الخميس ٢٩ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٢
بقلم جميل السلحوت

امرأة عائدة من الموت لنافذ الرفاعي

رواية نافذ الرفاعي امرأة عائدة من الموت الصادرة عن جماعة الباب الثقافية في بيت لحم عام 2011 اتخذت شكلا جديدا مغايرا للمألوف في الرواية العربية، فهي أشبه ما تكون بقصص وحكايات وتقارير صحفية جمعها الكاتب حول الاجتياح الاسرائيلي لمدن وبلدات الضفة الغربية عام 2002 في انتفاضة الأقصى، وما رافق ذلك من ويلات وقتل وتدمير وتخريب مارسها جنود الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني.

والرواية عنوانها"امرأة عائدة من الموت"وهو عنوان فلسفي يثير تساؤلات، فكيف يعود الميت ولماذا؟ والقارئ للرواية سيجد أن المرأة العائدة من الموت امرأة فلسطينية من منطقة بيت لحم، حملت حزاما ناسفا لتفجره وتتفجر معه في القدس الغربية، لكنها عدلت عن فكرتها عندما ابتسمت لها طفلة يهودية تجرها والدتها في عربة أطفال، وكأن الطفلة ابتسمت للحياة ببراءة الطفولة، فأنقذت نفسها وأنقذت غيرها بمن في ذلك المرأة التي حملت روحها على كفها لتنتقم من الذين يمارسون القتل على ارض وطنها، ويلاحظ أن الكاتب وضع هذا الحدث مقابلا لمقتل الطفلة الفلسطينية الرضيعة ايمان حجو التي قتلها جنود الاحتلال، وهنا تتجسد انسانية الفلسطيني ووحشية المحتل.

وتتوالى أحداث الرواية من خلال سرد الراوي قصصها وحكاياتها وأحداثها للفتاة ذات القبعة الحمراء التي التقاها صدفة في القدس، وتوالت لقاءاته بها في القدس وبيت لحم، ويبدو أن الكاتب ابتدع قصة هذه الفتاة ليروي لها على طريقة الف ليلة وليلة، ليتمكن خلالها من ربط قصصه وحكاياته ليجعل منها رواية.

وفي صفحات الرواية الأولى يركز الكاتب على قضية اغلاق مدينة القدس أمام المواطنين الفلسطينيين من بقية الأراضي المحتلة، مع ما تمثله المدينة المقدسة في وجدان الفلسطينيين من النواحي الدينية والعقائدية والتاريخية والثقافية والسياسية، ويسرد محاولات الرواي في التسلل الى المدينة المقدسة بطرق شتى متخطيا جدار التوسع الاحتلالي الذي أحكم اغلاق المدينة أمام شعبها، غير أنه نجح في دخولها عندما استقل باصا عموميا وتجاهلت المجندة وجوده عند الحاجز العسكري، لكنه كان حذرا في مشيه في شوارع وطرقات القدس لأنه لا يملك دخولها حسب قوانين الاحتلال، وما يتعرض له من تعذيب وتنكيل اذا ما دخل، متسللا الى مدينته،

وقد أسهب الكاتب في وصف شوارع القدس والأماكن التي دخلها أو مرّ فيها في المدينة، كما فعل في وصف مدينة بيت لحم وكنيسة المهد ومسجد عمر المقابل للكنيسة، منتقدا هدم المسجد التاريخي واعادة بنائه في العام 1958.

الفلسطيني الانسان: والقارئ للرواية سيجد الفلسطيني فيها انسانا عاديا مثله مثل بقية البشر، يسعى الى حياة آمنة مطمئنة، لكن الاحتلال يسلبه أمنه وكرامته وحتى حياته، مما يدفعه الى مقاومة هذا الاحتلال، والفلسطيني الانسان يجوع ويعرى ويخاف على نفسه وعلى غيره، انه يحب الحياة وليس زاهدا فيها، وهو مؤمن بهذه الحياة وكما قال الراحل محمود درويش"على هذه الأرض ما يستحق الحياة" والفلسطيني الانسان بشر كبقية البشر ولم يصوره الكاتب كانسان نموذجي، حتى المقاتلين الفلسطينيين منهم من كان جبانا، ومنهم من كان استعراضيا، ومنهم من امتشق السلاح لأغراض في نفسه، ومنهم المقاتل الحقيقي الذي يعرف ما يريد.

والشعب الفلسطيني كبقية الشعوب فيه تعدديات فكرية وسياسية، فهناك من كان يؤمن بالمقاومة الشعبية كما حصل في الانتفاضة الأولى، ومنهم من يؤمن بالمقاومة المسلحة كما حصل في الانتفاضة الثانية، ويدور جدل حول ذلك، لكن للاحتلال رأي آخر فهو يقمع بلا هوادة ويقتل ويدمر ويهدم بسبب وبدون سبب، مثل ذلك اللاجئ في مخيم طولكرم الذي هدم الاحتلال بيته للمرة السابعة مما أورثه حزنا أدى الى وفاته وهو يحلم بالعودة الى قريته التي شرد منها في نكبة العام 1948.

وللمرأة دور في الرواية فعرين حاولت القيام بعملية استشهادية تراجعت عنها أمام ابتسامة طفلة اسرائيلية، ومرام حاولت القيام بعملية أخرى عدة مرات لكن ابن عمها المنتمي لاحدى الفصائل المسلحة لم يساعدها في تنفيذ رغبتها....وتلك الفتاة التي رفضت رغبة والديها في تزويجها من ابن عمها، وأخرى سافرت الى موسكو لدراسة الفن التشكيلي، وكانت لها مغامراتها في الحب هي الأخرى. واختارت الارتباط بمقاوم، والمرأة الفلسطينية هي التي تحافظ على بيتها وعلى أولادها، وتتحمل المشاق والصعاب في سبيل ذلك.

وأبدع الكاتب في وصف الأخوة الاسلامية المسيحية في فلسطين، حيث يرفع الأذان في المساجد وتقرع أجراس الكنائس المجاورة، ويخشع لها المستمعون من أتباع الديانتين، وكيف أن أحد الرهبان استشهد في كنيسة المهد في بيت لحم التي حوصرت لمدة 42 يوما، وتم ابعاد من فيها الى قطاع غزة وبعض الدول الأوروبية، كما أن أحد الخوارنة حمى الراوي في بيته في بيت جالا أثناء الاجتياح.

المرأة ذات القبعة الحمراء: واضح أن شخصيات هذا العمل الأدبي تمثل رموزا قصدها الكاتب، وقد توقفت كثيرا عند شخصية المرأة ذات القبعة الحمراء، والتي ترتدي "بلوزة" مرسوم عليها صورة الثائر الأممي جيفارا، لكنها لا تعرف شيئا عن صاحب الصورة، وانتهت الرواية بأن هذه المرأة لم تعد ترتدي القبعة الحمراء، فهل قصد الكاتب بذلك بعض القوى الماركسية التي رفعت شعار الماركسية دون أن تفهمها، أو فهمتها مجزوءة الى أن تخلت عنها في النهاية؟
اللغة: لقد أفسدت الأخطاء اللغوية الكثيرة جدا جمالية بلاغة لغة الكاتب، ولو تمت مراجعة اللغة وتصحيح الأخطاء لساهم ذلك في متعة القارئ للرواية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى