السبت ٢ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٠
بقلم محمد عبد العزيز السقا

حتى لا تضيع وسط الزحام

كان قد بقي على موعد سفري من الدوحة إلى جدة ومنها إلى مكة لأداء العمرة أسبوع واحد، كان الشوق شديداً، سألته وكلي لهفة: جميلة هي الكعبة يادكتور ..أليس كذلك؟ فقال: نعم الجميع يقول ذلك، قلت: حدثني عن أول عمرة لك.. جائتني الإجابة صادمة ... إنه لم يذهب لأداء العمرة حتى الآن.

كدت أصاب بالشلل .. إنه يعمل طبيباً في الدوحة منذ خمسة عشر سنة .. العمرة من هناك لن تتكلف أكثر من ألف ريال وثلاث ليال بحسابات المادة والزمن.

فيما راح هو يواصل حديثة ويجمع أشلاء المبررات ويشرح ملابسات تلك الموانع (الرهيبة) من وجهة نظره فهو أب لأربعة أولاد وظروف العمل و ... و .... و... بينما هو يفعل ذلك سرحت أنا بخيالي في تلك الدنيا التي تفتك بنا، تأسرنا تشغلنا .. ليست العمرة قضيتي، ولكن هي دلالتي على نموذج متكرر.

كعادتي رددت السؤال على نفسي .. ترى كم من أمور لم أفعلها منذ خمسة عشر سنة، وراح عقلي يستدعي ما في الذاكرة من صور منسية ... مرت في ذاكرتي صورة قبر جدي الذي لم أزره من سنين وكتاب إحياء علوم الدين الذي هجرته منذ تخرجت من الجامعة، وصورة صديقي رامي الذي لم أتصل به منذ ثلاث سنوات، ياللكارثة .. تذكرت أمي التي لم أحضر لها هدية منذ كنت في الصف السادس الإبتدائي.. تذكرت أني ومنذ خمسة عشر سنة لم أحفظ آية جديدة من القرآن غير ماكنت أحفظ. منذ خمسة عشر سنة لم أمسك خرطوم الماء لأسقي الشجر المزروع حول بيتنا كما كنت أفعل.. منذ خمسة عشر سنة لم أزر جارنا الذي في الطابق العلوي.. منذ خمسة عشر سنة لم أكن هكذا.

لماذا هذه الشيخوخة المبكرة التي تعترينا عندما نصبح غرباء من أجل المال ... تبا للمال الذي أنسانا الحياة
إنها دعوة لكل مسافر، ومغترب، وجامع للمال، ومنشغل عن معاني الإنسانية في نفسه.. أقول ليس بالمال وحده يحيا الإنسان، وليس بعد الحياة مستدرك، ووقت الرحيل مخبوء، فانتبه حتى لا تضيع وسط الزحام.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى