الثلاثاء ٣٠ نيسان (أبريل) ٢٠٢٤

حكاية أخرى

أماني محمد عبد السلام

(الهزج)

شدا العصفور قرب نوافذ المطبخ
فَذَكَّرَنِي
بكُلِّ صبيحةٍ نادت لتوقظُني
تُعدُّ الشاي باللبنِ
أُلمِّعُ جزمتي السوداء
وأعقد ربطة العُنقِ
وأجلس بين كفّيها
فتجدلُ شَعريَ المنثور
وتجمعُ قلبيَ المكسور
وتوصيني بآياتٍ من القرآن
إذا استعصت على قلمي الإجاباتُ
وإن علِقت على فمِّي الحِكاياتُ
وحتى الآن يا أمي
أعلمُها لولادي
فهل يعفون؟
بسرّي حينَ أذكُرُكِ
أعاتبكِ
لماذا أذوبُ أشواقاً؟
وكانَ البيتُ برّاقاً
وكنتِ هناكَ مُطفأةً
من الألمِ
من المظلومُ يا أمي؟
لما يا أمِّ لم أشبع من الضمِّ؟
أعاتبكِ
فحينَ بلغتُ أربعةً
تركتيني
أنامُ بمفردي دونك
وكان سريري الأبيض
كهذي التَّوْهةِ الكبرى
وكنتُ ضئيلةً جداً
أريد حكايةً أخرى
وحين وصلتُ خمسةَ عشر
تركتيني
أغلّقُ باب صومعتي
لما يا أمِّ لم تأتي؟
لتحكي لي عن الحبِّ
وكيفَ عرفتِ يا أمي بحب أبي؟
ولم أعرف
بأن الحبَّ مهذرةٌ
وأن الشوقَ مجزرةٌ
تركتِ الطفلةَ الحمقاءَ
في سبتٍ بعُرضِ النهر
وكنت – وحسبُ- خمسةَ عشر
ولم تخبرنِ عيناكِ
بأني بنتُك الحلوة
وكان الكون يهزأ بي
بشكلٍ بالغِ القسوة
وكنتُ بغرفتي وحدي
وأطلقُ في مذكرتي
رعودا من مخيلتي
ومطرا من معاناتي
يذوب الحبر
وكنت -وحسبُ- خمسةَ عشر
وظل البابُ موصوداً إلى العشرين
ولا تأتين
لما لم تفتحي درجي؟
لما لم تقرأي الدفتر؟
وكان هناك مفتوحاً على أثَري
أكنتِ خجولةً مثلي؟
وكان الحبُّ في عينيّ مفضوحا
وكان الجرحُ مفتوحا
وعشتُ وحيدةً إذ ذاك
بتلك القصةِ الثَلِمة
ومزقني الهوى وحدي
ولمَّا تنطقي كلمة!
بكيتُ هناك يا أمي
وزلزل دمعيَ الجدران
لعلكِ قلتِ في سرك:
غداً تنسى
وفعلاً، ذابت القصة
وظلت ليلةُ المبكى بلا نسيان
أبعثرُ كلَّ أسراري إليك الآن
أنا أشتاقُ يا أمي
وشايُ العصر يبكيني
وصوتُ الشيخ في الراديو
يعزِّيني
أنا أيضا أعاتبني
فقد قصرت
أسير إليك في لجٍ من الأسمنت
لما لم ألق كلَّ الحمل في حجرك
بديلَ الصمتِ والدفتر؟
أنا أشتاق يا أمي
أنا أغفر
فهل تعفين؟
فتاتك أصبحت "ستين"
ولازالت
تريدُ حكايةً أخرى
تتوقُ لضمّةٍ كُبرى
ولا تأتين

أماني محمد عبد السلام

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى