الأربعاء ٢١ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٩
بقلم هـيـثـم الـبوسـعـيـدي

بقايا العبودية في مجتمعات الخليج

حوى الاسلام تعاليم ومبادئ حرمت الاشكال المختلفة للرق والعبودية، وكان للإسلام الريادة في القضاء على هذه العادة البغيضة عندما أعلن أن أكرم الناس عند الله هو اتقاهم، لكن القرون التي تلت ظهور الاسلام شهدت ردة عن هذه المبادئ ومن ثم عادت اشكال وصور العبودية مثل اسواق النخاسة واسترقاق الناس واستجلابهم من عدة مناطق وبلدان.

حال منطقة الخليج لا يختلف كثيرا عن بقية بلدان المنطقة العربية في ممارسة اشكال وصور العبودية عبر القرون الماضية التي استمرت في ظل غياب الوعي الديني والانظمة التي تحرم الاستعباد والسبي حتى منتصف القرن المنصرم، وتركزت هذه الممارسات اللاخلاقية في بلدان شرق افريقيا نظرا للقرب الجغرافي والظروف الصعبة التي كانت تعيشها تلك البلدان من جميع النواحي، ولعب التجار والشيوخ والوجهاء القادمين من عدة دول دورا كبيرا في استجلاب وتمليك الافارقة للعرب الخليجين حيث انهم مارسوا أشكال الظلم بقيامهم بسرقت مجموعات من الافارقة و شرائهم اطفال من عدة مدن افريقية ومن ثم بيعهم في الاسواق العربية ليطلق على الاسود تسمية عبد او خادم او خال.

لذا فإن مظاهر العبوديه ظهرت بشكل واضح في المجتمع الخليجي بأن يكون ذلك الاسود قاصرا على نفسه وهنالك من يتحكم به ويورثه للابناء ويتحكم في لقمة عيشه، بل له حرية التصرف في ذلك العبد كما يشاء ولا يوجد من ينصفه او يدافع عن حقوقه.

مع مرور الزمن ظهرت فئة السود ذوو الاصول الافريقية في المجتمعات الخليجية بشكل واضح وبارز، وفي منتصف القرن الماضي جاءت الثروة النفطية التي حررت الخليج من العزلة والجهل لتمشي دول المنطقة في خطى التطور والمدنية الذي منح تلك الفئة فرص الاستقلال والانعتاق من تحكم فئة الاسياد حيث اصبح بمقدور ذلك الاسود الزواج والعمل والتملك والتعلم وممارسة التجارة. ولم تفرض الحكومات اي شكل من اشكال العنصرية والتمييز ضد المنتميين لهذه الفئة بل منحته مميزات المواطن العادي واتاحت له الفرصة من اجل المساهمة في تطوير البنى التحتية والمشاركة في بناء الاوطان ، الادلة على ذلك وصول بعض هؤلاء الى وظائف قيادية في الحكومات المتعاقبة كذلك وجود بعض القوانين في بعض الدساتير الخليجية التي تعاقب من يسئ الى صاحب البشرة السوداء، اما ظهور التمييز في بعض المواقف والاحداث ضد المنتميين لفئة السود فهي حوادث فردية وليست افعال مقصودة من قبل تلك الحكومات.

لكن الحكومات والاسرالحاكمة وقطاعات كثيرة في المجتمع الخليجي اغفلت عملية تنظيم علاقة المنتميين لفئة السود بالفئات الآخرى والقبائل والعشائر الموجودة في المنطقة، بل ابقت الوضع الاجتماعي كما هو بدون ادراك بأن ذلك قد يؤدي الى عدة اشكاليات وحدوث حساسيات بين مختلف الفئات ... هذا يدفعنا الى طرح عدة اسئلة هل هناك تفرقة او عنصرية ضد السود في المجتمعات الخليجية ؟ ما هي مظاهر واشكال هذا التمييز وما مدى انتشاره بين طبقات المجتمع؟

وجود التمييز ضد فئة السود في مجتمعات الخليج هي جزء من مشكلة أكبر تتعلق بمشاكل آخرى مثل الطائفية والقبلية التي هي مجموعة من الامراض الاجتماعية والعادات البالية والمظاهر السيئة التي تعاني منها المجتمعات العربية. لكن ليس بإمكاننا انكار وجود العنصرية ضد السود فهي موجودة في المجتمعات الخليجية بشكل قوي ومظاهر التمييز واضحة للعيان وتمارس بصورة علنية وغيرعلنية كما ان المثالان التاليان هما من ضمن الظواهر والمواقف التي تدعم الاتهامات الموجهه ضد فئات المجتمع بخصوص العنصرية والتمييز ضد المواطن الاسود:

هل يقدر اثنان مرتبطان بعلاقة حب الزواج ويكون أحدهما اسود اللون؟ لا يمكن انكار حالات حدوث الزواج والحب عندما يكون احد الطرفين اسود البشرة، لكن اذا دققنا نجد ان تلك حالات قليلة فالمجتمع لا يقبل زواج الاسود ذو الاصول الافريقية من البنت ذو الاصول العربية، كذلك ان المحافظين في المجتمعات الخليجية يعتبرون زواج الرجل ذو الاصول العربية من المرأة ذو الاصول الفريقية امر مستهجن وغريب إلا في حالة واحدة فقط اذا كانت تلك المرأة ترجع الى فئة العبيد الملتصقين بعائلة ذلك الرجل. ثانيا كلمات الاستعلاء التي قد يطلقها بعض الافراد على الافراد المنتمين لفئة السود مثل عبد او خال اوخادم وهي جزء من عدة كلمات قد تطلق على الافراد الآخريين المنتميين للفئات والطوائف الآخرى. هذا الامثلة تؤكد إن بعض المجتمعات ما زالت تتعامل مع عقلية القرون الغابرة في التعامل مع أصحاب البشرة السوداء أو السمراء على حسب الفهم القديم وذلك حتى على مستوى العقليات المتعلمة والنيرة وهذا يؤكد الرزوح تحت نير المفاهيم الخاطئة.

من جانب آخر فإن العلاقة بين الابيض والاسود او العبد والحر هي علاقة حساسة قد لا نجد تفسير واضح لهذه العلاقة إلا عند التعمق في هذه العلاقة ودراسة تصرفات الطرفين، على سبيل المثال في احد الدول الخليجية من كان عبدا في الماضي لشخص معين لا يزال هو وأولاده وأحفاده يقومون بأمور الدفن والطهي والولائم الكبيرة عند المصائب والافراح وتقديم الاكل والشراب للضيوف وتولي امور العرس من رقص وغناء وطبل وزمر، لكن عند التمعن في هذه الصورة لا يوجد امر يلزم هؤلاء بعمل كل هذه الامور في وقتنا الحاضر لان السيد او الابيض او الحر لم يعد يتحكم في مصائرهم من اكل وشرب وسكن ومعاش وهو لا يملك القوة الرادعة التي تجبرهم على عمل ذلك. هذه الصور تأتي نتيجة موروث من الماضي وصورة من صور الولاء والتمسك التي تربط الافراد المنتمين لفئة السود بتلك العائلات الخليجية ذات الاصول العربية، مع وجود صور آخرى تعكس التداخل والترابط الذي يجمع هاتين الفئتين نظرا لاعتبارات العيش المشترك والارتباط التاريخي فكم هناك من القصص والروايات والذكريات التي تعكس التلاحم والتواد بين الأسود و وأهله والعائلة العربية المملوكين لها.

لا أحد ينكر ان الافارقه اسهموا في بناء المجتمعات الخليجية وقدموا تضحيات جليلة واثروا الاوطان من عدة نواحي على سبيل المثال لا الحصر بعض من الاهازيج والاغاني في عمان والكويت هي على طريقة الالحان الافريقية، لكن في الوقت الحاضر عند الاقتراب من هذه الفئة ووضعها تحت المجهر يتبين ان الكثير من السود يستاؤون ويحسون بالدونية أو الخجل من ذكر أن والده أو جده كان عبدا لفلان أو لعائله فلان او النظر اليه على كونه عبد فقط ، بل يتجنب ما يفعله بعض الآباء او الاجداد من طبع القبلات على جبين الاسياد كدلالة على الاحترام والطاعة.

نظرا للعنصرية من قبل بعض الافراد ضد السود ونتيجة للطفرة الكبيرة في كل المجالات التي حررت السود من سلاسل العبودية تولدت لدى البعض منهم مشاعر دفعت بعضهم نحو التكبر والكره وعدم احترام الآخريين خصوصا من كانوا يعتبرون اسيادهم او اعمامهم او (حبابينهم) لان فاقد الشي لا يعطيه، لكن في المقابل يرى الآخريين من ابناء القبائل او العشائر ان المنتميين لفئة السود سلبوا منهم حق ليس لهم الا وهو اعتراف الجهات الرسمية في بعض البلدان الخليجية بنسبة وتسمية السود بنفس مسمى قبائل الاسياد او الاحرار الذين كانوا يرجعون اليهم في الماضي بحيث اصبح الاسود القادم من افريقيا وذو الاصول الافريقية يحمل نسب غير نسبه وهذا امر غير شرعي وغير جائز في الشريعة الاسلامية وهو فعلا ما سيؤدي مستقبلا الى اختلاط الانساب حسب ما يقوله ويؤكد عليه بعض الرافضين لنسبة فئة السود الى القبائل والعشائر الخليجية.

أخيرا لا يمكن القول بحدوث عملية (عتق) رسمي او مجتمعي لفئة السود او انتهاء اشكالية العنصرية او العبودية، ومما يؤكد على ذلك استمرارية تلقيبهم بكلمة خدام من قبل نسبة كبيرة في المجتمع الخليجي ووجود النظرة الدونية لأصحاب البشرة السوداء تراها في تسمية بعض الأحياء بحي العبيد أو السود. في اعتقادي ان المشكلة سوف تستمر لان الحكومات مع قيادات المجتمعات تجاهلت تنظيم هذه المشكلة التي أساسها الجهل ونقص الوعي الديني، ولم تقوم بتثقيف افراد المجتمع حول هذه الافكار والعادات البغيضة وتهرب الجميع سواء الحكومات ورجال الدين وزعماء العشائر والمثقفين من تقديم الحلول الجذرية لهذه المشكلة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى