الاثنين ٧ شباط (فبراير) ٢٠١١
بقلم جميل السلحوت

بدون مؤاخذة- مصر التي نعرفها

الثورة الشعبية المنطلقة في المدن المصرية منذ 25 يناير الماضي وما تبعتها من تطورات ومدّ وجزر وردود فعل محلية وعربية ودولية، تثبت من جديد أن الشعوب العربية متقدمة على قياداتها السياسية، واذا كانت بعض الأنظمة قد ارتضت لنفسها أن تكون وكيلا لتنفيذ سياسات خارجية على حساب أوطانها وشعوبها وأمتها، فقد أثبت الشعبان التونسي والمصري أن بوصلة الشعوب لا تخطئ، وأن ظلام الليل سيعقبه فجر صباح يتسامى، واذا كان نظام مبارك في مصر قد بنى طبقة من الفاسدين والمفسدين تحكمت برقاب الشعب المصري، فنهبت ما نهبت، وطغت وتجبرت وقمعت وتحكمت بمقدرات وطن وشعب وأمة، فقد أثبتت الثورة الشعبية العارمة أن الأنظمة الدكتاتورية زائلة لا محالة، وأنها اذا ابتعدت خطوة عن مصالح شعوبها، فان هذه الشعوب ستبتعد عنها أميالا، واذا كانت الدكتاتوريات لا تتعلم من التاريخ تماما مثل أسيادها المستعمرين والطامعين، فان الشعوب في المقابل هي صانعة التاريخ، وأن البقاء لها في النهاية، ولعل تخلي أسياد زين العابدين بن علي وحسني مبارك عنهما، يكون عبرة لأقرانهما ممن باعوا كرامة الأوطان والشعوب، فحتى الذين كانوا يعتبرون نظام مبارك كنزا استراتيجيا لسياساتهم ومصالحهم في المنطقة، فانهم- ورغم الرعب الذي يعيشونه- يحاولون استرضاء من سيخلفونه في الحكم، لكنهم لم يتعلموا الدرس هم الآخرون أيضا، فلم يعلنوا حتى استعدادهم لتغيير سياساتهم الرعناء في المنطقة، ولم يتعرق لهم جبين على انتهاكات حقوق الانسان من قبل الأنظمة القمعية التي كانوا ولا يزالون يساندونها، مع أنهم لا يتورعون من رفع شعارات براقة كالديموقراطية واطلاق الحريات وحقوق الانسان، مما يعني أن الصراع بين قوى الخير الذي تمثله الشعوب من جانب، وقوى الشر المتمثل بالدكتاتوريات والاستعمار من جانب آخر سيبقى قائما.

ومع أن الشعب المصري صانع حضارة وادي النيل ووريثها الذي ثار لكرامته وكرامة وطنه، لن يتراجع عن حقه في الحرية والكرامة ، فان النظام ورغم محاولات الرئيس مبارك التحلي بالعقلانية ليتشبث بثمانية شهور يطمع فيها أن يبقى رئيسا، الا انه قدم تنازلات لا تحقق الحد الأدنى من مطالب شعبه، وبالتأكيد فان ما قام به بلطجية الأجهزة الأمنية والحزب الوطني الحاكم من هجوم"الدواب" الوحشي على المعتصمين في ميدان التحرير وسط القاهرة، وعمليات نهب وسلب وترويع وقتل في أحياء المدينة وغيرها من المدن المصرية،وأدت الى قتل المئات وجرح الآلاف، لم تكن من وراء الرئيس وأعوانه، ويمكن اعتبارها رسالة حرب على الشعب وعلى الرافضين للظلم والطغيان، وأن الأسوأ مخبوء في باطن الأيام القادمة.

وأمريكا التي ارتعبت من الثورة الشعبية في مصر، وقدمت النصائح بنقل "سلس" للسلطة عادت تغازل النظام من جديد، وكأنها لم تتعلم شيئا من انتفاضة الشعب التونسي، وغابت عن ذاكرة حكامها الثورة الشعبية الايرانية التي أطاحت بنظام الشاه في أواخر سبعينيات القرن الماضي.

ومصر التي يتعدى دورها حدودها، فهي ذات تأثير كبير وريادي في الشرق الأوسط برمته، وفي افريقيا وغيرها، لن يقبل شعبها لها أقل من ذلك....فالمارد انطلق من قمقمه ولن يستطيع أحد السيطرة عليه...وهذه مصر التي نعرفها لا تلين ولا تستكين.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى