الاثنين ١٢ آذار (مارس) ٢٠١٢
بقلم نور الدين علوش

حوار خاص مع الدكتور اليامين بن التومي

بداية من هو الدكتور اليامين بن التومي؟
 بداية أشكرلك لك تفاعلك الطيب للخروج من عالمنا الصغير الذي تتهم فيه الذات بأنها تشتغل على النرجسي إلى عالم تقوض فيه لتصبح عالما في ذاتها،حين تذوب حدود الذات مع مختلف الذوات لتحقيق المصلحة/التذوات و التثاقف مع الآخر /السؤال/القارئ /الصوت المنبعث من صيغ التخاطب للذوات المسكونة فينا، وهنا تزول مشكلة الأنا المتسمة بالأحادية لفضاء أكثر ديموقراطية لنفكك الصوت الواحد، إنه انفلات من عقال المركزية الذي قد تورطنا فيه فلسفة الكلام عن الأنا، خروج عن نسق السيطرة المدفون فينا بشكل ما نتيجة التراكم التاريخي للامعقول الذي يتخذ أكثر من نموذج لتتأسس سلطة "الأنا" لذلك سأضعها هاهنا أمام مرآة ترسم ايديولوجيا الكفاح ليس في ترسيخ الحضور للإسم الشخصي و إنما في استنبات الذوات المختلفة الغائرة في شبكة التعدد المحمولة فينا، إنه بحث عن التناصية المعقدة المخزونة في الاسم باعتباره دليلا جامعا على التعيين، هنا أكون قد وصفت المتعدد المحمول في من خلال تلك المرايا المتعددة التي كنتها: طفلا/ أستاذا جامعيا/ باحثا عن المعنى /وروائيا يريد تأثيث الخراب الصحراوي، يبحث عن تجاوز النزعة الفلينستينيةالمقوضة لنزعة الجميل

فالأستاذ اليامين بن تومي أستاذ تحليل الخطاب و الآداب العالمية بجامعة فرحات عباس سطيف، اهتم باللغة و كابد البحث العلمي بكل موصوفاته ؛ شارك في ملتقيات أكاديمية داخل الجزائر وخارجها، نشر بحوثا في مجلات عربية كثيرة، عضو محكم في مسابقات نقدية وشعرية عديدة،عضو وحدات بحثية داخل الجامعة المذكورة له مجموعة من الأعمال المطبوعة:* مرجعيات القراءة والتأويل قراءة في مشروع نصر حامد أبو زيد،عن الدار العربية للعلوم ومنشورات الاختلاف *البروكسيميا في السرد العربي ؛ قراءة في دوائر القرب عن دار ابن النديم بيروت *النهضة العربية ؛ ممكنات النهضة في الجزائر،عن سلسلة مواطنة الجزائر * مدرسة فرانكفورت /كتاب جماعي، فلسفة الدين / كتاب جماعي، وهناك مشاريع مخطوطة،و له مجموعة من الأعمال الأدبية من روايات حيث حصل على جائزة رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة عن روايته " الوجع الآتي " وفاز بجائزة عبد الحميد بن باديس عن روايته:" من قتل هذه الابتسامة " وله نصوص في طور الطبع وغيرها من الأعمال النقدية والفلسفية و الإبداعية

 سيدي الكريم كيف تجمعون بين النقد والرواية والفلسفة؟
 المسألة في تقديري لا تنبني على مفهوم الجمع بقدر ماهي حالة ترتبط بمسألة المتعدد التي أحملها داخلي، السؤال النقدي في الجوهر هو سؤال فلسفي، والسؤال الفلسفي في العموم هو نقد للتساؤل، ويقوم النقد في الفلسفة مقام العملة ذات الوجهين فلا يكاد ينفصم أحدهما عن الآخر، ومن ثمة فإن معاينة الواحد تقتضي جلاء الإبهام عن الثاني لما فيه من مزيد مزية وتنبيه.

كل تساؤل فلسفي بالاعتبار هو نقد لما قبله، لذلك فإن أسلوب النظر إلى النقد باعتباره تساؤلا إشكاليا ؛ سيقودنا إلى الخوض في المشاريع الفلسفية، هذا النوع من المعاينة لا يعني الانفصال عن حدود النقد التقعيدي بل هو -فيما أتصور- إخراج للوظيفة النقدية من الإطار التعليمي / الساذج إلى الإطار الفلسفي / الإشكالي الذي به يتم إصلاح هذه الوظيفة التأسيسية من خلال زعزعة اليقين الذي يسكنها.

والرواية هي المساحة التي آخذ فيها استراحة المحارب كما يقال، ولكنها لا تنبني على غير تلك الرؤية العميقة للفلسفة العمل الجذري للنقد.

  سدي الكريم حدثنا قليلا عن مشروع الرابطة الأكاديمية للفلسفة العربية؟
 الرابطة العربية جاءت كنتيجة لفراغ الساحة العربية من رابطة تجمع الفلاسفة أو المهتمين بها لتعمل على توحيد مجهود هؤلاء الفلاسفة شيبا كانوا أم شباب حول فكرة أساسية هي الكتاب الجماعي حول فكرة نطرحها للاستكتاب ثم نطلب من المتخصصين في هذا الحقل المعرفي ان يكتبوا لنا دراسة في حدود ثلاثين ورقة نجمعها فيما بعد في شكل كتاب جماعي...

والرابطة نشأت نتيجة حوار دار بيننا ؛ الدكتور علي عبود المحمداوي،الدكتور إسماعيل مهنانة ثم لتتوسع الدائرة لي أنا شخصيا ومحمد شوقي الزين و رشيد بوطيب وهكذا لنتوافق على تأسيس هذه الرابطة التي بدأنها بنقاش في مسائل بسيطة لتتطور إلى شكل محاضرات عبر غرفة خاصة في النت لتتسع طموحات الرابطة في طباعة الكتب الجماعة وكتب و أبحاث فردية يتم انتقائها بعناية إلى مجلة إلى أعمال أخرى

 ما هي المشاريع المستقبلية للرابطة؟
 تسعى الرابطة لإصدار موسعة ضخمة ومهمة حول الفكرين العربي والغربي تكون مقدمة متخصصة للقارئ العربي حول أهم الأسماء في الثقافتين خلال القرن العشرين،ونحن نطمح إلى عقد ملتقي فكري كبير يجمع كل المهتمين بالرابطة.

  لماذا نجد حضورا كبيرا لرمو ز فلسفية( دريدا وفوكو...) تمثل مدرسة ما بعد الحداثة في الفلسفة العربية المعاصرة وغياب رموز حداثية أمثال هابرماس في المشهد الفلسفي العربي؟
 هابرماس غير مهمل في الثقافة العربية فهناك الكثير من الكتب عنه بل وترجمة كتبه للعربية بشكل لافت و نحن في الرابط سنصدر عنه ملفا كاملا، لكن غلبة نموذج فلسفي على آخر راجع إلى مدى إحساس القارئ العربي بمدى انخراط هذا المشروع أو ذاك مع مشاكله الجوهرية ومدة محاولة الاستفادة منها فالمسألة في تقديري ناتجة عن حاجة نفعية أكثر منها بحثية أو أكاديمية، وهذا مهم في الوقت الحالي بحاجة إلى الاستفادة من الآخر لحلحلة بعض إشكالياتنا الحضارية في ضوء التجربة الغربية وهذا ليس عيبا في تصوري كما قال طاغور الشاعر الهندي "أقبل الريح أن تدخل بيتي شرط أن لا تقتلع سقفه ".

  الكثير من الباحثين يعتبرون أننا بعيدون عن الإنتاج الفلسفي الحقيقي وما ننتجه لا يمكن اعتباره فكرا فلسفيا هل أنت متفق معهم؟
ولعل السؤال كيف يمكننا تحقيق أسباب الإنتاج الفلسفي؟

 أتصور أن ضياع المشروع النقدي خصوصا والفلسفي عموما راجع أساسا إلى أن لفيفا من النقاد لم يهتموا بتشقيق الحاجة النقدية من أمِّها الفلسفية، الذي أدى إلى الخلط الفظيع في الرؤى والتصورات وأصبح النقد العربي مجرد وعاء وحقل للتجارب، اختلط فيها الصالح والطالح، ولعل هذه الوضعية هي التي عبر عنها عبد الله إبراهيم حين قال: "فالثقافة العربية أصبحت حقل صدامات لا نهائية بين المفاهيم والرؤى والتصورات، ذلك يسببه فيما نرى عدم الاهتمام بمسار تلقي الأفكار الذي يؤدي إلى أن تحافظ المكونات الغربية على نفسها دون الانصهار في نسق الثقافة الجديدة الذي يحتضنها...".

إن السؤال العربي هو الذي يتجاوز -في تقديري- مطلب السؤالين اليوناني والحديث# ويؤسس لنفسه حراكا معرفيا،لا ليلغى المعرفي وإنما ليتجاوز به إليه أو ليتجاوز ما يسميه طه عبد الرحمان بالاستشكال في شقيه:الفكر الواحد و الأمر الواقع، أو هو الذي يمكن أن يحقق الاستخلاف بالمعايير النقدية التي ضبطها أبو يعرب المرزوقي، لأن المتفلسف عند هذين الباحثين هو الذي يمكنه أن يتقاول مسائليا من خلال تحصيله للنظر الفلسفي صناعة،ومدى تقديره للفعل الفلسفي أو نقله التفلسف من النظر إلى العمل أو من القول إلى الفعل، والإتيان في التحصيل على طرق المتبلغين فيه لغة ومفهوما.

وهم هنا يردون على بعض الدعاوى التي تعتبر الفلسفة صناعة غير عربية بل يرجعون- في تقديري- على رأي ابن خلدون الذي يعتبر التفلسف متعلق إنساني،مع فارق الحاجة حين يقول:" و أما العلوم العقلية التي هي طبيعية للإنسان من حيث أنه ذو فكر فهي غير مختصة جملة، بل بوجه النظر فيها لأهل الملل كلهم، ويستوون في مداركها ومباحثها وهي موجودة في النوع الإنساني مذ كان عمران الخليقة وتسمى هذه العلوم علوم الفلسفة والحكمة.

هذه العبارة فيها رد حاسم على بعض الدارسين الذين لم يستفيدوا من وهم الحدث# لأن التساؤل ينبغي أن يطرح بصورة مغايرة # ذلك أننا وضعنا إصلاح المفهوم النقدي موازيا لإصلاح المفهوم الفلسفي، وذلك لتمام الاطلاع على كافة الأنساق التي تقف وراء عجزنا عن التأسيس النظري للنقد، إذا علينا بداية تقشير مفهوم الفلسفة بما هي تحاكم تاريخي بنيوي يتفاعل ضمن مقولتي العرقي- الجغرافي، وما يميز شروط النسق الذي نفكر داخله فلسفيا بمعنى علينا بداية بناء الشروط التاريخية والمادية البنيوية التي نقلت إلينا هذا الإبداع بما هو فلسفة عربية لأننافي الحاصل سنتحدث عن الفاعل/ الملاحظ العربي الإسلامي في الفلسفة/ النقد وعن تلك المشاريع التي وسمت بهذه العلامة بيانا وتبيانا.

ولما يتم لنا، هذا الطلب نتجاوز الدعوى التي نقلها مطاع الصفدي ونضرب بها عرض الحائط حين يتحدث عن السؤال الفلسفي العربي فيقول أنه: "يبقى سؤالا خارج الفلسفة ما دام لم يدخل تاريخها ولم يتوقف بأوقات ذلك التاريخ. والمأزق الذي تحياه الفلسفة المعاصرة في خطابها المهني التقليدي إنما يعبر عن شعور الفلسفة المحترقة بضياع صلتها بالفلسفة ولذلك يتأرجح السؤال العربي للفلسفة بين أن ينضوي تحت خطابها التقليدي أو أن يقف وحده في العراء ويشارك في معاناة هذه المأزق ويكون له دوره في البحث المختلف عن الفلسفة المختلفة".

أتصور أن مساءلة الفلسفة بهذه الكيفية يؤدي إلى وهن المطلوب ذلك أن التشريح أو الوصف السابق يحاول أن يدخل الفلسفة العربية في جدل خارج مصبها الإشكالي الذي خلقها وأبدعها، فهو يعيب عليها هذه التقليدية في المطارحة لكنه لا يقدم بديلا نافعا للحراك الفلسفي إلا داخل مصب مغاير، فيما يقابل الآخر، وهو بناء مقلوب، إن هذا الرأي سَفَّه الحلم الذي يستفيق كتابه على أمل استنهاض مشروع فلسفي عربي يقول: "ومع ذلك فالمشكلة في السؤال العربي أنه لا يستطيع أن يتوجه إلى الفلسفة وهو قاطع تماما مع تراث أجوبته مع جاهزية الجواب المسبق (...)فهو ليس بعد سؤالا في السؤال،ليس هو بعد لماذا لماذا؟ إلا أنه يستشعر ضرورة البدء(...)إنه ينزغ مجددا إلى البدء يسأل عن طرق للعودة إلى البداية في كل شيء(...) وفي النهاية لا يمكن للسؤال العربي في الفلسفة أن يكون كذلك إلا عندما يتأصل ويتجذر ليصبح هو السؤال الفلسفي للفلسفة عند ذلك يفارق غربته، لا تحاصره خصوصية بل يجد خصوصيته في شمولية تحوله الفلسفي، يعثر على ذاته في السؤال الفلسفي ذاته، قد يجيئه هو من طريقه الخاص ولكن أن يلتقي فيه بمنفى وطنه السابق ويؤسس له استبطانه الجديد".

فهل يستطيع أن يؤسس الفيلسوف لنفسه وطنا خارج الزمان، بل وطن الفيلسوف هو القلق باعتباره مفهوما ثاوي في المنفى/ الضياع فيما يقول فتحي المسكيني: "إن الفلق ذو دور جد خطير هنا هو ما يعيق الدازاين من ربقة الوطن العمومي ويرده إلى نفسه عارية من كل وطن، إن القلق يخرج الدزاين من بيته اليومي ويقذف به في لا مكان. وحيث لا مكان -لا وطن إن الدارين يقلق من اللاوطن الذي يثوى فيه. فهو موجود في تراوح حاد بين خوف من الضياع في مدينة الهم وخوف من "اللا- بيت" في العالم بعامة".

وهنا لا سبيل إلى تحصيل أسباب التفلسف في تصوري إلا بايجاد فضاء عام يستمر فيه التفلسف ويصبح بضاعة متداولة.والحديث هاهنا يحتاج إلى مساءلة لا يتسع لها مقال الحوار بل تجب فيها شق المداد لتحبير الآفاق و تشخيص المطبات و توريق البدائل والممكنات.

 هناك الكثير من مراكز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية، في المقابل لا نجد مراكز مختصة في الفلسفة. إلى ما ذا تعزو في نظرك هذا الغياب؟
 ما تزال الفلسفة عندنا مصادرة بأسماء كثيرة إما أنها ضد الدين أم انها إضافة للمعرفة لا أصلا فيها هكذا يتصور العرب المنطوق منها، لذلك أدي كل ذلك إلى ضعفها ووهنها و غن كانت بعض الفرديات من تقول بصلبها لكن ذلك لم يؤدي إلى وجود حراك اجتماعي كبير يتفلسف لصناعة مجتمع متفلسف بل على العكس من ذلك هو طرد للفلسفة من المجتمع؟


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى