الأربعاء ١ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٣
لطيفة اجبابدي

رائدة حقوق المرأة فى المغرب

هى من اشهر النساء فى المغرب فى مجال الدفاع عن حقوق النساء. كانت اول وجه نسائى يستضيفه برنامج سياسى ساخن على شاشة التليفزيون المغربى، تتمتع بشخصية قوية وملامح صارمة.

س: ما الذى تغير فى مشوارك مع النضال والسياسة ؟

ج: ما تغير هو ان الخبرة الممتدة من فترة معينة مكنتنى من اكتساب نوع من النضج والرصانة واضفاء نوع من النسبية على احكامى وتقديراتى والتحلى بمسؤولية اكبر فى مواقفى وعملى. هذه ربما من طبيعة الاشياء اى بقدر ما نتقدم فى عملنا بقدر ما نلمس صعوبة وجسامة المسؤولية المطروحة علينا والمعوقات. اى اننا نصبح اكثر تبينا من معطيات الواقع وبالتالى لا يكون الدافع ما نطمح اليه. ولكن أيضا ما نطمح إليه بالاستناد على ما يمكننا منه الواقع من تقدم فعلى. ومع الزمن تعلمنا ان التحولات الكبرى والثابتة فى ارض الواقع هى التى تترك للزمن امكانية انضاج شروط تحقيق ما نطمح اليه. ولكن فى العمق ما بقى وما اشعر بأنه لم يتغير داخلى هو رسوخ قناعاتى بالقيم التى دفعتنى الى دخول هذا المجال.

السياسة ووالدى

س: لماذا اخترت السياسة؟

ج: السياسة هى الفضاء الاساسى الذى تتخذ فيه القرارات الحاسمة فى حياتنا. وبالتالى لا يمكننا ان نطمح لاى فعل فى جانب من جوانب حياتنا سواء ما يتعلق بحقوق المرأة او كل ما نطمح اليه من عدالة اجتماعية، وعيش كريم، وديمقراطية، واقرار لحقوق الانسان، الى غير ذلك. كل هذه القضايا لا يمكن ان تمر الا عبر المجال السياسى، وكذلك لم يكن هناك خيار من ان انخرط فى هذا الفضاء. وان اعمل من موقعى المتواضع كمناضلة من اجل الفعل فى هذا المجال.
اخترت السياسة بمحض ارادتى مدفوعة بشئ ما بداخلى، هناك اندفاعة داخلية. اكاد اقول ان السياسة كانت تجرى فى عروقى من ابعد لحظة تذكر فى حياتى. بالنسبة لبداية شبابى بحيث انه كل ما كنت احمله من قيم وامال وتطلعات ومن رؤى اولية. واكاد اقول بدائية فى البداية، كانت بالنسبة لى تدفعنى كلها للبحث عن مجال للعمل السياسى منذ فترة مبكرة من حياتى. لم يكن حتى اختيارا بالمعنى الدقيق للاختيار بل هو اندفاع تلقائى لم يكن لى بد منه.

س: بمن تأثرت؟ هل كانت هناك شخصية تمثل القدوة بالنسبة لك؟

ج: اجل القدوة بالنسبة لى هو والدى. لانه كان نشيطا ومعنيا بقضايا وطنه وقضايا الاخرين. كان مثقفا وشغوفا بالاسئلة الوجدانية. وكان يفتتح ناديا للكتاب بالبيت. كان يلتقى هو ومجموعة من زملائه. وكنت اجلس وانا صغيرة وسطهم. شجعنى كثيرا ان انخرط فى العمل الجماعى، فكنت ابقى فى دار الشباب الى ساعات متأخرة من الليل، واشترك فى مجموعة من الانشطة الثقافية. وكان يشجعنا كثيرا على المطالعة. وكان فخورا، ولكنه متخوف جدا وخائفا على.

الاعتقال

س: خاصة وانك عشت تجربة الاعتقال؟

ج: اجل كانت التجربة متعبة جدا لوالدى الذى كان يضطر مرات عديدة ليهرب بى. بل وتعرض للاعتقال، والضغط، وجئ به فى حالة اعتقال الى ثانويتى التى كنت ادرس بها فى مدينة اغادير. هذا كله جرى فى مدينة تزنيت، وهى مدينة صغيرة جنوب المغرب حيث نشأت وعشت طفولتى ومراهقتى واتذكر جيدا يوم تعرض والدى للضغط من طرف الشرطة، وعامل مدينة اغادير من اجل الضغط على لوقف التحركات الطلابية التى كنا قد انخرطنا فيها للمطالبة بحقوق بسيطة. وجئ به الى اغادير قرب الثانوية وامام تظاهرات واسعة للتلاميذ. واذكر انه تعرض لمواجهة التلاميذ. جئ به، وهو يحاول اقناعى عبر الميكروفون حتى انسحب واسلم نفسى لانهم كانوا يعتبروننى متزعمة لهذه التحركات. وللأسف رجم حتى بالحجارة من طرف المتظاهرين الذين اعتقدوا انه مع الشرطة، ولم يعرفوا انه تحت الاعتقال.

س: الم يؤثر عليك هذا الموقف؟

ج: بلى لكن عنادى واصرارى على المضى قدما فى مسيرتى كان اقوى رغم محاولات والدى اقناعى بالتخلى عن السياسة.

س: وامك؟

ج: كانت متخوفة هى الاخرى واذكر انه يوم اعتقالى اغمى عليها، حيث اختطفت من البيت لاعتقل. وكان ابى بطيبته وبساطته يحدث مختطفى .. ابنتى طيبه ووطنية وتخدم بلدها ولا افهم ماذا تريدون منها؟ ليس هناك شئ وسآتى اليكم صباحا وسأستردها.

س: كم استمرت مدة حبسك؟

ج: اكثر من سنتين ونصف قضيت ثمانية اشهر منها فى اعتقال سرى. وكان اباؤنا لا يعرفون حتى مصيرنا هل نحن احياء ام اموات؟ وكان والدى يقضى وقته فى التجوال بين المؤسسات والادارات. عانى الكثير من الاحباط، ووالدتى تدهورت صحتها، واختى الصغرى وقعت تحت تأثير صدمه الزمتها الفراش طيلة فترة الاعتقال ولم يفد معها علاج.

س: ما الذى خزنت من ذكريات عن تلك الفترة؟

ج: فى تلك الفترة كانت زيارة ابى اسبوعيا و "بقفة" مليئة بالأكل، و"قفة" اخرى مليئة بالحلوى والشوكولاته. وكأنه يأتى لزيارة طفلة مدللة. كنت فى نظرة دائما طفلة.

س: اعتقلت بالرباط ؟

ج: اجل بعدما انتقلنا الى الرباط للسكن، لكننى مررت بعدة سجون بالدار البيضاء، ومكناس، والقنيطرة، وكان والدى يتبعنى اينما كنت. وفى كل زيارة اسبوعية كان يبكى لان علاقته بى كانت حميمة جدا. وكان يفصل بيننا شباكان بينهما مساحة عريضة تتجول فيها الحارسات. وبالتالى لم تكن هناك فرصة للتعبير عن مشاعرنا، وكان يبكى طيلة الساعة التى يسمح لنا بها للزيارة.

س: وأنت؟
ج: كنت اتمالك نفسى واتحلى بالشجاعة حتى لا ازيد من معاناته.

صدمة
س: الاسرة فى حياتك؟

ج: مهمة جدا. عشت مع اسرة منسجمه يسودها الحب والتفاهم. لكن للاسف لم اجد ذلك هو الحال فى اسرتى الخاصة. وصدمت جدا لما اكتشفت واقع النساء الذى لم اعشة بتاتا، لانى عشت فى اسرة فيها كثير من التوازن. لهذا صدمت لاننى كنت ارى العالم من خلال جزيرتى الصغيرة، الامر الذى جعلنى اناضل من اجل توفير واقع افضل للنساء. وللاسف عشت هذا الواقع حتى فى حياتى الخاصة.

س: فى هذا الصدد هل عشت فى حياتك الخاصة نفس الصدام الذى عشته على ارض الواقع مع نساء اخريات؟

ج: عشته بشكل مباشر وملموس ويومى وعميق. ما كنت اراه فى المحيط الاجتماعى، وكانت صدمتى الكبرى لان زوجى كان رجلاً مناضلا وسياسيا وحقوقيا.

س: بماذا تشعرين انت كمناضلة؟ ماذا قدمت للمرأة؟

ج: من الصعب ان اتحدث عن نفسى. لكن يمكن ان نسأل ماذا قدم "اتحاد العمل النسائى"؟ وماذا قدمت الحركات النسائية للمرأة المغربية؟ لانه ليس هناك فعل ذاتى، فالاتحاد الى جانب حركات اخرى فتح ملفات كبرى اهمها ملف مدونة الأحوال الشخصية والحقوق السياسية. كما أسسنا اول لجنه لمتابعة قضايا العنف تجاه النساء سنة 88. وقبل ذلك لم يكن ذلك مطروحا، وانشأنا اول مركز للاستماع والارشاد فى هذا المجال انا واسرتى.

الاسرة

س: الى اى حد تعيش حياتك الخاصة؟

ج: اكاد اقول اننى لم استطع بعد ان اضع حدا فاصلا بين حياتى الخاصة والعامة، بل ربما هناك طغيان العام على الخاص. فحياتى العامة تأخذ كل وقتى تقريبا، واحيانا على حسابى الخاص. وبرامجىالاسرية تخضع لاكراهات العمل.

س: هناك وقت خاص اكيد لابنائك؟

ج: اجل، ضرورى اعترف اننى لا اعطيهم كل الوقت.

س: هل فشلت كزوجة؟

ج: لا اقول فشلا. ولكن لم يكن ممكنا ان اتقبل نمط العلاقات الاسرية المبنية على اساس تقليدى صرف. كان ذلك يتعارض مع قناعاتى وتصوراتى حول العلاقات الاسرية والعلاقة الزوجية.

س: هل انت ست بيت؟

ج: لا أظن. وهذه نقطة ضعفى الأساسية.

س: لا تعرفين ماذا يجرى فى البيت؟

ج: لا.. اواكب ما يجرى طبعا.. لكن من الصعب على ان اكون ست بيت بالمعنى التقليدى للكلمة.

س: تطبخين لاسرتك؟

ج: اجل اطبخ. واتابع دراسة ابنائى، واراجع معهم دروسهم، وانظم شؤون بيتى، انا امرأة بيت بالمعنى الحديث للكلمه الذى نجد فيه انفسنا كلنا تقريبا كنساء.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى