الأخلاق تتغير وفق نمط العيش!
الأخلاق هي مجموعة من المعتقدات والمبادئ والعقائد والسلوك والقيم التي تتقبلها الجماعة البشرية وتستصيغها، والتي تضبط تصرفات البشر من سلوك وغيره، وتأخذ طابع الأخلاق الحميدة معبرة عن مرحلة ما وزمن ما في تاريخ أنسنة الإنسان، وتعبر عن مرحلة من مراحل الوعي البشري، لذلك هي شكل من أشكال الوعي البشري ، وتعتبر مرجعية ثقافية لشعوب في زمن معين، ويمكن أن تستقي منها الدولة التشريعات والقوانين.
كل القيم و العقائد الأخلاقية لدى البشر كانت كامنة في حاجات البشر قبل ظهورها ولا تظهر إلَّا عندما تشتد الحاجة لها، وما من شك أنَّ حاجات البشر مُتقلبة ومتغيرة باستمرار. وبتغيرها هذا تدخل هذه العقائد نفسها في صراع مع تلك الحاجات وثمرة هذا الصراع، تعديل وتغيير، أو اختفاء واندثار. وسبرا في تاريخ البشر نرى أنَّه عندما نشأتْ لبعض الناس مصلحة وحاجة في السرقة والتي كانتْ عملاً غيرَ أخلاقياً فيما مضى، استحدثوا من المبادئ والقيم الأخلاقية ما يجعلها عملاً أخلاقياً. وأعطوها أسماء غير السرقة، أسموها غزوات، وألبسوها ثوب جديد، بعضها تزيَّن بزينة الثقافة القبلية والبدوية، وبعضها تزيَّن بالدين.
إنَّ كل ما هو في صالح الجماعة البشرية والمحدَّدة تاريخياً يُتَرْجَم بمبادئ وقيم أخلاقية، وكل ما هو في غير صالحها ويضرُ بها يُصوَّر على أنََّّه لا أخلاقي أو منافٍ للأخلاق.
في الماضي البعيد كان قتل الأسير عملاً أخلاقياً والسبب مادي بامتياز، فلأسير يحتاج إلى الطعام، ولمَّا أصبح الأسير نافعاً و مجدياً اقتصادياً أصبح قتله عملاً لا أخلاقي.
إذا رأيتَ جماعة من الناس قلَّ استمساكها ببعض من المبادئ والقيم الأخلاقية التي استمسكت بها زمناً طويلاً، فلا تنشد قائلاً: إنَّما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا، لأن هذه الجماعة تنطبق عليها المقاربة التالية: انَّ القيم والأخلاق والمعتقدات ..الخ تسود ما دامتْ متصالحة مع حاجات البشر.
“لا تسرق”. هذا من أقدم المبادئ الأخلاقية، ومما هو جدير بالذكر أنَّ صاحب كل شيء قابل للسرقة أو المالك هو الحارس المعني الأوَّل لأمواله سواء كانتْ ثابتة أومنقولة. والدولة باجهزتها الشُرْطِيَّة وقوانينها ومحاكمها ومعتقلاتها هي الحارس الثاني. وبموجب هكذا منظومة فالسارق يجب أنْ يأخذ حقه من العقاب بعقوبة رادعة، ويجب منْ ثمَّ أنْ يعيد ما سُرق إلى صاحبه، أو أنْ يقوم بتعويضه عمَّا خسر من أموال. ولهذا السبب تم استحداث شركات التأمين لتعويضه أيضاً.
ومع ذلك ورغم كل هذه المنظومة الرادعة للسرقة، لا يستطيع المالك، ولا الدولة، القضاء على ظاهرة السرقة قضاءاً مبرماً، فاشتدتْ الحاجة إلى الشرطة السماوية.
البشروعلى مدى رحلة أنسنتهم آمنوا بوجود خالق للكون، ثمَّ زرعوا و غرسوا في إيمانهم الفلسفي هذا كثيراً من المبادئ والقيم الأخلاقية، فالله هو الخبير، العليم بكل شيء والسميع والبصير، ومنْ ثمَّ يرى السارق والسرقة، ويعلم ما في الصدور والنيات، ويحاسب البشر في الدنيا والآخرة حساباً قاسياً، فلإنسان الذي لا تراه الشرطة الأرضية لا بدَّ أنْ تراه الشرطة السماوية.
الأخلاق ومفهومها من المبادئ والقيم الأخلاقية هي نسبية، وتاريخية، أي مرتبطة بزمن وتبعاً لذلك متغيِّرة، أصلها دائماً بشري، وتعبيراً عن الواقع المادي، ولم أرَ حتى كتابة هذه السطور قوماً أخلاقهم لا تُشبه طريقة عيشهم، وقد ترتدي رداء الدين.
الأخلاق والقيم والمباديء والمعتقدات تخرج من رحم نمط عيش البشر، و الجماعات البشرية المادي والاقتصادي، تُشْبهه ، ويجب أنْ تتوافق معه، وبما أنَّ التغيير يعتري كل شيء لا بدَّ أنْ تدخل في صراع ونزاع معه، بسبب التغير المستمر كما أسلفنا، ومنْ ثمَّ تُعَدَّل وتتغيَّر، بما يعيد التوافق بينها وبينه مرة أخرى، انَّ الأخلاق لا تُفْهَم، ولا تُفسِّرمجردة أي لا تُفهم بحد ذاتها، بل يجب ربطها بالواقع المادي والإقتصادي، إنَّها دائماً تشبه نمط عيش البشر أو الجماعات البشرية كما يشبه الدب بيئته القطبية، وأخيرا أقول وخلاصة لما سبق أنَّ الحاجات والضرورات والمصالح المادية هي مَصْدَر الأخلاق.