الأحد ١٤ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٨
بقلم آمال عواد رضوان

الكلمةُ سهمٌ مثلومٌ بينَ الوهمِ والتّزوير

عشراتُ الرّسائلِ الإلكترونيّةِ تصلُني يوميًّا، وأقفُ أمامَ بعضِها بتقديرٍ وإعجابٍ كبيرٍ لكتّابِها ومُرسليِها، وبالمقابل، أشفقُ على كُتّابِ ومُروِّجي الرّسائل الأخرى التي تحملُ في طيّاتِها نقمةً وانتقامًا دفينيْنِ، أو تشهيرًا وتزويرًا مقزِّزيْنِ مكتوبيْنِ بلون الدّمِ!
لماذا هذهِ الصّبغةُ الواحدةُ والنّكهةُ الوحيدةُ لبعضِ الكتّابِ، تشتمُّ رائحتَها مِن على بُعدٍ، وتنفرُ منها قبلَ أنْ تدنوَ إليها؟

هل الكتابةُ حقًّا هي المرآةُ الحقيقيّةُ لنفسِ الكاتبِ في كلِّ أو معظمِ أو بعضِ الأحايينِ؟

أم أنّ الكتابةَ قد تكونُ مرآةً مهشَّمةً لذاتِ الكاتبِ، ومهشِّمةً لذواتِ بعضِ القرّاءِ اللاّواعينَ في كثيرٍ من الأحيانِ، وبالتالي مهمَّشةً أيضًا مِن كثير من القرّاء المثقّفينَ الواعينَ؟

أنتَ وأنا وكلّ الضّمائرِ المتكلّمة والمخاطبَةُ والمستترةُ، كقرّاء عاديّين أو ككُتّابٍ، كيفَ يَصِلُ بنا الحالُ إلى التّقديرِ الموضوعيِّ والتقييمِ الحقيقيِّ لما نقرأُ ولِما يُكتبُ؟

متى يحقُّ للكاتبِ أنْ يكتبَ لذاتِهِ، ومتى يحقُّ لحروفِهِ أن ترى ضوءَ عينيّ القارئِ؟

بعضُ تساؤلاتٍ جالتْ في محرابِ خافقي، ونثرتْ في ناظريَّ بذارَ أرقٍ خشيتُ أن تنمُوَ مساكبُهُ، فسارعتُ إلى وجيبِ ندائِها أجيبُها!

أما للكتابةِ مِن شروطٍ ومقوّماتٍ أساسيّةٍ؟

نعم، في سلّمِ الارتقاءِ الإبداعيِّ هناكَ درجاتٌ تصعدُها درجةً درجةً، كلّما نجحتَ وجُزتَ في إنجازِ شروطِ السّابقِ منها:

مِن أهمِّها وعيُ الكاتبِ إلى ذاتِهِ المتواضعةِ، ونفسيّتِهِ السّليمةِ، وقدراتِهِ البنّاءةِ، وأدواتِهِ المعقَّمةِ أوّلاً!

وعيُ الكاتبِ إلى محيطِهِ القريبِ والبعيدِ، وتطلّعاتِه إلى الأفضلِ والأجملِ والأملِ بعينٍ مضيئةٍ!

قناعةُ وإيمانُ الكاتبِ بأهمّيّةِ ما يكتبُ، دونَ تشكيكٍ بأهدافِ الرّسالةِ بتلميحاتِها، ودونَ استخفافٍ بثقافةِ القارئِ!

اعتمادُ الكاتبِ أسلوبًا مشوّقًا، ترتكزُ فضاءاتُهُ الشّاسعةُ على بُعدِ الدّلالاتِ بتناقضاتِها، والإيحاءاتِ بنسبيّتِها والاتّجاهاتِ دونَ تحديدِها، كي تنفُذَ بقوّةٍ أخّاذةٍ إلى شبابيكِ القلوبِ والعقولِ المُشرَّعةِ للتّفاعلِ الإيجابيِّ، وللتّأثيرِ القابلِ للتّغييرِ إلى الأفضل!

الكتابةُ المسؤولةُ تتشكّلُ، حينَ تعصفُ الهواجسُ والهمومُ بمثيراتِها في لجّةِ نفسِ الكاتبِ، كأنّما تعْبُرُ مِن خلالِ شِباكِ الكتابةِ حواجزَ شائكةً داميةً، دونَ أن تتموقعَ في سِماتِها البارزةِ، بلْ تتلمّسُ بعمقِها إجابةً لإشكاليّاتٍ عالقةٍ بينَ الأمسِ والغدِ، بينَ الواقعِ والمتوقّعِ، بينَ الماضي والقادمِ، بينَ التّصويرِ والتّشخيصِ.

لماذا أقولُ هذا؟

لأنّ الكلمةَ معادلةٌ لا متناهية مِن التّعبيرِ بأشكالِهِ وأساليبِهِ، ومعادلةٌ لا محدودةٌ مِن ثقةٍ تتناسلُ بينَ الكاتبِ والقارئِ!

لأنَّ الكلمةَ تُشكّلُ هارمونيا سائغةً مِن الرّدودِ والحُلولِ!

لأنّ الكلمَةَ عمادُ الكتابةِ، ومتَّكأُ الجملةِ المَقولةِ والمَكتوبةِ المُموسَقة!

لأنَّ الكلمةِ تتأبّطُ قوّةً سحريّةً وفاعلةً سلبًا وإيجابًا، تدميرًا وتعميرًا!

لأنّ الكلمةَ تزهو بألوانِ الطّيفِ إنْ لم تتمزّقْ وتتشظَّ، لكنّها تغدو منشارًا حادًّا إن تكسّرتْ في المخروطِ المنشوريِّ الحياتيّ، لتتجزّأَ إلى جزيئاتِ ألوانِها الباهتةِ أو الصّارخةِ، فكما أنّ الكلمةَ الصّفراءَ والسّوداءُ والحمراءُ تُقرأُ وتؤثّرُ سلبًا، إلاّ أنّ الخضراءَ والبيضاءَ والزّرقاءَ وألوانُ الحياةِ الهادئةِ، تبعثُ على بثّ الضّوءِ والجَمالِ والطّمأنينةِ والأمنِ والمحبّةِ!

وبناءً على ذلك، تقعُ مسؤوليّةٌ جمّةٌ على عاتقِ الكاتبِ في توجيهِها قبلَ عتقِها من مكامنِها، فالكتابةُ المسؤولةُ والبنّاءةُ ترقى بالكاتبِ المُدرِكِ إلى ذروةِ الانسجامِ مع ذاتِهِ الجميلةِ والمُسالمةِ، ومع عناصرِ المجتمعِ وفئاتِهِ، مِن أجلِ خلقِ الوعيِ وإدراكِ معايير ومقاييس إنسانيّة أساسيّة، ينحى الإنسانُ الكاتبُ إلى تجسيدِها وغرسِها، من عدالةٍ وحقوقٍ ومحبّةٍ وسلامٍ واعتزاز!

وأتركُ سؤالي الصّارخَ في مهبِّ الرّيحِ:

هل الكاتبُ السّوداويُّ اليائسُ والنّاقمُ الحاقدُ، يُمكنُ أنْ يُطفئَ فوانيسَ الحياةِ الثقافيّةِ بكوابيسِ مدادِ قلمِهِ المُرتجفِ، والزّاحفِ على سطورِ الوَهمِ واللاّجدوى والتّزويرِ؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى