الاثنين ٢٤ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١١
بقلم نور الدين علوش

حوار فلسفي مع الدكتور اسماعيل مهنانة

الدكتور إسماعيل مهنانة أستاذ الفلسفة المعاصرة بجامعة قسنطينة/الجزائر، وباحث في ميدان الفلسفات الألمانية والفرنسية، والتحليل النفسي، نشرت له عدة دراسات في هذه الميادين، وأحد مؤسسي الرابطة العربية الأكاديمية للفلسفة ويشرف على/ويساهم في سلسلة الكتب الجماعية للرابطة، صدر له في 2011، كتاب «الوجود والحداثة» الدار العربية للعلوم، بيروت.

 المطلع على كتاباتكم يلاحظ ارتباطكم الكبير بالفلسفة الألمانية وخاصة فلسفة هيدغر, فلماذا هذا الاهتمام ؟
 منذ أربعة قرون والفلسفة الألمانية تتربع على هرم الفلسفة العالمية، وهي النبع الأصيل لمجمل الفلسفات الغربية، الأخرى وحتى التيارات الفلسفية الفرنسية والأنجلوساكسونية تتحرك وتنتفض في كل مرّة لإيقاف المد الألماني في العقلانية الغربية، الفلسفة اليابانية المعاصرة بدورها فضلت أن تنهل من هذا النبع، لتشكيل أطرها النظرية، ربما الثقافة الفرنسية هي أكثر الثقافات حساسية إزاء هذا القدر الألماني للعقلانية، لأنها تحس أن ديكارت سُرِق منها، ولهذا نشهد في كل مرّة "جبهة تحرير" فلسفية مناهضة، أنظر إلى الظاهرة الفوكوية (ميشال فوكو) بوصفها ثورة على هذه الهيمنة. وفي كلّ مرّة تحس الفلسفة الفرنسية أن جسرا فلسفيا يمتد فوقها من ألمانيا إلى أمريكا، تلجأ إلى تحريك الإرث الضخم لمارتن هيدغر، وكأنه فلسفة ألمانية موجّهة للفرنسيين، وتلك مفارقة يعيشها معظم الفلاسفة الفرنسيين لما بعد الحرب الكونية الثانية، ومن هنا أيضا كان اهتمامنا الكبير بهيدغر.

 - سيدي الكريم هناك اهتماما كبيرا في العالم العربي بفلاسفة الاختلاف امثال دريدا وفوكو ولا نجد اهتمام يذكر بفلاسفة الحداثة أمثال هابرماس فما هي الأسباب في نظركم؟
 أعتقد أن الاهتمام العربي المعاصر بالفلسفة لا يزال تحكمه الهموم النضالية والراهن السياسي/الإيديولوجي للمثقف العربي، لذا عادة ما يتصف التلقي العربي للفلسفات الغربية بالانتقائية، والمزاج الشخصي، والتوجهات السياسية للمرحلة، هكذا حصلنا على وجودية عبد الرحمان بدوي، ووضعية زكي نجيب محمود، وبنيوية الجابري، أو ماركسية مهدي عامل، والطيب تيزيني، ولم نتقل بعد إلى مرحلة التلقي الجدي الأكاديمي المتخصص للفلسفة بوصفها وعيا نظريا شاملا يحمل إنسانا عربيا جديدا، ويخرج الفرد من سلطة التصورات الدينية للعالم، والحياة، والإنسان، ربما يتطلّب ذلك في اعتقادي عقودا من الترجمة الفلسفية المتخصصة، ودعما مؤسساتيا ضخما، وفي هذا الإطار يمكن الإجابة على سؤالك بخصوص اهتمام الفكر العربي بديريدا وفوكو على حساب من يؤسس للحداثة، أعتقد أن من اهتم بفوكو وديريدا، في عالمنا العربي يفعل ذلك تحت طائلة الشعور بالحاجة، إلى فكر تحرري/إختراقي/تجاوزي، يكسر ما أسميه "المركزية الخطابية" أو المركزية البيانية للعقل العربي المستهلك في الديني/التراثي/الفقهي، وأنا شخصيا أشعر بهذه الحاجة الإيديولوجية في تفكري كمناضل من أجل الحرية والديمقراطية والعلمانية، أشعر دوما بالحاجة الإديولوجية للبعد المنهجي الذي تفّوره فلسفات فوكو وديريدا وهيدغر، أكثر مما أتحسس الحاجة لهابرماس أو أتو آبل، أو سلوتردايك، رغم الأهمية القصوى لفلسفات كل هؤلاء.

  سيدي الكريم انتم تدرّسون الفلسفة المعاصرة فلماذا لا تهتمون باكسيل هونيث وسيلا بنحبيب وانطوني نغري واغامبيو؟
 كل هؤلاء لهم مكانتهم الكبرى في الثقافة الغربية المعاصرة، ونقد الحداثة الغربية، وأهميتهم كبيرة جدا في تاريخ الفلسفة المعاصرة، نحن بالعكس نقرا نصوص هؤلاء بعناية قصوى، ونتواصل دائما مع المتخصصين في فكرهم، ونشاركهم البحوث، قريبا سيصدر المجلد الثاني من سلسلة "الرابطة العربية الأكاديمية للفلسفة" وهو مخصص لمدرسة فرانكفورت التي يمثل هؤلاء جيلها الثالث، ونحن نشرف على أعمال المتخصصين في هؤلاء، ونشاركهم بحوثهم، وهنا أضيف أيضا، أن ميدان الفلسفة المعاصرة لا يزال بكرا في الثقافة العربية المعاصرة، وخاليا من الاشتغال الجدي، ولهذا أنشئنا هذه الشبكة البحثية، لاستقطاب كل الشباب المهتمين بهذا الميدان، ونشر بحوثهم وترجماتهم، أعتقد أن زمن الجهود الفردية قد ولّى من غير رجعة، الثقافة العربية الآن بحاجة الى الجهود والبحوث الجماعية، والمدعومة من طرف مؤسسات البحث المحايدة، وهذا يبدو صعبا، لكن لا مناص للثقافة من العقلانية لتدبّر الانشغالات الكبرى للإنسان، وما حدث في التاريخ أن من يحمل خطاب هذه العقلانية هو الفلسفة الغربية دون غيرها.

 * بدأت الإنتاجات الفلسفية في الجزائر تزدهر، لماذا تأخرت الكتابات الفلسفية بالجزائر مقارنة بالمغرب وتونس؟
 ذلك صحيح إلى حد بعيد، تعرف أن كل شيء في البلاد العربية متوقف على تقلبات السياسة، والجزائر أسطع نموذج على ذلك، في العشريتين التي أعقبتا الاستقلال، تبنت الدولة الفتية خيار التصنيع والصناعات الثقيلة والهوس بنقل التكنولوجيا الحديثة، وبالتالي توجيه كل الجهد البحثي الجامعي في هذا الاتجاه، وتمّ إهمال كل العلوم الإنسانية (إلا التاريخ؟) لصالح العلوم التكنولوجية، والنتيجة هي نخبة مهندسين وأطباء وخبراء لا تفكرّ، عكس الجارتين تونس والمغرب، اللتان لم يمتلكا تلك التطلعات الاقتصادية الضخمة والتي تتجاوز الرأسمال البشري المتوفر في الشعوب، فركزتا السياسة التعليمية وبذكاء، على تكوين عنصر الإنسان، والعلوم الإنسانية والفلسفة، الآن وبعد الانفتاح السياسي والاقتصادي في الجزائر، والذي أعقب ثورة أكتوبر 1988، بدأت الأجيال الجديدة تبحث عن المعنى في الفكر، وليس لنا غير الفلسفة سبيلا إلى المعنى الأصيل للحياة والإنسان، هذا ربما يفسّر جانبا من الكتابات الفلسفية الغزيرة التي تصدر من الجزائر،

 هناك الكثير من مراكز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية، في المقابل لا نجد مراكز مختصة في الفلسفة. إلى ما ذا تعزو في نظرك هذا الغياب؟
 طبعا، العلاقة بين الفلسفة والثقافة العربية الفقهية ملتبسة ومتوترة منذ قرون، منذ تلك الإدانة الشهيرة لأبي حامد الغزالي وتكفيره للفلاسفة، وما تبعه من اضطهاد للمفكرين الأحرار، من قبل السلطة السياسية/الفقهية، وثمة من البلدان العربية مثل دول الخليج من لا يزال يكرر تلك الظلامية في "الحق الفلسفي في الاختلاف" في بعض الدول لا توجد حتى أقسام وكليات للفلسفة، فضلا عن خلو برامج المدارس الثانوية من الفلسفة، قد نكون محظوظين في دول المغرب العربي، أننا ورثنا عن الثقافة الفرنسية بدعة تدريس الفلسفة في الثانوية، أما عن مراكز البحث فالفلسفة الأكاديمية لا تزال مرتبطة بمخابر الجامعات، وهي موجودة في معظم الجامعات التي تدرّس الفلسفة، كما أن الفلسفة الآن لم تعد معزولة في دائرة التأمل الفردي الخالص، بل ارتبطت بميادين كثيرة، كالانثربولوجيا، والتحليل النفسي، ونظرية النقد الثقافي، والانشغالات البيئية والبيوطيقية المعاصرة، كل هذه الحقول لديها مخابر ومراكز بحث تحتاج دوما إلى استشارة الفيلسوف.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى