر على هزيمته وطرده من جسدك ومواراته حيث توارت أمثاله من الأدواء.

الفرات: ولكنني أحتاج لعقار يقوى على محاربته معي.

أمل : لم أعهدك تستنجد يا فرات . الدواء كامن في قلبك ومنداح في حشاياك , وماثل بين يديك فلا تبحث عنه بعيدا. أنت وحدك القادر على مداواة علتك ولا حاجة لدواء من الخارج ولا داعي لطبيب من العالم.

الفرات : ولكن...

أمل : لن أسمع المزيد. أنا راحلة الآن وسأعود في الصباح . وساعة أعود أريد أن أرى فراتي العظيم كما عهدته رافع الرأس, شامخ الأنف , بهي الطلعة ,جميل المنظر,معافى الجسد وعذب الخرير. (ورحلت)

الفرات: أمل أمل ...أمل

غادرت أمل ضفة الفرات . وفي صباح اليوم التالي استيقظت على جلبة وضوضاء .فرنت إلى شرفتها فإذا بطوفان يغشى المدينة وإذا بصوت الفرات يخاطبها:
"لقد فعلت ما شئت يا أمل . اقتلعت هذا اللعين من جسدي ونبذته بعيدا .ولكن اعذريني فلم يكن هناك من وسيلة أخرى غير تلك ليرحل بعيدا والى الأبد."

فابتسمت أمل هامسة :نعم بعيدا والى الأبد يا فراتي العظيم.

مروة سعيد

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى