السبت ٧ تموز (يوليو) ٢٠١٢
بقلم نور الدين علوش

حوار مع الأستاذ الباحث أحمد عطار

بداية من هو الأستاذ أحمد عطار؟
الأستاذ احمد عطار من مواليد 1979 ببلدية «مدريسة» ولاية«تيهرت» عاصمة «الرستميين» الجزائر وكما يقول سيجموند فرويد: «الراشد ابن الطفل» وكانت طفولتي وسط عائلة زراعية متوسطة الثقافة وكان منزلنا بالقرب من مغارة عبد الرحمن ابن خلدون المكان الذي لم أكن اعلما عنه شيئا إلا انه مخبأ جيد للعبة الغميضة (الاختباء) وحلاوة ثمار التين فيه، بعد الحصول على شهادة البكالوريا اتجهت إلى جامعة وهران أين درست الفلسفة وكان للعشرية الحمراء وقع عميق واليم على حياتي جعلني أفكر في خطورة استعمال الدين الذي شبهته بالكيمياء التي يمكن أن تقدم الحياة (الدواء) كما يمكنها أن تصنع الدمار والموت (المتفجرات) وبعد الخدمة العسكرية عدة لأجواء المعرفة بفضل نجاحي في مسابقة الماجستير بوهران وواصلت مسيرتي العلمية بالحصول على الدكتوراه في الفلسفة واشتغل حاليا أستاذ محاضرا بجامعة تلمسان المدينة التي درس فيها ابن خلدون إضافة إلى عملي كمدرس لمادة فلسفة التاريخ اشغل منصب رئيس شعبة الفلسفة بقسم العلوم الإنسانية، في مسيرتي العلمية اشرف مع بعض الأساتذة على إصدار مجلة فلسفية محكمة اسمها "لوغوس"، كما لي كتاب مشترك حول فلسفة التاريخ، ومقالات عديدة في مجلات عربية وجزائرية تحوم حول أعضاء مدرسة فرانكفورت(ادورنو، ماركيوز، هوركهايمر....) وملتقيات اغلبها دراسات حول الماركسية (غرامشي، لوكاتش..) ويطبع لي حاليا عملين جماعيين حول هابرماس احدهما في الجزائر والأخر في بيروت.

 * س:باعتبارك من الباحثين المتخصصين في فلسفة هابر ماس، نتساءل معك عن دوافع هذا الاهتمام من جهة، و ماذا يمكنك أن تقوله لنا باختصار حول فلسفته من جهة أخرى؟
 الاهتمام "بهابرماس" هو نتيجة الاهتمام بالماركسية والمضحك في الأمر انه كان لي أخ يعمل كأستاذ للأدب العربي ذو توجه إسلامي سعى جاهدا لقراءة الماركسية والرد عليه كما يقول فقدم لي روايات عالمية لروائيين روس أمثال "بوشيكين" "تولتسوي" وغيرهم وكان لذلك وقع مناقض تماما لما أراده فأعجبت بالأدب الروسي ثم سعيت لقارئة الماركسية وأعمال الماركسيين العرب أمثال: "عبد الله العروي" "حسين مروة" و"الطيب التيزيني" وشجعني في ذلك انتشار التيارات الماركسية في الجامعات الجزائرية آنذاك رغم كل المحاولات لتحطيمها عبر تشجيع الإسلاميين للقضاء على التيار الماركسي الراديكالي لكن أزمة الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي سابقا وقراءاتي "لجورج لوكاتش" و "التوسير" صدمتني ودفعتي لإعادة التفكير في قيمة الماركسية وداخل هذا الشك والارتياب فتح لي الأبواب للتعرف على "هربرت ماركيوز" أولا الذي أنجزت حوله مذكرة ماجستير ومنه اكتشفت مدرسة فرانكفورت وأخيرا "يورغن هابرماس"، صحيح أن الاهتمام بهابرماس في هذه الأيام هو كالموضة تنتشر بسرعة وأنا سعيد بالأمر لكن تطبيقات هذا الاهتمام على واقعنا ما تزال بعيدة لأسباب كثيرة ففي احد الملتقيات حول الفضاء العمومي في البلدان العربية بوهران الجزائر حاول بعض المشاركين القيام بهذا التطبيق دون مراعاة لأي خصوصية وتمايز بين المجتمعين مما اعتبرتها انطلاقة للتفكير جديا في البحث عن طرق الاستفادة من أعمال هابرماس.

لا يمكن بأي حال من الأحوال اختصار فكر هابرماس لقد تجاوزت أعماله 14000 صفحة في حوالي 50 كتابا ومازال، فمشروعه يغطي فترة زمانية تتجاوز الخمسين سنة يصعب إذ لم نقل من المستحيل تطويقها، والمشكل لا يتوقف على المتن "الهابرماسي" بل حواشيه كذلك، فبعد نشر كتاب "نظرية الفعل التواصلي" 1981 مثلا صدرت حوالي 900 متابعة نقدية حوله في سنة واحدة فقط، ومع ذلك يمكن أن نقول: مشروع هابرماس يتمحور حول منطلق أساسي هو "إعادة البناء" وهذه الإعادة لا تستقيم دون"نقد" للمعاد بناؤه وعلى رأس لائحة ورشات إعادة البناء: العقلانية الغربية التي يعتقد أنها مريضة بداء "الأداتية" ولا تتوقف حالة إعادة البناء بالحداثة بل تتعداه إلى إعادة بناء نظرية نقدية للمجتمع، إعادة بناء الماركسية ...الخ.

إن الورشات التي فتحها هابرماس والحقول التي وجه إليها البحث لجديرة بالاهتمام والاستفادة فما أحوج المجتمعات العربية لإعادة التفكير في واقعها الراهن تفكيرا نقديا يستثمر الانجازات اللغوية والدراسات الاجتماعية المعاصرة وينفتح على المفاهيم السياسية الحديثة، كالديمقراطية التشاورية وأهمية الفضاء العمومي وخاصة مفهوم المجتمع "الما بعد علماني" وهو تصور جديد يعيد النظر في العلمانية ويجعلها طيعة لاحتضان الجماعات الدينية، لقد أدرك هابرماس أهمية الدين في المجتمعات المعاصرة كالمجتمعات الإسلامية وسعى لاستقطابه ونزع شحنته العنيفة (يمكنكم العودة إلى عمله المشترك مع جاك ديريدا: "التفكير في زمن الرعب").

 * س: بالرغم من هذه الأهمية لماذا لا نجد له حضورا قويا في الساحة المغربية مثلما هو الأمر بالنسبة لفلاسفة الاختلاف.أمثال فوكو ودريدا؟
 كما هو معلوم أن اللغة تلعبا دورا هاما في الاهتمامات المعرفية وانتشار اللغة الفرنسية في البلدان المغاربية شجع على الاهتمام بالفلسفة الفرنسية (فوكو ديريدا سارتر...) في حين ظلت الفلسفة الانجلوسكسونية والألمانية بعيدة عن التناول الجدي ولو أن هناك الآن انفتاحا تدريجي على الفلسفات الغير فرنسية وهو أمر مهم جدا ينوع مصادر التفكير ويعدد منابع التجربة البشرية، كما يحمل الاهتمام بهؤلاء الفلاسفة أسباب نفسية وسياسية كموقف سارتر من الثورات العربية والجزائرية بالخصوص أو الانتقادات الشديدة التي يوجها ميشال فوكو وغيره للحضارة الغربية وهي كلها أمور تثلج قلب المثقف العربي المتحصر على واقعه، وتدغدغ حسه النقدي اتجاه الأخر.

 *س: لقد أشرت إلى ترجمة بعض أعمال هابرماس الفلسفية ، و لاشك أنك تقصد "التقنية و العلم كإديولوجيا" "و المعرفة و المصلحة" و" مستقبل الطبيعة الإنسانية" ،لكن الملاحظ أن كتبه الرئيسية لم تترجم بعد مثل " تحول بنية الفضاء العمومي" و "نظرية الفعل التواصلي" في جزأين و "الحق و الديمقراطية". لماذا في نظركم هذا التأخير في ترجمة هذه الأعمال؟
 تعتبر الترجمة مشكلة متعددة المناحي فهي لا تتوقف على النقل الجيد للمعنى بل تتعداه إلى الاتفاق حول المصطلح، فلا يوجد توافق عربي حول ترجمة المفاهيم والمصطلحات التي يستعملها هابرماس مما يدفع إلى عزوف القارئ عن الترجمات العربية وما زاد من صعوبة الأمر طبيعة النص الهابرماسي الذي ينسج مفاهيمه من حقول متعددة ومتشعبة تزيد من صعوبة المسألة، ومع ذلك اعتقد أن هناك مداخيل لفهمه فبالنسبة للباحثين اعتقد أن المدخل الأساسي لأعمال هابرماس هو ضرورة ترجمة نص "كريستسان بوشندوم" "مصطلحات هابرماس" كأحسن باب للولوج لفكر هابرماس وهذا ما نعكف على ترجمته مراعين المصطلحات التي استعملها المترجمين العرب بهدف التقريب وتوحيد المفاهيم ومعانيها وإلا اختلط الأمر على القارئ الغير مختص.

 س: كما تعرف فقدت الساحة العربية والمغربية الكثير من رموز البحث الجامعي في مجال الفلسفة: محمد عابد الجابري، محمد أركون،فؤاد زكرياء،عبد الرحمان بدوي ،لكن هناك من الباحثين الشباب من يحاول أن يكمل المسير، وهل من تفاؤل بمستقبل البحث الفلسفي؟
 صحيح أن الفلسفة إنتاج إنساني إلا أنني أجد نفسي أولي أهمية لتاريخ الأفكار وحركتها فالأفكار ليست مستقلة عن الإنسان لكن حياة الفكرة ونموها يتجاوز الحدود البيولوجية والزمنية للشخص الواحد أو الفيلسوف الواحد وحتى على التيار أو المدرسة، لقد قدم الفلاسفة عبر الزمن أفكار حية تتجاوز الحدود الزمنية والمكانية العرقية والدينية وتعلو إلى الإنسانية رغم أنها أحيانا تجربة مرتبطة بمكان و امة معينة لكن الأفكار تتراكم وتتحرر من محددات ميلادها الضيقة لدرجة أنها تتحرر أحيانا حتى من منتجها فتقبل التراكم والنقد والتحوير وكأن الفيلسوف يسقط في مكر الفلسفة كما قال هيجل (مكر التاريخ) ولعل الفلاسفة العرب المعاصرين يخضعون لنفس هذه الظروف المعرفية فالجابري أو أركون وغيرهما انخرطا في قضايا وإشكاليات واقعهم منتجين فكرا يحاول سد الكثير من الثغرات والإجابة عن إشكاليات ملحة وهذا المجهود يبقى دائما مفتوحا قابلا للمناقشة والزيادة فهذا من طبيعة الفكر الديناميكي الغير قابل للتوقف ويسمح بظهور فلاسفة آخرين يعيدون التفكير بطرق جديدة ومن مواقع مغايرة وبمنهجيات متجددة ونحن متفائلون في قدرة الأجيال الشابة اليوم على مواصلة معركة التفكير لأنها من طبيعة تاريخ الأفكار وجدليتها واقرأ اليوم الكثير من المفكرين الشباب في المغرب والجزائر والعالم العربي يسعون للنظر إلى الأشياء من زوايا متعددة وبطرق مغايرة وهو الثراء الذي تحتاجه الساحة الفكرية العربية لانه المنبع الفياض للإبداع.

 س: هناك الكثير من مراكز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية ، في المقابل لا نجد مراكز مختصة في الفلسفة . إلى ما ذا تعزو في نظرك هذا الغياب؟
 اعتقد أن الإيديولوجي يتحكم في المعرفي ويسيره وفق احتياجاته غاياته وأهدافه فالتعامل مع العلوم الاجتماعية ما تزال تسيطر عليه الغاية النفعية والسياسية مثل الزيادة في مرد ودية الإنسان والرفع من الإدماج الاجتماعي أو زيادة الغريزة الشرائية وهو التوجه المعرفي الذي فرضته المؤسسات الاقتصادية والسياسية على العلوم الاجتماعية وهذا بالضبط ما اكتشفه هابرماس ورأى أن الفلسفة تفلت من هذه اللعبة مما جعلها خارج الاهتمام الاقتصادي والسياسي بل بالعكس تشكل منبع إزعاج ما دامت تفضح هذه الألاعيب والممارسات من هذا المنطلق نفهم العزوف الواضح عن الاهتمام بظهور مراكز للفلسفة ومع ذلك نستبشر خيرا في المغرب العربي حين نلاحظ اهتماما متزايدا بالفلسفة وفي هذا اليوم بالذات التي يجرى فيه الحوار يتم تأسيس الجمعية الفلسفية في الجزائر العاصمة تماما كما هي موجودة في تونس والمغرب ويرأسها د بوساحة عمر وهو احد المتنورين الجزائريين ونتمنى أن تتوسع الجمعية الفلسفية لتصبح مغاربية تتجاوز معوقات السياسي ويتخلص الابستيمي من الإيديولوجي فليس على المثقف انتظار غيره للارتفاع إلى الهوية المغاربية ولما لا الإنسانية وهو حلم كانط ومن بعده هابرماس عندما يتحدث عن المواطنة العالمية عند هذا الحد يتحقق التحرير تحرير الإنسان من كل ما يعوقه لتحقيق إنسانيته.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى