الأربعاء ٢٤ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٠
بقلم محيي الدين غريب

ثمن البقاء

كانت ظروف الجيل الأول من المهاجرين أكثر من ملائمة وقتذاك عندما جاءوا لأوربا الغربية، سواء للحصول على حياة أفضل أو هربا من الأنظمة فى بلادهم، أو حتى كنوع من المغامرة.

ففى أواخر الستينات وأوائل السبعينات كانت مرحلة البناء والانفتاح الصناعي فى أوربا علي قدم وساق كبديل لإنحسار الموارد من المستعمرات وإنتقال عدد كبير من الصناعات منها إلي أوربا، مما أدي إلي احتياج شديد إلي القوة العاملة الأجنبية بجميع أشكالها.

كان حصول الأجانب علي الإقامة وتصاريح العمل وتحويل التأشيرات السياحية إلي تأشيرات عمل وإقامة دائمة أكثر سهولة ومرونة، حتى أنه سمح علي غير العادة بتوظيف الأجانب في الوزارات والهيئات الحكومية بدون أي شروط، ولا حتي شرط معرفة قدر من اللغة الرسمية للبلاد أو قدر من القوانين الأساسية أو ‏من التاريخ أو ما إلي ذلك.

أما الآن وكما نعرف فظروف أبناء الجيل الأول، ما يطلق عليهم الجيل الثانى، قد تغيرت كثيرا، ويكفى أن هذا الجيل الثانى لم يكن له حرية الاختيار فى أن يولد أو أن ينشأ ويتعلم هنا فى مجتمع يختلف اختلافا كبيرا من ناحية الثقافة الاجتماعية والدينية عن ثقافة آبائه وأمهاته، وحتى عن ما حاولوا تنشأته عليه، على اعتبار أنه الأفضل من وجهة نظرهم.

ولأنها كانت تجربة جديدة بالنسبة للجيل الأول فلقد فرض عليها أن تتخبط بين الخطأ والصواب فى صراع للتحرر من إرث الماضى ومن العادات والتقاليد، ثم قبول التغيير ومحاولة التعاطى مع الحاضر. وكان التمسك أحيانا ببعض التقاليد والعادات الأصلية خوفا من أن تذوب الهوية أويضعف الإنتماء تجاه الوطن الأم، كان تمسكا مبالغا فيه جاء على حساب الاندماج السليم واكتساب ثقافة المجتمع الأوروبى.

وإذا كانت أولوية الاندماج والإنفتاح علي المجتمع بالنسبة للجيل الأول تركت إختيارية، فإنها بالنسبة للجيل الثانى جاءت مفروضة ومشروطة من المجتمع وتعد إضافة هامة وضرورية.

نتائج هذه الأخطاء جاءت لتشوه من صورة الجيل الثانى وتعيق البعض منهم من الاندماج المفروض فى المجتمع، أخطاء ليس لهم ذنبا فيها ولكنها تظل عبأ عليهم، وربما على أجيال من بعدهم.

فنسبة العاطلين من الجيل الثانى من المهاجرين أكبر بكثير من نسبتها بين نفس الأعمار من الأوروبين. وكذا نسبة العنف والجريمة والأدمان والأمراض النفسية والاجتماعية....

أخطاء وأخفاقات لايجب أن تتكرر عندما يقوم الجيل الثانى بتنشأة أبنائه، فعليه أن يعرف أن مستقبل وبقاء أبنائه مرتبطا ببعض التضحيات ثمنا لبقاءهم جزءا من المجتمع الأوروبى ومؤثرين فيه.

تضحيات كالتخلص من العادات والتقاليد والمعتقدات البالية مثل ختان البنات من الاطفال، وتلك التى تحرم على الاطفال تعلم وتذوق الموسيقى والفنون، وتلك التى لا تتلائم مع ثقافة هذا المجتمع مثل الحجاب والنقاب.

تضحيات بالأنفتاح علي المجتمع وإعطاء الأبناء ما أمكن نفس الحريات التى يتمتع بها أمثالهم من الأوروبين حتى لايحرموا من المعاملة اسوة بالآخرين، أو إعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية.

تضحيات للتخلص من تدخل الجيل الأول فى تربية وتنشأة الأحفاد إلا فى حدود ماتقبله متطلبات الجيل الثانى.

هذه التضحيات بالقطع لن تؤثر على الهوية والذاكرة الثقافية للوطن الأم، والتى لايجب أن تطغى على الهوية الفعلية، ألا وهى هوية البلد الذى ولدوا ونشأوا وينعموا فيه، وليؤخذ من ثقافة الوطن الأم ما يمكن أن يعود بالفائدة على أجيالهم وعلى المجتمع الذى يعيشون فيه. 

تضحيات ستساهم فى النهاية فى بناء جيل سليم يكون صورة متوازنة للوطن الأم، جيل يسعى إلى إيجاد تقارب بين الثقافات بدلا من أن تتنافر، ويلعب دورا إنساانيا هاما في تخفيف التصادمات والنزاعات بين الحضارت.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى