السبت ٥ آذار (مارس) ٢٠١١
بقلم جميل السلحوت

حكايات شعبية في ندوة اليوم السابع

نشر الاستاذ عمر سلامة خمس حكايات شعبية في كتيب من أربعين صفحة بحجم صغير، تزينها رسومات على الحاسوب صممتها رشا صوان. وقد سمّاها «حكايات شعبية المجموعة الأولى(1)»

بدون دار نشر أو تأريخ للصدور، مع انها صدرت في بداية العام 2011.

وقد كانت هذا المساء محور النقاش في ندوة اليوم السابع الأسبوعية الدورية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس.

بدأ النقاش رفيقة عثمان فقالت:

المضامين التربوية السلبية في مجموعة «الحكايات الشعبيَّة».

تناول الكاتب مضامين تربوية سلبيّة لا تهدف إلى تطوير شخصيَّة الطفل، بل على العكس تمامًا، تغرس في نفوس الأطفال الحقد، والخوف، والضغينة، وحب الانتقام والاعتداء على الآخرين، وظهر ذلك في كاَفة الحكايات.

استخدم الكاتب حكايات شعبيَّة متداولة شفويا، ودوّنها ليحفظها من الضياع ، في عصر تتسارع فيه الوسائل التكنولوجيَّة الحديثة، التي تحث الطفل على التوجُّه نحو العلم، والتقدُّم، والتفكير الإبداعي، والناقد.

إنَّ مجتمعنا العربي، والفلسطيني بشكل خاص، ليس بحاجة لحكايات من هذا النوع، الذي يُعزِّز القيم، والمعايير الاجتماعيَّة السلبيَّة، وفي الوقت نفسه لا يعني بأن نرمي التراث عرض الحائط، بل يحتِّم علينا الاختيار، والانتقاء الدقيق للحكايات الشعبيَّة التي تتواكب مع مجريات الأحداث المعاصرة، والتي تحافظ على عاداتنا، وتقاليدنا الإيجابيَّة التي نظل نعتز بها دومًا، ونفتخر بها بين الشعوب الأخرى، ويتوجب علينا ألا نسرد للأطفال الحكايات الشعبيَّة غير الهادفة تربويًّا، وأن كان مطلوب منا تدوينها لمنعها من الانثار والضياع.

بودِّي أن أتطرَّق للحكاية الشعبيَّة الأخيرة "البغل المسكين"، التي استقاها الكاتب من الواقع، وأراد أن يُعلِّم الأطفال هدفًا تربويًّا، دون أن ينتبه للأخطار التي من الممكن أن تسببها هذه الحكاية، فكانت النهاية المحتومة للطفل الموت بسبب عبث الطفل، ومسك زرد الرسن بحركة لا لإراديَّة، مما أخاف البغل، وتسبَّب في جرِّه، ووفاته، ولكي يتوصل الكاتب لهدف تربوي حسب وجهة نظره، وقع في خطأ كبير.

 ان مفهوم الموت عند الاطفال بحاجة إلى مراعاة، وتمهيد، دون التطرُّق إليه بهذه الطريقة الُمقشعرة للأبدان، ليس من الضروري أن يُقتَل طفل في سبيل تعليم الأطفال عبرة ما.

 حبَّذا لو يتم الحذر من كتابة الحمايات الشعبيّة، وانتقائها قبل كتابتها، واجترارها.

 يُفضَّل ألا تُكتب الأهداف التربويَّة من القصَّة، ولندع الطفل يتوصَّل للأهداف لوحده، بإرشاد البالغين.

وقال جميل السلحوت:

عمر سلامة:

فلسطيني مولود في العام 1946في عرب السواحرة قضاء القدس، حاصل على ليسانس تاريخ من جامعة بيروت العربية، عمل مدرسا في مدرسة السواحرة الغربية للبنين حتى أحيل على التقاعد قبل خمس سنوات، وهو شقيق الأديب الراحل خليل السواحري.

التراث الشعبي: هو موروث الشعب عن الآباء والأجداد، وهو نتاج ابداعي للشعب جميعه، وليس لفرد بعينه، والتراث الشعبي جزء من مكونات الهوية الوطنية لأي شعب، فلا يوجد شعب لا تراث له، والتراث الشعبي تراكم لحضارة الشعوب عبر الأجيال وعبر التاريخ، فما وصلت اليه البشرية في أيامنا هذه من تقدم حضاري وعلمي ليس وليد أفكار هذا الجيل، بل ان هذا لجيل بنى على ما ورثه من الآباء الى أن وصل الى ما وصل اليه.
والتراث الشعبي قسمان هما:

قولي: مثل الحكاية، المثل، الأغنية، الأقوال...الخ.

عملي: مثل أدوات الزراعة، أدوات المطبخ، الأبنية، الأزياء....الخ.

حكايات عمر سلامة:

روى لنا عمر سلامة في هذا الكتيب خمس حكايات، أربع منها حكايات معروفة ومتداولة، ليس في فلسطين وحدها، بل هل في العالم العربي جميعه، ولا غرابة في ذلك، فالثقافة العربية متشابهة، مع بعض الفوارق البسيطة المتأثرة بالبيئة المحلية...وهذه الحكايات هي:
 أبو تحصن وملك الغابة.

 حاصدو الهواء.

 عواد والغولة.

نصائح للبيع.

أمّا الخامسة وهي:(البغل المسكين) فهي حادثة مؤلمة حقيقية، حدثت في بلدة الكاتب قبل حوالي 20 عاما، وقد أكد الكاتب ذلك دون أن يدري، عندما مهد لها بقوله:"حكاية البغل المسكين قصة حقيقية، حدثت في احدى القرى الفلسطينية"ص25. كما أنه أورد الأسماء الحقيقية للأشخاص في الحكاية.

والحكايات الشعبية لم تكتب للأطفال كما يعتقد البعض، فهي كبقية الفنون الشعبية، خلاصة تجربة جيل أو أجيال، فيها عِبَرٌ مستفادة، صحيح أن فيها تسلية كما هي بقية الآداب بما فيها الأدب الرسمي، لكن الحكمة المستفادة يجب أن لا تغيب عن بال من يقرأها أو يسمعها، وقد حاول الكاتب أن يستنبط بعض الحكم والعبر المستفادة وان لم يستنبطها جميعها.
اللغة:

يجد التذكير هنا أنه يوجد خلافات في الرأي حول كيفية تدوين الحكاية الشعبية، وهل تدون باللغة المحكية" العامية" أم بالفصحى؟ وكل أصحاب رأي حاولوا الدفاع عن وجهة نظرهم، فأنصار العامية تشددوا كثيرا، حتى أن بعضا منهم قال "بأن على مُدوِّن الحكاية أن يسجلها حرفيا كما سمها، وأن يكتب اسم الراوي الذي سمع الحكاية منه وعمره، وتاريخ سماعه للرواية، أما دعاة الفصحى فقد احتجوا بأن الفصحى مفهومة من كل القراء العرب، وهم ضد تكريس اللهجات العامية لأسباب كثيرة.

وقد حاول عمر سلامة أن يروي لنا حكاياته باللغة الفصحى قدر المستطاع، لكنه وقع في عشرات الأخطاء اللغوية، ولو أنه لجأ لمدقق لغوي قبل النشر، لتجنب الوقوع في هذه الأخطاء، وبما أنه قدم حكاياته وأصدرها في كتيب كما هي الكتب المقدمة للأطفال، فإنه يجدر التذكير بأن الأطفال يقدسون الكلمة المطبوعة، ومن أهداف الكتابة للأطفال هدف تعليمي، ولذا فان الأخطاء اللغوية هنا تشكل خطيئة، يجب عدم تكرارها....خصوصا وأن الكاتب كتب على الغلاف الخارجي" المجموعة الأولى" مما يعني أنه بصدد اصدار مجموعات أخرى...ولن أعدد هنا هذه الأخطاء لكثرتها..لكنني سأنوه لخطأ ليس نحويا، وجاء في الكلمات الأولى للحكاية الأولى"أبو تحصن وملك الغابة" فقد بدأ الكتب حكايته قائلا:"أبو تحصن لقب الوجاهة والتبجيل، تطلقه بعض الحيوانات الكاسرة على الثعلب"ص2 وكلمة "أبو" و"أمّ" اذا ما سبقت اسم العلم فانها كنية وليست لقبا، وفي الثقافة العربية فإن مخاطبة المرء بكنيته تعبير عن الاحترام والتقدير، ومن أطلق "أبا تحصن" على الثعلب هو الانسان وليس الحيوانات الكاسرة. أما اللقب فهو من الصفات فـ"ملك الغابة" الذي ورد في الحكاية هو لقب للأسد.

ولا أعلم لماذا اختار الكاتب عنوان" البغل المسكين" عنوانا للحادث المأساوي الواقعي الذي اعتبره حكاية. ولماذا اختار المسكين صفة للبغل الذي تسبب بقتل طفل بريء؟ فمن المسكين الضحية أم البغل؟

الرسومات ...الاخراج ...والمونتاج:

الرسومات لم تكن جميعها موفقة وتناسب الموضوع، فمثلا في الصفحة3 صورة الغراب الذي يحمل الثعلب ويطير فيه، هي أقرب الى صورة النسر منها للغراب، وفي تقديري أن الكاتب أخطأ أيضا عندما روى في الحكاية أن الغراب هو من حمل الثعلب وطار به، والغراب والثعلب معروفان في بلادنا وفي كل البلدان، والغراب لا يستطيع أن يحمل الثعلب وأن يطير به...فكيف سنقنع الطفل بذلك؟

وفي حكاية"حاصدو الهواء"ص9 أخطأ الكاتب عندما بدأ الحكاية قائلا"يحكى أن أهل جزيرة نائية كان يحكمهم ملك ظالم مستبد"ص10 وهو يروي لنا حكاية شعبية فلسطينية، فأين الجزر في فلسطين قريبة أو نائية؟ بل أين الجزر العربية النائية؟

وما الحكمة من لجوء الكاتب الى اختيار جزيرة لتدور فيها أحداث الحكاية؟ أما الرسومات جميعها في الحكاية، فانها شخوصها لا يبدون عربا، وصورة الزوجة ص14 تشبه صور"الجنيات" كما تخيلها الرسامون الغربيون، والبيت أو القصر ص12 لا علاقة له بفن العمار العربي...ولاحظوا رسومات حكاية"عواد والغولة" انها هي الأخرى بعيدة عن التراث العربي ايضا. وفي "البغل المسكين" رسومات البغل هي لحصان وليست لبغل..

وعلى الغلاف الخارجي لا داعي لكتابة "اعداد وتقديم" فاعداد وحدها تكفي، لأن الكاتب لم يكتب تقديما للكتيب.

عنوان المجموعة:

العنوان"حكايات شعبية-المجموعة الأولى" غير كافٍ وغير دالٍ وحبذا لو أن الكاتب اختار عنوان احدى الحكايات ليكون عنوانا للمجموعة.

وقالت نزهة أبو غوش:

الحكايات الشعبية، والشخصيات الخارقة

أَود أَن أَتناول الشخصية الخارقة في الحكاية الثالثة "عوَّاد والغولة"، حيث أَن الشخصية الخارقة هي الغولة، ومن الجدير ذكره إِن حكايات الغيلان تحتل مكانة عالية في مجموعة الحكايا الشعبية العالمية، وقد يخلط الراوي الشعبي أَحيانًا بينها وبين الجان، والعفريت والساحر أَو الساحرة، والشرير، والشريرة و...الخ

للغولة في الحكايات الشعبية مواصفات تتصف بها ، نحو أَنها إنسان متوحش ،شعرها منكوش، والأَظافر طويلة ومغروسة بالأَرض، أَو على شكل حيوان، أَو هي على شكل ثعبان يتلوى على جسد الإِنسان فيقتله، أَو على شكل إِنسان عادي متخفِ بداخله الغولل، أَو أَن هناك أَشكالا متعددة تختلف حسب ثقافة الشعوب، وحضاراتها.

إِن شخصية الغولة في حكاية " عوَّاد والغولة" ظهرت على شكل امرأَة طبيعية " سارت المرأَة أَمامه وأَخذ يتفحص أَمرها، هل هي امرأَة فعلا؟". ص19. لقد تحدثت الغولة مع عواد، وأَقنعته بأَنها أُخته التي لا يعرفها، لأَنه لم يشاهدها منذ زمن بعيد، واستطاعت أَن تستدرجه إِلى ثلاثة بيوت منعزلة وأَقنعته بأَن يعيش مع عائلته فيها، لأَنها غنية ويمكنها مساعدته، فوافق بسبب وضعه المادي الصعب غي أن ابنته الكبرى أَن اكتشف الغولة عن طريق الصدفة، بينما كانت ترسل لها الطعام الذي أَعدته والدتها.

لقد أُصيبت الفتاة بالرعب عندما رأَت كيف أَن، المرأَة - عمتها- تأكل لحم طفل صغير، وعرفت من الأُم، بعد أَن حدثتها بكل شيء، بأَن تلك المرأَة هي الغولة.

من خلال الحكاية نلاحظ مدى قدرة الغولة كشخصية في الحكاية، فهي شخصية خرافية، ذات مضمون خارق للعادة. لها القدرة على التحول إِلى إِنسان لطيف متى شاءت. كما أَن لديها القدرة على تمزيق أَجساد البشر، وأَكل لحومهم، ثم أَن لديها القدرة الخارقة على الهرب والإِفلات من بين أَيدي البشر الذين تعرضوا لها، من أَجل الدفاع عن أَنفسهم، أَراد الراوي أَن يوصل للمستمع – القارئ- فكرة عدم التسرع عند اتخاذ القرارات المهمة، مثل ما حدث مع عوَّاد بطل الحكاية الذي جرى خلف المرأَة المجهولة، وتقبل عرضها للسكن معه بعد أَن اقتنع بأَنها أُخته الغنية، لقد جعل الراوي من شخصية الغولة بطلة للرواية تحركت الأَحداث من خلالها، وانتهت بعد فرارها.

لقد أَراد الإِنسان القديم أَن يخرج من نطاق الواقع إِلى الغريب واللا معقول، كما أَراد السيطرة من خلال شخصيات خيالية خرافية ، فوجد الغول وسيلته المقصودة، هل يعود ذلك يا ترى إِلى فقدان الوسائل العلمية قديمًا كالتي نراها في يومنا هذا؟

هل استنجد الإنسان بالغول لإِضاعته العلوم ووسائل الاتصال السريعة؟ فكان الغول وسيلته المضمونة حتى أَنه اعتبره من ضمن القضاء والقدر فاستسلم بوجودها لسنوات عديدة؟ هل فكر التربويون، والأَخصائيون النفسانيون والاجتماعيون وغيرهم في دراسة شخصية الغول في الحكاية، ومعرفة ما مدى ادراك الطفل لخرافيتها، وكيف تؤثر على نفسية الأَطفال وبناء شخصياتهم؟ لو عرضنا صورة الغولة التي في الحكاية" عواد والغولة " -على أَطفال في سن الرابعة، أَو الخامسة مثلا- وهي تقطع الأَطفال وتأكلهم، ماذا ستكون ردة فعلهم؟ كيف سيفهمون الذي حدث؟ هل يدرك الطفل في هذا العمر المسافة ما بين الواقع والخرافة؟ وقد ذكر معد الحكاية، الأستاذ عمر سلامة في صفحة 21 مدى خوف الطفلة عند رؤيتها الغولة وهي تأكل لحم الطفل" فرجعت مسرعة وهي تبكي وتخبر أُمها وتتلعثم في الكلام"
إِن شخصية الغولة في الحكاية جزء ضروري لكونها حكاية، وهي جزء من موروثنا، وتراثنا الشعبي، كما أَنها جزء من مادة للتراث الشعبي يدرسه الانثروبولوجيون كظاهرة في الثقافة الشعبية، بصرف النظر عن كونها واقعية، أَو خرافة، إن حفاظنا على تراثنا الشعبي وما خلفه لنا الأَجداد أمر مهم وضروري، لكن ليس بأَي ثمن.

لقد آن الأَوان بأَن نقضي على الغول الذي بداخلنا، لكي نورث أَطفالنا حياة نظيفة يقودها العلم والمنطق والإِدراك ، والفهم المبني على الاستنتاج والتحليل. يجب أَن نقضي أَولا على غول التخلف، والمرض، والجهل، وغول العداوة والعنف والانقسامات.

أقَترح على الأُدباء في العالم العربي عامة، وفي فلسطين خاصة العمل على استبدال الغول القديم في الحكاية الشعبية للأَطفال بالغول الجديد، بما يحمله من خوارق وقدرات عجيبة لما توفره لنا وسائل الاتصالات السريعة والمختلفة وكذلك العولمة بكل أَشكالها، وأَقترح بأَن نستأصل من حكايات الأَطفال الشعبية كل الشوائب وملاءَمتها مع روح العصر والتطور، وأن نترك أَطفالنا ينطلقون بأَفكارهم وخيالاتهم لكل ما هو نافع ومفيد.

وبعد ذلك جرى نقاش مطول شارك فيه عدد من الحضور منهم: د.إسراء أبو عياش، سمير الجندي، خيرات صيام، إبراهيم جوهر، محمد عليان، نسب أديب حسين، وصقر السلايمة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى