الثلاثاء ١٤ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٠
بقلم عبد الرحيم حمدان حمدان

التقنيات الفنية في ثلاثية «بكاء العزيزة»

صورة المرأة أنموذجاً

لا ريب في أن المرأة تشكل عنصراً مهماً من عناصر الخطاب الروائي، وأن لشخصية المرأة حضوراً مميـزأ في العمل الروائي العربي بعامة والفلسطيني بخاصة.

ولما كان الكاتب معنيا منذ البدء بتقديم شخصية المرأة الفلسطينية باعتبارها محور المعالجة الفكرية والفنية، فقد سلك في سبيل ذلك وسائل فنية متنوعة جعلت ملامح هذه الشخصية وأبعادها وجوانبها واضحة جلية للمتلقي، وكان من بين تلك الوسائل الفنية: العتبات النصية من صورة للغلاف: الأمامي والخلفي والعنوان والإهداء وبناء الشخصية النموذجية للمرأة، وتقنية الراوي وعنصر المكان، وتقنية السرد والحوار وتوظيف الحكاية الشعبية وغيرها. وستتم مقاربة بعض هذه التقنيات مراعاة لضيق الوقت المتاح للباحث على النحو الآتي:

أولا - العتبات النصية

القارئ لرواية «بكاء العزيزة» يتبين له أن الكاتب قد وضع العديد من العلامات التي تسهم في رسم صورة المرأة وتحديد ملامحها، فبالإضافة إلى غلاف الرواية الأمامي والخلفي، هناك العنوان الرئيس، والإهداء:

أ ـ فضاء الغلاف:

يتكون الغلاف الأمامي من صورة عين إنسان مفتوحة على شكل بيضاوي، تتوسطها صورة لامرأة تتزيا بثوب فلسطيني، رافعة يديها الى أعلى بشموخ، قابضة بقوة على علم دولة فلسطين ذي الألوان المتعددة، وتنهمر من تلك العين دمعتان تصطبغان باللون الأحمر، وربما كانت تلك المرأة «عزيزة الخيال»: إحدى الشخصيات المحورية في الرواية.

تتشكل أرضية الغلاف الأمامي للرواية من ألوان متراكبة هي: اللون الرمادي، والبني، والأبيض، والأحمر، ويلحظ المتلقي ثراء لونياً وخصـوبة متوهجة بين الإضاءة والتعتيم (الرمادي/ البني والأبيض)، فاللون الرمادي، والبني يوحيان بفضاء يخيم عليه الحزن والأسى، واللون الأبيض بما فيه من إيحاءات يرمز للتفاؤل والأمل الواعد، وكأن الغلاف يريد أن يقول: إن المعاناة والآلام مآلها إلى التلاشي والزوال، وهو ما تروم الرواية تأسيسه عبر مكوناتها، وتقوم هذه الألوان مجتمعة بإضاءة الغلاف وإثارة المتلقي واستفزازه، وتجسيد لعبة التناقضات والصراع الذي يترجم ما بداخل الشخصيات من صراعات متعارضة في قيمها ورؤاها.
والنص الموازي الذي يقرؤه المتلقي والمكتوب باللون الأسود على لوحة الغلاف الخلفي ذي اللون الأبيض يلخص أحداث الرواية، فهو يحتوي على نصٍ من متن الرواية... جاء في صورة حوار دار بين شخصية «إبراهيم الشاهد» و«عزيزة الخيال»:

 لماذا سمَّوْك العزيزة؟
 كان أبي من عشاق العزيزة!
 العين أم العاشقة؟
كليهما! كان متيماً بالعين التي أطفأت ظمأ الحصادين والحراثين في أوقات القيظ والشدة.. وكان مغرماً بقصة تلك العاشقة التي ذبحها شقيقها عند العين.

إن الغلاف بوجهيه: الأمامي والخلفي يتجاوز وظيفته التداولية، ويقوم بمهمة إيحائية، ويُعِدُّ المتلقي منذ البداية لقراءة الرواية قراءة محددة ويهيئه لأفق تأويلي خصب.

ب ـ عنوان الرواية:

وتبدو هيمنة المرأة في عنوان الرواية جلية واضحة، فعلى الصعيد البصري يحتل العنوان «بكاء العزيزة» مساحة واسعة في لوحة الغلاف؛ الأمر الذي يوحي بأهميته، بوصفه عتبة نصية لها فلسفتها الخاصة.
والعنوان مركب إضافي يتكون من عنصرين دالين أحدهما: البكاء وهو يتضمن معنى الحزن والألم والقهر والدموع، والآخر: العزيزة، وهذا الدال يفتح مجالاً واسعاً للتأويل، ويحمل دلالتين: حقيقية وتأويلية، فالعزيزة هي «عزيزة الخيّال» إحدى شخصيات الرواية، وهو يحمل معنى المحبة والمودة والقوة والصبر، وهي شخصية مسكونة بالألم لما ألم بها من يتم و ضياع، وعنوان الرواية بهذه الصورة يوحي بأن ثمة اشتباكاً بين البعد المعجمي والبعد الدلالي لهذه العبارة.

إن اختيار الكاتب للعنوان في هذه الرواية لا يخلو من قصدية، وقد ترددت صيغٌ ضمن المقاطع السردية تستحضر منطوق العنوان بطرائق مختلفة تؤكد هذه القصدية، ومن الأمثلة على ذلك قول السارد في الحوار الذي دار بين «إبراهيم الشاهد» و«عزيزة الخيال» التي تقول:
 أتسمعُ ؟
 أسمعُ ماذا؟
 هذا بكاء العزيزة. ها هي تنادي حبيبها، وتصيح باحثة عنه، لعلها تجده، ويطفئ شوقها.
و"العزيزة"اسم متخيل لإحدى قرى أو بلدات فلسطين التي دارت فيها أحداث الرواية وبها "وادي العزيزة"، وعين ماء هي "عين العزيزة"، وقد نعمت هذه البلدة بالأمن والأمان إلى أن ابتليت بالاحتلال الصهيوني، وما نجم عنه من تقتيل وتدمير وتشريد.

وربما اتسعت دائرة التأويل بحيث تحتمل أن تجمع بين الدلالتين الحقيقية وغير الحقيقية، "فالعزيزة" قد تكون هي شخصية المرأة المحبوبة التي اعتاد الأدباء في فلسطين أن يدمجوا الشخصية النسائية والقرى الفلسطينية، فتصبح المحبوبة لديهم فلسطين، وتغدو فلسطين هي المحبوبة، فكلتاهما عندهم واحدة، لا تنفصلان ولا حدود بينهما.

ج ـ الإهداء:

جاء إهداء الكاتب على الصورة الآتية: " إلى التي بعدت وبعدت وما زالت عزيزة".

والناظر إلى صيغة الإهداء يتبين له أنه يكتسي أهمية بالغة في تحديد بعض المكونات النصية التي وردت في العنوان وفي متن النص الحكائي، وأن هذه العتبة تحمل عدداً من التأويلات.

فهل المهدى إليه هو شخصية" عزيزة الخيال" التي تُجسّد معاني المودة والمحبة أو أن المهدى إليه هي بلدة " العزيزة" التي تعكس حالة من التمازج والتماهي بين الإنسان الفلسطيني وأرضه ؟ وفي كلتا الدلالتين توحي عتبة الإهداء دلالات ثرة، وهي لا تخلو من قصدية، سواء في اختيار المهدى إليه أو في اختيار عبارات الإهداء.

لقد أحدثت عبارة الكاتب لوناً من المفارقة الموحية المتولدة من ثنائية الغياب والحضور، فقد كان غياب المحبوبة/ الوطن بسبب النفي والإبعاد القسري وسيلة حضور قوي لصورتها في الوجدان والعقل، على الرغم من الإبعاد والنفي، وهذا الحضور يكاد يلغي ذلك الغياب، كما استدعت الصورة استخدام الأسلوب الدال على الاستمرارية "ما زالت"؛ لتأكيد التصاقه الدائم بالمحبوبة، وتعلقه بها.

يقول الكاتب رابطاً ما بين الأحداث والمحبوبة/ الوطن وما ألم به من مصائب بعد الخامس من حزيران سنه 1967م:

"وبعُدتْ غزة هاشم، وبعُد عوض الشاهد، وبعُدت "هنية جاد الله".. آه ..آ آ آ آ أه أيتها العزيزة!! هوت مطرقة الهزيمة على رأسي، ودكّت كل قناعاتي.. وأحلامي".

ثانياً – النموذج الإنساني لشخصية المرأة:

وجهت الرواية عنايتها إلى المرأة بالدرجة الأولى، فشخصية المرأة بوصفها أنموذجاً مقصوداً تم اختياره هي موطن الاهتمام الأول للكاتب
فقد اختار الكاتب لروايته نماذج من المرأة الفلسطينيةً كثيراً ما يراها الناس، وقليلاً ما يشغلهم الالتفات إليه مثل صورة الأم وصورة عزيزة الخيال.

وشخصية "عزيزة الخيال من بين الشخصيات التي تخيرها الكاتب لتكون أنموذجا لبنات جيلها، نموذجاً للمرأة المثقفة القادرة على النجاح في حياتها العملية، وهي من خلال وعيها وإدراكها وحساسيتها بدت قادرة على حمل أفكار الكاتب ونقل صوته وتجسيد موقفه تجاه الكثير من الأدواء الاجتماعية دونما افتعال.
هذا النموذج الإنساني للمرأة يبتعد عن تكريس الصورة النمطية الدونية للمرأة الشائعة في الثقافة الشعبية، وعمل الكاتب على تكسير هذه الصورة النمطية، واستبدلها بأنموذج المرأة المناضلة المكافحة في المجتمع، أنموذج يمثل نضال المرأة العربية في مشاركتها في المقاومة الفلسطينية ضد المحتل الصهيوني.

ثالثاً – تقنية الراوي

مما يلفت الانتباه في رواية"بكاء العزيزة" أن الكاتب اختار رواته من بين عدد من شخصياته مثل:"إبراهيم الشاهد"و"عزيزة الخيال" و"خالد الربيع"،وغيرهم، وبنى فصولها الرواية بعنوانات تحمل اسم الراوي، وهو ما يمكن أن يعد مؤشراً دلالياً على طبيعة الأصوات الساردة والفاعلة في هذا العمل الروائي.
وقد جعل شخصية المرأة ممثلة في عزيزة الخيال" راوياً رئيساً لعدد غير قليل من فصول الرواية؛ الأمر الذي أتاح للسارد عن طريق "ضمير المتكلم" المشارك دوراً فاعلاً في صنع الأحداث، وأعطى الكاتب فرصة كبيرة ليبرز مكانة المرأة ومنزلتها على صعيد الواقع وعلى الصعيد الفني أيضاً.

رابعاً - المكان والشخصية:

للمكان في هذه الرواية دوره الواضح في التأثير في سلوك شخصياتها الروائية وفي توجيه تصرفاتهم، وبلورة نفسياتهم وقراراتهم لا سيما الشخصيات النسائية.

وقد أثر المكان في الشخصيات على نحو جلي، فالعملُ الذي يمارسه جلّ سكان القريةُ هو الزراعة والفلاحة؛ الأمر الذي جعل المكان ينعكس في الملامح الخارجية والجسدية للشخصية، فالمرأة الريفية التي تعتمد في مصدر رزقها على الفلاحة والزراعة هي في الغالب امرأة قوية البنية، متماسكة، جادة، صابرة مثابرة.
فقد صور الروائي ملامح شخصية"القبرصية" بعد أن أصبحت رجل البيت بطريقة عملية، وشعرت بثقل المسئولية التي تحملتها بعد استشهاد زوجها "عابد الخيال"، إنها لم تجلس في البيت تنتظر إغاثات الوكالة، بل خرجت للعمل في البساتين والكروم، تتكسب قوت أولادها، فكانت تجلب المياه من عين الماء"العزيزة" إلي الكرم، تقول"عزيزة الخيال" واصفة شخصية والدتها "القبرصية":

"...تزيح القرص الصخري المدور؛ لتملأ الصفيحتين، ثم تحملهما، وتصعد الدرجات الصخرية الخمس قوية خفيفة..تعود إلي الكرم، تفرغهما، ثم تعاود العمل، امرأة قلبها من حديـد، وجسمها من فولاذ، تخشاها حتى الذئاب والوحوش، تعمل بلا كلل أو تعب".

ركز الكاتب في هذا المشهد على ملامح شخصية القبرصية الجسدية، إذ أشار إلى قوتها الجسمية وخفتها ورشاقة حركاتها، وألمح في نهاية الفقرة إلى بعض ملامحها النفسية من اعتماد على النفس وشجاعة وصبر على الشدائد " قلبها من حديـد، وجسمها من فولاذ، تخشاها حتى الذئاب والوحوش". وهي سمات غالباً ما تتحلى بها المرأة القروية، انطلاقاً من طبيعة المكان الذي تنتمي إليه، وهي تمثل نموذجاً للمرأة الفلسطينية التي دأبت على مشاركة الرجل " في معظم مهامه الحياتية والكفاحية، فوجدت المرأة المناضلة التي تشارك في الحدث اليومي، والمرأة العاملة، وغيرها".

خامساً – السرد

لعب السرد دوراً مهما في المعمار الفني في هذه الرواية بوصفه أحد التقنيات الفنية التي وظفها الكاتب في رسم أبعاد صورة المرأة وملامحها.

ومن المشاهد التي نقلتها الرواية مشهد ملاحقة "جميل حب الرمان" للقروية"عزيزة الخيال"؛ قصد النيل من شرفها وطهرها، وهي تحاول التهرب منه، وتصده عن غرضه الخسيس. يقول الكاتب عل لسان "عزيزة الخيال":

"سرت، أمامه في الزقاق واتجهتُ إلى شجرة الجميزة الكبيرة.. وعندها وقفت وانتظرته.. ابتسمتُ فهشَّ منتعشاً، تظاهرتُ بالليونة، وبسرعة ألصقته إلى جذع الجميزة، وغرزت "الشبرية" في رقبته.. وأمرته ألا يتنفس.. وقبضت على عنقه ثم أخرجت الحبل، وبسرعة درتُ حوله أربطه وأشد وثاقه إلى جذع الجميزة.. حاول التخلص من الحبل فطعنته في ذراعه مرتين، تأوه وهمد فعدتُ إلى لف الحبل وأحكمت وثاقه"
إن عدسة السارد في هذا المشهد تجول في جنبات مسرح الحدث تتابع مجرياته وتستقصى أدق تفاصيله ليعرض شريطاً سينمائياً يقدم صورة حية تعكس مشاعر أبطال المشهد وأحاسيسهم من خلال توظيف تقنية الاسترجاع واختيار الجمل الوصفية القصيرة وفي إسقاط الروابط وإقامة علامات الترقيم مقامها.
لقد كانت اللغة أداة تسجيل الواقع الذي أراد الكاتب تسجيله فجاءت معينة على ذلك فكانت اللغة المستخدمة في تقديم شخصية المرأة مثالا للشفافية والرقة والعذوبة معبرة عن الدلالة المقصودة من اقرب طريق دون أن تخل بوظيفتها الدلالية في تصوير المواقف وتجسيد المشاعر والأحاسيس، وتآلفت طبيعة النسج اللغوي مع الأحداث وشخصيات المرأة في عون الكاتب على تقديم رؤيته الإنسانية.

قامت اللغة في المشهد السابق بدور فاعل في كشف توتر الشخصية وصراعها مع قوى الشر في الرواية، وفي نسج وقائع الحدث وحركته من خلال الحضور الكثيف للجملة الفعلية لا سيما أفعال الزمن الماضي في بنية الحكي والموحية بدلالات الموقف وما يلابسه من احتدام المواجهة وشراستها والدالة على الحركة المتتابعة في ترابط محكم.

سادساً - الحكاية الشعبية:

ومما يلفت نظر المتلقي في هذه الرواية لجوؤها إل توظيف الحكايةَ الشعبية في محاولة لتكثيف للحظات المأساوية التي مرت بها شخصيات الرواية لا سيما حادثة موت "العزيزة" العاشقة، التي كان لها وقع عميق في الوجدان الشعبي، فاستلهام الرواية الحداثية للحكايةُ الشعبية في معمارها الفني، يقوي البعد الدرامي، ويعمق الوعي بالذات والواقع المعيش.

والواقع أن الحكاية الشعبية التي أوردها الكاتب عن "العزيزة" تشكل محوراً أساسيا في البناء الفني للرواية، وقد قدم الكاتب حكاية "المجنونة" و"العاشق" على لسان إحدى الشخصيات وهي "سالمة" البدوية،
يقول السارد في وصف الحكاية :" ...العزيزةُ هربتْ منهم.. اختفت ليلتين، وفي الليلة الثالثة وجدوها عند العين وذبحوها.. ذبحها أخوها وهي تشرب من العين.. واختلط دمها بماء العين ومن يومها تطلع وتشرب من العين في موعدها منتصف الليل، في منتصف شهر آب.. والقمر طالع مضيء.. تبكي وتصرخ على حبيبها.. تناديه ليأتي إليها.. ويطفئ شوقها.. ومن يومها، كل بنت من البلد تولد في مثل تلك الليلة تصاب بالجنون.. ومن يومها صار اسم العين "العزيزة" واسم الوادي "العزيزة".

من يتأمل حكاية ذبح "العزيزة"، يتبين له أن الكاتب قد أضاء النص الروائي ببعض الصور عن إيمان الناس بما يسمى في الموروث الشعبي "بالهَامَة"؛ بصفتها وقائع يومية يتداولها الناس جيلاً بعد جيل، وهي أشبه بحكايات الأساطير.

إن أسلوب السرد الذي اتبعه الراوي في وصف هذه الحكاية الشعبية واللغة البسيطة السهلة التي تقترب كثيراً من النمط الذي يسلكه الرواة في سردهم الحكايات الشعبية ذات الطابع الخرافي. وحاول الكاتب أن يستثمر تقنية "تعدد الروايات " تعدد وجهات النظر حول الحدث الواحد واختلافها في تناوله لهذه الحكاية الشعبية؛ لتعميق وظيفتها ودلالاتها وإبراز وجهات النظر المختلفة في تناول الحدث، بحيث تُروي أحداث هذه الحكاية من أكثر من جهة، فهو ينقل الحدث الواحد على لسان أكثر من شخصية من وجهات نظر مختلفة.
يبقى للباحث أن يقول:

لقد حظيت المرأة في هذه الرواية باهتمام الكاتب وعنايته، إذ تم التركيز على دورها في رحلة الكفاح والنضال، فهي تقف في صف زوجها في فلاحة الأرض وزراعتها والدفاع عنها وهي التي تصبح ربة البيت بعد استشهاد زوجها، وتتولي تربية الأبناء وتنشئتهم التنشئة السليمة.

وفق الكاتب أيضاً في توظيف هذه التكنيكات الفنية بصورة مقنعة، فجاءت تلبية للسياق الداخلي الخاص بحركة الشخصيات والمواقف التي مرت بها.فضلاً عن دورها في بيان أبعاد شخصية المرأة وملامحها، وتفسير ما غمض من أحداث، وقد حاول الكاتب أن يخضع تلك التقنيات لرؤيته الفنية وتجربته الإنسانية.
حاول الكاتب أن يضمن لصورة المرأة كثيراً من عناصر النجاح الفني المطلوب للشخصيات النامية القريبة إلى النموذج الإنساني للشخصية الروائية، حيث لم تبدُ شخصياته مسطحة ثابتة، كما هو الحال عند بعض الكتاب الذين تعرضوا لرسم صورة المرأة في الأدب الروائي العربي.

إن من حق هذه الرواية الإشادة بالوعي الفني الذي جسدته، والمتمثل في: وضوح الغاية المقصودة، والرؤية الإنسانية الواضحة، وتقديم أبعاد شخصية المرأة وتطورها وتفاعلها مع غيرها من الشخصيات، وردود فعلها تجاه الواقع المحيط، في حيوية ملموسة حتي تمكن المتلقي في النهاية التعرف إلى شخصية المرأة تعرفاً يوشك أن يكون كاملاً.

ولا يخفي ما كان لهذه العناصر الفنية من دور مهم في اختيار شخصية المرأة بدقة وعناية، وخضوع عرضها لصنعة فنية ملموسة، وتعدد للدلالات، وثراء للمعاني والرؤى التي يمكن استمدادها من العمل الفني ككل.

صورة المرأة أنموذجاً

 أعدت هذه الدراسة تلبية لدعوة من "صالون نـــــون الأدبي" في جلسته الشهرية وذلك عند الساعة الخامسة مساء من يوم الثلاثاء الموافق السادس من أبريل 2010م، وذلك في قاعة المركز القومي للدراسات والتوثيق بمدينة غزة.

 علي محمد عودة: روائي فلسطيني الجنسية، من مواليد قرية بيت حانون بتاريخ 1946 م، وتخرج في مدارسها، حاصل على درجة الدكتوراه في الأدب والنقد، ويعمل حالياً في مجال التدريس الجامعي في غزة، وهو عضو في اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين، له العديد من المجموعات القصصية المنشورة منها:إيقاعات على الغربة1981، الهبوط عند تقاطع الجروح 1984، مقاطع من سيـــرة زهراوي 1998، الحكماء والسكران( مسرحية) 1986، وثلاثية بكاء العزيزة صدرت عن دار شمس بالقاهرة، ط2، سنة 2009، وله عدد من الدراسات النقدية في مجال الفن الروائي منها: الزمان والمكان في الرواية الفلسطينية 1991، الفن الروائي عند جبرا إبراهيم جبرا 2004،( شاهين، عمر، موسوعة كتاب فلسطين في القرن العشرين،(غزة: المركز القومي للدراسات والتوثيق، 2000)، ط 2، ج 2، ص: 181،182.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى