الجمعة ٥ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٢
بقلم أمينة شرادي

حلم جميلة

ولجت السيدة جميلة مكتب المدير بعد طول انتظار. استقبلها و كل حركاته تدل على أنه لا ينوي إطالة الحديث معها. لم تكثرت للأمر و بادرته قائلة:

أريد ملف ابنتي لآخذها إلى مؤسسة أخرى.ابتسم باستهزاء عابر و قال:
لا يمكن يا سيدتي. يجب حضور الأب.

استغربت ورسمت على شفتيها ابتسامة دون معنى و قالت:

سيدي، لم أقدم لك نفسي. أنا والدتها.

اعتقدت أنها أصابت الهدف و أنه فقط سوء تفاهم بسيط سيزول.فرك يديه بقوة ، مال برأسه إلى الخلف كأنه يبحث عن شيء ما. نظر إليها مليا بعينين حادتين و قال بعنف ظاهر:
لا يهمني أن أعرف من أنت. المهم، أن القانون ينص على حضور الأب.

و هم بالنهوض. أوقفته من جديد.وسألت بتوتر زائد:

هل هناك قانون يمنع الأم من تغيير المؤسسة لأطفالها؟ لم أسمع به من قبل.
طال صبر المدير. هو لا يرغب في أن يشرح سلوكيات دأب على القيام بها مدة طويلة. استنجد بباب مكتبه و أفهمها بأنه مشغول.

غادرت السيدة جميلة المؤسسة بخطى غير متزنة. دوران في رأسها. لم تفهم ما حدث. جملة فقط ظلت حبيسة تفكيرها، استوطنتها، أخذت تزلزل سكون زمن. "القانون هو الذي.."كادت أن تدوسها سيارة لولا أنها تداركت الأمر في حينه. أرادت أن تبكي و تصرخ..مشت طويلا لا تدري إلى أين."كيف يمكن أن أمنع من تغيير المؤسسة لابنتي..هل صحيح ما قاله المدير؟" ظلت تهدي و تناجي روحها حتى وجدت نفسها أمام بيتها. كيف وصلت، لا تدري. الزوج مسافر، لا يمكنه الحضور الآن. هاتفته و أخبرته بما حصل. صرخ بقوة حتى كاد الهاتف أن يسقط من يدها. قال لها "تصرفي .. ". تصرفي، كلمة سهلة على اللسان صعبة التنفيذ.همست و هي تعيد الهاتف إلى مكانه. مر من الوقت ما يكفي إلى أن تطلب إدارة المؤسسة الجديدة من الطفلة حضور ولي أمرها. لأنها لم تتوصل بعد لا بوثيقة الانتقال و لا بملفها الخاص.

ارتعشت كل مفاصلها لما سمعت الخبر من ابنتها. زمت شفتيها و لم تستطع أن تكمل فطورها. أشاحت بوجهها عنه. نظرت إلى ابنتها و سألتها:

ماذا يريدون مني؟

لا أعرف.

تاهت بنظرها عن ابنتها و تذكرت مدير المؤسسة الأولى الذي رفض إعطاءها الانتقال. و هاجمها صراخ زوجها على الهاتف. ارتبكت..لم تعد لها شهية للإفطار. قامت بتردد كمحكوم بالإعدام وترفض قدماه السير أو مده بالقوة اللازمة. وصلت إلى المؤسسة. انتظار أمام مكتب المدير. دخلت، كان على الهاتف. لقد تعودت على الانتظار. جالت بعينيها داخل فضاء المكتب، حاولت أن تداري ارتباكها بمشاهدة الصور المعلقة على الحائط. صور لتلاميذ وكؤوس رياضية. خريطة كبيرة الحجم في الجانب الآخر، حاولت قراءتها، تاهت بين سهولها و جبالها..حتى استيقظت على صوته. قائلا:

من أنت؟ استغربت، كيف يسأل و هو الذي طلبها. تصرفت كما قال لها زوجها. قالت بدون صوت:

أنا والدة سناء..الطفلة التي...

قاطعها بحدة:

تذكرت الآن. و لكنني طلبت الأب.

وضعت يدها على خدها. بلعت ريقها بصعوبة و قالت بصوت مبحوح:

_سيدي، والدها في الخارج و أنا ولية أمرها.

قام من مكتبه و اتجه صوب الباب و نده على أحدهم و طلب منه أن ينظر في قضيتها. عاد إلى مكتبه و كل حواسه تتصارع فيما بينها، أخذ سيجارة و دون أن يشعلها. كانت تائهة بين أصابعه كما روحه. تكلم بصوت مسموع كأنه يكلم أحدا:

نفس المشكل نعيشه يوميا مع الأمهات..

لم تنم السيدة جميلة تلك الليلة، بكت كما لن تبك من قبل. أخذت أذرع الغرفة ذهابا وإيابا. ظنت في بداية الأمر أنه كابوس و سيزول. لكنه طال حتى استنفذ كل صبر وعقل لديها.
وقفت أمام مرآتها. نظرت إليها طويلا و تأملت تلك الماثلة أمامها سألتها" من أكون.؟ما معنى أن أكون أما؟أجيبيني.لست أهلا بأن أقرر..الأب في الخارج... المدير لا يعترف بي..من أكون ..؟ أجيبيني." صرخت كأنها تكلم أحدا. مالت برأسها على مرآتها و احتضنت رأسها بين يديها و نامت. ما هي إلا ثوان، قامت من مكانها، لاحظت بأن جسدها تعرض إلى عملية سطو وهي نائمة. لاحظت بأنها تحولت إلى رجل، انزعجت أول الأمر. لكنها قبلت التحول الغريب بعد أخذ ورد مع ابنتها التي رحبت بالفكرة بل و شجعتها أن تستمر فيها حتى تحضر إليها وثيقة الانتقال. ضحكت جميلة و عادت البسمة إلى شفتيها ممزوجة بالثقة والسخرية. خرجت مسرعة من بيتها لا تلوي على شيء، أمام المدير و في مكتبه، استقبلها بكل الترحاب. مدها بالوثيقة الضرورية مع ابتسامة وداع قائلا:

أتمنى التوفيق لابنتك يا سيدي.

استيقظت جميلة و كل أعضائها و مفاصلها تئن من ليلة غير مريحة. لكن الابتسامة ظلت مرسومة على شفتيها. كان صباحا حارا، مليئا بالحركة و الضجيج. أسماء الطفلة، لم تعتد أن ترى أمها بهذه الحيوية إلا عندما تكون عودة الأب من الخارج وشيكة. قبل أن تكمل فطورها قالت لها أسماء بكل عفوية:

هل سيحضر بابا اليوم؟

ضحكت كثيرا للسؤال حتى كادت أن تقع من على الكرسي. حاولت التمسك بالطاولة حتى لا تفقد توازنها. قبلت ابنتها على خدها و قالت لها:

أنت أذكى مما كنت أتصور..و أضافت: _ ربما سيأتي..

و أردفت قائلة مع ابتسامة احتوت كل ملامحها:

سأحضر لك اليوم انتقالك.

لم تفهم سناء مغزى كلام أمها. قامت فرحة بالفكرة السعيدة التي تلقتها هذا الصباح. وخرجت إلى مدرستها.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى