السبت ٣١ أيار (مايو) ٢٠٠٨
بقلم هشام بن الشاوي

حوار مع الناقد جميل حمداوي

النقد في عالمنا العربي دائما مدان ومتهم، و لا تثبت براءته أبدا.. فإن كتب الناقد اتهم بالتحيز حينا أو المعاداة حينا آخر، وإن لاذ بالصمت صار متعاليا وإقصائيا.. والضحية دائما هو النص لأن النقد والإبداع وجهان لعملة واحدة. في هذه التجربة لـ"الجريدة الأولى" سنحاول إلقاء نفس الأسئلة على ناقد ومبدع، غيابيا.

يتهم النقاد دوما بإهمال النصوص الحقيقية والتركيز على أسماء معينة حتى تكاد تتخيل أن النقاد يتنافسون في ما بينهم في تناولهم للنص المحتفى به لكاتب لا تنقصه الشهرة ولا جوقة مطبلين كلما نشر كتابا جديدا، في حين نجد كتابات وأسماء لا يكتب عنها سطرا واحدا... لماذا؟

من المعلوم أن النقد مسؤولية ثقافية ينبني في خطواته الجوهرية على الوصف والتحليل والتقويم والتوجيه، كما يهدف النقد البناء إلى التمييز بين الأعمال الجيدة وفرزها عن الأعمال الرديئة. ومن ثم، فالنقد الموضوعي هو الذي يوجه الشباب المبدعين وجهة مثلى ، ويساعدهم على تلمس الطريق الصحيح في الإبداع مع الإشادة في نفس الوقت بالمبدعين الكبار. ولا ينبغي أن يغض الناقد طرفه عن الأعمال التي يقدمها له المبدعون مهما كان مستواهم العمري أو التعليمي أو الثقافي أو الاجتماعي أو السياسي، وألا يخصص وقته فقط لأعمال أصدقائه أو بعض المبدعين لأسباب سياسية أو مصلحية أو إخوانية. فعليه – إذاً- أن يقارب جميع النصوص بشكل عادل، وأن يعتبرهم في البداية مبدعين أبرياء سواسية أمام مشرط النقد حتى تظهر إدانة الكاتب وضحالته الإبداعية. أي لابد للناقد أن يضع على عينيه مجازيا منديلا أسود ليخضع النص المنقود للقراءة البناءة الهادفة الموضوعية قصد تقويمه تقويما شاملا ينصب على الجوانب المضمونية والشكلية، ويقيمه تقييما علميا يقوم على توجيه المبدع نحو مسار إبداعي متميز.

قال الدكتور جابر عصفور ما معناه أنه تخلى عن كتابة الرواية لأنه أدرك أنه لن يكون الروائي الأول. هل الناقد مبدع فاشل؟

قد يكون الناقد مبدعا فاشلا وقد لا يكون، ولكن ما ينبغي أن نعرفه أن الناقد المتميز هو الذي ينبغي أن يكون متمكنا من جميع الفنون الإبداعية، ولابد أن يكون قد مارس كتابة القصة والرواية والشعر والمسرح، وأن يكون مثقفا موسوعيا وباحثا شموليا ليستطيع أن يفهم العمل الأدبي ويفسره، ويفككه ويركبه.

ويمكن للناقد أن يفشل في جنس أدبي معين، ولكنه ينجح في مجال النقد والقراءة الوصفية، ويصبح فيهما علما بارزا يشار إليه بالبنان.

ونلاحظ ،اليوم، أن نقاد الشعر أقل من عدد الشعراء بعد أن استسهل هؤلاء المبدعون كتابة الشعر، وهربوا إلى القصيدة النثرية وشعر الانكسار فكسروا كل شيء حتى فقدنا الإبداع الإنساني الحقيقي بفقدان خاصية الإيقاع الخارجي والداخلي. ونرى عدد النقاد يقل أكثر في مجال المسرح والسينما منه في مجال الرواية والقصة بالمقارنة مع ما يكتب في الساحة الثقافية من نصوص إبداعية من الصعب تطويقها نقديا ومحاصرتها إحصاء ووصفا وقراءة. لذا، فدور الناقد في المستقبل سيكون دورا مهما، وستزداد الحاجة إليه اعتمادا على قانون الطلب والعرض. والناقد الحقيقي ليس هو الذي يحول دروسه ومحاضراته الجامعية إلى مقالات ودراسات نقدية موسمية أو مناسباتية أو ينتزعها من فصول وأبواب رسالته وأطروحته الجامعية، بل إن الناقد الحقيقي هو الذي يحترق بوهج النقد وحرقة الإبداع الأدبي.

يلجأ بعض النقاد لا سيما في المغرب إلى استعراض ثقافتهم النقدية واستظهار الأفكار المعلبة الجاهزة سلفا. ألا تساهم هذه القراءات في (تنفير) القارئ العادي من النقد ويجني بالتالي على تلك الرواية أو الديوان الشعري،حين يحس هذا القارئ أنه مثل تلميذ يُستبلد إزاء مقررات مدرسية متجهمة؟

من المعروف جيدا في مجال الثقافة أن الناقد لابد أن يكون مثقفا مطلعا على المناهج النقدية، متمكنا من مجموعة من المعارف والنظريات في علوم ومعارف شتى، وألا يكون ناقدا سطحيا ضحل الزاد ، ضئيل الباع في المجال الثقافي يهبط إلى مستوى القراء ويراعي أفق انتظارهم بشكل مبسط ومختزل ومخل. فلا يعقل أن يكون ناقد الإبداع دائما ناقدا صحفيا انطباعيا فحسب، بل عليه أن يجرب مجموعة من المناهج النقدية الحديثة والمعاصرة. ولكن بشروط منهجية ضرورية تتمثل في ألا تتحول هذه المناهج إلى تمارين تطبيقية مقتضبة ومنتقاة لتطويع النص لصالح المنهج، وألا يتعصب الناقد لمنهج معين فيدافع عنه دفاع متعصب أعمى، فيحاول أن يقنع الآخرين بأنه المنهج النقدي الوحيد الصالح لمقاربة كل النصوص الأدبية. وعلى الناقد أيضا أن يفكر في منهج نقدي عربي أصيل دون الاعتماد دائما وإلى الأبد على النظريات والمناهج الأدبية التي ينتجها الغير. زد على ذلك، لابد من الاحتكام إلى الذوق الذاتي البناء، واستخلاص الأحكام الشخصية في محاكمة النص الإبداعي بناء على مقاييس نقدية موضوعية متزنة.

هل الناقد خصم المبدع؟

يجب أن نعلم جيدا بأن الناقد الحقيقي ليس خصما أو عدوا للمبدع، بل هو أخ وفي وصديق حميمي يحب الخير لكل المبدعين ليكونوا في مستوى عال ومرموق من أجل أن يسمو أدبنا العربي وتكون له مكانة كبرى في التأثير على الأدب العالمي، ويفرض تميزه الحداثي والجمالي في سوق المنافسة العالمية. ومن ثم، فالناقد يحاول جادا أن يشارك المبدع همه الثقافي عن طريق قراءة إبداعه وتفكيكه وتركيبه دلاليا وجماليا. وبعد ذلك ، ينتقل إلى محطة التقويم والتوجيه والإرشاد ليخرج المبدع من نواقصه المشينة إلى الإبداع الخالد المتميز. وللتوضيح أكثر فأهم شيء في النقد الأدبي ليس هو إصدار الأحكام القيمية المعيارية أو الوصفية أوالمفاضلة بين المبدعين، بل هو تبيان مظاهر الجودة والرداءة داخل عمل إبداعي معين، وتصحيح الشوائب المعيبة وتنقية الأخطاء الشائنة التي يمكن أن يقع فيها المبدع، وتوجيهه إبداعيا نحو وجهة مستقبلية قائمة على التجريب والتأصيل والتميز الشخصي.

ولابد للناقد كذلك أن يهتم بكل المعطيات المناصية والدلالية والفنية والمقصدية ليكون نقده موضوعيا متكاملا، وألا يقف عند جانب معين من النص الإبداعي على حساب جانب آخر. كما أن بعض النصوص هي التي تفرض على الناقد المبدع منهجا نقديا معينا وخطوات محددة بدقة ومصطلحات نقدية إجرائية معينة.

وعليه، فمهمة الناقد تكمل عمل المبدع، وتساعده على النجاح والتميز والتفوق. بيد أن هناك من المبدعين من يأبى أحكام الناقد البناءة ، ويرفض توجيهاته الموضوعية، ويتأفف من نصائحه السديدة ، ويعتبر الناقد إنسانا متطفلا يتتبع عوارت المبدعين. وهنا، أفتح قوسين لأقول لنقاد الإبداع الأدبي بأن الناقد الموضوعي الحقيقي لابد أن يحدد السلبيات والإيجابيات أثناء تعامله مع النص الأدبي والفني اعتمادا على معايير نقدية موضوعية ومقاييس جمالية وشكلية ودلالية مضبوطة لكي يكون هذا الناقد قارئا جادا و صيرفيا موضوعيا ذا مصداقية علمية ونقدية وثقافية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى