الاثنين ٢٢ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٠
بقلم رواء الجصاني

الجواهري عن حسان لبنان

قبل بضعة ايام، وحسب، حملنا "منقاراً وأجنحة" أخف ما لمَّ من زاد ٍ اخو سفر، لنعبر الحدود إلى بيروت، راحلين إليها من دمشق التي ودعتنا فيها السيدة ناديا، حفيدة الشاعر العظيم، وقد راحت – شاءت أم أبت – اخر ركيزة للعائلة الجواهرية المستقرة في بلاد الشام، حالياً على الأقل... وهي التى حظيت – ولربما وحدها من الأحفاد على ما نعلم – بقصيدة نادرة، ومعبرة من الشاعر العظيم عام 1988، ومن ابياتها:

يا ناديا الزهر الندي... يا قطعة ً من كبدي...
يا ناديا يا نغما، حلّى شفاه المنشد
جدك "ربّ الشعر" قد ضاق به، فانجدي
والخصل البيض اندلت، من شعره فمسدي

... واذ نتجاوز الحدود السورية بمسافة قصيرة، مع احباء واصدقاء تلوح امامنا فضاءات لبنان، وصورة جنانه التي رسمها، ولونها الجواهري بأكثر من قصيدة، ومنذ العشرينات: سهولاً وجبالاً وبحراً ومجتمعاً وناسا، دعوا عنكم الوقائع الثقافية والسياسية وما إليها، وبينها... ومن الشواهد على ما نقول فرائده: لبنان في العراق خلال العشرينات الماضية ووادي العرائش وشاغور حمانا في الثلاثينات وبنت بيروت واخي الياس في الاربعينات وعبد الحميد كرامي في الخمسينات ولبنان ياخمري وطيبى في الستينات...

ثم نستريح قليلاً في محطة أولى عند منطقة الروشة في وسط بيروت، والتي طالما حدثنا الجواهري عن حبه لها، ولمقاهيها التى تداعبها بافتتان وتغازلها بعشق، موجات البحر المتوسط، الساحر والهادر في آن، وهو ذاته البحر الذي ناجاه الشاعر الخالد، وان من موقع آخر، حين كان على سواحله في أثينا عام 1977:

سجا البحر وانداحت رمتل ندية ولوح رضراض الحصى والجنادلِ
وفكت عرى عن موجة لصق موجة تماسك فيما بينها كالسلاسل
وسدت كوىً ظلت تسد خصاصها عيون ضباء أو عيون مطافل ِ
ولفّ الدجى في مُستجد غلالة ٍ سوى ما تردى قبلها من غلائل
سوى ما تردى من مفاتن سحرة وما جر فيها من ذيول الأصائل
وما حمل "الاصباح" شرقاً إلى الضحى من الورق النَديان أشهى الرسائلِ

... ونزور فضائية "السومرية" في بيروت لنلتقي عدداً من كادرها البارز ومنهم : امجد اسكندر وتوني بولص، وليتطرق الحديث الى اللمسات الاخيرة لمسلسل " الجواهري... كبرياء العراق" وصاحبه انور الحمداني، والذي ينتظر ان تبثُ أولى حلقاته خلال أيام قليلة، لتكون – على ما نزعم – منطلق أول عمل، درامي – توثيقي، عن ابن الرافدين، الذي خبط الدنى والناس طَراً، وآلى ان يكونهما فكانا... و بحسب ما ندري- ايضا - فقد صُورت أجزاء مهمة من ذلك العمل الفريد في مناطق لبنانية شهيرة.

... وفي وسط بيروت عاشقة الفرح والمزدانة به برغم كل الآلام، نستذكر، ونحن بين اللبنانيات الساحرات جمالاً وغنجاً، ما كتبه عنهن الجواهري، عام 1947...

ناغيتُ لبناناً بشعري جيلا، وظفرته لجبينه اكليلا
وحسان لبنان منحت قصائدي، فسحبنهنّ كدلهنَّ ذيولا
أهديتهن عيونهنّ نوافذاً، كعيونهن اذا رميّن قتيلا
ورجعت ادراجي اجر غنيمة من بنت بيروت جوى وغليلا
لُعن القصيدُ فأي مثر شامخ سرعان ما استجدى الحسان، ذليلا
ولعلّ واحدة ممن عناهن القصيد السابق عن الفاتنات، تلكم السيدة التي تزوجها الجواهري أواسط الأربعينات، من عائلة بيضون اللبنانية السورية الكريمة... وقد كتب نجل الشاعر، الدكتور فلاح في ذكرياته المنشورة عام 2009 عن علاقة ابيه، الخمسيني، او يكاد انذاك، بعروسته الشابة:

"لم أر والدي، ولا في أي يوم في بيتنا بمثل هذا المرح والانطلاق، فوجهه اما ضاحك أو مبتسم أو على الأقل ينضح بالرضى... مليء بالحيوية والنشاط... يعبث كثيراً مداعباً أو ممازحاً... ولم يترك تلك "الحورية " وحدها إلا ما ندر..."

 اخيرا نوثق ان اخر زيارة للجواهري الى بيروت كانت عام 1991 للمشاركة في مؤتمر تاريخي عقدته ستة فصائل عراقية معارضة للدكتاتورية والحرب والارهاب، وقد كان الشاعر العظيم، ووحده، فصيلا اضافيا،سابعا، بين المجتمعين، بحسب رموز سياسية بارزة شاركت في ذلكم المؤتمر ...ثم، عاد الشاعر الخال لعاصمة السحر والجمال مرات ومرات، منذ رحيله عام 1997 والى اليوم : حفلا تابينيا، وقل احتفائيا، وكتابات وبحوثا وذكريات، من شعراء وادباء ومبدعين ومؤرخين، وكذلك ديوانا كاملا بخمسة اجزاء اخرجه الفنان المبدع عباس الكاظم عام 2000.... والبقية تاتي،كما يقال...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى