الاثنين ٥ أيلول (سبتمبر) ٢٠٢٢
بقلم رياض كامل

خطاب جريس دبيات الشعري

ملخص

عنيت هذه الدراسة بقراءة إنتاج الشاعر جريس دبيات في دواوينه الثلاثة، وتوقفتْ عند أهم المواضيع التي شغلته، والوسائل الفنيّة والتقنيّة التي وظّفها، فوجدت أنّ الشاعر قد تمكّن من أدواته، منذ بداية مشواره مع الشعر، يؤثّث نصوصه بالإحالات إلى الأساطير والكتب المقدسة والتراث الشعري العربي مما يثري النص ويجعله أكثر عمقا وتشظيا.

بدأ دبيات بكتابة الشعر في سن مبكرة، تعود إلى المرحلة الثانوية، ملتزما بالشعر الموزون دون غيره، حين كانت المعركة بين الشعر الكلاسيكي وشعر التفعيلة قد حسمها شعراء طلائعيون وضعوا الأسس المتينة لشعر التفعيلة، دون إلغاء دور الشعر العمودي، وقد ظل ملتزما بالشعر الموزون حتى اليوم. وهو، كما كثير من الشعراء، بدأ حياته الشعرية مقلِّدا للسابقين متأثّرا بهم، إلى أن شقّ طريقه الخاص به.

إن أي دراسة جديدة تأخذ بعين الاعتبار ما كتب عن الأديب من دراسات سابقة، ولكن بالرغم من أننا نتحدث عن شاعر يكتب منذ نهاية العقد السادس وبداية العقد السابع من القرن الماضي، إلا أننا لم نعثر على دراسة منهجية واحدة قامت بتعقُّب أشعاره والوقوف على أهم المحطات في مسيرته، أو معاينة أسلوبه، والمواضيع التي طرقها وعالجها.

أصدر الشاعر دبيات ديواني شعر متتاليين: "مع إطلالة الفجر" (1994)، و"تظلين أحلى" (1996)، بفارق سنتين، ما يدلّ على أنّ الشاعر كان يقوم بجمع ما يكتب حتى قرّر، لأسبابه الخاصة، أن يبادر إلى إصدار ديوانه الأول فالثاني. ثم كانت ولادة ديوانه الثالث "رماديات" سنة 2001. ومع أنه لم يتوقف عن الكتابة والنشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلا أنه لم يصدر أي ديوان منذ ذلك الحين.

لقد تبين، بعد معاينة الدواوين الثلاثة، والتوقف عند العناوين وأبعادها، والمواضيع وحيثياتها، وقياس القيمة الجمالية وعواملها، أنّ الشاعر يقوم باختيار العناوين التي تختزل أهم الأفكار التي تتمحور حولها معظم أشعار الدواوين، وأنه ينشغل بما يدور حوله من أحداث، على الصعيد الخاص والعام، وأنّ التحول اللافت فهو نضوج الأدوات الفنية في ديوانه الثالث التي جعلت حيّز التحاور مع المتلقين أكثر اتساعا، أفقيا وعموديا.

مقدمة

ترمي هذه المقالة إلى تسليط الضوء على خطاب جريس دبيات (1950) الشعري، والتعرف على شاعر لم ينل من الدراسة ما يستحق، رغم أنّه بدأ الكتابة قبل بلوغه سن العشرين، كما يتضح لنا من التواريخ التي يذيّل بها قصائد ديوانه الأول. كان الدافع الرئيسي إلى تناول إبداعه بالدراسة هو الإيمان بأهمية ما قدّمه للشعر الفلسطيني، وضرورة تقديمه كما يليق به للقراء، وتعريفهم على هويته الشعرية، وتمهيد الطريق أمام باحثين آخرين لتناول أشعاره.

تستفيد هذه الدراسة من نظريات التلقي، التي ترى إلى دور القارئ في ملء ثغرات النص وفراغاته، من خلال التأثير والتأثّر المتبادل بين القارئ والنص، بمنأى عن التسليم المطلق بها، فكل نص له مؤلِّف، وله بيئة، وله قارئ/ قراء. وقد علمتنا التجارب أن القراءات المتعددة للنص لا بد أن تتفتّق عنها معان جديدة لم ندركها في اللقاء الأول.

يصرّ الشاعر جريس دبيّات على الالتزام بالشعر الموزون: الشعر العمودي، شعر التفعيلة والشعر المقطوعيّ، وهو يؤمن بموسيقى الشعر وتأثيرها في الأذن العربية، التي اعتادت عليها قرونا طويلة. ويشدّد على أهمية الوزن ودوره لدرجة جعلته ينكر وجود المقوّمات الشعريّة في حال انعدام الوزن، كما صرّح بذلك بشكل علني في أكثر من مناسبة. (انظر: حوارات في الفكر والأدب، ص63-76)

يتابع دبيات الأحداث الاجتماعيّة والسياسية والفكرية فيخوض فيها، داعما المرأة في نضالها اليومي، وهي تتعرّض للظلم من ذوي القربى، ويدلي بدلوه في القضايا السياسية القريبة والبعيدة، داعيا إلى حرية الفكر وانعتاقه من القيود التي تحدّ من الإبداع، ومن بناء مجتمع يعيش الحاضر والمستقبل، غير مكبّل بأفكار لا تجاري العصر.

لماذا الشاعر جريس دبيات؟

ولد الشاعر جريس دبيات في قرية كفركنا / قانا الجليل، قضاء الناصرة، أنهى دراسته في موضوع الإسلام واللغة العربية في جامعة حيفا سنة 1970. وهو مطّلع على أصول اللغة ملمّ بقواعدها، واسع المعرفة في نحوها وصرفها وبلاغتها ومعانيها، حافظٌ أشعارَها القديمة والحديثة. عمل مدرّسا للغة العربية في المدارس الثانوية، وتخرجت على يديه أفواج عدة من الطلاب.

يكتب جريس دبيات الشعر، كما ذكرنا أعلاه، منذ سن مبكرة، وقد صرح لي في مقابلة أجريتها معه أنه كتب قصيدته الأولى في السابعة عشرة من عمره، وبالتحديد سنة 1967. لكنّه لم يصدر ديوان شعر إلا سنة 1994 لانشغاله في التدريس وفي بناء عائلة. (أنظر: حوارات في الفكر والأدب، ص63-76) نذكر ذلك ونحن على علم تام بأنّ هذا هو حال العديد من الشعراء والأدباء، الذين كان بإمكانهم أن يعطوا أكثر مما أعطوا لولا ظروف الحياة الصعبة. نسجّل هذه المعلومة ليقوم من يأتي بعدنا من الدارسين للاطلاع عليها ومناقشتها، فهي ظاهرة جديرة بالبحث والتنقيب.

يثيرني كتاب "الشعر كيف نفهمه ونتذوّقه" للباحثة إليزابيث درو، كلما عدت إليه، رغم صدوره قبل أكثر من ستة عقود، خاصة ما جاء فيه من أقوال حول الشعر ودوره، وعلاقته بالشاعر والقارئ. وهي مقولات صادرة عن شعراء وباحثين ومفكرين غير تقليديين. فالشعر، كما نعلم، فكر قبل أن يكون مصبوبا في قوالب وأوزان، وهو ليس صورة طبق الأصل عن الواقع، ولا هو مرآة عاكسة لما تراه العين، بل هو أعمق بكثير، فالمرآة تعكس السطح فقط وليست قادرة على اختراقه والغوص في الداخل.

ترى إليزابيث درو أن أي مناقشة في الشعر يجب أن تأخذ بعين الاعتبار العاملَين الفنيّ والنفسيّ، مضافا إليهما العامل الفسيولوجي، وهي تستحضر جملة وردت على لسان إيميلي ديكنسون تقول فيها: "إذا بدأت أقرأ وشعرت أنّ قمة رأسي قد انتزعت فإنني حينئذ أدرك أنّ ما أقرأه شعر..". (درو، ص104) لفت نظري تكرار حديثها عن العامل الفيسيولوجي وما يصيب المعدة واللسان أثناء عملية القراءة. ما يعنيني في هذا السياق هو ما يثير الكثيرَ من قراء الشعر ومتذوقيه ونقاده المتمرسين، وهم يواجهون هذا "الزخم" وهذا الكم من "الإبداع"، وهذا "الإعجاب" مما لا علاقة له بالشعر. فأي وجع يصيب معدتهمّ وحلوقهم وألسنتهم؟!

الشاعر جريس دبيات يكتب الشعر الجميل، برأيي، منذ أكثر من خمسة عقود، وفق المقاييس الأدبية المعروفة لا يحيد قيد أنملة عن أصول اللغة وقواعدها، يتقن إيقاع الشعر؛ أوزانه، وتفعيلاته ومركباته كلها، والأهم أنه كتب شعرا وهو دون سن العشرين، يلتزم فيه ب"الأصول" الشعرية ويأتينا بصور جميلة وبمعان قادرة على دغدغة المشاعر دون أن يحرك قلما واحدا. لذلك فإني أقدم هذه الدراسة تعويضا عن غبن لحق بشاعر متمرس لم يحظ بالاهتمام والمتابعة من الباحثين والنقاد، فيما حظي بعض من لا علاقة لهم بالشعر بالمدح والتشجيع.

وقفة مع الديوان الأول "مع إطلالة الفجر"

ذكرنا أعلاه أن هذا الديوان قد تأخر صدوره، إذ رأى النور بعد أكثر من عقدين ونصف من ممارسة الشاعر كتابة الشعر. وهو ما جعلنا نتساءل، قبل ولوج عالم الديوان الداخلي، حول دوافع اختيار هذه التسمية. فقد بات العنوان أمرا لافتا في عملية الدرس والتحليل، وحظي باهتمام المنظرين، في العقود الأخيرة، بقدر ما شغل الأدباء أنفسهم، (انظر: عتبات جيرار جينيت من النص إلى المناص) إذ يأخذ حيّزا كبيرا من فكرهم، بعد الانتهاء من عملية التأليف، (ثقافة الأسئلة، ص58) مدركين أهميته ودوره في التواصل مع المتلقي. وقد أولته الدراسات السيميائية اهتماما كبيرا ورأت فيه مفتاح دلالات النص. وقد يكون إشارة إلى أهم ما يشغل فكر المؤلِّف.

يحمل العنوان نظرة تفاؤلية، تحث القارئ على البحث عن مسببات هذه التسمية. فيجدها بوضوح في الإهداء الذي تصدّر الديوان: "أهدي هذه المجموعة الشعرية إلى كل الذين أرادوا لها أن ترى النور"، ما يعني أنه كان متردّدا في اتخاذ هذه الخطوة حتى رضي عما كتب واقتنع به، بفضل الدعم والتشجيع. وكان من الطبيعي أن نعود إلى القصيدة التي استعار الكاتب عنوانها ليحمل اسم الديوان، فوجدنا أنها تعالج الانتفاضة الأولى (كانون الأول، 1987) مذيلة بتاريخ 9.4. 1988. تخيّم على القصيدة روح التحدي، رغم ما يواجه الفلسطيني من جور وظلم وقتل، فكانت خطابا موجّها نحو الذات ونحو الآخر؛ بث روح التفاؤل في ظلّ تخاذل الأنظمة العربية التي توغل في الخيانة منذ زمن بعيد، كما جاء في القصيدة، ومواجهة الآخر المحتل كي يتراجع ويتوقف عن ظلمه، فالفجر آت لا محالة، حاملا نورا وجمالا يعمّ على الكون. (انظر القصيدة: ص54-60) ويبدو أن سعادة الشاعر بصدور الديوان، وجو الحماسة الذي رافق الانتفاضة الأولى، كانا الدافع لاختيار هذا العنوان.

قام دبيات بترتيب قصائد الديوان ترتيبا زمنيا تسلسليا بدءا من الأبعد فالأقرب. أتاح هذا الترتيب للقارئ أن يرى أنّ الشاعر كان قد نشر ما بين 1969-1973 ما مجموعه إحدى عشرة قصيدة، وأنه نشر ما بين 1988-1994 ثلاث عشرة قصيدة، أي بفارق خمس عشرة سنة. فهل توقف الشاعر عن الكتابة؟ أم توقف عن النشر؟ لا أحد يملك الإجابة سوى الشاعر، فقد صرح لي في الحوار أجريته معه أن أمر بناء عائلته، وعمله في حقل التربية والتعليم شغلاه جدا فابتعد مجبرا لا اختيارا. (حوارات، ص65)

تصدرت الديوان قصيدة "شجرة الميلاد" التي كتبها بتاريخ 19.12.1969، وهي تكشف عن شاعر مرهف يحسن الصياغة، رغم أنه كان آنذاك في التاسعة عشرة من عمره. من يقرأ القصيدة قراءة متأنّية فسيقف أمام شاعر يكتب بأدوات شعرية ناضجة من حيث الوزن، والإيقاع واللغة، ويقوم بتوظيف الرموز الدينية ذات الصلة بميلاد السيد المسيح، واستحضار مسيرة تشرد السيدة العذراء المؤلمة، وما تحمّلت من مشقة السفر:

"يا حبيبي
يا دموع الحب والنجوى
وضوعات الطيوب
يا رؤى الأحلام
في ليل العواصف
والرياح الهوج والبرد الرهيب". (مع إطلالة الفجر، ص9)

في القصيدة نفحات من الشعر الرومانسي، ومن روح الشاعر نزار قباني (ضوعات الطيوب) الذي تأثّر، في بداياته، بالشاعر الكبير سعيد عقل، الذي كان آنذاك مدرسة في الشعر يعود إليه كثير من شعراء بلاد الشام، خاصة، ليستفيدوا من تجربته الغنية. ولكننا نميّز فيها، بوضوح، صوت الشاعر جريس دبيات، وأنفاس الشاب العاشق الحالم. هي قصيدة ناضجة وفق مقاييس تلك الفترة، فيها سرد وحوار ومونولوج مما يسبغ عليها صفة الدرامية التي وظّفها بعض شعراء النهضة العربية الحديثة من أمثال خليل مطران ورفاقه، دون الالتزام بتلك "الأصول" القصصية ومركباتها.

تحتاج هذه القصيدة وغيرها إلى وقفة مطولة تتناول تفاصيل تلك المدرسة وذلك الأسلوب، وتبيان نقاط التشابه والاختلاف، ف"لكي نقرأ قصيدة ما علينا أن نعرف موروثها النوعي، أي ما يسميه جيرار جينيت جامع النص architext، وعددا من نماذج ذلك النوع، وثانيا أن نكون ماهرين في فرز عناصر النص الغائبة. ولكي نتمكن من ذلك نحن بحاجة إلى قارئ ماهر قادر على تأويله لأنه نص مرتبط بنصوص أخرى"، كما يرى روبرت شولز. (شولز، ص77).

لقد تأثّر دبيات بعدد من رواد الشعر الرومانسي والنيوكلاسيكي، واستفاد من تجاربهم، حتى بنى لذاته هويته فشقّ طريقه وسار فيها، وظلت أشعاره، مثل كثيرين، تتقاطع مع قصائد غيره ممن سبقه. فهل هذا يعني أنه سبق غيره من الشعراء الفلسطينيين في تلك الفترة؟ وأنه أتانا بما لم يأت به الأوائل؟ لا تدعي دراستنا ذلك بقدر ما تؤكد على أنه مثل غيره يقتفي درب الشعراء الطلائعيين الذين جاؤوا قبله، فكان مطّلعا على قصائدهم وأساليبهم، ومواكبا لأهم المنجزات الشعرية آنذاك.

ما تصبو إليه هذه الدراسة هو تتبع مسيرة الشاعر وتعريف القارئ، على شاعر لم يلق من الاهتمام ما يستحق، خاصة وأن هذه القصيدة، وما تلاها من قصائد المرحلة الأولى، كما أشرنا أعلاه (1969-1973) تشهد على اكتمال أدواته الشعرية، رغم صغر سنه، ولنا على ذلك أمثلة عدة، كما يتجلى في الصورة الشعرية التالية:

"ويسير الليل في جسمي
وعن عيني يثوب
ويظل البرد يصفعني
وتلسعني حكايات الدروب". (مع إطلالة الفجر، ص9-10)

لذلك لا يمكن أن تكون هذه هي قصيدته الأولى التي ألّفها، ولا بدّ أنّ هناك تجارب سابقة أحجم الشاعر عن تضمينها في هذا الديوان، لعدم رضاه عنها، كما نعتقد. وهذا، بحد ذاته، يشير إلى وعي الشاعر وإدراكه مفهوم الشعر في مرحلة مبكرة من تجربته الإبداعية. ولا شك لدينا أنه كان قد كتب قصائد أخرى سابقة حتى اكتملت أدواته الفنية.

يرى القارئ، بعد الاطلاع على مجمل ما جاء في الديوان، تأثُّرَ الشاعر، شكلا ومضمونا، بحركة الشعر النيوكلاسيكي، الذي انتشر في مصر والعراق، في النصف الأول من القرن العشرين، والذي وصل تأثيره، سريعا، إلى بقية أنحاء الوطن العربي. وكان، كما يبدو، يمنح إجازة لمن أراد من الشعراء المبتدئين، آنذاك، أن يدخل عالم الشعر من أوسع أبوابه. لم يقتصر هذا التأثير على الشكل الخارجي، بل إن هناك تأثيرا للموضوعات الاجتماعية الثورية التي دعت إلى تحسين أحوال الأمة الاجتماعية، كما تجلّى في شعر الرصافي، والزهاوي، والجواهري. وقد انعكس ذلك في أكثر من قصيدة، ومن الأمثلة البارزة قصيدة "متسول" (مع إطلالة الفجر، ص27) ومطلعها:

طاف يرجو العطاء من كل باب
شامخ النفس في أذلّ الثياب

تعيد هذه القصيدة إلى الذاكرة قصيدة الأرملة المرضعة لمعروف الرصافي التي مطلعها:

لقيتها ليتني ما كنت ألقاها
تمشي وقد أثقل الإملاق ممشاها
أثوابها رثّة والرجل حافية
والدمع تذرفه في الخدّ عيناها

أما ما لفت نظري فعلا فهو قصيدة بعنوان "نظرة فابتسامة... فلقاء" مذيلة بتاريخ 7.6.1970. (مع إطلالة الفجر، ص15-19) التي تحمل إشارة واضحة إلى قصيدة أمير الشعراء، أحمد شوقي، الشهيرة، التي غناها محمد عبد الوهاب، "خدعوها بقولهم حسناء"، وبالتحديد بيت الشعر التالي:

نظرة فابتسامة فسلام
فكلام فموعد فلقاء

لم يلتزم الشاعر جريس دبيات بمضمونها وبمبناها الخارجيّ، واكتفى بالفكرة التي بثّها البيت أعلاه، فقام بتوزيع القصيدة إلى مقاطع يحمل كل مقطع عنوانا استلّه من كلمات البيت وفق ترتيبها أعلاه؛ بدءا من "نظرة" وانتهاء ب"فلقاء"، فكانت قصيدة قصصية رومانسية جذابة، تتقاطع مع شعر الغزل العربي الحديث، منذ "سامبا" قباني ومغامراته مع النساء. إذ تحكي عن تجربة الشاعر الشاب مع إحدى الجميلات التي دخلت حلقة الرقص، هي الأخرى، فتستفزه وتثيره وتلفت نظره بحركات مقصودة، فكان ما كان حتى تم اللقاء.

كما يلاحظ الباحث تأثير الأسلوب القصصي الذي انتشر بداية عصر النهضة، الذي وظّفه عدد من شعراء تلك الفترة، رغم اتباع القصيدة أسلوب التفعيلة، ما يعني أنّ الشاعر لم يلتزم التزاما مطلقا بالشكل، فجاءت القصيدة تعبر عن روح الشاعر الوثّابة التي تحاكي شعراء المدرسة الرومانسية.

جريس دبيات حافظٌ الشعرَ الكلاسيكيّ، معجب به وبأصوله وأوزانه، وقد عاد إلى أصولها الشعراءُ العرب الطلائعيون، وكتبوا قصائد كان لها دورها الفاعل في حركة إحياء الشعر العربي خلال القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين، فانتعش الشعر العربي من جديد بشكله القديم وبمواضيعه الحديثة. أطلق الباحثون على هذا الشعر التقليدي مصطلح الشعر النيوكلاسيكي الذي كان من رواده محمود سامي البارودي وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم. كما ظهرت بوادر تجديد آخر لدى شعراء المهجر، من أمثال جبران خليل جبران، إيليا أبو ماضي، ميخائيل نعيمة، نسيب عريضة وغيرهم، الذين كان لهم تأثيرهم على بعض الشعراء في الوطن العربي الذين قاموا هم أيضا، مع شعراء المهجر، بإدخال تعديلات على مبنى بحور الشعر التقليدية وعلى المواضيع المطروحة، وعلى النبرة الشعرية التي ابتعدت عن الخطابية المعهودة.

أما التجديد اللافت فقد ظهر قبيل منتصف القرن العشرين مع ظهور قصيدة التفعيلة، التي كان من روادها بدر شاكر السياب، نازك الملائكة وعبد الوهاب البياتي. فأثاروا حربا شعواء كان النصر فيها للمجددين. سرعان ما اخترقت كل حدود العالم العربي، إلى أن وصلت شرارتها بلادنا هنا، فاستجاب لها شعراء فلسطين آنذاك، كما ينعكس في شعر محمود درويش وسميح القاسم ورفاقهما، وكان من الطبيعي أن يستجيب لها عدد من الشعراء في فترة لاحقة بعد أن ثبتت أصولها ونمت أغصانها، ومنهم الشاعر جريس دبيات، فكتب الشعر العمودي وشعر التفعيلة.

يلاحظ القارئ أنّ سمة الوعظ/الحكمة أكثر بروزا في الأشعار التي انتهجت الشكل العمودي، بينما القصائد التي انتهجت شكل التفعيلة منفتحة على مواضيع أكثر حداثة، كما أنّ النص، بحد ذاته، مفتوح على تأويلات أوسع. وكي لا نظلم الشاعر، فإننا نسارع إلى التأكيد على أنّه قد نجح، أيضا، في الشعر العموديّ، الذي تناول من خلاله مواضيع اجتماعية حديثة، لكنّ هويته الشعرية المجدّدة، برأينا، قد برزت أكثر من خلال شعر التفعيلة. نعي تماما ما تعنيه هذه الاستنتاجات، ونعي جيدا أنها بحاجة إلى أمثلة تثبت صدق ما نقوله، فلربما نفتح يذلك بابا لغيرنا يدحض ما نقوله، وله الحق في ذلك.

نؤكد، بعد الاطلاع على مجمل ما جاء في الديوان الأول، على أن الشاعر ملتزم بالوزن لا يبرحه، يعمد إلى الإيقاع الشعري سواء كان ذلك في الوزن والقافية، أو في التجنيس الحرفي، أو فيما يمكن أن نسميه "إيقاع الصورة"، حيث يكون النبر سريعا أو بطيئا استجابة للصورة الشعرية.

وقفة مع الديوان الثاني "تظلين أحلى"

تطرح نظرية الاستقبال والتلقي مفهوم "أفق التوقع"، لدراسة العمل الأدبي وتحليله، فالمتلقي يفترض من أي عمل، قبل قراءته، وجود مقومات أدبية أساسية تتلاءم والجانر الأدبي الذي ينتمي إليه، إذ لدى القارئ تصورات مترسبة مكتسبة حول كل نوع أدبي، أو تصورات تعتمد على ما بناه هو لنفسه من خلال القراءات الخاصة به. فالشعر له أصوله، وله لغته وأساليبه، وكذلك القصة القصيرة والرواية لهما أنماطهما وأصولهما. قد يحقّق النص الأدبي هذه الافتراضات، وقد يعدلها، أو ينقضها كليا.

قد يستجيب العمل لأفق التوقعات وقد يحيد عنه بنسب متفاوتة، وليس بالضرورة أن يلتزم بها كلها أو ينقضها كلها. لا بد، برأينا، من الحفاظ على بعض القديم وإدخال ما هو جديد. فهل "كسر التوقعات" يعني الإتيان بما هو أجمل وأنجح مما كان؟ بما أن الإجابة تستحق التروي والتأني، وتحتاج، هي الأخرى، إلى بحث وتحليل في مفهوم المقاييس وفيما أطلق عليه ياوس "المسافة الجمالية"، فإنني سأتناول هذه القضية من بابها السهل؛ ماذا ينتظر القارئ من الشاعر جريس دبيات بعد إصداره الديوان الثاني؟ هل سيحمل جديدا؟ وهل الجديد أفضل من سابقه؟ هذه تساؤلات تراود القارئ قبل قراءة ديوان دبيات الثاني، "تظلين أحلى".

يرى القارئ أن الشاعر جريس دبيات يعمل على تثبيت خطواته الأولى التي سار عليها في الديوان الأول، محافظا على "أصول" الشعر سواء كانت في القصيدة التي تعتمد عمود الشعر من صدر وعجز وقافية موحدة، أم كانت تنتمي لشعر التفعيلة. أما المواضيع المطروحة فهي تتوزع على عدة أبواب مألوفة شغلت الشعراء في تلك الفترة، فمنها ما يعالج الهمّ العربي الفلسطيني، وهي قليلة نسبيا، والهموم الذاتية كالرثاء والشكوى، ومنها القصائد الغزلية التي تحتل الحيّز الأكبر من هذا الديوان. وبالتالي فإن هذا الديوان لا يكسر أفق التوقع لدى المتلقي، من حيث الشكل ومن حيث المواضيع المطروقة، لكنّها تشهد على شاعر متمكن من أصول اللغة وتنويعاتها، ومن بحور الشعر ومركباته.

لم ينتظر الشاعر إلا سنتين حتى أصدر ديوانه الثاني "تظلين أحلى" (1996)، دون الإشارة إلى تواريخ كتابة القصائد، كما نهج في الديوان السابق. وبالتالي ليس بالإمكان إقامة مقارنة بين الديوانين، أو الإشارة إلى اتباع أسلوب فيه اختراق لما جاء في الديوان الأول. ما نستطيع أن نؤكّد عليه هو نبرة الأسى التي تفوح من أكثر من قصيدة، ونبرة الحزن والحسرة التي ترافق أبناء الشعب العربي الفلسطيني الذين بقوا متشبثين بتراب الوطن، في ظل ظروف جديدة، إثر فقدانهم الأهل والبيت والأرض. نكاد نجزم على أنها كلها قصائد وجدانية تطغى عليها مشاعر عاطفية جيّاشة نابعة من ألم وخيبات أمل، يسكب فيها الشاعر ما واجهه من معاناة، ليس بالضرورة أن تكون صادرة عن تجربة شخصية. فما واجهه العربي في هذه البلاد من مآس وويلات تعود على ذاتها بصور مختلفة مخلِّفة جروحا وندوبا في النفس والروح لاقت صدى عميقا لدى الشاعر.

ليس الشعر الوجدانيّ وليد العصر الحاضر، ولم يخلقه الشعراء الفلسطينيون دون غيرهم، بل هو متجذّر في التراث العربي، منذ الجاهلية، مرورا بكل العصور الإسلامية، وانتهاء بشعر عصر النهضة. لكنّنا نستطيع أن نؤكّد، دون تردد، على أنّها تحمل نبرة خاصة لدى الفلسطيني، لأنه ضحية تجربة مُرّة في فرادتها، هي تجربة التهجير والطرد والتشرد والابتعاد عن الأرض والبيت والوطن، وتشتّت أبناء البيت الواحد. لقد تحدّث شعراء العربية قديما عن هجر الحبيبة وعن ألم الفراق، وخصّصوا مطالع قصائدهم يعبّرون فيها عن فراق الحبيبة وعذاباته، وألم هجرة المكان والاشتياق إليه وإلى ساكنيه، كما تجلّى بشكل بارز وواضح في معلقة امرئ القيس، وفي حديثه المفصل عن بقايا الديار وشكلها وصورتها، وما تركه ذلك من ألم في النفس عميق. وقد أسهب الباحثون العرب في الحديث عن وجع فراق الحبيبة، دون الدخول في عمق مشاعر هجران المكان، وما يتركه في النفس من ألم وحسرة ومن ذكريات موجعة.

الشاعر جريس دبيات سريع التجاوب مع الأحداث المؤلمة التي ما انفكت تغرز سهامها في حنايا الروح، وهو، مثل غيره من المثقفين، يدرك جيدا هول الخيانة وما تعرض له الوطن من غدر من القريب والبعيد، يؤلمه ما قام به الغريب، لكن يؤلمه أكثر غدر الأخ، خاصة حين يتظاهر هذا "الأخ" بالحزن والقلق، فجاء الردّ حازما وواضحا وشفّافا من خلال قصيدته "حنظلة" التي تصدرت هذا الديوان:

"ما الذي ترجو بروجُ العاج من طفل
يُسمّى حنظلهْ؟
يتّموه أبويهِ
سلبوه أخويهِ
سكبوا نارًا وبنزينًا
على غضّ يديهِ
واستباحوا ما تبقَّى
من عناوين لديهِ
خلَفَ الله عليه ...
إن يُعِد من حقله المسلوب ...
حتى سنبلهْ". (تظلين أحلى، ص11)

هي نبرة عتاب ولوم موجَّهة إلى أولئك الذين كانوا السبب في مأساة الشعب العربي الفلسطيني. تمتزج نبرة الأسى بمسحة من السخرية من أولئك الذين ادّعوا حب الوطن، ومن أولئك الذين ما انفكوا يدّعون أنهم حماة الديار. إذ يلاحظ القارئ عدم تحفُّظ الشاعر من توظيف العامية المفصّحة لتعطي نبرة أسيانة حزينة في جملة "خلف الله عليه" التي يكثر استعمالها في المناسبات السارة، كالأعراس مثلا، فقام بتوظيفها لتتجلى صورة الفلسطيني وهو يواجه أيامه العاتية.

يتابع دبيات في معالجة مواضيع اجتماعية وفكرية، امتدادا لما جاء في الديوان الأول، وكتابة قصائد غزلية رقيقة تحمل تجربة شبابية، وكان البعض يتحفّظ من تناول هذا الموضوع بالذات، وكأنّ الفلسطيني خلق للتشكي إثر ما حل به، متناسين أن الإنسان الفلسطيني مثل غيره مخلوق من لحم ودم، وأنّه، رغم ظروفه القاسية، لا يمكنه أن يتجاهل عواطفه وأحاسيسه ويلجمها إزاء من يحب.

تناول الشاعر في هذا الديوان، كما في الديوان السابق، أكثر من موضوع. فإن كان الشعر الرومانسي هو الغالب عليه إلا أن للشاعر تجربة مرة ومؤلمة وخاصة خاضها في الرثاء، وبالذات في قصيد "خيتاه"، فهل التزم فيها بأصول شعر الرثاء المعهودة منذ الجاهلية؟

يرى الباحث عبد الله الغذامي اعتمادا على رولان بارت أنّ الكتابة لا تولد إلا إذا كان المؤلِّف قد قام بتخزين رصيد هائل من الإبداعات السابقة، فتكون بمثابة جنين سوف يولد في زمان محدد. (انظر: الخطيئة والتكفير، ص14-15) كتب العرب قصائد عديدة في الرثاء، منذ الخنساء مرورا بابن الرومي وصولا إلى السياب ونزار قباني وآخرين، ولكن رغم تشابه مشاعر الألم إلا أنّ كلا منهم عبّر بأسلوبه الخاص عن مشاعره وأحاسيسه. ولو توقفنا عند قصيدة "خيتاه" لرأينا أنها تحمل من التضاد بقدر ما تحمل من التشابه مع قصائد الرثاء السابقة لأنها تحمل بالأساس مشاعر الأخ تجاه أخته، وهي التي ساعدته في تربية أبنائه، وشاركت العائلة، لسنين عديدة، احتفالها في ليلة الميلاد، تُحضِر للصغار الهدايا وتساهم في إعداد الطعام:

"كانون والميلاد والشجر المزين والرجاء
وشرائح الكانون تدعو السامرين ..
إلى العشاء
وأنا وزنبقتي البعيدة حالمان
هم يأكلون – وأنا أعدّ لهم –
ويأكلني الحنين
يتضاحكون، فأدّعي ضحكا،
ويخنقني الأنين
ويثرثرون ومسمعي للذكريات
على مدارات السنين
وأنا و"أدما" حالمان
وأرى بعينيها المودة والحنان" (تظلين أحلى، 54-55)

يقف الأخ/ الأب محزونا وهو يقوم بتحضير الشواء لأبنائه، وقد افتقد أخته في مثل هذه الليلة، بالذات، وهي التي اعتاد أن تكون شريكته في إعداد الشواء للأبناء. فكان فرح العيد في "كانون" هذه السنة ناقصا. يفرح الأبناء ويتمتعون بزينة البيت وبمأكولات العيد، فيما يغرق الأب في ذكرياته يستحضر الأخت التي كانت رفيقةً وشريكة في الأعياد السابقة، فينتابه الألم والوجع دون أن يكشف سرَّه لأحد حرصا على سعادة الأبناء.

لشعر الرثاء "أصوله" ومبناه "المنطقي" بدءا بالتحسّر على الميت، مرورا بتعداد خصاله الطيبة وتبيان حجم الخسارة وعلة الوجع، وانتهاء بالترحم عليه. لكن هذا المبنى، وهذا الترتيب وتلك الخصال الطيبة لا بد أن ينتابها التغيير، وفقا للزمان وتبدلاته التي تلم بالبشر، ومع ذلك يبقى هناك بعض من هذه الأصول. فالحزن والأسى والتحسر والوجع ميزة بشرية لا تفارقها منذ بدء الخليقة وستظل ترافقها. أما الجديد فهو أنا الشاعر، وتجاربه ولغته، وحتى مدى حساسيته وعمقها.

يكسر الشاعر أفق توقعات القارئ منذ العنوان "خيتاه" تلك اللفظة التي كان هو خالقها تقليدا للّفظة الفصحى "أختاه"، وما تحمله من حنين. كما أن القصيدة، بحد ذاتها، عالجت موضوع الرثاء من خلال تجربة الشاعر الخاصة بعيدا عن التقليد. فقد تحدثت الخنساء عن حزنها فأجادت، لأنها لم تلجم عواطف الأخت تجاه أخيها، ورثا ابن الرومي ابنه فنجح لأنه لم يلجم عواطف الأب تجاه ابنه، وكان المهلهل قد رثى أخاه كليب فنجح لأنه لم يلجم عواطفه تجاه أخيه. إن الشعر يحتاج إلى صدق في المشاعر يتيح فيها الشاعر لأحاسيسه أن تنطلق دونما قيود، وهذا ما فعله دبيات في هذه القصيدة؛ جعل أحاسيسه تنساب بسلاسة ودون قيود تجاه أخته الفقيدة فنجح.

تحمل كل قصيدة مُجدِّدة جينات القصيدة الأم، مهما أغرق الشاعر في التجديد، ومهما غاص فيه، فالتجديد لا يعني اقتلاع القصيدة من جذورها كنبتة سامة، وإلقاءها بعيدا، بل هي متشابهة مع سابقاتها بقدر ما هي متجدّدة. فإن كانت المشاعر هي وجه الشبه، فإن التجربة هي الجديدة، ولا نقصد بذلك رثاء الأخ أو الأخت.

يعرض دبيات تجربة خاصة به وحده، فجاء العرض مؤثرا بقدر ما كان الشاعر صادقا ومخلصا لعواطفه ومشاعره، فلم يضع قيودا لعواطفه، ولم يبحث عن خصالها التي تفاخر بها العرب، بل ذهب نحو الداخل وما يعتريه من وجع عميق يبث لواعج الشوق ومشاعر الحنين، فعبر عن اشتياقه لأخته التي اعتادت أن تشاركه وأبناءه فرحة العيد، فكان العيد هذه المرة منقوصا، مؤلما وموجعا. هاجت الذكريات فأخذت الشاعر إلى الماضي، ليقيم مقارنة بين ما كان وما صار.

استوقفتنا قصيدة "خيتاه" بقدر ما تحمل من مشاعر، وبقدر ما تمكنت من ملامسة ذات المتلقي، بصدقها، كما ذكرنا. وكان الشاعر قد خصص معظم قصائد هذا الديوان الذي يحمل عنوان "تظلين أحلى" للحب والغزل، وقد رأينا الشاعر يقتحم هذا الموضوع بحذر، دون أن يخترق ما كان من قبل، رغم جمال اللغة وسلاسة اللفظ ورقة الأحاسيس، يلمس فيه المتلقي "مغامرة" نزار و"عفة" العذريين، فهل سيتحقق الاختراق في الديوان الثالث؟ وهل هذا ما يرمي إليه الشاعر فعلا؟

وقفة مع الديوان الثالث، رماديات"

نرى من الطبيعي بعد الانتهاء من معالجة الديوانين الأول والثاني والانتقال للثالث أن نعيد طرح التساؤلات التي طرحت قبل معالجة الديوان الثاني حول "أفق التوقعات"، وحول جديد هذا الديوان، فالفسحة الزمنية والتجربة الإبداعية كفيلة بأن تفسح المجال للانزياحات والانحرافات الأسلوبية. فما هو جديده؟ وهل كسر الشاعر "أفق التوقعات"؟ هذا ما سنحاول الردّ عليه من خلال بعض المحاور بدءا من العنوان.

ليس الهدف من هذه الدراسة تحليل عتبات النص ودورها بقدر ما هو التعرف على خطاب جريس دبيات الشعري، كما ذكرنا أعلاه. عنوان الديوان "رماديات" لافت للنظر، خاصة وأنّ عنواني الديوانين السابقين يحملان نظرة تفاؤلية، من ناحية، ومباشرة من ناحية ثانية، بينما "رماديات" أكثر عمقا وأكثر إثارة، يستفز القارئ ويأخذه باتجاه الرؤية والرؤيا والبعد الفلسفي. فالرماديّ، في مفهومه المباشر، يعني كل ما كان بلون الرماد، أو ما ينسب إليه، وهو لون ما بين الأبيض والأسود. وقد كُني بهذا اللون، في حالات معينة، عن عدم اتخاذ موقف واضح، وعن الاتجاه نحو الضبابية والغموض. وبما أنّ العنوان قد يحمل فكرة موجزة لمضمون المؤلَّف وتوجّهه، فقد عدتُ إلى العناوين الفرعية، فوجدت أن هناك ثلاث قصائد تحمل العنوان، "رماديات"، وهي "رماديات 1"، "رماديات 2" و"رماديات 3". وقد افتُتح الديوان بإحداها. تنتمي هذه القصائد الثلاث، من حيث الشكل، إلى النوع الشعري الذي أطلق عليه الشعر "المقطوعيّ (Strophic)، (جبران، ص34-37) حيث تحلّ المقطوعة بدل البيت في القصيدة الكلاسيكية.

يرى المتلقي أنّ دبيات قد وظّف هذا الشكل لطرْق عدة مواضيع اجتماعية ذات طابع رؤيوي تعكس تجارب الشاعر. فكل مقطوعة، بحد ذاتها، فكرة تحتاج إلى نقاش أوجزها في بضع كلمات. تكشف هذه القصائد الثلاث عن شاعر له في الحياة تجارب صعبة، ورؤية تعكس خيبة أمل من أمور ومناح عدة: اجتماعية، سياسية، فكرية وأدبية. نستطيع القول إنها خلاصة فلسفته الحياتية المؤلمة، نظرا لعدة أسباب، فالشِّعر، برأيه، مباح لكل جاهل، فلا وجود لقواعد أو قوانين أو روادع تمنع الجهلة من تلويث هذا الفن والاعتداء عليه وتشويه صورته ورسالته:

"شاعر يحكم في كل الفنونْ
يقرض الشعر فترويه السنون
وهو لا حسّ ولا حتى جنون". (رماديات، ص49)

والحال ينطبق على جور الحكام والمتنفّذين الفاسدين الانتهازيين الذين جيّروا الثورات وتضحيات الفقراء والمناضلين في سبيل مصالحهم الضيقة:

"حكمونا ألفَ عام بالحديدْ
وتحرّرنا بما ضحّى الشهيد
ساقنا الحكّام منا كالعبيد". (رماديات، ص53)

أما العدل فأصبح مفهوما مناقضا لمعناه المألوف، وبات الظالم سيّدا مهابا، فيما ضاعت القيم التي تغنّى بها الناس عصورا، وحل بدلها أب يهين زوجته وأبناءه وفق مفهوم "الرجولة" الزائف:

"هو وحش الغاب تخشاه العيالْ
لا يسوس البيت إلا بالنعال
آهِ لو شاهدتَه بين الرجال!!". (رماديات، ص95)

ويسود الكذب والنفاق بين الناس، وينسى الصديق مَنْ كان يوما صديقه، وتختفي من قواميسه مقولة "الصديق وقت الضيق:

"عندما ناداه: "انقِذ يا صديقْ
إنني أصبحت طعما للحريق!"
أنكر الصوت فما في الأمر ضيق!!". (رماديات، ص52-53)

تحمل هذه القصائد الثلاث صورة سلبية عن مجتمع يأكل فيه الأخ حق أخيه، وعن تفكّك الرباط العائلي المقدس بين الزوجين، وانعدام المروءة والخصال الطيبة التي كانت يوما مدعاة فخر العرب واعتزازهم.
يتابع المتلقي قراءة الديوان إلى أن يصل القصيدة الأخيرة التي يختتم الشاعر فيها الديوان بعنوان "يجوز" (رماديات، ص101) يعلن فيها عن سبب اختياره هذا العنوان، وهي عبارة عن حوار يدور بينه وبين ابنته نورة، (نويرة)، التي تتساءل، عاتبه لائمة والدها الشاعر، عن سرّ اختيار هذا العنوان الذي يحمل "فحم المداد"، ويساوي بذلك بين شعره والرماد. فيجيب قائلا:

"فقلت: يجوز من رمد بعيني
فلا تجلو البياض من السوادِ
كذاك يجوز من دنيا غرور
تذرُّ رمادها في عين صاد
سأحرق أحرفي وألُمُّ منها
رمادا يرتجى لنفاد زاد"

مهما يكن من أمر هذه الإجابة فإنها تعكس خيبة أمل الشاعر مما آلت إليه الأمور في مجالات عدة، ورغبة منه بأن تبقى كلماته رصيدا للمستقبل تساهم في تغيير الوضع الراهن، وكأن حريق الأحرف وما يتبقى منها من رماد قد يشعل النار من جديد، ويعيد وهج الشعر. يتشبث المتلقي بكلمة "يجوز"، عنوان القصيدة، وعودة الشاعر إليها مرتين ليذكّر بأنّ الفرق بين الكلام العادي الذي يحمل رسالة عادية وبين الشعر شاسع جدا، فالكلام العادي يحمل رسالة مباشرة لها معنى واحد فقط، أما الشعر فيحمل رسالة غير مباشرة قابلة للتشظي، وللمتلقي الحق في تأويلها وفق تجربته ومن خلال تأثيره وتأثُّره بما جاء في النص، ما يعني أن الشاعر نفسه لديه أكثر من سبب، من ناحية، وأنه غير واثق من إجابته، ليترك القارئ يبحث عن هذه الاحتمالات، "فالرسالة -كقول لغوي- تتجه عادة بحركة سريعة من باعثها إلى متلقيها، وغايتها نقل الفكرة، وإذا ما فهم المتلقي ذلك انتهى دور المقولة عندئذ. ولكن في حالة (القول الأدبي) تنحرف (الرسالة) عن خطها المستطيل، وتعكس توجُّه حركتها وتثنيها إليها، إلى داخلها، بحيث لا يصبح (المرسِل) باعثا، و(المرسَل إليه) متلقيا، وإنما يتحول الاثنان معا إلى فارسين متنافسين على مضمار واحد يضمهما ويحتويهما هو القول: أي النص." (الخطيئة والتكفير، ص10)

وأما الرماد و"رماديات" ومشتقاتها ومعانيها فهي ليست ملك الشاعر جريس دبيات بعد أن قام بتسليم ديوانه للمتلقي، ولم يعد له الحق في تأويله. وقد وجد المتلقي أن هناك أكثر من احتمال لتأويل دلالة الرماد ورسائلها، فهي الضبابية وعدم الوضوح، وحالة الضياع، وما يتبقى من وهج النار. والرماد بقايا جمر كان متوهجا، وبالتالي بقايا شعر قابل للتوهج، فالرماد قد يخفي تحته جمرا قابلا للاشتعال، مما قد يحيلنا إلى الأساطير والميثولوجيا وعودة الحياة إلى طائر الفينيق بعد حرق جسده وتجدّده، وما يحمله ذلك من احتمالات مفتوحة للتأويل.

كتب الشاعر دبيات في مواضيع عدة، وفي قضايا متعددة، وتناول الهمّ اليوميّ للإنسان العربي، وتعرّض للأمور السياسية والوطنية والقومية والفكرية والأدبية، فبرزت لديه مرارة وألم وخيبة مما كان، ومما يحدث حتى اليوم. هذا هو الشيء الوحيد الثابت. أما تأويل العنوان وعلاقته بالمضامين فقد قلنا فيه ما يجب أن يقال، بإيجاز، ونترك لغيرنا من الدارسين أن يرى ما يراه وفق ثقافته ورؤيته، دون التقيد بتعليلات الشاعر وتبريراته، فللنص دوره في التأثّر والتأثير، وللمتلقين آراؤهم التي قد تتشابه وقد تختلف.

لم تقتصر مواضيع هذا الديوان على نقد المجتمع والبحث عن هناته ونواقصه، بل إن المواضيع متنوعة، كما في ديوانيه السابقين، وقد لفت نظر القارئ متابعة الشاعر وتقصيه المناسبات الاجتماعية على اختلافها، ومشاركته أتراح الناس وأفراحهم. ولعلّ المتابع لما ينشره في وسائل التواصل الاجتماعي يجد الجواب الشافي لما ذكر هنا. فقد كتب الشاعر أكثر من قصيدة رثاء في شخصيات عدة، بدا فيها في غاية الحساسية، مجددا أحيانا، كما في قصيدة "خيتاه" (تظلين أحلى، ص53) التي أتينا على ذكرها أعلاه. وهي قصيدة عمدتها الرئيسية التأسّي والألم والشوق، وقد وظّف فيها أسلوب المناجاة، من خلال النداء، ليبث لواعج الشوق والألم، فاخترق حزنه الضلوع. وبدا تقليديا في قصيدة "لن ننساك" (مع إطلالة الفجر، ص68)، التي رثى فيها كاهن الرعية في قريته، التي تبرز فيها كل مركبات قصيدة الرثاء العربي التقليدي؛ التعبير عن الألم إثر سماع خبر الوفاة، مدح الميت وذكر محاسنه وخصاله الطيبة، طلب الترحم من الله وبقاء ذكره إلى الأبد. أما قصيدة الرثاء بعنوان "أبو فرح" (رماديات، ص56-62)، التي رثى فيها جاره الذي كان له مركز اجتماعي سامٍ فقد انتقل فيها إلى مكان آخر من حيث المبنى، واعتمد وسائل فنيّة حديثة مازجا بين الضمائر: المتكلم والمخاطب والمخاطبة، فضلا عن المناجاة والذكريات، والانتقال السريع بين الماضي والحاضر، مما جعل القصيدة أوسع من أن تكون رثاء تقليديا، فبات عالم القصيدة أكثر اتساعا وأكثر انفتاحا:

"عُنابة في بيتك العتيقِ
لم تزلْ تعانق المكانْ
وتشرئبّ نحو قبّة السماءِ
ترصد الزمانْ
أعيادها قدومك الأثيرْ
وشوكها يلين في يديْك كالحريرْ
يا جارة الرمّانْ
لا يرحم الزمانْ
ولستِ تعرفين بعدُ
ما مرارةُ الفراقِ والرحيل والحرمانْ". (رماديات، ص57)

يرى القارئ المتأنّي أنّ هناك قفزة نوعية في ديوانه الثالث، من حيث مفهوم "الشعرية"، كما حدّد مفاهيمها العديد من المنظرين، منذ الشكلانية الروسية، فالبنيوية وما بعدها. ما نستطيع التأكيد عليه هو أن دبيات ظلّ يدور في فلك عالمه الشعري ملتزما بنفس القضايا الاجتماعية والفكرية، يطرح نفس الهموم، ولكن بصورة أكثر عمقا، موظّفا الرموز والإشارات والإحالات والأساطير والميثولوجيا التي تجعل النص أكثر غنى وأكثر قدرة على مخاطبة القراء على اختلاف مستوياتهم. فقد بات الشاعر يميل أكثر نحو الترميز والإحالات والإشارات، ولنا على ذلك أمثلة عدة نكتفي بدعوة القارئ إلى قصيدة "نومي السمرا"، (رماديات، ص84) وقصيدة "دوللي" (رماديات، ص88).

تتناول الأولى تألّق عارضة الأزياء الشهيرة "نعومي كامبل" ليعالج من خلالها قضية المواجهة الأزلية بين الإنسان والزمان وصراعهما العاتي، وتغلّب الزمن وانتصاره على جسم الإنسان، وعلى شكله وصورته، مهما كان جميلا وفاتنا. وبالتالي إعراض الناس عن الاهتمام بالجسم الذابل الذي كان يوما ما يذهل النظر من خلال توهجه وألقه. فما أن يذوي الجسم حتى تنطفئ الأضواء وتبهت الصورة وتضيع النجمة. وتتناول الثانية قصة النعجة الشهيرة "دوللي" التي استنسخت وشغلت العالم بالنجاح العلمي المبهر، لكن "دوللي" تشعر بالنقص وبالغربة:

"أنا "دوللي"
أبي ما لست أعرفه
وأمي – قيل لي – أنثى من الضان
فما لي لا أرى إلا
وجوه الناس من حولي؟
وما لي ما لأترابي
من المرعى – الكَلا الرطبُ
من الناي – الصدى العذبُ
كأني جئت للدنيا
غريبا مرهق الحملِ".

"دوللي" شغلت العالم، ولكنها تشعر بالضياع وبالغربة. فما لغيرها من متع الحياة ليس لها فيها أي حظ، لا أم لها ترعاها وتشكو إليها همومها، ولا عائلة ولا داعمين. تنجح القصيدة من خلال المونولوج أن تثير قضية إنسانية وفلسفية حول التناقض بين الشكل والحقيقة وحول الغربة والضياع. وبالتالي تتشظّى الدلالات، فهل "دوللي" هي ذات الشاعر؟ أم هي الشعب الفلسطيني؟ أم هي إشارة إلى فئة من الناس ضاعت حقوقهم وتاهت في هذه الحياة؟ فما هي هوية "دوللي"؟ وكيف للإنسان أن يعيش بدون هوية؟ ومن هو "المجرم" بحق "دوللي" ومن كان على شاكلتها؟

ليس جديدا على الشاعر طرح قضايا فلسفية، فقد تناول ذلك في ديوانيه السابقين، لكن المتلقي يتجاوب مع هذا الديوان أكثر من سابقيه نظرا لانفتاح النص واعتماد الترميز والإحالات وتعدد الدلالات، مما يطرح السؤال من أوسع أبوابه: ماذا عن العقدين الأخيرين من عمر الشاعر؟ أين الديوان الرابع والخامس؟ هل كسر الشاعر "أفق التوقعات" من جديد؟ نطرح هذه التساؤلات مع العلم أنّ الشاعر لم يتوقف أبدا عن الكتابة، إذ شهدنا تكثيفا للنشر في وسائل التواصل الاجتماعي، ولم نر الإنتاج على الورق ليتسنى لنا إجراء مقارنة مع ما كان وما صار. وعليه فإننا ندعو غيرنا من الدارسين لولوج هذا الجانب وسيجدون مادة دسمة لا تتسع لها هذه المقالة.

خلاصة

شعر جريس دبيات يستحق القراءة والبحث، فلكل قارئ فيه نصيب، وفق الموضوع واللغة ومستوى التشفير، إذ يجد القارئ فيه ما يروي غليله؛ اللغة فيها من السلاسة ما يجعلها قريبة من تناول كل قارئ، والتشفير أداة لتحريك القارئ المتمرس كي يبحث عن التشابه والتضاد بين شعر دبيات وما سبقه.

يطرح الشاعر مواضيع قريبة جدا من القارئ العربي عامة، والفلسطيني خاصة، يستقي مواضيعه من محيطه، ومن وجع نال أبناءُ شعبه منه قسطا وافيا، فيتحول الشعر لديه إلى محاورة مع الذات لا تخلو من حثها على مراجعة ما كان للسير نحو المستقبل بخطى ثابتة.

يكثر الشاعر من توظيف التراث وتطعيم أشعاره برصيد فكري قديم، وكأنه يمزج كل معارفه التراثية والدينية والفلسفية في وعاء واحد لتحمل شكلا جديدا ومعنى جديدا يربط الماضي بالحاضر، حتى ليبدو وكأن الوجع القديم ليس هو ذاته وجع اليوم، والفرح القديم ليس هو ذاته اليوم. فالمشاعر الإنسانية، وإن كانت ذاتها عبر التاريخ، إلا أن التعبير عنها فيه المتشابه والمتضاد في آن معا. فوجع المحب عند الفراق هو ذاته، وألم المشرّد عند هجر الوطن هو ذاته، لكن اللغة تأخذ منحى جديدا في تناغمهاغم مع تبدلات المكان والزمان والإنسان.
يؤمن جريس دبيات بالقوالب الشعرية الموزونة والمموسقة، ولا يعمل على تغيير ما كان من حيث الشكل لأنها، وفق رؤيته، وصلت إلى كمالها. أما ما لا يلتزم بالإيقاع والوزن فلا علاقة له بالشعر. فقد وظّف الأوزان الخليلية، وشعر التفعيلة، وعاد إلى شعراء بني العباس، وعرّج على ديار الأندلس يحاكي موشحاتها، دون التقيد بمضامينها، وكنا نتمنى عليه أن يكسر بعض هذه القوالب، كما فعل مع المضمون، فلا شيء في الشكل مقدس، وتحطيم القوالب غاية المبدعين. وإن كنا نعلم أن ليس كل ما هو جديد أفضل مما كان لمجرد جدّته، لكن هذا هو دور المبدع.

يلتزم الشاعر بالمواضيع الاجتماعية والفكرية والسياسية التي تشغل المحيط الذي يعيش فيه. ويحافظ على مسافة قريبة من المتلقّي، في اعتماده على الرموز الشفافة القريبة من القراء، ويلجأ إلى توظيف التناصّ الدينيّ والتراثيّ لتوسيع عالمه الشعري.

لم يتوقف جريس دبيات عن قول الشعر، وهو سريع التجاوب مع الأحداث اليومية، محليا وعالميا، إذ سرعان ما يكتب في أكثر الأحداث جدّة. وهو، كما ذكرنا في أكثر من موقع من هذه الدراسة، واسع الثقافة عالم باللغة وأصولها وقواعدها وأسسها، ولديه رصيد يكفي لأن يعبئ مجموعات من الدواوين الشعرية.

المصادر

دبيات، جريس. مع إطلالة الفجر. كفركنا: وزارة المعارف والثقافة، 1994.
دبيات، جريس. تظلين أحلى. د. م: وزارة المعارف والثقافة، 1996.
دبيات، جريس. رماديات. الناصرة: وزارة المعارف والثقافة، 2001.

المراجع

إيزر، وولفجانج. فعل القراءة. ترجمة حميد لحمداني، والجيلاني لكدية. فاس: منشورات مكتبة الناهل، 1994.
إيكو، أمبرتو. "القارئ النموذجي". من كتاب نظرية الأدب: القراءة، الفهم، التأويل- نصوص مترجمة. ترجمة أحمد بو حسن. الرباط: دار الأمان، 2004. ص29-49.
بلعابد، عبد الحق. عتبات (جيرار جينيت من النص إلى المناص). بيروت: الدار العربية للعلوم ناشرون، الجزائر: منشورات الاختلاف، 2008.
جبران، سليمان، الإيقاع في شعر درويش نظم كأنه نثر. دالية الكرمل: جدل، 2017.
درو، إليزبيث. الشعر كيف نفهمه ونتذوقه. ترجمة محمد إبراهيم الشوش. بيروت: مكتبة منيمنة، 1961.
شولز، روبرت. السيمياء والتأويل. ترجمة سعيد الغانمي. بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1994.
الغذامي، عبدالله. ثقافة الأسئلة. ط2. الكويت: دار سعاد الصباح، 1993.
الغذامي، عبدالله. الخطيئة والتكفير، من البنيوية إلى التشريحية. ط4. القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1998.
صالح، بشرى موسى. نظرية التلقي – أصول وتطبيقات. بغداد: دار الشؤون الثقافية العامة، 1999.
غنايم، محمود. غواية العنوان- النص والسياق في القصة الفلسطينية. الناصرة: مجمع اللغة العربية،
2015.
كامل، رياض. حوارات في الفكر والأدب. عمان: الدار الأهلية للطباعة والنشر، 2021.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى