الثلاثاء ٣٠ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٢
بقلم جميل السلحوت

بنت وثلاثة أولاد في مدينة الأجداد

عن مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي في رام الله-فلسطين صدر في الأشهر القليلية الماضية قصة طويلة للأطفال بعنوان «بنت وثلاثة أولاد في مدينة الأجداد» للأديب الكبير محمود شقير، محلاة برسومات الفنان التشكيلي حسني رضوان، وهي مطبوعة على ورق مصقول، ورسوماتها مفروزة الألوان، والقصة صفحاتها غير مرقمة.

مؤلف القصة محمود شقير، أديب كبير معروف، صدر له حوالي 40 كتابا في القصة القصيرة، والأقصوصة، وقصة الأطفال والفتيان، وأدب الرحلات، والمسرحية، واليوميات، وله سرديات تتفاوت بين القصة والرواية، وستصدر له رواية قريبا، كما كتب المسلسلات التلفزيونية، وهو أول الفائزين بجائزة الراحل العظيم الشاعر محمود درويش، ويعتبره النقاد ملك القصة العربية، وترجمت له قصص لأكثر من عشر لغات.

وفي القصة التي نحن بصددها"بنت وثلاثة أولاد في مدينة الأجداد" يؤكد لنا أديبنا شقير بأنه يأتينا دائما بما هو جديد بطريقة ابداعية لافتة، وأنه يستطيع ابتداع حدث بسيط ليسرد لنا من خلاله ما يرمي اليه من أهداف، ومنها تعريف القراء –والأطفال منهم- بوطنهم وتاريخهم، ولمّا كانت القدس همّه الأول لما تتعرض له المدينة من سلب للجغرافيا والتاريخ، فقد كتب عنها أكثر من سردية وأكثر من مجموعة قصصية من القص الوجيز، وها هو يعرج على مدينة أريحا في قصة طويلة للأطفال.

ومحمود شقير في هذه القصة عالم تماما بنفسية الأطفال وكيفية تفكيرهم البرئ، فكثيرا ما نشاهد الأطفال وقد انتظموا في مجموعات يمارسون من خلالها طقوسهم وألعابهم الصبيانية التي تتناسب وقدراتهم العقلية.

مضمون القصة: يتمحور مضمون القصة على حدث بسيط هو: تزحلُق طفل في الشارع بسبب قشرة موز ملقاة على الرصيف، فيفكر الطفل بالانتقام من رئيس البلدية بسبب ذلك، ويشكل عصابة من أقرانه وهما ولدان وبنت، وتدور بهم الأفكار بصبيانية متناهية لتشكيل عصابة، مهمتها الانتقام، ويقترحون اقتراحات صبيانية مثل القاء عشرين قشرة موز في طريق رئيس البلدية، أو منع القطار الهوائي" تل فريك من العمل لمدة أسبوع، ومنع سكان المدينة من النوم لمدة أسبوع، لكنهم في النهاية يصلون الى الحلول الصحيحة والسليمة من خلال الحوار فيما بينهم، وهو التطوع لتنظيف شوارع وطرقات المدينة، أو يُبَلِّطون رصيفا في أحد أحياء المدينة، والرسم الجميل على جدران الشوارع لتزيينها وجذب السياح اليها.

قيم تعليمية وتربوية: وردت في القصة عدة قيم تعليمية وتربوية منها:

 أريحا أقدم مدينة في العالم.

 عمر مدينة أريحا عشرة آلاف عام.

 أريحا مدينة فلسطينية عربية بناها الكنعانيون العرب.

 تقع أريحا في أخفض منطقة في العالم.

 يقع البحر الميت الفريد من نوعه قرب مدينة أريحا.

 أريحا دافئة شتاء ومعتدلة في فصل الربيع.

 في مدينة أريحا مواقع أثرية تاريخية مثل دير قرنطل وقصر هشام.

 للبلدية وظائف هدفها خدمة سكان المدينة.

 أهمية مطالعة الكتب لزيادة المعرفة وهذا ورد على لسان بثينة أكثر من مرّة. كما ورد ذكر مكتبة البلدية وضرورة تردد المواطنين عليها لقراءة ما فيها من كتب.

بثينة: بثينة شقيقة زيدان، وهما صديقان لسفيان الذي تزحلق بقشرة الموز، وانضما مع اسطفان الى عصابة الأطفال التي اقترحها سفيان، ونلاحظ أنها كانت أكثرهم وعيا وعقلانية، وهذا ليس أمرا عفويا، بل هدف الكاتب من ذلك تبيان دور الإناث في مجتمعنا، وهو يدعو بذلك-وإن بطريقة غير مباشرة- الى إشراك المرأة بمختلف مراحلها العمرية في كافة مجالات الحياة، وأنها مؤهلة للقيام بدورها، وقد كان واضحا في القصة انحياز الكاتب للمرأة، فقد جاء على لسان السارد:"ولبثينة حضور جذّاب، ولها ملاحظات صريحة على ما تسمعه من كلام".

أسطفان: ويلاحظ من اسمه أنه مسيحي الديانة، وفي هذا إشارة الى أن شعبنا متعدد الديانات والثقافات، وأن الطائفية لا مكان لها بين أبناء شعبنا...فكلنا أبناء شعب واحد، متساوون في الحقوق والواجبات.

اللغة والتشويق: يملك أديبنا لغة جميلة بليغة، وأسلوبه مشوق بشكل لافت، فالقارئ للقصة يتابع أحداثها بيسر وسهولة، ويجد فيها متعة وتسلية.

الرسومات: مع أن ما يطبع عندنا من كتابات للأطفال يعاني من الرسومات غير اللائقة وغير المعبرة عن المضمون في غالبيته، إلا أن رسومات الفنان التشكيلي حسني رضوان هنا تشكل استثناء إيجابيا، فهي رسومات جميلة ولافتة وتعكس المضمون بشكل لافت، بل وتسهل للأطفال فهم النص، بل وتثير فيهم الرغبة لزيارة مدينة أريحا التي تدور فيها أحداث القصة.

الإخراج الفني: الكتاب مطبوع على ورق مصقول، ورسوماته مفروزة ألوانها، وهذا أمر جيد ومطلوب، لكنني أتساءل عن سبب عدم استعمال غلاف مقوى لهذه القصة ليسهل حفظها- خصوصا وأنها مخصصة للأطفال-؟ فأطفالنا يستحقون الكثير، مع إدراكنا للتكلفة المادية المترتبة على ذلك، لكن طباعة الكتاب مدعومة من القنصلية البلجيكية العامة في القدس، كما ورد في الصفحة الأخيرة. ومونتاج القصة موفق وجميل، لكنني أتساءل مرة أخرى عن سبب وضع اسم الناشر والجهة الداعمة وتاريخ النشر على الصفحة الأخيرة، وليس على الصفحة الثانية من الكتاب كما هو متعارف عليه؟ أو ليس في ذلك تقليد غير مدروس لكتب الأطفال الأجنبية، والتي تبدأ لغاتها من اليسار الى اليمين؟ وهذا ما جعل الصفحة الأولى في الكتاب تماما مثل الغلاف الأول بدون الرسومات، لتبدأ القصة في الصفحة الثانية مباشرة.

لماذا: معروف أن الكاتب عندما يكتب موضوعا معينا يكتب عن جانب واحد منه، فهو لا يكتب بحثا علميا عنه، لكنني أتساءل عن عدم تطرق الكاتب في القصة الى سبب القاء قشرة الموز في الشارع؟ ولماذا لم تكن في القصة دعوة لعدم القاء النفايات في الطرقات والشوارع؟ فقد ورد في القصة على لسان اسطفان ردا على بثينة في الصفحات الأخيرة من القصة:" ومن واجب قشر الموز أن يجد له مكانا غير الرصيف" فهل هذا واجب قشرة الموز أم واجب الانسان الذي ألقاها على الرصيف؟ صحيح أن كلا اسطفان كلام طفولي، لكنني أعتقد أن الطفل لن يدرك مغزاه.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى