الحبُّ حذاءٌ ممـــــزّق
لا يمكنني البكاء في البرد
فأطرافي التي تجمّدت تحتاج عطفيَ الآن
لا يمكن ... في غرفة باردة ....
هل تعرفون البرد؟
له القدرة على شل كل فضيلة من تلك التي تولد وتموت فوق المنبر
(منابر الوعاظ والرهبان هي للشاعر والسياسيّ الآن)
أتذكر قدمي والدي
تلتويان فوق الحصير المهترئ مشققتين ومفطرتين
مبتهج بخطبة عن الحور العين
قدماي تفطرّتا أيضــًا
ومع أني سلكت سبيلاً غير سبيله لكنه ذات الثمن
الكثير من التشققات والقليل من الحياة
غدا ستتذكر ابنتي قدميّ
الشعر يصدح في الأرجاء
وأنا مثل أبي استمع أيضا لخطبة عرجاء عن حب الوطن
في الشتاء تتحول الطرقات إلى بحيرات راكدة
تستحيل السماء براكين ثائرة.
ومنها يستمد أبي القوّة لرفع ذراعيه وتقطيع الحطب
هناك الكثير من الفواكه والأطعمة
هناك ستخدمنا الملائكة ويجلس الله معنا إلى المائدة. ""يسير أمامي"
علينا أن نبلغ الجسر قبل المغيب "يقول ويباعد خطواته"
يحييّ الناس بصوت عال
(هنا يتبادل الناس التحيات كالصرخات)
يقول رجل عجوز: هذه الطفلة ترتجف... يلفني أبي بمعطفه
(حان دوره في الارتجاف)
الدرب إلى المرعى طويل.... لذا سنتحدث عن الأمل.
ينطحه الخروف الذي كان يتحدى الهواء منذ قليل.
يمسك خاصرته
الألم خفيف مقارنة بالبرد: "يقول وينظر للغيوم العابرة"
لا يمكنني البكاء حين أعمل
لأن الخشب سيبتلّ
لا يمكن ذرف الدموع أبداً في هذه الأنحاء.
فذلك أصعبُ من جريان النهرِ لِلخلف
يمكن أن يتحدث الجائع عن أنهار من لبن
والمحروم عن سبعين حورية
وأن يجرِّح الوقت المُقَلْ
نهاراً يبني الصمت مَنزِلـــــَهْ
في الليل تتحرك المياه الراكدة.
أحداث الليل لا يعرف النهار عنها شيئًا
تنتهي بخيط دم
لا يُعرف أولـــــــهْ
لا يمكنني البكاء (لأن صديقتي الجميلة صحبتني عند صاحب المَنزِلـــة: يده تصل العاصمة الفاخرة)
والمكتب له رائحة بيان حزبي
أعطاني قطعة حلوى بنكهة غادِرة
إنـــــّه حديث ثقافي "قالت صديقتي معتذرة عن طردي المهذّب"
التهمت الحلوى مبللة بالدموع...وسرت حتى البيت
"هل حصلت على وظيفة؟" أبي
"وجهها لا يبشر بالخير" أمي
كان حديثا ثقافياً (همستْ)
إذاً، لم تحصلي على الوظيفة (قال وأعمل المنجل في خاصرة الشجرة)
ثم صرخ: إلا البكاء
لا يمكنني البكاء فصديقتي ماتت وفي جوفها طفل.
سُلِبَتْ ما جاءت لأجله: (مستقبلها)
"فحديُثها الثقافيّ انتهى كحديثِ الكُلْ"
يمكنني أن أذبــــُل كما تفعل الورود
أن أحني رأسيَ كطائرٍ نائمٍ
في مرات نادرة عبرت هذه الطيور سماءنا.
الكبار والصغار يؤلِّفون القصص عن طول قدميها، والرغبةِ بالقفزِ فوقَ أجنحتها والسفرِ بعيداً
حيث يوجد مطار بدون طيارات
ونحلٌ دون عسل
جنود بلا بواريد
نساء بدون عشاق
رجال دون نساء
لا يمكنني البكاء لأن الدموع المالحة – كما تقول أمي-تقسّي الخدود وترقِّق القلب
وتجعل ظهرك مطية الكُلّ.
(الجدار المرتفع لا يقربه اللصوص، فاحذري كنوز الداخل، واغلقي الباب بالقسوة والصمت)
أنا الآن صامتة، فمي مغلق وأمي قبالتي تحوك جوارب الوقتْ
(أتبادلها واخوتي، دوري الأخير لذا تصلني ملوثة بالوحل)
لا يمكنني البكاء فذلك يحرمني الدنيا والآخرة " قالت أمي"
لم أبك حين حصلت على الدرجات وحصلت زميلتي على المنحة
لقد اعتدنا القسمة الجائرة....
العاشقان لا يتزوجان
والزوجان لا يحبان بعضهما
والكاتب في هذي البلاد يتحدث عن حقوق القمح ثم يدوس عليها.
الأستاذ الجامعي سياسيّ.
والسياسي شاعر محنّك
الوردة أداةُ قتل / الحبيبة عاهرة
لم البكاء!
مادامت الجنّةُ لنا
هي مسألة وقت: نقابلهم على بابها ويطلبون منّا السماح
على الباب سيأتي كل الذين آذوك أيها القلب
القساة في جانب
الطيبون في جانب آخر.
*سيقبّل الظالم أحذيتنا "قالت أمي"
*لكن لا أحذية عندنا "تصيح أختي" ثم تهمس: أبي يقول سنغارد عراة.
*أختك لا تعرف فضيلة الصمت. "تتنهد أمي "
تشير إليَّ: انظري: " صامتةً على الدوام".
التهم العالم بعيني فتزداد اتساعًا على مرِّ الأيام
وهناك في المياه المالحة خلفهما
أُغــــرِقـــــُه بمن فيه
هناك لن يُطلب مني الصفح ولا نبي سيحثني على تجاوز الإساءة
لا يمكنني البكاء (لأني ضدّ نفسي)
لقد زوّرت حياتي
قلت نعم حيث علي قول: لا
وقفت أمام أنقاض حياتي كما وقفت أمام أنقاض بيتي
(لقد فعلتها بيديّ هاتين)
تنازلت عن حصّتي من أجل أُخرى في الأعلى.
تلقيت التهنئة على صبري وتجاهلوا جوعي
واعترفت بأخطاء لم أرتكبها
لا يمكنني البكاء
لأن الناس يتحدثون عن الحب، ثم يمتطون بعضهم كثيران المرعى: "بمنتهى القسوة والجفاء "
لا يمكنني البكاء
جسدي متيبِّس. يحتاج عطفي
كلماتي ستبدو غير مفهومة.
والقلوب متحجِّرة.
إنّ بكاء القُساةِ: سيل دماء
وبكاء السّاسة حبك المؤامرات
بكاء العاجزِ: الثرثرة
لا يمكنني ...
فالدروب الترابية اختفت
واختفى معها الجميع بمن فيهم والدي
ولأن أختي تراقبني طوال الوقت وتحذرني: "كرمى لروحه توقفي عن البكاء"
لا تجعلي من نفسك مدعاة للرثاء
يخبرك أنّ (حبّنا انتهى)
والآن: سيفلت يديكْ
أحلام الأمس كانت نبوءة
وأحلام أول أمس: بدت كتحذير
من لم يصغ للتحذير عليه تلقي سهام الجفاءِ بصدرٍ عار.
أفكر في الحلم
في الأشواك التي نبتت فوق سرير الحب
أشواك الحلم
تبرز الآن من نهديك.
الحبُّ لا يُشتهي إلا حيث ينمو الفقر والفطر على الأقدام
الحب حذاء ممزق لن يحمي قدميك من حصى الطريق وبرد ديسمبر.
لا يمكنكِ البكاء أمام حبيبك
يمكنكِ عضّ أصابع الندم أمام المرآة.
لا يمكنني البكاء في حضرة الله
وبما أن حياتي سارت كلها حافية
فإنني أقيم تمثيليات في رأسي لذلك اليوم
(أمام باب الرب الفضي ذي المصراعين، الباب الذي سيشع منه النور ربما _أقول ربما-أصفح عمن ظلمني
ومع أني لا أعرفهم بالاسم
لكن أعرف أرقام سياراتهم السوداء
ربما –أقول ربما-أصفح عنهم)
في المسرحية الثانية التي تقام في رأسي
لا أسامح.
أبتكرُ صنوفَ العذاب
أُدخل الذين هدموا بيتي إلى بيوت جميلة ثم أهدُّها فوقهمْ
أعلّق رجال هذه الأنحاء الذين قسّت الحرب قلوبهم
كما تُعلّق الوطاويط
وأوقف كل الذين اضطروني على الابتسام وأبصق على وجوههمْ
أنت يا من تقرأ هذه الكلمات، ربما تكون بريئًا كسجادة صلاة
وربما تكون واحداً منهم.
هدمت بيتًا
أو خطفت أخًا
وشيتَ بإنسان
أو هدرت دماءْ
أنت يامن تعتقد نفسك ملاكــــًا: كم مرة قايضت شابة على
جسدها حين لاذت بخيمة شهرتك واسمك ومكانتك؟
أو قايضت جائعًا على كرامته حين طلب منك خبزة أو كأس ماء!
سيأتي يوم وتنتهي الدموع
وتترك خلفها الملح
كل الملح
عندها (لا يمكنكَ البكاء، حذار من البكاء)
الجميع سيقرأ هذه الكلمات إلا الذين دفعوكِ إليها
فهم بين ميت وأميّ
الذين سببوا لك الأذى ماتوا دون أن يعرفوا ذنبهم
والرجل الذي أحببت يومــــًا لم يترك أثر.
ثم ابتعد السهم عن نقطة انطلاقه
ونُسي الوتر
لا يمكنني البكاء في البرد
ولا في حضرة الآخرين
ولا بين يديّ السماء
فهل سأبكي حين أقابل الظلم وجهًا لوجه
لقد قابلته بالأمس
ولشدة حلكته فقدت حاسة التمييز بين الشمعة والشمس
بين الماء والدماء
وحيدة في خيمتي الآن
تبخّر الجميع
إمام المسجد فرّ ومعه عملة أجنبية
مدير المدرسة الذي عاقبني لأني لم أردد الشعار
والرجل الذي أغراني بالحب
كما اغرتني جارتي بملعقة السكّر
(ارفعي رأسك وحدقي في السماء، وبينما يذوب السكر فوق لساني فقدت طوقي الذهبي)
الحب سكر يذوب... وبينما يأكلك الهــــم.
تحدق في الوهم
تسير بأطراف متورمة مدماة.
تترك خيطًا ورديـــًا خلفك
كفريسة فرّت من الصياد (بعد أن اخترقها السهم)
لا يمكنني البكاء في خيمة تفضح تنهداتي
ولا يمكنني البكاء في غرفتي الباردة
أو في السماء
سيخلط الملائكة بيني وبين الخطأة
ولا في الاجتماع الرسمي سيعتقدون أني أهزأ بخطابهم
عليك بالحذاء الحذاء الجيد الصنع
لن تنظر لأعلى
ولن تكتب أشعاراً عن الحب
ولا حتى أمنيات
فالذين ينتعلون أحذية ممزقة .... الذين ينتعلون اللحم...
وحدهم يثرثرون عن الحب
دون أن يتوقفوا للنظر في سر الألم
إنهم يكتبون عنه لينسوا ولو لمرة واحدة آلام الأقدام
لكنها (تتضاعف).... تتكاثر.
حتى ينشغل أحدنا بألم قلبه عن كل ألم
وسيدرك متأخراً أن الوقت الذي أمضاه في الحب
كان وليمة باذخة للعدم.... جثة فاخرة لطيور الندم.