الجمعة ٢٢ تموز (يوليو) ٢٠١١
بقلم نور الدين علوش

حوار فلسفي مع الدكتور عبد القادر بودومة

  من هو الدكتور عبد القادر بودومة؟
  جئت إلى الفلسفة في زمن بدأت فيه الجزائر تعاني من مأساة العنف والعنف المضاد. لحظتها التحقت بقسم الفلسفة بجامعة وهران (الجزائر) أين نلت شهادة الليسانس، وأثناء فترة التكوين عرفت توجيهاتي الفلسفية طريقها نحو التشكل. إلى أن بلغت ولامست اللحظة النيتشوية. بعد التحرج قمت بتدريس الفلسفة بالثانوية. إلى غاية 2005. عيّنت بعدها أستاذا مساعدا بقسم الفلسفة جامعة تلمسان (الجزائر). بعد أن نلت شهادة الماجستير الموسومة بـ: «الكتابة وتجربة الإختلاف عند نيتشه». وفي سنة 2010 ناقشت أطرحة لنيل شهادة الدكتوراه في العلوم والموسومة بـ: «الفينومينولوجيا وسؤال المنهج عند هوسرل» قد نتساءل عن سر هذا الإنتقال الذي أحدثته من لحظة نيتشه إلى لحظة هوسرل. لقد منحني الأول الكثافة الأنطولوجية المحمولة بالقوة الشاعرية. أما الثاني فقد منحني الصرامة المنهجية المحمولة بقوة الانتباه والرؤية. فهوسرل كان بالنسبة لي ضروريا إذا أردت أن أحتفظ بأنطولوجيتي المتدفقة.

 باعتبارك من الباحثين في الفكر الفلسفي ما هو رأيك في المشاريع الفلسفية المطروحة (الجابري وأركون وطه عبد الرحمن..)؟
  تحضر تجربة المشاريع الفلسفية الكبرى إلى المشهد العربي فتجده لا زال محمولا بيأسه. وعوزه، بمأساة لا تزال تفاقم إلى درجة أصبحنا نشكك في قدرتها على التخفيف من حدتها. مأساة العنف، والكراهية، والحقد والإرهاب، أعتقد أنّنا بحاجة إلى مشاريع من نوع آخر، مشاريع نؤسس من خلالها أخلاق الأمل، والصداقة، والغفران والتسامح. ووحده التفكير الفلسفي يحمل القدرة على تأسيس مثل هذا التوجه، طبعا بعد فشل الخطاب الديني، والخطاب السياسي، وحتى الخطاب الثقافي في احتواء هذه الأزمات. فالضروري اليوم هو الابتعاد عن التنظير والتأمّل والالتفات بصورة جذرية إلى القضايا العملية للراهن من موقع «محلي»، وليس من موقع قومجي، أو وطني، طبعا نحن لا ننكر أهمية الأسماء التي أتيت على ذكرها. لكنها أسماء لا تزال مشاريعها لم تخرج بعد من قاعات الدرس، والمؤتمرات.

 هناك الكثير من المفكرين العرب يهتمون بفلاسفة الاختلاف. أين موقع فلاسفة الحداثة في المشهد الفلسفي العربي أمثال هابرماس؟
 إنّ ميلنا نحو فلسفة الاختلاف لا يعني أبدا أنّنا نحكم سلبا على باقي الفلسفات. فالاختلاف لا يمثل بالنسبة إلينا موقفا «أرثوذكسيا». وإنّما هو انفتاح على الامكانات المتعددة التي تمنحها لنا الفلسفة عموما. الاختلاف هو الحمولة والكثافة الأنطولوجية المميّزة للذات. ذات تبحث على الدوام عن أماكن جديدة لعلّها تهتدي في نهاية المطاف إلى ما يخفف من عنفها الأنطولوجي، أما فيما يخص الفيلسوف هابرماس وإن كان يفضل الإقامة بعيدا عن فلاسفة الاختلاف فإنّنا نؤكد أنه لا، ولم يحدث قطعا مع الاختلاف ذاته. فهوالمؤسس لحوار ايتيقي مع كل الفلسفات لا يمكنه إلاّ أن يكون مختلفا في تعدده وتنوّعه. حتّى في اتقاده لدريدا، وليوتار، وباطاي، وهيدغر وفوكو. لم يتخلى في تصوّرنا عن هاجس ترميم الذات المتشظية. بالإضافة إلى ذلك فإن البحوث والدراسات في جامعاتنا ومراكز بحوثنا العربية بدأت تلتفت إلى فلسفته بصورة كبيرة.

 بدات الانتاجات الفلسفية في الجزائر تزدهر، لماذا تاخرت الكتابات الفلسفية بالجزائر مقارنة بالمغرب وتونس؟
 إن الجزائر وإلى غاية 2005 لم يكن بجامعاتها إلا ثلاث أقسام للفلسفة وكان يشرف على التكوين والتأطير أساتذة من ذوي اختصاص غير الفلسفة. ومعظمهم جاء من دراسات العلوم الإسلامية، وأصول الدين. فالجزائر عندما قررت تعريب التعليم. لم يكن أمامها إلا مثل هذه التخصصات تشرف على تدريس الفلسفة. وهنا برزت الهوة إذ يصعب أن نكون طلبة متخصصون في الفلسفة وتكوينهم بعيدا كل البعد عن الفلسفة. فالتأخر الذي أشرتم إليه ترجع جذوره إلى بداية استقلال الجزائر.

 كما تعرف فقدت الساحة العربية والمغربية الكثير من رموز البحث الجامعي في مجال الفلسفة: محمد عابد الجابري، محمد أركون، فؤاد زكرياء، عبد الرحمان بدوي، لكن هناك من الباحثين الشباب من يحاول أن يكمل المسير، وهل من تفاؤل بمستقبل البحث الفلسفي؟
 تتمة للإجابة عن السؤال الرابع. تحت جيل لا يمتلك مرجعية فلسفية محلية ثابتة ومتماسكة، جئنا إلى الفلسفة رغبة فيها. وانفتاحنا عليها كان من خلال كتابات تميز بجذرية الممارسة النقدية، نقد كل مايمت بصلة إلى تلك التنازلات التي كان يتبناّها أصحاب المشاريع النهضوية لصالح اديولوجيات التجريم والتحريم. هذا ما زادنا إصرارا على مواصلة التنوير الذي بدء أفقه يتجلى من خلال ما أسميه: بـ تثوير يوميات الإنسان العربي. وذلك غير تفعيل الإيمان بالفلسفة كإمكان اللا- امكان بتعبير «دريدا» أي كإمكان التحرر خطابات الأصولية. وهذا ما يجعلنا نتفاءل بمستقبل فلسفي يميزنا. طبعا بعيدا عن كل تضخيم من حال هذا المسعى أوالوضع.

  هناك الكثير من مراكز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية، في المقابل لا نجد مراكز مختصة في الفلسفة. إلى ماذا تعزوفي نظرك هذا الغياب؟
  نحن بحاجة ماسة إلى فرق بحثية متخصصة، تشرف عليها مخابر البحث والدراسة داخل مؤسساتنا الجامعية، ومراكز البحث. إذ يكفي الالتفات إلى واقع فعل التفلسف في أوطاننا ليتبين لنا الأمر أنه لم نتمكن من انتاج فلاسفة. وإنما اكتفينا فقط بإنتاج مدرسين للفلسفة. مدرسون يعانون من ميل نرجسي نحو تضخيم الذات. بحيث صار كل واحد منهم يعتقد أنّه الأوحد في حقل البحث الفلسفي. في حين كان لزاما عليه أن يحيط نفسه بطلبة قد يصيرون يوما ما فلاسفة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى