الخميس ٧ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٦
بقلم إدريس ولد القابلة

المغرب على فوهة بركان

تقديم

تطرق التقرير الذي قدمه صندوق النقد الدولي عن المغرب بطلب من هذا الأخير إلى مواضيع وإشكاليات لها حمولات متعددة اقتصادية، اجتماعية، سياسية وثقافية، باعتبارها تهم الحاضر والمستقبل، كما أنها تهم القائمين على الأمور والمواطن العادي، إذ أن السؤال البارز حاليا والذي يشغل بال الجميع، حاكمين ومحكومين، هو: إلى أين نحن سائرون؟

أثار تقرير البنك الدولي الأخير حول بلدنا عدة تساؤلات بخصوص الوضعية الحالية وطبيعة الأزمة ومعيقات التنمية وعلاقة نهج تدبير الحكم بالإعداد للغد عبر تفعيل إستراتيجية للتنمية، ليخلص إلى أن المغرب سيعيش أوضاعا صعبة في ظل غياب ما يمكن خوصصته، الشيء الذي قد ينذر بانفجارات اجتماعية لا يمكن التحكم فيها. لذا عرض على القائمين على الأمور جملة من الاقتراحات، أهمها التفكير في امتصاص الغضب الشعبي المحتمل عبر اتخاذ اجراءات اجتماعية غير مسبوقة بالمغرب وعلى رأسها التعويض عن البطالة، هذا المطلب الذي يبدو بعيد المنال بحكم عجز المنظومة الاقتصادية عن توفير الشروط لتحقيق نسبة نمو تفوق 6 في المائة سنويا على الأقل وهذا ما نعته التقرير بلغز صيرورة النمو بالمغرب.

إن القارئ لما بين سطور التقرير يلمس إفلاس الدولة وعجز النخبة على توفير البديل للخروج من حال الإفلاس الذي وصلت إليه أو على الأقل التخفيف من وطأته.

ليظل السؤال القائم هو هل مازال في إمكان أوسع فئات الشعب المغربي أن تحلم بمستقبل أفضل؟

هذا هو السؤال الذي أضحى يشغل بال الجميع حاليا، باعتبار أن المغاربة ظلوا ينتظرون ولازالوا، تحسين أوضاعهم منذ أن حصل المغرب على الاستقلال، في حين سارت الأوضاع نحو التردي إلى أن وصلت إلى درجة دفعت البعض إلى دق أجراس الخطر.

و ملف هذا العدد يحاول تسليط بعض الأضواء على تداعيات التقرير الأخير للبنك الدولي وتفكيك جملة من الإشكاليات التي أثارها بغية تجميع عناصر كافية للإجابة عن السؤال: هل المغرب فعلا على فوهة بركان؟

"التقرير"

بين التعتيم والتستر

من المعروف أن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي دأبا على إعداد تقارير خاصة بالمغرب سواء تحت طلب هذا الأخير أو بدونه، وفي واقع الأمر تم إعداد التقرير الأخير في غضون السنة الماضية (2005).

وقد اضطلع عليه القائمون على الأمور وجملة من الفاعلين الاقتصاديين ورجال الأعمال منذ شهر يونيو 2005، لكن لم يتم الكشف على جزء من فحواه إلا في نهاية سنة 2005 (دجنبر 2005) وقد تساءل البعض لماذا لم يتم الكشف عليه في أوانه، لاسيما وأنه يتضمن تحذير وقلق واضحين بخصوص الغد.
علما أنه ساهم في أعداده جملة من الشخصيات العارفة بدواخل الأمور الاقتصادية والاجتماعية، منهم مسؤولون حكوميون وفاعلون في القطاع الخاص ومتخصصون في المجال الاقتصادي، نذكر منهم فتح الله ولعلو، صلاح الدين مزوار، رشيد الطالبي العلمي، مصطفى المنصوري، عادل الدويري، أحمد لحليمي، امحمد الكرموني، عبد اللطيف بناني، سمير التازي، حسن الشامي، شكيب بنموسى، المحجوب بن الصديق، عبد الرزاق أفيلال، نوبير الأموي، الهادي شباينو، إدريس بنعلي، عبد العالي بنعمور ومحمد حفناوي.

ورغم لباقة المفردات المستعملة والحنكة الديبلوماسية في صياغة هذا التقرير، فإن مؤلفيه لم يجدوا بدا من استخدام بعض العبارات السلبية والقاسية أحيانا للتعبير عن تصرفات الحكومة من أجل إنقاذ الاقتصاد الوطني ولم يستطع التقرير إخفاء جملة من الهفوات في تدبير القروض والعبث بمداخيل الخوصصة.

وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن المغاربة يكادون لا يعرفون شيئا عن الأموال التي تقترض باسم الشعب المغربي إلا عبر تقارير أجنبية أو تقارير البنك الدولي وصندوق النقد الدولي رغم أنها ديون على الجيل الحالي والأجيال القادمة تسديدها.

حلول التقرير

عموما تدخل الحلول المقترحة في المنظور المخطط له من طرف البنك الدولي منذ نهاية الثمانينات وهو المنظور الذي يعطي الأسبقية للتوازنات المالية والماكرو اقتصادية.

وفي هذا الإطار، يقترح التقرير، للخروج من الوضعية المقلقة التي من شأنها أن تؤدي إلى انفجارات اجتماعية، حلولا لا تخرج عن النمط الكلاسيكي للمؤسسات المالية الدولية الموكول لها تكريس الإستراتيجية الرامية إلى "أمركة" العالم وهكذا يقترح وصفة للخروج من وضعية الأزمة ويمكن اختزالها فيما يلي:

  الاستمرار في تقليص عجز الميزانية لجعله لا يتعدى نسبة 3 في المائة.

  أن لا تتعدى الديون الخارجية ما نسبته 65 في المائة من الناتج الداخلي الخام على أكبر تقدير.

  تخفيض رسوم الموانئ وتسعيرة عبور مضيق جبل طارق.

  المحاربة الفعلية للرشوة بإشراك جهات مستقلة عن الحكومة.

  تكييف إجراءات الاستفادة من الموارد المالية المتوفرة مع طبيعة المقاولات المغربية المتوسطة والصغيرة.

  تطوير مساحات الأنشطة التعاقدية بين الحكومة والجامعات ومعاهد التكوين.

  الاعتماد على قيادة سياسية من مستوى عال ومجلس للتنسيق برئاسة السلطة العليا.

  الحفاظ على مستوى ثابت للأجور الدنيا وإصلاح نظام الضمان الاجتماعي والإقرار بالتعويض.

  تخفيض نسبة الضرائب (الشركات، الضريبة على الدخل).

  نظام صرف مرن.

  تخفيض الرسوم الجمركية.

  تعزيز القوانين المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية.

لغز نسبة النمو

يتوفر المغرب على مؤهلات من شأنها تفعيل آليات النمو، لكن ظل عاجزا على تفعيلها، إلى أن وصل إلى حد من تردي الأوضاع قد يساهم في تأجيج الغضب الشعبي ومن شأنه أن يؤدي إلى انفجارات اجتماعية، هذا هو اللغز، بالواضح وليس بالمرموز، حسب تقرير البنك الدولي.

فبعد أن محص التقرير نقط القوة ونقط الضعف خلص إلى التحذير من حدوث أزمة اجتماعية في المغرب إن لم تؤخذ مبادرات عاجلة.

فإذا كان المغرب يتوفر على موقع جغرافي متميز، يشكل نقطة قوة على الصعيد الجيو سياسي والجيو استراتيجي، وإذا كان قد تمكن من الحفاظ على درجة مقبولة في استقرار الأسعار ونجح نسبيا في خفض نسبة الدين العمومي وفي تعزيز نظامه المالي وتطوير بنياته التحتية كما اهتم بإصلاح التعليم وإنعاش السياحة وتفعيل الخوصصة وضمان الاستقرار السياسي والاجتماعي إلى حد الآن، فإنه بالمقابل مازال لم يتفوق بعد في تحديد، بدقة، المعيقات الأساسية التي تحول دون تحقيق نسبة النمو المطلوبة.

كما أنه لا زال يشكو من جملة من نقاط الضعف يمكن إجمالها في محدودية وعدم مرونة سوق الشغل وثقل العبء الضريبي على المقاولات ونظام صرف غير مرن لا يساعد على تحقيق تنافسية كبيرة وارتفاع الرسوم الجمركية وغياب التنسيق بين القطاع العمومي والقطاع الخاص.
ولكي يتمكن المغرب من تجاوز عنق الزجاجة عليه تحقيق نسبة نمو تفوق 6 في المائة سنويا وتخصيص الثروات المضافة للاستثمارات المنتجة للثروات، وفي حالة عدم التوصل إلى هذا المبتغى ستبقى الأوضاع سائرة نحو التردي وباستفحالها ستتنامى شروط حدوث انفجارات اجتماعية ما دام أن صفوف الغاضبين على الوضع ستتوسع أكثر.

فلا مخرج للمغرب والحالة هاته، إلا بتحسين الأوضاع المعيشية لأغلب الفئات وتحسين دخلها.
ويزيد الطين بلة هو أن منظومة المعاشات ترتكز على صناديق كلها مهددة بعجز مستدام إلى حدود 2010، ما عدا واحد منها، علما أن منظومة المعاشات العسكرية عرفت هي كذلك عجزا قدر بما نسبته 0.20 في المائة من الناتج الداخلي الخام منذ سنة 2003 ولازالت الحكومة منشغلة بهذا الخصوص.

لا بد من تعديل دستوري

إن الجديد في تقرير البنك الدولي هي الإشارة الواضحة إلى الاهتمام بقضية تدبير الحكم وآليات صناعة القرار وعلاقتها بالمجالين الاقتصادي والاجتماعي.

فلأول مرة تطرق تقرير صادر من مؤسسة مالية دولية لنهج الحكم وتدبيره بالمغرب ليخلص إلى ملاحظة غياب إستراتيجية شاملة واضحة تعمل كل دوائر ومصادر صنع القرار على تطبيقها ومتابعة تكريسها على أرض الواقع.

وقد قال قائل: "في المغرب الجميع يشتغل في كل شيء ولا يشتغل أحد في شيء"، هناك تداخل في صناعة القرارات دون وجود رؤية واضحة المعالم ومحددة المقاصد.

إن التقرير تساءل بطريقة غير مباشرة، تكاد تكون ضمنية ومتسترة حول من يحكم المغرب فعلا؟ كما أثار في أكثر من فقرة من أجزائه جوانب متناثرة هنا وهناك للجواب على هذا السؤال وبتجميعها يتبين أن التقرير ينتقد بطريقة محتشمة زحف المؤسسات الاقتصادية، التابعة للقصر، على بعض القطاعات ووضع الملك كفاعل سياسي يرسم اختيارات الأمة ويوجه عمل الحكومة، وقد يكون الغرض من التقرير، بهذا الخصوص، هو إبراز التقابل بين الملك كشخص مقدس لا تنتهك حرمته حسب مقتضيات الدستور، من جهة ومن جهة أخرى كفاعل سياسي واقتصادي يترأس الجهاز التنفيذي.

فرغم كل ما قيل ويقال حول الليبرالية والديمقراطية، فإن المؤسسات المالية العالمية ظلت تفضل بالنسبة لدول العالم الثالث، نهج الحكم الذي يؤمن احتكار السلطة التنفيذية والتشريعية ويتحكم في الأنشطة السياسية والنقابية وتحركات الأحزاب والنقابات وقد اعتبر كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، الحاكم المحتكر لمختلف السلطات أهم شروط نجاح برامج التقويم الهيكلي المبلورة من طرفيهما، وفي هذا الصدد، ظلا يقدمان المغرب في ظل عهد الملك الحسن الثاني كنموذج يقتدى به في العالم الثالث.

إن القارئ لما بين سطور التقرير يستنتج بسهولة أن خبراء البنك الدولي وصندوق النقد الدولي يحثون الآن، بطريقة غير مباشرة، على التفكير الجدي في التعديل الدستوري ويراهنون كثيرا على انعكاساته على عملية التطور السياسي والاقتصادي معا، هذا بجانب الإشارة إلى إعادة التفكير الجاد في توزيع الثروات.

ومن المعلوم أن مطلب التعديل الدستوري ظل حاضرا بالمغرب وقد سبق للكثير من الجهات المغربية أن تداولت هذا الموضوع، كما قيل أن هناك خلية تابعة للقصر الملكي منكبة على دراسة مسودة بهذا الخصوص وذلك استعدادا للتطورات التي قد تعرفها قضية الحكم الذاتي في الصحراء المغربية وكذلك اعتبارا لأن التقرير اهتم بهذه القضية في نطاق يتجاوز إشكالية الحكم الذاتي ويهتم بنهج تدبير الأمور وآليات صناعة القرار بالمغرب (علما أن القائمين على الأمور ببلادنا اطلعوا على فحوى التقرير منذ صيف 2005).

إن إشكالية التعديل الدستوري ليست بالقضية الجديدة، ففي السنوات الأخيرة ارتفعت جملة من الأصوات منادية بضرورة الإصلاح والتعديل الدستوري وتغيير بعض مواده لتتماشى مع نوعية التطورات التي عرفها العالم وكذلك المغرب.

وطالبت هذه الأصوات بفتح حوار وطني في الموضوع، إلا أنه يبدو أن الهيآت الحقوقية والنسائية والأمازيغية (فعاليات المجتمع المدني عموما) هي التي بدت أكثر مطالبة بالنظر في الإشكالية الدستورية أكثر من غيرها.

وحظي الفصل 19 من الدستور بجدل واسع لم يحظ به أي فصل آخر منه، علما أن هذا الفصل ظل مفتاحا أساسيا لفهم الحياة السياسية ونهج تدبير الحكم في عهد الملك الحسن الثاني وهو فصل وضع ضمن دستور سنة 1962 بمباركة كل من علال الفاسي وعبد الكريم الخطيب.

وينص هذا الفصل على أن "الملك أمير المؤمنين ورمز وحدة الأمة وضامن دوام الدولة واستمرارها وهو حامي الدين والساهر على احترام الدستور وله صيانة الحقوق وحريات المواطنين لاستقلال البلاد، وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة" وأضيفت عبارة "الممثل الأسمى للأمة" إلى هذا الفصل ضمن دستور 1970.

وقد اتضح أن هناك جهات استعملت الفصل 19 بدافع انتهازي قصد حماية مصالحها الذاتية للتصدي لمطالب الإسلاميين التي اعتبرتها (تلك الجهات) تشوش على الشرعية الدينية، كما تصدت لمطالب بعض التيارات الحقوقية التي ظلت ترى في الفصل 19 أنه يمثل عرقلة في وجه عملية فصل السلط والإقرار بديمقراطية حقة.

للإشارة، فإن الإسلاميين طالبوا بمراجعة هذا الفصل أكثر من غيرهم، كما أن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان نادت بإلغائه.

ولعل الفكرة الأكثر بروزا، حاليا، هي القائلة بأن على الدستور أن يكون بمثابة وثيقة متعاقد عليها ودستور المٌواطَنة، أي عبارة عن وثيقة متضمنة للحقوق والحريات وتعطي للمواطن حق وإمكانية المراقبة الفعلية للنظام السياسي وذلك باعتبار أن هذه الصيغة هي التي تتماشى مع مرحلة الانتقال الديمقراطي الفعلي.

فهل المقترحات المتسترة لتقرير البنك الدولي الأخير تسير في هذا المنحى؟

المغرب على فوهة بركان

عرف المغرب على امتداد سنوات ترديا على جميع المستويات، الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية، المدنية والسياسية ووصل هذا التردي إلى درجة تدعو إلى القلق وتنبئ بأخطار قد تكون كبيرة، ورغم هذا لم تظهر بعد أي بوادر لإعادة النظر في جملة من الاختيارات المعتمدة والتي أنتجت هذا الوضع المتأزم.

فبعد أكثر من 4 عقود من الخطابات التنموية وصلنا في نهاية المطاف إلى حصيلة سلبية، وضعية إفلاس بامتياز، فالاقتصاد الوطني أضحى فريسة للمديونية وللشركات متعددة الجنسيات، أما الممتلكات الوطنية التي تكونت من مال الشعب، فقد تم تفويتها عبر الخوصصة للرأسمال الأجنبي، هذا في وقت ظلت فيه الأسعار تزداد ارتفاعا والضرائب المباشرة وغير المباشرة تثقل كاهل المقاولات المتوسطة والصغرى وأوسع ساكنة المغرب واستمر مستوى المعيشة في التدني، وظلت شرائح قليلة محظوظة تزداد بذخا وغنى وشراسة في الاستهلاك.

ورغم الحديث عن الأزمة وجملة من المعضلات والمشاكل، لم تحضر الشجاعة الكافية للاعتراف بأن ما آلت إليه البلاد ما هو في واقع الأمر إلا نتيجة طبيعية لجملة من الاختيارات تم التصفيق لها بالأمس البعيد والقريب ولجملة من التدابير أدت في نهاية المطاف إلى إضعاف الاقتصاد الوطني وجعله على شفا الإفلاس وإلى المزيد من تردي أوضاع أغلب فئات الشعب المغربي.

إن تشجيع خوصصة قطاع التعليم وقطاع الصحة عرض المواطنين إلى المزيد من الأخطار، لاسيما وأن الخوصصة حولت جملة من القطاعات، خصوصا الاجتماعية منها، إلى قطاعات خدمات تشكل وسيلة للإثراء السريع على حساب صحة وحياة المواطنين، إضافة للارتفاع الكبير لأثمنة الأدوية التي فاقت قدرات المواطنين العاجزين أصلا عن مواجهة متطلبات العيش العادية وهذا في ظل غياب تغطية صحية واجتماعية وعلاوة على أن الاستغلال البشع لحاجة فئات واسعة إلى السكن اللائق في ظل غياب سياسة سكنية تمكن أغلب المواطنين من الاستفادة من الحق في سكن مناسب يحفظ كرامة الإنسان.

إن التردي طال جميع مجالات الحياة وزادت حدة هذا التردي بفعل إعادة إنتاج نفس الهياكل القائمة وبشكل أكثر اتساعا وأسرع وتيرة.

واتضح بجلاء أن الاقتصاد الوطني لم يعد قادرا على الاستجابة للحاجيات المحلية والوطنية.

في خضم هذا الواقع، قدم تقرير البنك الدولي تقييمه واعتبره الكثيرون بمثابة تقييم لمس عمق المشاكل والمعضلات التي تعيشها البلاد وخلص إلى أن ضعف معدل النمو وقلة إنتاج فرص الشغل وتراجع الصادرات والتدني المسترسل للأوضاع الاجتماعية سببه الرئيسي هو غياب إستراتيجية شاملة واضحة المعالم وغياب التفكير الجدي في إقامة هياكل وآليات لتطبيقها وحسن تدبيرها كما يتضح من فحوى هذا التقرير، أن المؤسسات المالية العالمية تخلت عن فكرة التصدي للفقر وتعويضها بفكرة "تدبير الفقر" لجعلة محتملا وذلك باعتبار أن المنحى هو السعي دائما نحو الخوصصة إعفاء الدولة من جملة من مهامها الاجتماعية، والجديد في التقرير هو أنه حذر من مغبة استمرار تردي الأوضاع الاجتماعية التي من شأنها إنتاج انفجارات اجتماعية واسعة، لذا اقترح بعض الإجراءات الاجتماعية، لكبح هذه الصيرورة الحتمية (التعويض على البطالة) وذلك كمهدئ ليس إلا.

الحصيلة الآن، هي أن قيام المنظومة الاقتصادية والمالية والبنكية على التبعية للمؤسسات المالية الدولية سهل الاستغلال الاقتصادي للمغاربة من طرف الرأسمال الأجنبي وأوصل البلاد إلى الباب المسدود.

ومن الحصيلة كذلك أن الكثير من المحللين الاقتصاديين والسياسيين ذهبوا إلى القول أن الشعب المغربي لم يتمكن من تقرير مصيره الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، اعتبارا لأن مساهمته في صنع القرارات التي تهمه ظلت مساهمة شكلية و "مغشوشة"، لاسيما وأن الانتخابات منذ حصول البلاد على استقلالها كانت انتخابات مزورة ومخدومة بشهادة الجميع الآن.

أمام هذا الوضع، هل يمكن لأوسع فئات ساكنة المغرب أن يحلموا بغد أفضل؟

هذا هو السؤال الذي يرعب الكثيرين حاليا.

غلاء المعيشة و تردي الأوضاع

في خضم الخطابات و الأحاديث والتصريحات المتدفقة حول التغيير و الإصلاح و إعادة الاعتبار للموارد البشرية و للإنسان المغربي بعد أن سحق سحقا على امتداد ما يناهز نصف قرن ظل و لازال ينتظر معاملته كإنسان تستوجب صفته الإنسانية توفير العيش الكريم غير المهين، في هذا الخضم، نشهد موجة غلاء في الأسعار تؤثر بشكل سلبي على مستوى معيشة أصحاب الدخل المحدود، ضاربة قوتهم الشرائية المتآكلة أصلاً و غير الضامنة للحد الأدنى للعيش الكريم.

و لا يخفى على أحد، فرغم الخطابات الرنانة عن قيمة الإنسان و الاهتمام بالموارد البشرية، فإن الزيادة ستطال جميع أسعار المواد و الخدمات و السكن و مصاريف التعليم الذي ما زال يقال إنه مجاني، التطبيب، النقل، الاسمنت و... و... و بالمقابل، لا أحد يتجرأ بالحديث عن كيفية تحسين المداخيل ، المهم أن الزيادة في الأسعار واردة ولينتظر المنتظرون كما انتظروا منذ نصف قرن. و مما يؤسف حقا أن تصريحات المسؤولين الاقتصاديين لا تندرج في إطار البحث عن حلول جدية وعادلة للوضع الاقتصادي...

هذا في وقت تؤكد فيه جميع الدراسات الجدية أنه من المطلوب رفع مستوى الأجور ثلاث أو أربع مرات لكي تتناسب مع ضرورات المعيشة التي يحكمها مستوى أسعار مرتفع لا يتناسب مطلقاً مع الحالة المتدنية للأجور ودخل للأغلبية الساحقة لفئات الشعب المغربي.

إن الظروف الاقتصادية و الاجتماعية أصبحت قضية وطنية في الظروف الحالية، وهي تقتضي حل قضية الأجور و الدخل خلال آجال زمني قصير لا يتجاوز ثلاث إلى خمس سنوات، وإلا يكون حلها جزئياً و ترقيعيا بعد عشر سنوات أو أكثر، وهذا الأمر لا يمكن أن يتم باستمرار آليات الفساد التي تقتطع أجزاء هامة من الدخل الوطني مانعة إياها من التوجه إلى الاستثمار الداخلي، كشرط أساسي لتحقيق معدلات نمو عالية والتي تعتبر شرطا ضروريا لحل معضلة مستوى المعيشة، علما أنه وجب حاليا و أكثر من أي وقت مضى الأخذ بعين الاعتبار إعادة توزيع الثروات و الدخل بشكل أكثر عدلا رغم أنه قضية طال استبعادها من الحسبان.

لقد آن الأوان لصياغة سياسة أجور عادلة ومتوازنة، لأن هذه القضية لا يمكن أن تحل بإجراءات عابرة ومؤقتة ودون إستراتيجية واضحة المعالم وفي هذا السياق، لا يمكن أن يكون الرفع غير الدوري للأجور حلاً جذرياً فهو في أحسن الأحوال يمكن أن يمتص جزئياً بعض الزيادات في الأسعار دون أن يزيل آثارها السلبية المستمرة و دون أن يساهم و لو قيد أنملة في تحسين ظروف العيش و هذا أمر يعرفه الجميع لكن يتغاضى عنه الجميع.

كفانا ضحكا على الذقون ، فإن الجهد المبذول لصياغة سياسات إستراتيجية في مجالات النمو والاستثمار وغيرها، يجب أن يرافقه حتماً بذل جهد حقيقي لصياغة إستراتيجية أجور، علما أنها غير موجودة عندنا لحد الآن بالمغرب، ونعتقد أن ركائزها يمكن أن تتشكل بربط الحد الأدنى للأجور بالحد الأدنى لمستوى المعيشة، أي رفع الحد الأدنى للأجور من ثلاث إلى أربع مرات على أساس مستوى الأسعار الحالي وخلال فترة زمنية لا تتجاوز خمس سنوات واعتماد الزيادات المستمرة للأجور في حالة تسجيل أي زيادة في الأسعار، مما يتطلب تحديد شهري لمؤشر ارتفاع الأسعار وتعويض الأجور على أساسه،و تمويل الزيادات في الأجور من مصادر حقيقية تستند إلى إعادة النظر في العلاقة بين الأجور والأرباح، أي اعتماد سياسة اقتطاع من الأرباح المتزايدة المتأتية من ارتفاعات الأسعار كلما حدث ذلك، عبر سياسة ضريبية فعالة وتعويض الأجور على أساس ذلك لإصلاح الخلل في قوتها الشرائية.

إن قضية الأجور و الدخل بالمغرب هي جوهر القضية الاقتصادية ـ الاجتماعية وهدفها، والسير نحو حلها هو شرط ضروري لتأمين كرامة المواطن وتراجعها سيلعب دوراً سلبياً في تعزيز الوحدة الوطنية، لذلك يجب أن تكون على رأس سلم أولويات القائمين على الأمور ببلادنا.

هل الخوصصة أداة للتنمية أم سبيل للنهب؟

لقد قيل إن الخوصصة ستساعد الاقتصاد الوطني على تجميع شروط الإقلاع وانطلاق صيرورة النمو وتحقيق معدل نمو يُمكِّن من التصدي للمعضلات الاجتماعية القائمة.

وفعلا، قامت الدولة ببيع جملة من المؤسسات العمومية في سياق الليبرالية الجديدة، لكن رغم ذلك لم تتمكن البلاد من الخروج من أزمتها الاقتصادية، بل تفاقمت محنتها من خلال المزيد من تردي معدل النمو وتفاقم العجز الداخلي والخارجي وأصبحت البطالة ظاهرة مزمنة في تصاعد مستمر وسار مستوى معيشة أوسع فئات ساكنة المغرب نحو المزيد من التردي إلى حد أضحت فيه الفئات المتوسطة قلقة على أوضاعها المعيشية.

كان الخطاب حول الخوصصة في البداية يوحي بأن الأمر يقتصر على تصفية بعض المقاولات العمومية التي تعاني من العجز وتكلف ميزانية الدولة مبالغ مالية مهمة، لكن سرعان ما اتضح عكس ذلك منذ انطلاق العمليات الأولى للخوصصة، إذ تم بيع المقاولات العمومية الناجحة والتي تحقق أرباحا مهمة (اتصالات المغرب على سبيل المثال) وفي نفس الوقت تم فيه تأميم "القناة الثانية" (وكانت آنذاك مقاولة خاصة) كانت تعاني من العجز وذلك من أجل دعمها بواسطة الضرائب التي يدفعها المواطنون.

وأثار جملة من المحللين الاقتصاديين إشكالية الخوصصة من منظور المواطن، حيث أكد أغلبهم أن الخوصصة، شأنها شأن جميع القضايا الحساسة بالنسبة للمواطنين لم تكن موضوع استشارتهم، كما أنها لم تحظ بمساندتهم وهذا رفض موضوعي ما داموا يعتبرونها تقف وراء عطالة الكثيرين عن العمل وتدهور القوة الشرائية. وفي نهاية المطاف، اتضح أن المدافعين على الخوصصة هم كبار الأثرياء بالإضافة إلى المستثمرين الأجانب وكل هؤلاء لا يتجاوز عددهم 10 في المائة من ساكنة المغرب، لهذا اعتبر الكثيرون أن الخوصصة بالمغرب، كما تم تطبيقها، لم تشكل أداة تنمية وإنما وسيلة من وسائل النهب المتستر، بل ذهب البعض إلى اعتبارها تشريع مؤسساتي للجرائم الاقتصادية واستغلال وتحويل الأموال العمومية إلى فئة من الخواص.

لكن الخوصصة ظلت من الإجراءات التي دافع عليها بقوة خبراء البنك وصندوق النقد الدوليين، علما أن مسلسل الخوصصة بالمغرب ارتبط ارتباطا وثيقا بالمفاوضات المتعلقة بالديون الخارجية وقد اتضح منذ البداية أن المؤسسات العمومية المعروضة للخوصصة كانت من المؤسسات التي تحقق مردودية عالية وهي التي سيطر عليها الرأسمال الأجنبي. لكن أين ذهبت عائدات الخوصصة في البداية؟ إن الجزء المهم منها عاد إلى نادي لندن ونادي روما (مقرضي المغرب) وبفضلها تمكن المقرضون والشركات العابرة للقارات من التحكم في المؤسسات المغربية الرائدة المخوصصة دون القيام بأي استثمار فعلي.

ومازاد الطين بلة هو عندما فرض البنك الدولي على المغرب حرية تنقل رؤوس الأموال والتي حققت هدفين رئيسين:

1- تمكين الشركات الأجنبية من تحويل أرباحها إلى الخارج بالعملة الصعبة.

2- تشجيع تحويل الأموال الوسخة إلى المغرب وتوظيفها في اقتناء القطاعات المخوصصة كطريقة من طرق تبييضها.

نهب المال العام، جريمة كبرى في حق الشعب

لقد انكشف بجلاء أن مختلف الثروات الوطنية كانت عرضة للنهب المسترسل منذ أن حصل المغرب على استقلاله.

عات ثلة من المغاربة فسادا ونهبوا المال العام، أي ثروات يملكها الشعب المغربي وتقوم الدولة بإدارتها وتدبيرها.

نهبوا الثروات البحرية وثروات باطن الأرض، الغابات، النباتات، الوحيش، الرمال، المياه الباطنية والسطحية، الممتلكات العمومية، الشركات الوطنية، المكاتب العمومية والأموال المغترفة من الضرائب، المساعدات الخارجية والقروض المطلوبة باسم الشعب المغربي.
وقد اعتمد هؤلاء أشكالا متعددة لنهب وتبذير المال العام، فهناك سرقة أموال الدولة وهدرها وتبذيرها في إطار الحفلات والمناسبات والسفريات والمهرجانات، كما أن الإعفاءات الضريبية التي تخول لفئة معينة من الأشخاص، بدون وجه حق، تعد هي كذلك نهبا ونفس الشيء بخصوص التملص الضريبي كما يذهب البعض إلى اعتبار الأجور والتعويضات "الطيطانيكية" شكلا من أشكال النهب والهذر ويدخل كذلك في هذا الإطار خلق مناصب شغل وهمية واستعمال ممتلكات الدولة لأغراض خاصة وكذلك الأمر بخصوص تضخيم الصفقات العمومية، إذ على سبيل المثال لا الحصر أنجزت بعض السدود في عقد الستينيات بمبالغ هرقلية خيالية (15 مليار بخصوص أحدها وليس أهمها).

ليست هناك احصائيات دقيقة بخصوص حجم النهب والهذر والتبذير، لكن هناك مؤشرات دالة بامتياز. ولعل الفضائح المالية المرتبطة بأغلب المؤسسات والشركات العمومية والمكاتب الوطنية لدليل صارخ، علما أن ما تم كشفه، في هذا الصدد إلى حدود الآن، لا يعدو أن يكون بمثابة الشجرة التي تحجب الغابة.

إن النهب، يعني أولا وأخيرا، أن الأموال المنهوبة والمهدورة لم تستثمر لفائدة الشعب، مما ساهم في استشراء الفقر والبطالة والتهميش والخصاص في المرافق العمومية وانتشار السكن غير اللائق واتساع دوائر الجريمة وتزايد الهجرة الداخلية والخارجية.

كما أن من انعكاسات النهب والهذر تصاعد القمع، باعتبار أن ناهبي المال العام والمتواجدين في مراكز صناعة القرار ومراكز السلطة يحاولون حماية أنفسهم بكل الوسائل من التشهير والمتابعة، لذلك يشجعون على تصعيد القمع ضد كل جهة تسعى إلى كشفهم والمناداة بتغيير واقع الحال.

إن النهب، في آخر المطاف، يتسبب بشكل أو بآخر في سيادة وضع اجتماعي مترد لا يطاق. هذا في وقت كان من المفروض توظيف هذه الموارد من أجل تحقيق المشاريع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمواطنين وهنا تتضح المسؤولية الأولى والأخيرة للدولة ما دامت أنها هي التي تتوفر على إمكانيات المتابعة والمراقبة والمساءلة.

وبذلك يمكن اعتبار نهب وهذر وتبذير المال العام من أكبر الجرائم الاقتصادية والاجتماعية التي ارتكبت في حق الشعب المغربي من طرف فئة يعرفها الجميع وهي جريمة طالت كل القطاعات بطريقة ممنهجة.

الرشوة من معيقات التنمية

يشير التقرير بكل وضوح إلى أن الرشوة تعتبر من أهم معيقات التنمية وتحقيق نسبة كافية للنمو، كما يشير على أنه من الوهم الاعتماد على الدولة لمحاربتها.

ومما يزيد الوضع تعقيد أن آفة الرشوة أضحت منتشرة بشكل مهول، كما أنها استطاعت أن تتحدى كل الآليات القانونية والإجرائية الموضوعة للتصدي إليها أو الحد منها، إنها تمكنت من التكيف مع مختلف المتغيرات، حتى تلك المرتبطة بالعولمة، لهذا طالب التقرير بإشراك جهات مستقلة عن الحكومة في مهمة محاربتها.

ومن الأسباب التي تساهم في استمرار انتشار الرشوة، وجود ما نعته البروفسور المهدي المنجرة "بالخوفقراطية"، أي سيادة ثقافة الخوف والعلاقات التي تعلو على علاقات المواطنة بفعل شيوع الأمية والجهل وضعف التجاوب الحضاري وغياب التربية على المواطنة واستمرار غياب مجتمع المواطنة المرتكز على ثقافة المحاسبة والمساءلة وتفعيل القانون. بالإضافة لاستمرار هيمنة اقتصاد الريع والأنشطة غير المهيكلة وكذلك ضعف الأجور التي لا تفي بضروريات الحياة وبذلك يكون الأساس في تعامل الإدارة مع المواطن هو مدى قدرته على الدفع أكثر.
علما أن الرشوة بالمغرب تعتبر إحدى الآليات المستعملة من طرف الدولة لضمان إعادة إنتاج النخبة الموالية واستمراريتها (الأراضي، الرخص، التعيينات في المناصب غير السياسية...).

ضعف معدل النمو إرث الماضي

تعتبر إشكالية معدل النمو من الإشكاليات المركزية في تقرير البنك الدولي.

ففي الستينيات وصل معدل النمو إلى 5 في المائة وكان يعد آنذاك من أعلى المعدلات المحققة في المنطقة التي ينتمي إليها المغرب، إلا أنه انحدر إلى 2.5 في المائة على امتداد الثمانينات والتسعينات ولم يصعد إلى 4 في المائة إلا نادرا فيما بين سنتي 2000 و 2004 وهي نسبة ظلت ضئيلة وغير كافية للتصدي للفقر والبطالة وتردي الأوضاع المعيشية لأوسع الفئات.

ويعد تقهقر معدل النمو إرث الماضي، باعتباره كان نتيجة حتمية للاختيارات المعتمة ولسوء التدبير ونهب وهذر الثروات الوطنية، إلى أن وصل إلى نسبة أقل من نسبة النمو الديمغرافي (3 في المائة) وبذلك دخلت البلاد في متاهات وعجز اقتصادها عجزا فادحا في التأثير في آليات التنمية بعد أن تم التفريط في تفعيل مؤهلاتها ونقط قوتها.

وبذلك تراكمت عراقيل ومعيقات ومثبطات التنمية وكانت النتيجة هي تدهور الوضع إلى أن وصل المغرب إلى حافة الإفلاس وإلى وضعية تدعو إلى القلق والحالة هاته، فإن الغد القريب لا زال ضبابيا في ظل غياب بصيص الأمل يؤشر بإمكانية تحسين الأوضاع في الأمد القريب وهذا وضع لا يدعو إلى الاطمئنان ويجعل كل الاحتمالات ممكنة.

وإذا كان من الواضح الآن أنه لا يمكن التصدي لمعضلة البطالة إلا بتحقيق معدل نمو كافي لإنتاج وإعادة إنتاج ثروات مضافة تستثمر لخلق فرص شغل جديدة، فما هي نسبة معدل النمو التي من شأنها أن تجعل المغرب قادرا على التصدي للمعضلات؟

للإشارة، إن نسبة النمو الديمغرافي استقرت في حدود 3 في المائة سنويا، في حين نسبة البطالة الرسمية تقدر بـ 12 في المائة وبذلك يتبين أن التوصل إلى الشروع في تقليص حدة البطالة يستوجب نسبة معدل نمو لا تقل على 6 في المائة سنويا وهذا على امتداد 15 سنة على أقل تقدير. وفي حالة عدم تحقيق هذا الحد الأدنى من نسبة معدل النمو سنويا لا يمكن إيقاف وتيرة استفحال معضلة الفقر والبطالة واستشرائهما وبالتالي ستظل شروط احتمال انفجارات اجتماعية تتراكم والغضب على الوضع يحتد.

أخطاء الثمانينات

لقد اتضح خلال الثمانينات بجلاء أن المغرب عاش وضعية تميزت بعدم الاستقرار البين على الصعيد الماكرو – اقتصادي، كما انكشفت جملة من النواقص على الصعيد الميكرو – اقتصادي وأكد كل المحللين الاقتصاديين، سواء من اليمين أو من اليسار، أن هذه الوضعية ما هي إلا نتيجة طبيعية لإستراتيجية التنمية المعتمدة في السبعينات والتي تمحورت حول سياسة التصنيع لتعويض الواردات وسياسة فلاحية مرتكزة على الاكتفاء الذاتي الغذائي وتشجيع المراقبة المركزية للثروات الوطنية من طرف الدولة واعتماد سياسة حمائية أفقدت كل التدابير المتخذة جدواها، وتكريس مسار اقتصاد الريع والامتيازات وتسهيل النهب والفساد.

مما ساعد على استفحال الأوضاع هو اعتماد سبل للتمويل ساهمت في خلق شروط المزيد من تأزيم الوضع، إذ اعتمدت الدولة، لتمويل هذه الإستراتيجية التنموية، على موارد الرسوم المطبقة على الصادرات وعائدات الفوسفاط والمواد الفلاحية والقروض الخارجية.

وبحلول الأزمة التي عاشها العالم آنذاك انهارت أسعار التبادل وعائدات الصادرات، الشيء الذي أحدث اختلالا في الحسابات الداخلية والخارجية لم يسبق له مثيل في السابق وهذا في وقت تصاعد فيه الدين الخارجي بشكل صاروخي إلى حد خنق الاقتصاد الوطني.

آنذاك فرضت المؤسسات المالية الدولية (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي) على المغرب برنامج التقويم الهيكلي الذي كان بمثابة الضربة القاضية بالنسبة لطموحات المغاربة في تحسين أوضاعهم بعد انتظار طويل (منذ الحصول على الاستقلال)، آنذاك ظهرت بوادر "السكتة القلبية" الأولى.

التسعينيات وإعفاء الدولة من مهامها

لم تفكر الدولة في البلدان الليبرالية، في التخلي عن جملة من مهامها الاجتماعية التي كانت تضطلع بها إلا بعد صيرورة تمكنت خلالها من تحسين الأوضاع المادية والمعيشية لشعوبها وضمان حد أدنى للعيش الكريم.

أما عندنا، فقد تخلت الدولة عن مهامها و "التزاماتها" الاجتماعية في خضم الأزمة وبعد صيرورة تميزت باستدامة تردي الأوضاع الاجتماعية والمعيشية لأوسع فئات ساكنة المغرب في ظل غياب توفير شروط حد أدنى للعيش الكريم، هذا في وقت استفحلت فيه المعضلات في كل القطاعات واتضح فيه أن كل الثروات المضافة استعملت في ترسيخ الاختلالات وإنتاج المزيد من عراقيل الصيرورة التنموية. مما زاد الطين بلة هو اعتماد سياسات الدعم في جملة من القطاعات لم يظهر لها أي أثر إيجابي بموازاة مع الارتفاع المستمر في المصاريف العسكرية. واكتملت الدائرة مع فرض الانفتاح وتحرير الأسعار، بما فيها أسعار المواد الأساسية.
وكانت النتيجة هي تحقيق نسبة نمو سلبية (تحت الصفر) في وقت كان من المتوقع تحقيق نسبة 6 في المائة حسب الخطابات التي تم ترويجها.

في ظل هذا الوضع، أعلنت الدولة عن تخليها عن دورها في جملة من القطاعات الاجتماعية.

الاختلالات المالية بالمغرب

ولعلو دعا إلى التفاؤل و تقرير البنك الدولي دق أجراس الخطر

يبدو أن الهم الذي يشغل وزير المالية المغربي، فتح الله والعلو، هو البحث دائما و أبدا على التوازنات الماكروإقتصادية حتى و لو أدى الأمر إلى التضحية بالنمو و التنمية. و قد يقبل المرء بهذا مؤقتا إن كان هذا الاختيار يحقق النتائج المراد تحقيقها، أي القضاء على الاختلالات ، لكن ما لا يمكن قبوله هو التضحية بالنمو و بالتنمية دون تحقيق أي تقدم هيكلي بخصوص التوازنات الماكروإقتصادية.

فحسب أغلب المحللين الاقتصاديين، لن و لم تتجاوز نسبة النمو 2 ، 1 في المئة سنة 2005 بالمغرب. و بالرغم من ذلك أبدى وزير المالية تفاؤلا فاق الحدود بقوله أن المهم هو تحقيق التقدم في تقوية التوازنات الجوهرية. إلا أن المعطيات المتوفرة من شأنها معاكسة هذا القول بالتمام و الكمال.

فمصاريف الدولة سنة 2005 كانت ثقيلة و ثقيلة جدا، إذ أن سياسة المغادرة الطوعية كلفت خزينة الدولة ما يناهز600 مليون دولار برسم سنة 2005 فقط، أما صندوق الموازنة فعليه صرف 600 مليون دولار كذلك لتغطية الفارق بفعل ارتفاع أسعار النفط. و هذا علاوة على وجوب أداء 150 مليون دولار سنويا ابتداء من 2006 إلى صندوق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية... و هذه كلها مصاريف أثقلت كاهل الميزانية، و ستنتج عنه انعكاسات متتالية لا محالة، بل هزات مالية.

و هذه الاختلالات الظرفية تضاف إلى الاختلالات البنيوية التي أضحت معروفة الآن لدى العام والخاص، لاسيما تلك المتمظهرة في عجز الميزانية الذي ما فتئ يتعمق على امتداد 3 سنوات الأخيرة و الذي تجاوز نسبة 5 في المائة. وهناك المديونية التي وصلت إلى ما نسبته 67 في المئة من الناتج الداخلي الخام ( اعتمدا على أرقام سنة 2005 حسب مصادر فرنسية).

و عموما، إن الإشكالية الأساسية تكمن في كون المغرب يصادف صعوبات جمة في تعبئة و توسيع موارده ( المعتمدة أساسا على الضرائب) هذا في وقت تفوق مصاريفه مصاريف الدول القريبة منه من وجهة الدخل المقارن.

فمن الملاحظ أنه على امتداد 10 سنوات مثلت كتلة الأجور ما يناهز 36 في المئة من الناتج الداخلي الخام، في حين لم تتجاوز هذه النسبة 10 في المئة في البلدان المشابهة للمغرب. كما أن المصاريف العسكرية تناهز ما تفوق نسبته 4 في المئة من الناتج الداخلي الخام وهي مصاريف مازالت غير قابلة بالمرة للمناقشة بالمغرب بفعل عقلية تكرست لدى نوابنا الذين يبدو أنهم أجبلوا على اعتبار بعض المصاريف من قبيل تحصيل حاصل ما عليهم إلا المصادقة عليها جملة وتفصيلا دون النبس بكلمة و إلا كانت وطنيتهم أو ولاءهم للوطن قاب قوسين أو أدنى.

و أغلب المحللين الاقتصاديين يرى ضرورة اعتماد حلول عبر إعادة النظر في المنظومة الضريبية، لا سيما بخصوص الضريبة على القيمة المضافة عبر تحديد نسبة موحدة و التخلي عن الإعفاءات أو التقليص منها وتغيير منظومة الضريبة العامة على الدخل بالتخفيف على الأجور الدنيا و رفع نسبة الضريبة بخصوص الأجور الطيطانيكية، لا سيما تلك التي لا تتناسب و حركية آليات إنتاج الثروات المضافة بالمغرب، و كذلك الحرص على تدبير الشركات بشكل أكثر فعالية. و هذه ، في نظرهم، إجراءات من شأنها أن تحسن في القريب العاجل موارد الدولة. لكنها إجراءات لا تروق وزير المالية المغربي الذي يصر على القول بأن الوضع بخير و "العام زين" و بالتالي لا داعي للقلق، فالأمور سائرة نحو التحسن باستمرار، كما يبدو أن هذا التحسن لا يعاين معالمه إلا هو عكس ما يلاحظه عامة العباد.

و للتدليل على ذلك يقول الوزير أن متوسط نسبة النمو على امتداد 3 سنوات بلغ 6 ، 4 في المئة فيما بين 2001 و 2004 مقابل 6 ، 1 في المئة بين 1997 و 2000 و يتوقف السيد الوزير عند هذا الحد كالذي يتوقف عند "ويل للمصلين" إذ أنه يخفي توضيح أسباب ذلك حيث يتجنب توضيح أن نصف عجز الميزانية سنة 2004 قد تم تمويله بفضل مداخيل الخوصصة ( التي اندثرت بتمويل لم يساهم و لو قيد أنملة في إنتاج ثروات مضافة و بذلك ذهبت عوائد قطاعات إستراتيجية ،ضحى الشعب من أجل إقامتها على طول سنوات خلت، هباء منثورا). و بالتالي فإن التحسن الذي طبل له السيد الوزير لم يكن إطلاقا نتيجة لآلية مستديمة فعالة سوف تتكرس في اتجاه التحسن، و إنما لم يكن، حصرا، إلا نتيجة لموارد استثنائية و ليس دائمة انتهى مفعولها توا دون أن تترك أي أدنى بصمة في البنية الاقتصادية للبلاد أو في إحدى آليات حركيته الآنية أو المستقبلية. و هنا بالضبط تنكشف عورة هذا التحصيل الذي تم التشهير به يمينا و يسارا بثقة في النفس فاقت الحدود. و ذلك باعتبار أنه لا يمكن، و هذا بإجماع المحللين الاقتصاديين، الاعتماد على الثقل الضريبي و لا على الموارد الاستثنائية للخوصصة كبرهان على أن الأمور تسير نحو التحسن. و هذا ما أكده كذلك تقرير البنك الدولي في الموضوع، و الذي أقر، باعتماد طريقة دبلوماسية غير محرجة، بأنه بالرغم من النتائج المحققة فإن عجز الميزانية لا زال قائما و بقوة و سوف يسير نحو المزيد من التردي على المدى المتوسط على الأقل.

و ها هو تقرير البنك الدولي ينبئ بانفجارات اجتماعية إن استمر الوضع على ما هو عليه. و بذلك يكون قد أسقط، جملة و تفصيلا، كل ما ادعاه الوزير، علما أن الحكومة اطلعت على جانب مهم من فحوى التقرير منذ نهاية 2005.

البرجوازية المغربية، برجوازية قاصرة

من المعروف أن دور البرجوازية كان هو بناء اقتصاد وطني وصناعة وطنية، لكن يبدو أن البرجوازية المغربية مختلفة عن برجوازيات بلدان أخرى لأنها لم تنبثق من تدبير ورعاية المقاولات والمشاريع الصغرى والمتوسطة لتتحول إلى مقاولات كبرى تساهم في إرساء أسس اقتصاد وطني متحرر.

إن البرجوازية المغربية عموما، انبثقت عن الإقطاع وعن الارتباط بالاستعمار واستفادت من امتيازات لا حدود لها، الشيء الذي جعلها تتحول إلى مجرد وسيط بين الرأسمال العالمي والسوق الوطنية.

ويكاد يجمع المحللون الاقتصاديون على أن البرجوازية المغربية تطورت بفضل امتيازات وهبات وإكراميات مخزنية وأصبحت تضع يدها على أهم الإمكانيات الرأسمالية لكن دون امتلاك عقلية المقاولة والاستثمار، بل ظل هاجسها الأساسي هو استنزاف الثروات الوطنية دون استفادة الاقتصاد الوطني وأوسع فئات الشعب المغربي.

كما شاركت هذه البرجوازية في تحمل المسؤولية على الصعيد المحلي والإقليمي والجهوي وتصرفت في المال العام لخدمة مصالحها دون أن تساهم في رقي الجماعات والأقاليم عبر تحقيق تراكمات من شأنها تحسين الأوضاع المعيشية للساكنة.

وبذلك تكون قد استغلت النفوذ من خلال احتلالها مواقع المسؤولية، مما مكن السياسيين والوزراء ورجال السلطة من تكديس ثروات مهمة بفعل الفساد وعلى حساب الصالح العام المحلي والوطني.

وقد ساهم التهريب والرشوة والفساد في الإثراء السريع وغير المشروع، حيث كانت ولازالت الرشوة سائدة في جميع مجالات الحياة، كما تم استغلال المواقع لتهريب البضائع من البلدان المجاورة أو من الصحراء المغربية (المواد المدعمة) لبيعها في المناطق الداخلية والشمالية، مما مكن المهربين من وضع اليد على ثروات هائلة اغترفوها على حساب مال الشعب وحقوقه.

واستغلت شرائح من البرجوازية الاتجار في المخدرات لمراكمة ثروات هائلة استعملت في التحكم في جملة من دوائر صنع القرار.

وبذلك تكون الطبيعة الأساسية للبرجوازية المغربية قد ساهمت بشكل كبير في تردي الأوضاع وحرمان البلاد من عدة فرص للإقلاع، علما أن هذه الطبيعة هي من الأسباب التي لم تؤهلها لتكون برجوازية مُواطِنة.

ومن الطبيعي إذن، أن تتهافت هذه البرجوازية على المشاريع سريعة الربح دون الاهتمام بالصناعات الأساسية التي تركتها للشركات الأجنبية وللدولة واعتبارا لطبيعتها عملت برجوازيتنا على المساهمة وبشكل كبير، في إفساد الركح السياسي وفي مناهضة أي مسار نحو التغيير الفعلي.

وخلاصة القول أن البرجوازية المغربية تعيش الآن في مأزق، إذ وجدت نفسها في آخر المطاف أسيرة تعليمات المؤسسات المالية الدولية (البنك الدولي، صندوق النقد الدولي...)، لاسيما وأنها اكتفت بلعب دور الوساطة بين الرأسمال الأجنبي والشركات العابرة للقارات والسوق الوطنية.

التنمية تستوجب شروطا

لقد تحدث الكثيرون عن التنمية و لازالوا يتحدثون عنها دون أن نتمكن من معاينة ما يدل عنها على أرض الواقع المعيش، فعن أية تنمية يتحدثون ؟ و أية تنمية نريد؟

بالنسبة لواقع المغرب، فإن التنمية يجب أن تعني أولا و قبل كل شيء الإصلاح، إصلاح اقتصادي للتمكن من تحقيق تنمية اقتصادية و إرساء قواعد العدالة و التوازن و الاستقرار في المجتمع من أجل تحقيق تنمية اجتماعية و إطلاق طاقات العلم و البحث و الإبداع لتحقيق تنمية ثقافية.

و قبل هذا و ذاك، لقد أضحى واضحا أنه لا يمكن تحقيق تنمية دون الإقرار بديمقراطية فعلية. و هذا يستوجب تمثيلا صادقا لإرادة الشعب في مراكز القرار و يقتضي وجود آليات فاعلة و فعالة للمساءلة و المحاسبة في كل المجالات و على جميع الأصعدة، سياسيا، إداريا، ماليا و قضائيا.

و هذا يعني أن الناخب يحاسب البرلماني و البرلماني يحاسب الحكومة في البرلمان و الحكومة تحاسب الإدارة عبر آليات الرقابة و التفتيش و القضاء يحاسب الجميع على الالتزام بالقوانين و الأنظمة.

فهل بالمغرب يحاسب الناخب المنتخب؟ و هل البرلمان يحاسب الحكومة؟ و هل الحكومة تحاسب الإدارة؟ و هل القضاء يحاسب الحكومة على الالتزام بالقوانين؟ إنها أسئلة أجوبتها معروفة لذى الجميع بالإدراك و بالمعاينة و بالمعايشة اليومية.

و خلاصة القول، أن التنمية هي ضرب من ضروب الإصلاح و الإصلاح لا يستقيم على مستوى التنمية الاقتصادية حصرا، فهو إما أن يكون شاملا أو لا يكون و هذه هي معضلتنا بالمغرب.

من المسؤول؟

عموما إذا كان تقرير البنك الدولي يشير إلى الجفاف وتقهقر الصادرات ويعتبرها من العوامل التي ساهمت في استفحال الأزمة واتساع مداها، فإن هناك عامل أهم منهما ساهم بالقسط الوفير في إنتاج وإعادة إنتاج شروط تعميق الأزمة، إنها توجهات السياسة الاقتصادية المعتمدة والتي ألحقت أضرارا بالغة بالاقتصاد الوطني على جميع المستويات وهذا بشهادة أغلب المحللين الاقتصاديين النزهاء.

فرغم أن الأوضاع ظلت تسير نحو التردي بقيت الحكومة تهتم فقط بالتوازنات المالية لنيل رضى البنك الدولي وصندوق النقد الدولي دون اعتبار انعكاساتها الوخيمة على أوسع فئات الشعب المغربي، لقد فضلت الحكومة نيل رضى المؤسسات المالية الدولية عوض السعي لتحقيق نمو آني وسريع وكانت أول هدية منحتها للشعب وللوطن آنذاك التحرير المتوحش للواردات ساهم في تصويب الضربة القاضية لجملة من الأنشطة الصناعية المغربية في السوق الداخلي وهذه هدية سوف لن تنساها لها الأجيال القادمة التي كتب لها أن تؤدي توابع هذا الاختيار وهنا تتضح مسؤولية الدولة.

خلاصة :هل يمكن الاستمرار على هذا الحال

إن الوضع الذي يعيشه المغرب حاليا يتميز بمد يسعى لتسريع وثيرة التغيير ومد آخر يقاوم التغيير السريع. فمن جهة، هناك مد ضاغط لتسريع وثيرة تفعيل آليات التغيير الرامي إلى تحسين أوضاع أغلب المغاربة وإعادة الثقة للمؤسسات العمومية ومن جهة أخرى، هناك مد يقاوم هذا المنحى إلا أن المغاربة مازالوا يعاينون إلى حد الآن سيادة رفع الشعارات والتلويح بالوعود الكبيرة لكن بمجرد ما يمر الوقت يتضح أنها لم تعرف طريقها إلى التطبيق، والأمثلة كثيرة في هذا المجال، ولعل آخر ها الإعلان عن القضاء على السكن الغير اللائق والسكن العشوائي، لكن تبين بالملموس غياب الآليات الفعلية الكفيلة بتحقيق هذه الرغبة على أرض الواقع المعيش، علما أن أغلب المجال السكاني المغربي والذي يحتضن أغلب المغاربة، مازال يعد مجالا يحط بكرامة الإنسان.

وبالرغم من كل ما قيل حول ضرورة التصدي لهذه الإشكالية إذ جاء القانون المالي ليسبح ضد التيار حيث أكد على التراجع عن صرف مبلغ 25 ألف درهم لكل موظف صغير يرغب في اقتناء سكن وهذا مجرد مثال.

ولعل هذا المثال كاف لإبراز الخلل في صيرورة تنفيذ القرارات المتخذة وبالتالي يدعو إلى ضرورة المطالبة بإعادة النظر الجذرية في النهج المتبع في تأطير الحياة العامة بالمغرب، باعتبار أن البلاد غير مسيرة جيدا بحجة أن القرارات المتخذة حتى على أعلى مستوى لا تعرف طريقها إلى التنفيذ، وهذه معضلة كبيرة لا يمكن الاستمرار في التفرج عليها لأنها تولد الإحباط تلو الإحباط لدى المواطن المغربي الذي طال انتظاره والإحباط لا يمكنه أن يولد إلا التمرد وفقدان الثقة.

الخوصصة و الفساد...هل من علاقة بينهما؟

الفساد بمفهومه العام عندنا بالمغرب نهب واسع من طرف الطفيليين و البيروقراطيين على مدى عقود لمال الشعب و الثروات الوطنية. إن أغلب التجارب التي منها البلدان التي اعتمدت على الخوصصة أظهرت بجلاء أن المفسدين الكبار، عندما تتراكم لديهم المال المنهوب يفترسون الملكية العامة ثم يدفعون إلى تحويلها إلى ملكية خاصة ناهبة. لذلك كان من الطبيعي أن يحكم من يملك و أن لا يحكم من لا يملك ، باعتبار أن الحكم ما هو، في نهاية المطاف، إلا لحماية ما يملكون.

لقد عاينا التباكي على أكثر من قطاع عام نُهبت خيراته و أمواله، لتقديمه قربانا للخوصصة كأن المشكلة تكمن في القطاع و ليس في من نهبوا أمواله و خيراته هذا من جهة، و من جهة أخرى كيف نُخوصص قطاعات مهمة من شأنها أن تساهم في تأمين أرضية نمو كاف من أجل مواجهة التحديات الكبرى من بطالة و تحسين مستوى المعيشة ؟ علما أنه على المدى البعيد تعتبر الخوصصة أداة لتفتيت المجتمع و الدولة.

و الغريب في الأمر أن المؤسسات المالية العالمية ( صندوق النقد و البنك الدوليين) وضعت جملة من البلدان – من ضمنها المغرب- أمام اختيارين لا ثالث لهما : قطاع عمومي منهوب أو خوصصة ناهبة، ربما بوتيرة أعلى.

و مهما يكن من أمر، فإن صيغ الخوصصة المطروحة لم تُظهر أي علامة إلى حد الآن على تأمين الفعالية الاقتصادية المطلوبة، و كذلك الحدود الدنيا من العدالة الاجتماعية. و بذلك يبدو أن السبيل الأكثر جدوى ليس هو التفريط في القطاع العمومي و الزج به في مزاد الخوصصة العلني، و إنما القضاء على الفساد و النهب و انقاد قطاع الدولة و العباد و البلاد من كليهما. و ذلك لتمكين القطاع العام بجانب القطاع الخاص من العمل لبناء الغد. هذا هو الطريق الذي يمكن بلادنا من مواجهة التحديات مع تحقيق كرامة الوطن و المواطن.

المغرب: هل الاقتصاد بخير؟

لا زال الاقتصاد المغربي يعاني من جملة من الاختلالات البنيوية و ما زال يفتقد إلى حد الآن، و رغم تأزم الأزمات إلى رؤية واضحة المقاصد و محددة المعالم للتعاطي مع المعضلات الكثيرة التي تعيشها البلاد منذ مدة خلت. بل هناك انعداما للرؤية بخصوص أولوية الأولويات و التي اهتمت بها الحكومة دون غيرها على حساب كل الباقي، ألا و هي إشكالية التوازنات ، إذ حتى في هذا المجال اتضح الفشل، رغم كل ما يروج له من خطابات ايجابية مئة في المئة في هذا المضمار عكسا على ما هو عليه الواقع فعلا و هذا أمر يدعو إلى التساؤل بخصوص مصداقية خطاب الحكومة المغربية في هذا المجال. فالأكيد، بشهادة كل الأرقام الحقيقية و ليس المسوقة في التصريحات الرسمية، أن التوازنات لم يتم تحقيقها و أن المديونية الداخلية تفاقمت إلى درجة أنها أضحت تؤثر سلبا على الموارد المتاحة للاستثمار. و لا زال و سيظل ثقل ميزانية التسيير (بفعل الرواتب الطيطانيكية و الامتيازات غير المنتجة و التبذير في البهرجة و المظهر) و أداء مستحقات، يجتم على عنق الميزانية العامة للدولة على حساب ميزانية الاستثمار. فكيف و الحالة هذه يمكن تحقيق ما يتم الترويج له من إعطاء دفعة قوية للاستثمار و انجاز المرافق الاجتماعية قصد تلبية الحاجيات الحيوية و الأساسية لأوسع فئات الشعب المغربي.

فلا سبيل الآن أمام المغرب إلا ترشيد فعلي و ليس كلامي لميزانية التسيير قصد الاهتمام أكثر بتقوية النسيج الإنتاجي و تفعيل المزيد من آليات إنتاج الثروات المضافة. و لن يتم هذا إلا من خلال تعزيز نسيج المقاولات الصغرى و المتوسطة و ليس عبر الخوصصة التي تذهب مداخيلها مهب الرياح دون استثمارات فعلية منتجة. و كان الأولى أن تستثمر تلك المداخيل في تنمية الموارد البشرية عوض تفريقها كالكعكة هنا و هناك.

لقد اتضح للجميع الآن أن المرض العضال الذي أنهك الاقتصاد الوطني المغربي هو النهب و سوء استخدام موارد البلاد الطبيعية و المادية و البشرية، و هو مرض عضال لأن سوء الاستخدام لم يكن خطأ أو نتيجة لخطة أو رؤية غير سديدة، و إنما كان مقصودا من أجل خدمة مصالح كمشة لا تكاد تبين. لقد أنهك هذا المرض العضال جسم الاقتصاد الوطني. و عندما فرضت عليه الخوصصة و إلغاء الدعم و فتح الأسواق على مصراعيها على الرأسمال الخارجي و الاستثمارات الأجنبية و تحرير التجارة وجد نفسه قد أنهكه المرض العضال و بدا منهكا، و تبين بجلاء أن المغرب أضاع، بفعل فاعلين معلومين و معروفين، أكثر من موعد تاريخي لتقوية الصناعة الوطنية ، و بذلك أجهضت مختلف فرص التنمية المستقلة القائمة على قاعدة الاعتماد على الذات.

و هكذا وصل المغرب إلى حالة مزرية تتميز بالأساس بتعميق الشروخ الاجتماعية و اتساع دوائر التهميش و فضاءات الفقر في صفوف أوسع فئات الشعب المغربي و استفحال الثراء الفاحش و البذخ غير المبرر. فهناك ما يفوق 8 ملايين من الفقراء أغلبيتهم تحت عتبة الفقر المطلق. أما البطالة فأضحت تنهك أكثر من جيل، و قد همت الأغلبية الساحقة لجيل بكامله، و هي تفوق نسبة 20 في المئة في العالم القروي و 18 في المئة في الحواضر. و الحقيقة أن الواقع يشير بأن النسب هي أكثر من ذلك باعتبار أننا نعتبر ماسح الأحذية غير عاطل و كذلك بائع السجائر بالتقسيط و ماسح زجاج السيارات عند الإشارات الضوئية بالمدن و اللواتي يمارسن الدعارة وغيرها من المهن المهمشة التي لا تدر على ممتهنيها ما يمكن أن يسدون به رمقهم بانتظام...فهؤلاء يعتبرون بالمغرب غير عاطلين رغبة في التخفيف من نسبة البطالة و هذا عن علم و لغرض في نفس يعقوب.

وعموما فإن الاقتصاد المغربي عجز، عمليا و فعليا، عن توفير الحد الأدنى من الدخل و الخدمات الاجتماعية للتصدي لأدنى متطلبات الحياة الكريمة. و الغريب في الأمر هو عندما تأكد هذا العجز، و زادت حدته كان جواب الدولة هو تخليها التدريجي، لكن بوتيرة سريعة عن أدوارها الاجتماعية و التوزيعية، و هذا من شأنه لا محالة أن يعرض البلاد الانفجارات اجتماعية، لاسيما و أن الشباب المغربي أضحى على يقين أنه محكوم عليه ببطالة ممنهجة مزمنة.

معضلة البنية الاقتصادية المغربية

لقد أضحى من المؤكد أن الدولة المغربية تخلت في واضحة النهار على جملة من مهامها الاجتماعية. و غالبا ما يتم ربط هذه الإشكالية بقضية العلاقة بين الاقتصادي و الاجتماعي في ارتباطها بموضوع التنافسية. فهل الدولة المغربية صاغت لنفسها دورا اجتماعيا جديدا؟ و هل هناك مشكلة في هذا الصدد؟

و يبدو أن هذا الإشكال هو بالأساس مرتبط بإنتاج القيمة المضافة. و بالنسبة للمغرب هناك مستويين اثنين. المستوى الأول و هو متعلق بإنتاج القيمة المضافة، أما المستوى الثاني فهو مرتبط بتوزيع القيمة المضافة المنتجة على مستوى الاقتصاد الوطني. إذ أن المنتج الحقيقي هو الخاسر الأكبر في هذا التوزيع، أما الذي لا علاقة مباشرة بالإنتاج هو الرابح الأكبر من عملية توزيع القيمة المضافة، و هنا تكمن المعضلة الكبير بالنسبة للمغرب.

كما أنه من جهة أخرى، لازال الاقتصاد المغربي ينعت بالاقتصاد الريعي يملك قدرة تنافسية كامنة لم تتحول بعد إلى قدرة تنافسية جارية و مستدامة. و بالتالي فإن ضعف القدرة التنافسية التي يعاني منها حاليا الاقتصاد المغربي تجد أسبابها في ضعف الأداء الاقتصادي سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص.

كما أن من أسبابها اللهت وراء الاستثمار الأجنبي عوض تشجيع الاستثمار الداخلي، علما أن الاستثمار الأجنبي يأتي إلى البلاد للمشاركة في الأرباح و جنيها و ليس لتحقيق التنمية.
و مهما يكن من أمر إن إشكالية تنافسية الاقتصاد المغربي مرتبطة بإصلاح فعلي و جذري لجملة من العوامل المؤثرة في عملية التنمية و منها التعليم و سياسة التوطين التكنولوجي و البحث العلمي و تفعيل محددات النمو الاقتصادي بغية تحقيق استدامة تطور معدل الدخل الفردي الحقيقي.

حوار مع الاقتصادي نجيب اقصبي رئيس جمعية ترانسبرانسي

- ما هو تقييمكم للتقرير الأخير لصندوق النقد الدولي؟

+ جاء في التقرير أن المغرب في فترة الستينيات كان يحتل المرتبة الثانية من بين دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط، لكن وثيرة نموه باتت في انخفاض، بتفحص لما جاء في التقرير، يتضح أن 83 دولة التي طبقت برامج البنك الدولي على مدى 40 سنة، 20 في المائة منها هي التي حققت وثيرة نمو سريعة في مرحلة معينة. وهذا يعني أن 80 في المائة من البلدان التي طبقت هذه التوصيات لم تحقق النتائج التي طالما أكدوا أنها ستكون حتمية.

وبالتالي التجربة المغربية أيضا لم تخرج عن هذا النطاق ولم تحقق شيئا على مدى 40 سنة، حيث لم تحصل إلا على نتيجة كارثية ولتبرير هذا الفشل، حاول البنك الدولي إيجاد مبررات من قبيل أن المغرب يعاني من وضعية خاصة.

بل الغريب في الأمر أن سياسة البنك الدولي تطبق في المغرب منذ 42 سنة، والتي أثبتت فشلها، ليأتي سنة 2006 ويصرح بالكارثة: وثيرة التنمية في المغرب بطيئة، فهل يعقل أنه بعد 42 سنة يتنبه البنك الدولي لفشل هذه السياسة؟ وكيف بعد هذا الفشل أن يتبجح البنك الدولي من جديد "ليملي" علينا نصائحه وتوصياته بخصوص ما يجب عمله، فإذا كان صندوق البنك الدولي على دراية بالمشاكل الحقيقية للمغرب، فأهلا ومرحبا به، إذا أراد أن يعطي نصحه مثل ما يقال "كون سبع وكولني" وإلا فيجب أن يعترف بفشله ويترك المغرب يحاول فهم نفسه بنفسه، لكن واقع الأمر أن هذه التقارير عبارة عن منتوج يرغب البنك في تسويقه وفي كل مرة يلبسه حلة جديدة حتى يتمكن من تسويقه على أحسن وجه وبخصوص الحلة الجديدة للتقرير الأخير، فهي تتمثل في إفزاع المسؤولين أن المغرب على فوهة انفجار.

- إذن ما هو في رأيكم الجديد الذي حمله التقرير الأخير للبنك الدولي؟

+ مع كل أسف، جاء التشخيص الأساسي للاقتصاد المغربي من طرف البنك الدولي بأن مسلسل التحويل البنيوي لديه ضعيف، ليس بوسعه تحقيق طفرة منذ 25 سنة، والتي كانت من توصيات البنك الدولي، ماذا جنينا من ورائها؟

بل أكثر من هذا لم يتم الإشارة إلى قطاع الفلاحة، الصناعة، القطاع غير المهيكل واقتصاد الريع في التقرير الأخير وهنا يصح المثل القائل "تمخض الجبل فولد فأرا".

كذلك نجد قانون الشغل الذي ظل عشرين سنة على الرفوف والمقترح من طرف البنك الدولي والكل ينادي بضرورة خروجه إلى حيز التطبيق ولما خرج لم يكن صالحا لشيء وهذا أمر خطير.

ثم قانون الضرائب من ثلثاه ضرائب غير مباشرة والثلث الآخر ضرائب مباشرة وهي ضريبة على الدخل "مداخيل التجارة، الفلاحة والمهن الحرة"، فمداخيل هذه الضريبة التي نسميها عامة 85 في المائة إلى 90 في المائة منها، هي مقتطعة من الأجور.

ولحل مشكل الوعاء الضريبي يجب أن نطالب بأن يدفع كبار الفلاحين الذين يربحون الملايير نصيبهم من الضرائب، إذ لا يعقل إثقال كاهل أصحاب الدخل الضعيف دون غيرهم.

فأين تطبيق هذا القانون عند أصحاب العقارات والأسهم؟

وللعلم فقط، فإن سياسة الضرائب التي يقترحها البنك الدولي، جرى تطبيقها في الولايات المتحدة الأمريكية في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات في عهد "رونالد ريغن" وعندما أثبتت فشلها لديهم، عملوا على تصديرها لدول العالم الثالث وبالتالي فالتحليل النظري والملموس يؤكد بأنها نظرية خاطئة.


  في رأيكم ما هي النواقص ومواطن الخلل الذي تضمنها التقرير الأخير؟

+ دعيني أعطيك مثالا يجسد الخلل الذي يتخبط فيه التقرير الأخير، فما يثير انتباه أي مستثمر هو مدى إمكانية تسويق المنتوج ومدى الطلب عليه، في حين أن هناك مشاكل أخرى على أرض الواقع كالتمويل، البناء، الإدارة، التراخيص، البنية التحتية والمناخ العام، في حين أن التقرير لم يأت على ذكرها وفي ذلك تناقض صريح، خاصة وأنه ذكرها في تقارير سابقة وطالب التراجع عن تحفيزات الضريبة.

فضغط الصندوق الدولي على الحكومة في قانون المالية 2006 كان أمرا جيدا في رأيي، حيث ولأول مرة يخرج تقرير عن كلفة الدولة للتحفيزات الضريبية وجرى التقييم الذي قال بأن الكلفة هي 5 ملايير بالنسبة للدولة وثلث التحفيزات الموجودة تم تقييمها بـ 15 مليار درهم وقد كنا نظن أن هذه المرحلة قد انتهت ولن نعود إليها، لكن إذ بنا نعود إليها من جديد.

- ما هي المشاكل الحقيقية التي تتخبط فيها البلاد، سواء تلك التي أقر بها البنك الدولي أم لم يقر، حيث أثار التقرير إشكالية اجتماعية تتمثل في قرب انفجار اجتماعي، كيف تقيمون هذه المسألة؟ وهل هناك مشاكل تلمسونها؟

+ البنك الدولي لا يتطرق للمشكل الاجتماعي، فهو يحاول أن يمسك المغرب من اليد التي توجعه، فإذا لم يفعل المغرب ما يمليه هذا التقرير، فالوضع سيزداد ترديا.

هذه السياسة التي يراد تطبيقها بغض النظر عن أخطائها، ظهرت أنها غير مجدية وغير نافعة، فعندما يقول صندوق النقد الدولي أن المشكل هو مرونة سوق الشغل، فهو يعترف بأنه ورغم ما يوجد في القانون الجديد، فهو غير كاف لأنه يريد أن يصل إلى أن يكون لرب العمل الصلاحية الشاملة لطرد العمال في أي لحظة.

وهذه الاقتراحات التي جاءت بها قريحة صندوق النقد الدولي، هي في حد ذاتها تصب في تأزيم الوضع الاجتماعي.

- يتضح من خلال كلامهم أن اقتراحات صندوق النقد الدولي لا تحمل في طياتها حلولا، بقدر ما تحمل عراقيل ومعوقات؟

+ بطبيعة الحال، لأننا عندما نقول ذلك، فإن السياسة العامة موضوعيا تسير في إطار تأزيم الوضع الاجتماعي، بل أكثر من ذلك، ففي ظل غياب توصيات مضبوطة ومدققة، فإن هذه السياسة تصب في اتجاه توسيع البطالة.

- من بين اقتراحات صندوق النقد الدولي، تعويض البطالة من أجل امتصاص الغضب الشعبي، فهل مثل هذه الاقتراحات كفيلة لتجنيب المغرب كارثة اجتماعية؟

+ للعلم فقط، فإن ما جاء في التقرير من مقترحات بخصوص تعويض البطالة، كان فقط سبيلا من أجل تجميل الصورة، وخلق شيء مميز عن التقارير السابقة.

وهنا نسجل نقطة إيجابية في التقرير الذي تضمن اعترافا بوجود بطالة وغياب ضمانات "حق الشغل" أما بخصوص الاقتراح المتعلق بالتعويض عن البطالة فإن هذا المقترح سيتم التفكير فيه في حدود 2015 و 2020.

- تعتبر قضية النمو مسألة جوهرية في التقرير، فهل بمقدور النسيج الاقتصادي التوصل إلى تجاوز نسبة 3 في المائة والتوصل إلى نسب تمكنه من الخروج من الوضعية المتأزمة الحالية؟

+ الدراسات الموجودة تقول بأن نسبة 6 في المائة على الأقل فما فوق ضرورية لامتصاص العجز والبطالة والتجاوب مع طلبات الشغل في السنوات المقبلة وجوهر القضية هو أنه يجب إيجاد هدف محدد ليتفق عليه الجميع.

والسياسة التي بينت بالواقع الملموس فشلها وعدم جدواها، وأكثر من هذا، بينت الدراسات بأنها ليست السياسة الكفيلة التي تمكننا من الوصول إلى نسبة 6 في المائة من النمو، بل ستوصل أكثر إلى تأزم الوضع الاجتماعي: البطالة، البؤس... فهذا ليس حكم مسبق، بل حكم صادر من عمق التجربة الطويلة، فالأعمدة الأساسية لهذه السياسة التي ينادون بها هي أعمدة جوفاء وكمثال على ذلك، هل يعقل أن تدعي بأنك تريد تحديث الاقتصاد وتوسيع نطاق السوق ومع ذلك لا توجد ولو كلمة واحدة بخصوص اقتصاد الريع، كذلك يقولون بأنهم يريدون تنمية السوق ويريدون تشجيع المنافسة، مع العلم أن هذا الاقتصاد الذي يتحدثون عنه، يعتمد بالأساس على قطاعات بأكملها تتحرك وتتقيد باقتصاد الريع، فوسائل النقل كلها خاضعة لرخصة مسلمة من طرف الدولة وهذه أساليب بالضرورة لا تشجع التنافسية بل هي خاضعة لاقتصاد الريع.

إن من بين ما جاء في التقارير السابقة تشجيع الخوصصة من أجل خلق تنافسية وتعددية، لكن مع الأسف انقلب الأمر فعند خوصصة قطاع السكر المادة الحيوية عندنا، أدى ذلك إلى احتكار القطاع بأكمله من طرف شركة واحدة هي شركة "كوزيمار" بالإضافة إلى ما سبق، هناك اقتراح خطير تضمنه التقرير وهو تأسيس هيئة وطنية للتنسيق برئاسة أعلى هيئة وطنية "الملك" لتسيير الاقتصاد وبذلك يؤدي هذا الاقتراح إلى إرجاعنا إلى الاقتصاد المخزني في أوج قمته.

فالبرنامج الاقتصادي يجب أن يكون منطلقا من برامج أخذت شرعيتها من الناخبين والحكومة يجب أن تكون مسؤولة أمام البرلمان لتطبيق برامجها. أما أن يأتي هذا البنك ليتحدث عن برنامج خاضع لبيروقراطية الأجانب وهيئة وطنية تنفيدية برئاسة الملك وهو الشخص المقدس وغير المحاسب، هذا تكريس للملكية التنفيذية مع القطاع الخاص بمعنى أن الذي سيسير الاقتصاد هو الملك وحاشيته والقطاع الخاص.

وهذا جانب خطير فيه تراجع إلى الوراء، حيث تم التراجع كما جاء في التقارير السابقة التي ظلت تطالب بتوفر قدر من الديمقراطية.

- هذا التقرير لم يكن إلا بمطالبة من طرف الدولة، كيف تقرأون سياسيا هذا الأمر؟

+ يجب أن تكون عندنا قراءة موضوعية، فالقائمون على البلاد ليسوا بلداء، بل تحركهم مصالح خاصة. وبالتحليل العلمي الملموس، نجد أن المصالح تحدد وطبقات معنية تدافع عنها لتكريس سلطتها على المجتمع، فهناك جسور وعلاقات داخلية وخارجية وكلها توظف في هذا الإطار ولكي نكون واضحين فلا أحد بليد، فالبنك الدولي له حساباته وحكام البلاد لهم حساباتهم.

- في رأيكم من سيدفع ثمن هذه السياسة؟

+ تقرير البنك عمليا سيؤدي إلى سياسة معينة والذي سيعطي قروضا لتمويلها، وهي قروض وليست صدقة، والمغاربة وأبناؤهم هم من سيسددون هذه القروض فإذا تمعنا في قانون المالية لـ 2006 نجده يتحدد في أن 42 مليار درهم مقدار الدين العمومي، ولو أننا سنقول بأن هذه السياسة مجانية، إلا أن حقيقة الأمر أننا نؤدي ثمنها غاليا. فوظيفة البنك الدولي الأساسية هي توظيف أموال بطريقة تدر عليه الفوائد.

- بعد تقييم سياسة البنك الدولي، هل نحن على فوهة انفجار اجتماعي؟

+ ليس لدي البلورة السحرية للتنبؤ بما سيحدث، وهنا أحاول أن أكون جديا وموضوعيا، وما أقوم به هو تحليل ملموس والمتمثل في كون الوضع المغربي أسوء مما نتصور. وعلينا عدم تصديق ما نسمعه في الإعلام من مغالطات. وهذا الوضع هو نتيجة للسياسات التي اتبعت منذ 50 سنة بتخاذل ومشاركة فاعلين أساسيين ومقررين في الشأن الاقتصادي المغربي هما : الملكية و البنك الدولي.

حوار مع الباحث مصطفى ناعمي

يجب توظيف محتوى التقرير لتبني سياسة هيكلية تستهدف نقلة نوعية

- ما هو تقييمكم للتقرير الأخير لصندوق النقد الدولي؟

+ على العموم هذا التقرير يعتبر، استمرارية أو يكاد يكون نسخة طبق الأصل للتقرير الأسبق، معنى ذلك أننا أمام تقييم لم يتغير حسب تقرير البنك فيما يتعلق بالهياكل والإشكاليات والعوائق التي راكمها.

نسجل أن التقرير حاول جرد بعض العوائق التي تحد بالأساس من الإنتاجية إذ يعتبر بأن المردودية الاقتصادية ضعيفة وبأن أكبر مشكل يعرفه برنامج التنمية المغربي، يدخل في إطار مجموعة من المعطيات الهيكلية التي تتطلب في معظمها مضاعفة الجهود في كل ما يرتبط بالإنتاجية، هذا المعطى بطبيعة الحال يظل أساسيا، لكنه يبقى مرتبطا في جوهره بإشكالية الدولة المركزية إذن لم يعد صالحا بالنسبة لدولة كالدولة المغربية التي تدخل في إطار الدول السائرة في طريق النمو أو الدول غير الكاملة النمو وهذا في حد ذاته شيء اعتيادي.

- هل هذا يعني أن الدولة يجب أن تعتمد على الأقطاب الجهوية للخروج من الأزمة؟

+ من المؤكد أن الاختلالات في السياسات الاقتصادية المركزية هي بنظر هذا التقرير عوائق محورية تحد من الإنتاجية نظرا لكونها تجسد رؤية أحادية تقليدية مستهلكة ليس فيها جديد. لماذا؟ لأننا إزاء نموذج تقليدي لدولة مركزية بالأساس، يفتقر فيها سوق العمل إلى المرونة اللازمة ويعاني من ثقل سياسة جبائية ذات مضاعفات سلبية كبيرة على القدرة الإنتاجية و الاستثمارات، هذه الوضعية تمثل عبئا على الشركات وتحد من تشغيل الرأسمال البشري المتخصص رغم النظام الثابت للمبادلات. هذا النظام لا يسمح بالاستقرار في الأثمان ولا يدعم التنافسية الدولية نظرا للتحجرات التي تميز سوق الشغل وتأطر السياسة الجبائية المرتفعة التي تحد من انتعاش الصادرات الجمركية، رغم المصادقة على مجموعة من الاتفاقيات. معنى هذا الكلام، أننا أمام حالة مرضية مزمنة لا يمكن الخروج منها بإجراءات إصلاحية بسيطة، إذ لابد أن تتجاوز هذا المنظور السائد وذلك بتبني إعادة هيكلة الدولة ككل وأن ندخل في سياق المنظور الجهوي الذي يعتمد الاستقلالية الذاتية، ليس في منطقة محددة من المغرب ولكن على مستوى المغرب كدولة تنتقل من دولة مركزية إلى دولة فيديرالية.


  ركز التقرير الأخير، خلافا للتقارير السابقة، على احتمال حدوث انفجارات اجتماعية، فما رأيكم في ذلك؟

+التقرير سجل اختلالات تميز السوق واعتبرها بمثابة المسببات الرئيسية لضعف الإنتاجية، هذه الاختلالات تتمثل في ضعف الإعلام الكفيل بتسهيل تجاوز حقوق الملكية وتخفيض مردودية الاستثمارات المرتبطة بالأنشطة المنتجة، وخاصة الأنشطة الجديدة، وضعف التنسيق بين الاقتصاد العام والخاص، وضعف التكوين يجعل المغرب دولة من الدول الأشد انخفاضا في مستوى التكوين داخل الشركة، معنى ذلك، أن الرؤية الشمولية المركزية للتخطيط على مستوى الإدارة المركزية لم تعط نتيجة، ومن هنا تحضر ضرورة تفعيل الاستقلالية الذاتية، القادرة على صياغة حلول ميدانية شمولية جهوية خاصة ومتخصصة ومن هنا جاءت القدرة الاقتراحية للجهة والقدرة الفعلية على تجاوز هذه الاختلالات عبر تبني مشاريع استثمارية محلية لدعم سوق الشغل المحلي و تقترح حلولا هيكلية على مستوى الجهة.

  لكن صندوق النقد الدولي لم يطالب في تقريره بصياغة مفهوم الجهوية بل طالب بشكل مفاجئ الحفاظ على الحد الأدنى للأجور، ألا يعتبر ذلك جهلا لواقع المغرب الحقيقي من طرف واضعي التقرير؟

+ لا شك أن صندوق النقد الدولي يعالج الحالة الموجودة على اعتبار أن هذه الحالة التي بين يديه هي حالة مختبرية ويعالجها من منظور الممول البنكي الموجود أمام واقع معاش على المستوى الهيكلي والإنمائي تجب معالجته باقتراحات وظيفية محدودة، وهذا شيء تقليدي ألفناه في كل ما يرتبط بالتقريرات التي يصدرها البنك الدولي.

- كيف تقيمون مقترحات التقرير كسبيل للخروج من الأزمة؟

+ فيما يتعلق بهذه النقطة، لابد من معالجة القدرة التنافسية والرفع من قدرة الخلق وذلك من خلال التعجيل بسياسة جديدة لمخطط يعنى بتطوير القدرات الإنتاجية على المستوى القطاعي، هذا علما بأن المغرب قد حاول خلال السنوات الثلاث أو الأربع الماضية إعادة صياغة برنامج الانطلاقة وبرنامج التشغيل، ولكن هذا المعطى يبقى مرتبطا بالقدرة المحدودة على صياغة منظور جديد لسياسة الأجور، وبطبيعة الحال هذا يقضي مراجعة شبه مطلقة للمقننات الهيكلية لسياسة التشغيل من ناحية وسياسة الإنتاج من ناحية أخرى وإعطاء دفعة خاصة لحركة المبادلات، الحد من ثقل السياسة الجبائية، والرفع من مستوى الإنتاجية عبر فتح السوق الداخلي. كل هذا يعود بنا إلى ضرورة تبني هيكلة الدولة عبر الانتقال إلى مفهوم استقلالية القرار التنموي.

- كيف ذلك؟ ومن خلال ما جاء في التقرير من حلول افتراضية هل تعتقد أن المسؤولين قادرين على بلورتها إلى الواقع؟

+ يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن ما جاء في هذا التقرير يفيدنا في الكثير من الجوانب، الشيء الذي يتطلب الاشتغال على المحاور الجهوية التي هي عبارة عن انطلاقة صياغة فعلية نحو الاستقلالية الذاتية التي يجب أن تشمل المغرب ككل، هكذا يأتي مفهوم الحل الهيكلي القادر وحده على صياغة حل على المدى المتوسط والبعيد ولا أقول المدى القريب.

ومع ذلك، أنا لا أشك بأن المسؤولين على درجة من الجدية والمسؤولية والرغبة في معالجة الأمور عبر التمعن في التعليمات الواردة في هذا النص وخاصة تلك التي تتعلق بمراجعة سياسة التشغيل وسياسة الأجور.

- إن المطلع على فحوى التقرير يتملكه القلق بخصوص الوضع بالمغرب فهل البلاد تعيش وضعية تدعو إلى القلق؟

+ فعلا، نحن نخشى أن نصل إلى حدوث إشكالية من هذا النوع، خاصة وأن الهاجس الأكبر هو ضرورة الأخذ بعين الجدية و الاستعجال كل ما يتعلق بإصلاح عميق من هيكلة فعلية للإدارة والدخول في سياسة جديدة لإعداد التراب مستهدفين عقلنة توزيع الموارد و استهداف تدبيرها عقلانيا، اعتماد منظور علماني، إعطاء دفعة قوية لمفهوم التكوين المهني، التكوين الإداري والتكوين داخل المؤسسة والشركات.

- لمن تحملون المسؤولية؟

+ المسؤولية مشتركة على مستوى صنع القرار وعلى مستوى السياسة أو على مستوى الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين كل من منطلقه وكل من منطلق صلاحياته بما فيها من إيجابيات وعليها من سلبيات، المسألة بالأساس هي مسألة وعي شمولي ومواجهة ومساهمة شمولية، فلا يمكن أن نضع المسؤولية على هذا الطرف دون الآخر، بل تجب المعالجة العقلانية للمشاكل بتحمل المسؤولية التي تمر عبر تفهم مخالف تماما لما اعتدنا عليه من اجترار للنماذج المستوردة، التي نحن في غنى عنها، إذ تنقصنا هذه الجدية في التعامل مع الملفات من منظور استقلالية القرار و تبني سياسات تنموية محلية ذات صبغة هيكلية تستهدف المدى المتوسط و البعيد. من المؤكد أن أصحاب القرار على درجة من الجدية ولكن في جميع الحالات هم وجه للمجتمع السياسي المغربي السائر نحو مراكمة التجارب و خاصة منها المحلية وهذا ما نحن بحاجة إليه للتعامل بصرامة مع الملفات بكثير من المصداقية.

- على العموم يبقى التقرير الأخير لصندوق النقد الدولي، قد أنجز تحت الطلب، أي أن المغرب هو من طلب بإنجازه، ألم يخامركم الشك أن يكون التقرير قد حمل شيئا من المجاملة للنظام؟

+ أعتقد أن التقرير هو تقرير خبير منزه عن الاعتباطية و يحمل سمة المسؤولية, لا يسمح لنفسه بالدخول في إشكالات جانبية حول ما يتعلق بالسياسة الداخلية لدولة ذات سيادة و لكنه يتحمل مسؤوليته في كل ما يتعلق بجرد مكامن الإشكال التنموي. هذا تقرير بنكي بالأساس له مصداقية و خبرة مالية تفيدنا من حيث هي وثيقة عمل جدية لتحليل و تشريح مكونات الاقتصاد المغربي.

- من 1996 إلى 2006، تعاقبت على دفة الحكم، حكومة اشتراكية برئاسة عبد الرحمان اليوسفي، ولاحظنا أن التقرير، قد نقل صورة سوداء عن تلك الفترة، هل هذا دليل واضح على فشل تلك الحكومة وأنها تتحمل مسؤولية تخلف البلاد على غرار باقي الحكومات السابقة؟

+ أرى أن ايجابية الفترة السالفة قد تجسدت بشكل واضح في التقرير عندما أكد على تحمل المغرب لقسط من مسؤولياته تمثلت في النظام الثابت للمبادلات، قد لا يسمح بالاستقرار في الأثمان ولا يدعم التنافسية الدولية نظرا للتحجرات التي تميز سوق الشغل ورغم فشله في تأطير السياسة الجبائية المرتفعة التي حدت من إنعاش الصادرات. من هذا المنطلق، فإن كل حكومة اشتراكية كانت أم لا، تستهدف الدفع بعجلة التنمية و الإنتاجية. غير أن العائق الأكبر لهؤلاء |أو أولئك يبقى دائما هو المنظور الهيكلي الذي يعتبر بمثابة الحاجز الأكبر للأحزاب التي لم تتوفر قط على نظرية لمفهوم الاستقلالية الذاتية.

- ألا يمهد التقرير لصعود الإسلاميين للحكم ما بعد 2007 والعزف على نغمة محاربة البطالة، هل ديباجة برامج الإسلاميين تتماشى والطرح الذي يرمي إليه التقرير؟

+ هذا ليس هو الأهم، بل الغاية الأولى التي يجب أن ننطلق منها لتدارس محتوى هذا التقرير هو تحديد مدى توظيفه لتبني سياسة هيكلية تستهدف تلك النقلة النوعية التي يجب أن نعي بحتميتها. على المحلل الاقتصادي و السياسي و السوسيولوجي أن يعيد قراءة التقرير انطلاقا من الاختلالات التي كشف عنها التخطيط المركزي الأكثر بعدا عن الواقع الهيكلي القطاعي المغربي.

حوار مع محمد منار عضو مجلس الشورى لجماعة العدل والإحسان

جماعة العدل والإحسان جاهزة للمساهمة بمقترحاتها في القضايا الاقتصادية وغيرها

- هل يعتبر تحذير البنك الدولي بإمكانية حدوث انفجار اجتماعي يتماشى وتحليلكم للوضع الاجتماعي والاقتصادي؟

+حسب نظرة البنك الدولي ، إن ضعف نسبة النمو، والارتهان إلى معدل تساقط الأمطار غير المستقر، والعجز المستمر في الميزانية، وارتفاع نسب الأمية والبطالة والفقر، والضغط المتزايد على الموارد الطبيعية، و ضعف القدرة التنافسية خاصة أمام الاكتساح الصيني، و عدم تنويع الإنتاج... هذه المؤشرات وغيرها تهدد باختلالات واضطرابات.

وأعتقد أن كل مهتم متتبع لما يعرفه المغرب من ركود على كل المستويات، لم يكن في حاجة إلى تقرير البنك الدولي، ليقتنع فعلا بأن المغرب مهدد بانفجار اجتماعي، هذا ما كنا نحذر منه في جماعة العدل والإحسان باستمرار، ولازلنا، لاقتناعنا أن السياسات الترقيعية التجزيئية لن توصلنا إلا إلى الباب المسدود.

وأعتقد أن ارتفاع نسب الجرائم والسرقة والتسول ما هو إلا فتيل لهذا الانفجار، يمكن أن يشتعل في أي لحظة، وإذا ما اشتعل فإنه سيذهب، لا قدر الله، بالأخضر واليابس. بل إن ما عرفته بعض المناطق كخريبكة وقبائل آيت سكوكو بمريرت وآيت أورير مقدمات لتلك الاضطرابات التي حذر منها البنك الدولي. والغريب حقا أن تستمر الدولة مع كل ذلك في تفضيل الأساليب الأمنية المحضة، غير مكترثة بما حدث وما يمكن أن يحدث.

- وصف التقرير إشكالية النمو الاقتصادي المغربي باللغز على اعتبار أن المغرب يتوفر على مؤهلات تجعله يعيش وضعية أحسن؟ ما هو في نظركم هذا اللغز؟

+ لا أظن أن هناك لغزا، بل المسألة واضحة وضوح الشمس في منتصف النهار. وسأبين كيف ذلك، فالمغرب كما يعرف ذلك الجميع غني بموارده المادية والطبيعية، وغني أيضا بالكثير من الأطر الكفأة والأمينة في شتى المجالات، والتي هي في غالب الأحيان مهمشة أو محاصرة بالمحيط الفاسد أو محرومة من وسائل العمل. غنى المغرب هذا بموارده وأطره كان يفرض أن يكون المغرب في حال أفضل بكثير مما هو عليه الآن، لكن شيئا من ذلك لم يحدث إذ نجد أنفسنا دائما أمام أوضاع كارثية.

بعض الدول كانت في نفس مستوى المغرب خلال الستينات والسبعينات، لننظر أين هي الآن؟ وأين نحن؟ قبل عشرين سنة مثلا كان الفارق بين معدل الناتج الداخلي الخام فيما يخص المغرب وجارته إسبانيا من 1 إلى 6، وارتفع هذا الفارق اليوم من 1 إلى 13، في حين نجد خلال نفس الفترة أن هذا الفارق بين مستوى دخل الفرد المكسيكي وجاره الأمريكي قد انتقل من 1 إلى 13 ليصبح من 1 إلى 6 حاليا.

الأخطر من هذا أن الجمود لا ينتج عنه إلا المزيد من الجمود، والتدهور لا ينتج عنه إلا المزيد من التدهور، وهذا ما أكده التقرير الأخير. وأنت إذا تتبعت أغلب التقارير التي تصدر عن المغرب تلحظين أن هناك تراجعا دائما، ففي تقرير الأمم المتحدة للتنمية الصادر سنة 2003 تراجع المغرب إلى الرتبة 126 في الوقت الذي كان يحتل الرتبة 123 في تقرير 2002 والرتبة 112 في تقرير 2001.

إن هذه المفارقة الصارخة، في رأيي، بين الإمكانات المادية والبشرية للمغرب وبين مستواه المتدني ترجع إلى سببين اثنين:

أولا: السياسات التجزيئية الترقيعية التي لا تنطلق من أية اختيارات مجتمعية واضحة، والتي غالبا ما تغيب المصلحة العامة للمغاربة لحساب مصالح الدوائر المتنفذة إما داخليا أو خارجيا.

ثانيا: وهذا ما سار بحديثه الركبان، الاختلاسات المتوالية التي لم تسلم منها العديد من مؤسسات الدولة. فالقرض العقاري والسياحي اختلست منه 8 ملايير درهم، والقرض الفلاحي 846 مليون درهم، والبنك الشعبي 30 مليون درهم، والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي 115 مليار درهم، والمكتب الشريف للفوسفاط 10 مليارات درهم، وكوماناف 400 مليون درهم، والمكتب الوطني للنقل 20 مليون درهم، بالإضافة إلى مبالغ ضخمة أخرى نهبت من مؤسسات في مختلف المجالات ... ونترك لخبراء الاقتصاد جمع هذه الأرقام لنعرف كم كانت ستحدث من منصب للشغل؟ وكم كانت ستعلم من جاهل؟

- يعتمد تقرير البنك الدولي على حلول اجتماعية تتطلب موارد مالية هامة لتفعيلها، كيف يمكن للاقتصاد المغربي أن يضمن بصفة مستديمة تمويل مثل هذه السياسات؟

+ في البداية أركز على شيء في غاية الأهمية ألا وهو ضرورة التعامل مع تقارير البنك الدولي بنوع من الحذر والانتباه. فالمؤسسات المالية الدولية، سواء البنك الدولي، أو صندوق النقد الدولي، أو المنظمة الدولية للتجارة، تحكمها مقاربات معينة، وتحدد سياساتها واستراتيجياتها أهداف محددة، ولعل من أبرز هذه الأهداف تكريس تبعية الدول الضعيفة للدول القوية. تلك التقارير قد تكون صائبة أحيانا في تشخيص الوضع وتحديد بعض الإجراءات الملائمة، لكنها تكون دائما محكومة بسياق عام يجعل للحلول المقترحة أثرا سلبيا أكثر منه إيجابيا، ولعل في تجربة المغرب ما يوضح ذلك، فمنذ بداية الثمانينات والدولة المغربية تسعى لتطبيق توصيات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، فماذا كانت النتيجة؟

وأظن أنه لحل معضلة التمويل لابد من مبادرة تاريخية من مثل تلك التي اقترحها الأستاذ عبد السلام ياسين على ملك المغرب في "مذكرة إلى من يهمه الأمر".

من شأن تلك المبادرة أن تعيد الثقة للمغاربة، وأن تكرس روح التضامن بينهم، وأن تشجع الاستثمار، وأن تحد من الاختلاس والنهب، وأن تساهم في إخراجنا من بوتقة الديون وفوائد الديون، وأن تحررنا من المساعدات المالية المشروطة...

المغاربة يحتاجون من أجل تحمل المسؤولية و المساهمة في بناء المستقبل إلى النموذج والقدوة و ليس إلى الخطابات والشعارات المنمقة.

لكن يبدو والله أعلم أن الاستجابة لتلك المبادرة ودخول التاريخ من أبوابه المشرفة ليس سهل المنال.

- للخروج من الوضع الكارثي الذي يعيشه المغرب اقترح البنك الدولي مجموعة من السياسات المحددة: اتخاذ مجموعة من التدابير على المستوى القصير، منها إصلاح ماليات تخفيض الثقل الضريبي على الشركات، الحفاظ على مستوى ثابت للأجور الدنيا، تبسيط الضريبة على القيمة المضافة، تخفيض الرسوم الجمركية وغير الجمركية. هل في نظركم اقتراحات البنك الدولي تتماشى و الوضع الراهن؟ أم تقترحون اقتراحات أخرى؟ وما هي؟

+ هذه التدابير على المدى القصير، كلها تدابير مالية الهدف منها الحفاظ على توازنات مالية دون اعتبار للمسألة الاجتماعية. فماذا يعني مثلا الحفاظ على مستوى ثابت للأجور الدنيا، في الوقت الذي تعرف فيه تكاليف المعيشة ازديادا مطّردا؟ ألم يحن الأوان لنتحدث في المغرب مثلا عن (SMIC) وليس (SMIG) بحيث تتماشى الأجور مع الزيادة في الأسعار والتنامي في الحاجات الاستهلاكية.

قلت سابقا أن مقترحات البنك الدولي ينبغي أن نتعامل معها بنوع من اليقظة والانتباه. ولمزيد من التوضيح أقول أن البنك الدولي وضع في آخر السنة الماضية إستراتيجية للتعاون مع المغرب، تمتد من 2005 إلى 2009، ترمي هذه الإستراتيجية إلى تحقيق أربعة أهداف:

 أولا: تحسين التنافسية ومناخ الاستثمار، وذلك بالحفاظ على التوازنات الماكرواقتصادية، بالإبقاء على عجز الميزانية في 3% من الناتج الداخلي الخام. والتضخم في 2,5 في المائة..

 ثانيا: تحسين عيش الفقراء والمهددين بالفقر، بالخفض من دور الصفيح بنسبة 60 في المائة، وتحسين ولوج الخدمات الأساسية، والبرامج الاجتماعية..

 ثالثا: النهوض بإدارة المياه، وتحسين ولوج خدماتها، وخدمات التطهير..

 رابعا: تحسين فعالية النظام التربوي بالمغرب..

الكثير مما ورد في هذه الأهداف لا يمكن إلا أن نثمنه، لكن لا ينبغي أن يغيب عنا أن البنك الدولي يربط هذه الاستراتيجية ببرنامج قروض مرنة تتراوح ما بين 250 و350 مليون دولار سنويا، مما يعني المزيد من إثقال كاهل المغرب بالمديونية. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، ينبغي أن نذكر جيدا أن هذه ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها البنك الدولي عن هذه الأهداف. ففيما يرتبط بالنظام التربوي مثلا فقد سبق للبنك الدولي في تقريره الشهير لسنة 1995 أن وضع توصيات صارمة، لا تهم فقط مضمون الإصلاح ولكن أيضا طريقة تدبيره، وقد طبق المغرب بالحرف تلك التوصيات، وكانت النتيجة أنه الآن، وبعد سبع سنوات من وضع الميثاق الوطني للتربية والتكوين، يوصي البنك من جديد بتحسين فعالية النظام التربوي بالمغرب.

ماذا يفهم من هذا؟ أنا أفهم بأن الحلول لخروج المغرب من أزمته أكبر من أن تكون وصفات جاهزة يسوقها البنك الدولي، وأكبر من أن تكون مقاربات ترمي إلى الحفاظ على التوازنات الماكرواقتصادية.

أصل المشكل في هذا البلد، وينبغي أن نكون واضحين وصُرحاء، هي أن الدولة المغربية بعد الاستقلال لم تتأسس بإرادة جماعية مجسدة في رؤية واختيارات واضحة، وإنما تأسست بإرادة منفردة مستبدة. وكل ما يزرع على أرضية الاستبداد لا طائل منه. فكم أنشئت من مؤسسات؟ وكم أجريت من انتخابات؟ وكم وضع من دستور؟ وكم أنجزت من تقارير؟ وكم صيغت من قوانين؟ وكم أطلقت من مبادرات؟ لكن ما هي النتيجة؟ النتيجة هي ما تحدثنا عنه آنفا لأننا بنينا على غير أساس وابتدأنا الطريق بخطوة خاطئة.

مقترحنا في جماعة العدل والإحسان يبتديء بالحسم مع الاستبداد، ولا حسم مع الاستبداد إلا بإرادة جماعية والانطلاق من اختيارات واضحة، وتضافر الجهود، ومشاركة عامة المغاربة. هذا ما نتوخاه حين نقترح الميثاق الإسلامي.

وحين تكون الأرضية صالحة فلنتحدث آنذاك عن الدستور والانتخابات والحكومة والبرلمان والقانون والقضاء والإدارة والإصلاح الضريبي والتعليم والثقافة والفن والمقاولة.
وأقول لك من موقع المطلع عن قرب أن جماعة العدل والإحسان جاهزة للمساهمة بمقترحاتها في هذه القضايا وغيرها، لكننا نريد أن نبني على أساس، لأن ما لا أساس له مهدوم إن عاجلا أو آجلا.

- هل الخوصصة التي نهجها المغرب والتي أقر من خلالها البنك الدولي أن الاقتصاد الوطني لم يستفد منها، مع العلم أنكم كنتم ضد الخوصصة أصلا. ما هو الحل في نظركم؟

+ البنك الدولي هو من أوصى بالخوصصة وهو من يقرر الآن بأن المغرب لم يستفد منها . هذا يؤكد ما قلته سابقا. و بغض النظر عن الموقف منها فإن الخوصصة ، وكما تشهد بذلك تقارير عدة، طبقت بطرق مشبوهة. ففندق حياة ريجنسي مثلا تمت خوصصته ب18 مليار درهم في الوقت الذي كانت تساوي قيمته الحقيقية 27 مليار درهم أي بفارق 9 مليار درهم، و معمل ايكوز تم تفويته بدرهم رمزي في الوقت الذي كان قد كلف ميزانية الدولة40 مليار درهم علاوة على أنه عند تفويته كان به مخزون يقدر ب 9 مليار سنتيم، وتمت خوصصة لاسامير بتفويتها لشركة سعودية ب300 مليون دولار فقط في الوقت الذي قدرت قيمتها ب2 مليار دولار ، أما صفقة فيفاندي، التي بشروا بها كثيرا ، فإنها لم تحترم أبسط الشروط القانونية وفي مقدمتها شرط التنافسية الذي كان غائبا، حيث تم تفويت 35% من رأسمال الشركة بمبلغ 2.3مليار دولار فقط، في حين أن دراسات وزارة الخوصصة قدرت المبلغ المستحق آنذاك من 4 إلى 5مليار دولار، وقدرته بعض الشركات الدولية بحوالي 10 مليار دولار وهو ما صرح به مدير الوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات آنذاك. هذا في الوقت الذي يتم فيه تحويل "الدوزيم" من قناة خاصة إلى قناة عمومية بمجرد إفلاسها و يتم ضخ أموال ضخمة من المال العام لإنقاذها من الإفلاس، وإذا علمنا من كانوا يساهمون في رأسمال "الدوزيم" علمنا لماذا كل هذا.إنها المصالح الشخصية والمحسوبية و الرشاوي. إنها أموال الشعب يتم التلاعب بها دون خجل أو وجل.

و الحل في نظري هو ما قلته سابقا.و أضيف على من يمارسوا السياسة من داخل اللعبة السياسية أن يتقوا الله في هذا الشعب، فقد أصبحنا نشهد نخبا من مختلف التوجهات تتخلى عن مبادئها بكل بساطة تحت مبررات واهية من قبل الواقعية أو غيرها، و أصبح بعض الناس، ولا حول و لا قوة إلا بالله، لا يتبنون قضايا المغاربة ولايدافعون عنهم و إنما يدافعون عن النظام السياسي، أو بالأحرى يدافعون عن مصالحهم التي تكون مضمونة بقدر تزلفهم للمخزن.أسألك مثلا مَن مِن البرلمانيين بمختلف فرقهم يمكن أن يقوم بما قام به مؤخرا«جاك لاسال» العضو في الجمعية الوطنية الفرنسية، حيث قام بإضراب عن الطعام احتجاجا على إغلاق مصنع ياباني في دائرته الانتخابية، واعتصم بمقر البرلمان إلى أن تدخل «نيكولا ساركوزي» وتم الحصول على قرار من المصنع الياباني يقضي بالعدول عن الإغلاق وبالتالي عدم تسريح عمال فرنسيين؟ من من البرلمانيين قام بمثل هذا؟ في الوقت الذي يعرف فيه المغرب تسريحات بالجملة للعمال.

حوار مع محلل اقتصادي محمد نجيب بوليف

المغرب غير قادر على الرفع من وتيرة النمو لغياب دينامية تنموية حقيقية.

ملف السياسات الاجتماعية يتطلب فتح حوار مجتمعي حقيقي حول الأولويات المجتمعية.

- حذر البنك الدولي من حدوث أزمة اجتماعية في المغرب إذا ظل معدل النمو الاقتصادي على ما هو عليه. في نظركم، على ماذا استند البنك الدولي لاستخلاص تقريره؟

+ إن تعامل البنك الدولي مع المغرب قد أخذ منعطفا جديدا بعد المصادقة على المخطط الخماسي 2005-2009 الذي يربط المغرب مع هذه المنظمة الدولية. وفي الحقيقة، منذ 1995، حيث عرض البنك الدولي مذكرته الشهيرة حول المغرب –بطلب من الملك الراحل الحسن الثاني- والتي تحدث فيها عن ضرورة إصلاح التعليم وعن السكتة القلبية، ها هو البنك الدولي يصدر مذكرة تلو الأخرى ، كان آخرها تلك الصادرة في مارس 2006 وبالمناسبة فهي نسخة طبق الأصل لمذكرة صادرة في دجنبر2005 .

وفي الحقيقة لأول مرة في تاريخ البنك، هناك حديث عن إمكانية حدوث أزمة اجتماعية في المغرب إذا لم تطبق الإصلاحات العاجلة التي ينادي بها البنك الدولي. وقد استند البنك في هذا التقرير على مجموعة من المعطيات الاجتماعية التي تؤكد أن المغرب لم يستطع حقيقة التقدم في هذا المجال بما فيه الكفاية رغم التقدم الطفيف الذي حصل في بعض المؤشرات الماكرو اقتصادية. ولعل الخطاب الملكي ل18 ماي 2005 قد كان صريحا في هذا المجال، بحيث أعطى الانطلاقة لما سمي بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية اعتبارا لما آل إليه الوضع الاجتماعي من تدهور. و لا يخفى على أحد أن السياسة المعتمدة من طرف المغرب منذ 1983 -سنة بداية تطبيق برنامج التقويم الهيكلي- كانت بداية العد العكسي للتدهور الاجتماعي، ولم يستطع برنامج الخوصصة والسياسة الاقتصادية الجديدة المعتمدة منذ 1993 تحسين هذا الوضع. فالمشكل بالنسبة للمغرب يتمثل أساسا في عدم القدرة على المزاوجة الحقيقية بين الإصلاح الاقتصادي والإصلاح الاجتماعي باعتبار أن مختلف المؤشرات الاجتماعية تشير إلى أن الفوارق الاجتماعية تتزايد في المغرب، يعبر عنها مؤشر جيني الذي يبين تزايد تركز الثروة في يد البعض –يراجع تقرير المندوبية السامية للتخطيط حول تقييم المخطط الخماسي-طبعة 2005- وهو ما سبق أن أكد عليه البنك الدولي لما تحدث عن وجود مغربين 2 Maroc، كما يعبر عن هذا الوضع بقاء المغرب في المرتبة 125 من ترتيب التنمية البشرية منذ 1995 إلى حدود 2005.

- باعتباركم باحثا اقتصاديا، ما هي النقط السوداء التي تطبع السياسة الاقتصادية ببلادنا؟

+ النقط السوداء كثيرة نذكر منها على سبيل المثال:

* عدم التوفر على مخطط للتنمية الاقتصادية والاجتماعية -خماسي أو ثلاثي- في المغرب ما دام المخطط الأخير انتهى سنة 2004 وفي مقابل ذلك هناك مخططات قطاعية في السياحة والصناعة....

* ضعف نسبة النمو وعدم القدرة على التخلص من التبعية الدائمة للفلاحة- وبالضبط لتساقط الأمطار- بحيث تبقى نسبة النمو في المغرب مرهونة بمدى تساقط الأمطار، فسنة 2005 كانت سنة جافة مما أدى إلى نسبة نمو 1.8 في المائة وخلال هذه السنة التي عرفت تساقط الأمطار، هناك توقعات بالوصول لنسبة نمو 5.5 إلى 6 في المائة.

* غياب دور الدولة كفاعل أساسي في التنمية الاقتصادية وتحويل هذا الدور للقطاع الخاص، الذي لا زال لم يستطع بعد النهوض بمشاكله الخاصة، وبالأحرى تعويض الدولة في القيام بدور القاطرة التنموية، وذلك لكونه لا زال جد منقسم –المقاولة جد صغيرة والمقاولة المتوسطة والصغرى- عائليا، منغلقا وغير مبادر وفي حاجة إلى مساعدة الدولة الأمر الذي يجعل جزءا هاما من القطاع الخاص يفضل العمل السري أو الاقتصاد غير المهيكل.

* عدم تحديد الأهداف الاقتصادية الحقيقية. فهل المغرب بلد فلاحي أم صناعي أم خدماتي أم ماذا؟

* الاعتماد على موارد اقتصادية ومالية غير قارة وخاصة فيما يتعلق بالمدخول الأول على الصعيد الوطني الذي يبلغ 41 مليار درهم من السياحة وهو قطاع متقلب يخضع لعوامل مختلفة منها العامل الأمني والجيوسياسي المتغير- والمدخول الثاني المتمثل في تحويلات العمال المغاربة في الخارج الذي حدد في 40.5 مليار درهم سنة 2005-

* تراجع التنافسية الاقتصادية للاقتصاد المغربي والمتجلية أساسا في كون واردات المغرب تمثل ضعف صادراته، بمعنى أن نسبة التغطية هي في حدود 50 في المائة فقط.

* توقيع المغرب لعدة اتفاقيات للتبادل الحر، خاصة مع تركيا والولايات المتحدة الأمريكية مع غياب تام لتأهيل مختلف القطاعات الإنتاجية والخدماتية المغربية لمجابهة العولمة والمنافسة الدولية. ولعل ما وقع لقطاع النسيج عند انتهاء الاتفاقية متعددة الألياف بداية 2005 خير دليل على ما نقول.

* القطاع البنكي المغربي قطاع ريعي لا يستطيع المبادرة والمخاطرة ويفضل الحصول على الفارق بين الفوائد الدائنة والمدينة عوض اعتماد مبدأ التشاركية.

* ارتفاع المديونية الداخلية إلى مستويات كبيرة تنذر بوقوع أزمة مالية في المستقبل القريب، مع رهن مستقبل الحكومات والأجيال اللاحقة.


  في حدود الستينات كان المغرب يحتل الرتبة الثانية عربيا، حيث بلغ معدل النمو السنوي 5 في المائة ، ليتراجع إلى الرتبة الأخيرة ب2.5 في المائة في نهاية التسعينات. ما مرد هذا التراجع؟

+ هذه المعطيات غير واضحة كون المغرب كان هو الثاني عربيا في الستينات، لكن الحقيقة هو أن المغرب غير قادر على الرفع من وتيرة النمو لغياب دينامية تنموية حقيقية. فنسب النمو في المغرب منذ بداية الألفية الحالية لم تتجاوز 3.5 في المائة كمتوسط في السنوات الخمس الأخيرة، ولامتصاص البطالة في أفق 2020 يجب تحقيق نسبة نمو تفوق 8 في المائة في متوسط السنوات 15 المقبلة، أما للحفاظ على نفس نسبة مستوى البطالة الحالية فيضطر المغرب لتحقيق نسبة نمو متوسطة بين 5.5 و 6 في المائة في هذه الفترة.

- حدد البنك الدولي مجموعة من المقترحات للخروج من الأزمة، منها اتخاذ إجراءات تتعلق بتعديل الأجور، إصلاح نظام الضمان الاجتماعي والتعويض على البطالة. في نظركم هل هذه الإصلاحات كفيلة للخروج من الأزمة؟ وهل المغرب مؤهل ومستعد للقيام بهذه الإصلاحات؟

+ إن للبنك الدولي أولويات وفلسفة اقتصادية ليست بالضرورة تلك التي يتبناها المغرب. فالبنك الدولي يقدم وصفات مجردة من الناحية النظرية دون الأخذ بعين الاعتبار الإكراهات الاجتماعية والتوافقات التي يمكن أن تحصل على الصعيد الاجتماعي. وبالتالي فوصفاته قد تكون مناسبة وقد لا تكون. وخير دليل على ذلك هو أن الوصفات التي قدمها للعالم الثالث عموما، وللمغرب خصوصا منذ 1983، لم تكن في المستوى المطلوب وقد تراجع عن جزء منها في الفترة الأخيرة حيث بدأ يراجع أفكاره ويتحدث مع مختلف الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين في المغرب قبل أن يتخذ قراراته.

إن الوضعية في المغرب معقدة للغاية، ولعل الامتيازات المختلفة المقدمة لبعض الأشخاص وبعض القطاعات، وسوء التدبير الدولتي، وغياب العقاب بالنسبة لناهبي المال العام، وعدم التأهيل البشري المتعلق بطريقة تدبير الشأن العام، وتغليب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة، هي من الأسباب الرئيسية لعدم قدرة أي حكومة على الإصلاح، وما دامت هذه العوائق موجودة فالوضع سيزداد سوءا وتعقيدا، وأي حكومة كيفما كانت مكوناتها لن تستطيع تقديم حلول حقيقية للوضع المغربي في ظل هذه الإكراهات...

- اعتمد المغرب في مواجهة الأزمات المالية على مدا خيل استثنائية وليس على إنتاج ثروات مضافة. فهل مازال له الإمكانية في الاعتماد على السير في نفس النهج؟ وهل لازال للمغرب ما يخوصص؟

+ إن السياسات الاقتصادية المرتجلة لا يمكن أبدا أن تحقق نموا حقيقيا. فالاعتماد على مداخيل استثنائية متعلقة بالخوصصة حل آني لمشاكل آنية. وما دامت أموال الخوصصة استعملت أساسا لتغطية مصاريف تسييرية كالأجور وغيرها ولم تتوجه نحو الاستثمار والبنيات التجهيزية الأساسية، فلا يمكن أن نتحدث عن نجاح برنامج الخوصصة. وللإشارة فإن جزءا كبيرا من الأموال المحولة لصندوق الحسن الثاني – من مداخيل الخوصصة والمقدرة بحوالي 20 مليار درهم- لا زالت في خزينة هذا الصندوق ولم تستثمر بعد، علما بأن الاقتصاد محتاج للأموال ، وهذا الاقتصاد يقترض من الخارج ومن الداخل بفوائد كبيرة بينما الصندوق يحتفظ بالملايير السالفة الذكر.

لقد خوصص المغرب أجود ما عنده، وعلى الحكومة المغربية أن تنفق أموالا كثيرة لتحسين وضعية مؤسسات أخرى إن هي أرادت خوصصتها. فنجاح خوصصة بعض المؤسسات تطلب تقديم المغاربة لتضحيات مالية كبيرة قبل تفويت هذه المؤسسات.

- كيف يمكن ضمان الموارد المالية لتمويل السياسات الاجتماعية : التعويض على البطالة والضمان الاجتماعي؟

+ إن ملف التعويض عن البطالة والضمان الاجتماعي والتغطية الصحية الإجبارية والتقاعد من الملفات الاجتماعية المعقدة التي يصعب فتحها في الآونة الحالية. فصناديق التقاعد –ما عدا واحدا منها- مهددة كلها بالإفلاس في غضون الخمس سنوات المقبلة إن لم توجد لها حلول جذرية حقيقية. وقد ساهمت المغادرة الطوعية في تعميق هذا الوضع ما دام 39000 موظف قد غادروا عملهم ولم يعودوا يدفعون التحملات الاجتماعية لصندوق التقاعد.

إن ملف السياسات الاجتماعية يتطلب فتح حوار مجتمعي حقيقي حول الأولويات المجتمعية. فلا يمكن للحكومة أن تقرر لوحدها في هذا المجال في غياب تشاورات ميدانية حول هذه الأولويات. ولعل تفعيل دور الوقف والزكاة ومؤسسات التضامن وإنفاق العفو/الفائض، وخلق نظام إنتاجي وتمويل تشاركي معتمد على المشاركة عوض الريع، من بين المقترحات التي نقدمها في هذا المجال لضمان جزء من الموارد الضرورية لتمويل السياسات الاجتماعية بالمغرب –ولنا برنامج تفسيري وعملي لكيفية معالجة هذه الأمور بهذه الحلول المقترحة- كما أن تقليص الفوارق الاجتماعية وتحديد سقف أعلى للأجور العليا ورفع المستوى الأدنى لتضريب الأجور إلى 30000 سنويا على الأقل- من شأنه أيضا أن يدعم الدورة الاقتصادية وأن يساهم في بلورة حل جماعي لقضايا المغرب الاجتماعية.

حوار مع الباحث يحيى اليحياوي

الخوصصة أتت في سياق إفلاس الدولة المغربية وعجز النخب الحاكمة

- لماذا قرر القائمون ببلادنا خوصصة قطاع الاتصالات عدد كبير من القطاعات الحيوية؟ وهل كانت ضرورية أم مجرد اختيار؟

+ أزعم أن فهم مسلسل الخوصصة بالمغرب يستوجب الوقوف عند السياق العام الذي أتت في ظله وحكم صيرورتها وخطها الناظم منذ البدء، أي على الأقل منذ ثمانينات القرن الماضي وتحديدا منذ بداية تطبيق برامج التقويم الهيكلي التي فرضتها المؤسسات المالية الدولية على المغرب كما على سواه من الدول.

السياق هو ارتفاع المديونية الخارجية للمغرب وعجز الدولة على استنبات ظروف الاستثمار وتعذر إيجاد حلول بديلة لإخراج البلاد من وضعية الاختناق والاحتقان التي استتبعت تطبيق برامج التقويم. لم تكن المطالبة بتنحي الدولة في حينه جزءا من برنامج اقتصادي أو بحثا عن شروط العقلانية الاقتصادية فحسب، بل تحولت إلى جزء من إيديولوجية كونية (سيما في ظروف "انتصار" المنظومة الليبيرالية الجديدة) تقضم الأخضر واليابس دونما إيلاء قليل اعتبار لما قد يترتب عن ذلك. بدليل أنه لم يعد يشار إلى القطاع العام في جانبه المفلس أو المتجاوز، بل تحديدا في جانبه المربح، أي أن تحويل المنشآت العمومية للقطاع الخاص لم تعد محكومة بإفلاسها ولكن بمستوى ربحيتها ومغازلتها للرساميل الجوالة.

ليس عندي أدنى شك في أن الخوصصة بالمغرب إنما أتت اساسا في سياق إفلاس الدولة المغربية وعجز النخب الحاكمة بما فيهم "المفكرون الاقتصاديون" على توفير البديل للخروج من حالة الإفلاس هاته أو على الأقل التخفيف من ضغطها.

من جهة أخرى، فلما كان الاستثمار (سيما الأجنبي منه) يبحث عن مصادر للربح سريعة (ريعية أعني) فإنه لم يكن مستعدا للمجازفة في قطاعات مكلفة أو غير مضمونة النتائج أو مشكوك في مردوديتها، بل عمد إلى ولوج القطاعات ذات مستوى المجازفة الضعيف وفي مقدمتها القطاعات الشبكية من قبيل قطاعي الماء والكهرباء والاتصالات.

وعلى هذا الأساس، فالمسؤولون المغاربة لم يقرروا ذلك، بل دفعوا إليه دفعا تحت ضربات إفلاس الميزانية وضيق ذات اليد ومحدودية الأفق.

تسألني عن جانب الضرورة والاختيار في ذلك. أستطيع هنا أن أجزم أن الأمر لم يكن لا هذا ولا ذاك، إذ لم تكن المسألة محكومة برهانات اقتصادية كبرى من قبيل تحريك عجلة الاقتصاد أو إعادة إعداد التراب الوطني أو ما سواها، ولم تكن محكومة بمعطيات موضوعية (من قبيل الحاجة إلى فتح رأس المال للدخول في تحالفات إستراتيجية بين هذا القطاع أو ذاك) ولم تكن، فضلا عن ذلك، محكومة بتصور جديد في التنمية (من قبيل تسهيل الولوج إلى مجتمعات المعلومات والمعرفة أو تحرير السوق للرفع من الإنتاجية أو غير ذلك). كل هذا لم يكن قائما. كل ما في الأمر أن الدولة كانت (ولا تزال) في وضعية إفلاس، فعمدت إلى بيع مرافقها الأساسية ومولت بجزء من مداخيلها " برنامج الحسن الثاني" وأدمجت ما تبقى في الميزانية العامة لتأدية أجور موظفيها (الكبار منهم تحديدا).

الغريب، أن محاسبي الدولة أدمجوا مداخيل الخوصصة ضمن خانة الاستثمارات الخارجية فتباهوا بذلك، في حين أن العملية ليست كذلك، إذ هي مجرد عملية بيع شبيهة ببيع المواطن المعدم لأثاثه بغرض مواجهة الفاقة أو لإطعام أبنائه. إذا كانت العملية استثمارية خالصة فليقولوا لنا ما هي القيمة المضافة التي تأتت من العملية ومن يستفيد من تبعاتها اليوم؟

- ما هي آفاق خوصصة القطاعات الإستراتيجية بالمغرب مستقبلا؟

+ الخوصصة شبيهة بالإدمان إذا ألفها المرء لا يستطيع الإقلاع عنها بل قل هو مستعد لرهن كل ما لديه بغرض اقتناء ما يمكنه من تجاوز حالة الإدمان هاته. هي حالة مرضية بامتياز لا يمكن الخروج منها إلا بالإمعان في سلك سبيلها تماما كالتعاطي للمخدر.

ولما كانت الحالة ميؤوس منها تقريبا، فإن الحكومة استسهلت اللجوء إلى الحلول البسيطة للخروج من حالتها تماما كحالة المتعاطي للمخدرات الذي يسرق حلي والدته لاقتناء جرعة المخدر. بالتالي، فالحكومة ستعمد إلى خوصصة كل ما تطوله يداها، ليس لها من خيار آخر وهذا بصرف النظر عن طبيعة هاته الحكومة أو تلك أو برنامجها السياسي أو خلفيتها الفكرية أو ما سوى ذلك.

قد يجد المرء للخوصصة بعض عناصر التخفيف إن هي أدمجت (كعملية اقتصادية وليس كمداخيل) في برنامج التنمية واضح الرؤية، مضبوط العناصر، محدد في الزمن. وهو ما لا نجد له أثرا في حالة المغرب.

السؤال الجوهري هو التالي: لماذا الخوصصة (سيما القطاعات الكبرى)؟ وفق أية رؤية؟ من يستفيد منها؟ من يحول دون تكسير المرفق العام من بين ظهرانيها؟ هذا هو السؤال وليس التغني بمداخيل الخوصصة والتباهي ببرمجة منشآت أخرى لخوصصتها. أخشى أن يصل يوم لن تستطيع الدولة أداء رواتب موظفيها إلا بالدين أو الهبات.

- هل يمكن اعتبار الخوصصة بمثابة جريمة اقتصادية أو اجتماعية في حق الشعب المغربي؟

+ قد يكون من المبالغة الشديدة القول بذلك، إذ القرار اتخذته دولة ذات سيادة وحكومة شرعية وفي إطار مسطرة قد لا يتفق معها المرء لكنه لا يستطيع أن يطعن في مشروعيتها. لكن مكمن الخلل يأتي من مصادر أخرى. فخوصصة الاتصالات أتت في ظل قانون للتحرير (أي تحرير السوق دونما مس بطبيعة الملكية) فتم تأويله (بصيغة التعديلات والتتميمات غير البريئة) ليتحول إلى قانون في الخوصصة وهو أمر نبهت له في حينه.

ثم أن القانون ذاته (القانون 24-96 الشهير) لم يصوت عليه بالبرلمان إلا نسبة ضعيفة من النواب (نسبة لا تتعدى ال 10 بالمائة من عدد النواب) وهو ما لا يضفي عليه المشروعية كاملة، إذ المفروض أن يتم التداول بشأنه على نطاق واسع ويطرح للنقاش. وهو أمر يثير الغرابة حقا، إذ كلما كان ثمة مشروع ضخم بالبرلمان كلما استنكف النواب على الحضور واستعجل الحاضرون البث فيه دونما تأخير وغالبا ما يكون الأمر بنهاية الأسبوع أو بأيام العطل.

من جهة أخرى، فتواطؤ النقابات (سيما الكونفدرالية) كان صارخا ويدعو للحسرة وهو ما سلكته أيضا حينما وضع مشروع الاتفاقية الجماعية باتصالات المغرب فوقعت النقابات دونما استشارة القواعد وراج حينها (أقول راج لأني لا أمتلك الوثائق) أنها تقاضت رشاوى مقابل ذات الإمضاء، كل هذا يثير الأسى والحسرة ويحيل على إشكالية الولاءات واللوبيات والمصالح المتقاطعة وتداخل الفاعلين وتهافت الكل مع الكل ضد الكل. هذا أمر مقزز لا نزال نعيش تحت وطأته اليوم.
الإشكال هنا ليس إشكال خوصصة محض، إنه إشكال يتجاوز ذلك بكثير، إذ كيف لدولة أن تبيع مرافق حساسة بدعوى أنها عمومية اي ملك للدولة، في حين أنها ملك عام مشترك لكل المغاربة الحق في تقرير مصيره باستفتاء إن تطلب الأمر ذلك؟ وبأية صفة تتصرف حكومة ما عابرة في ملك عام مستمر في الزمن والمكان؟ وكيف لها أن ترهن الملك إياه لأجانب لا يمكن للمرء أن يتنبا بسلوكهم المستقبلي أو يثق في مشاريعهم؟

ثم أن المستثمر بهذه الحالة لا يبحث إلا عن الربح السريع ولا يعير قليل اهتمام لما هي التنمية أو البحث العلمي أو إعداد التراب الوطني أو ما سوى ذلك.

لو أردت أن تسمي كل هذا جريمة في حق الشعب المغربي، فهو كذلك دون شك.

- هل هناك انعكاسات سلبية لخوصصة قطاع اتصالات المغرب مثلا وكيف يمكن التصدي لها؟

+ أنا لا أتوفر على معطيات إحصائية دقيقة تمكنني من الوقوف عند الانعكاسات (السلبية أو الإيجابية) لعملية خوصصة الاتصالات بالمغرب، فالمعلومات بهذه النقطة حكر على جهة ولا يمكن للمرء الحصول عليها وتحليل عناصرها سيما فيما يخص التسعيرة وجودة الخدمات ومدى الاستفادة من تقنيات التسيير والتدبير التي من المفروض أن تستتبع هذه العملية سيما والقائمون عليها أجانب.

لكن الحاصل بالملاحظة الأولية على الأقل أن سوق الاتصالات لم يتحرر كما وعد القانون بذلك، بل تحول من احتكار عمومي إلى احتكار خاص ليس فقط فيما يتعلق بالهاتف القار والإنترنيت، بل وأيضا بسوق الاتصالات الخلوية. فالتحرير لا يزال بعيد المنال، إذ وجود فاعلين اثنين ليس دليل تحرير بل هو احتكار ثنائي لطالما نددت نظريات الاقتصاد الصناعي بتبعاته الآنية والمستقبلية سيما بجانب التنسيق بين الفاعلين وإقامة حواجز اصطناعية لولوج فاعلين جدد.

ثم أن وضعية المستخدمين أضحت هشة بمستويات كبيرة، إذ الاتفاقية الجماعية هي تطاول على الحقوق بامتياز. فالعديد من المستخدمين حرموا من منحة المردودية منذ دخلت هذه الاتفاقية حيز التنفيذ في حين تقاسمها " كبار المؤسسة" فيما بينهم. والنقابات (أو ما تبقى منها) اضحت لا "تهش" ولا "تنش"، بل بعضهم أعلن حل نقابته ولم يمر على إنشائها إلا بعض الوقت تحت دعوى التعاطي " للعمل الجمعوي والسياسي" أمام تعذر العمل النقابي...وهكذا.

- هل يمكن، في يوم من الأيام، التفكير في التراجع عن هذه الخوصصة؟

+ هذا سؤال افتراضي يستوجب جوابا افتراضيا. بمعنى أنه لو كنا حقيقة في ظل نظام ديموقراطي تتدافع في خضمه التيارات الفكرية والبرامج السياسية ويتم الاحتكام من بين ظهرانيه إلى إرادة الجماهير، فإنه من الوارد أن تراجع القوانين بغرض البحث عن الحد الأدنى من التحكم في القطاعات المخوصصة أو احترام عناصر المرفق العام القائمة عليه نظريا أو مراجعة شروط الخوصصة (صيغة وعلى مستوى التقييم).

أما وأن الأمر غير ذلك، فإن التجربة أثبتت أن القرارات الكبرى (الراهنة للحاضر والمستقبل) غالبا ما تعتمد خارج الفضاء المعهود في بلدان أخرى.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى