الثلاثاء ١ آذار (مارس) ٢٠٠٥
قصة قصيرة
بقلم محمود البدوي

رجل على الطريق

اشتغلت وأنا فى العشرين من عمرى فى شركة من شركات الملاحة بالسويس براتب تافه ، كنت أسكن بنصفه ، وأشرب بالنصف الآخر جعة ، ولا أحفل بعد ذلك بشىء فى الوجود ، وكنت أقيم مع أسرة إيطالية تسكن فى منزل صغير على شط القناة فى بور توفيق ، وتعيش عيش الكفاف .
وقد كانت الحياة شاقة على شاب فى مثل سنى ونشاطى فى هذه المدينة الصغيرة التى ليس فيها شىء سوى القناة ، ومنازل الشركة المتناثرة على الشاطىء ، وسكانها جميعا من الأجانب الذين وضعتهم الأقدار العجيبة فى هذا المكان ، ولاصلة تربطهم بالمواطنين ولا مودة ولا إخاء .

على أن ولعى بالمطالعة ، وحبى للهدوء ، خففا مما كنت ألاقيه من وحدة ووحشة فى هذه الضاحية . وكنت أذهب كل مساء إلى السويس لأشرب الجعة فى مشرب صغير ، وأتمشى فى طريق الزيتية .. ثم أعود إلى بور توفيق لأنام .

وكنت أجد على رأس الطريق الموصل لبيتى رجلا غريب الأطوار ، يجلس على الحشائش قرب القناة وبجواره كلب ضخم وزجاجة فارغة ...! وكان الرجل يجلس ينظر دائما إلى ناحية القناة ، ويخط باهتمام فى دفتر أمامه .. ويجلس هكذا معظم النهار ، فإذا غربت الشمس حمل متاعه ومضى ووراءه كلبه واختفى فى الظلام .

وكان موضع السخرية من العابرين فى الطريق .. وكان أكثر الناس سخرية به العمال الذاهبون إلى ورش الميناء .. وما كان الرجل يعبأ بسخريتهم أو يحفل بكلامهم .. كان يمضى فى عمله ولا يجيب .
ولعلى كنت الوحيد الذى يمر به فى الصباح والمساء ولا يسمعه كلمة نابية ، ولذلك كان ينظر إلىّ فى استغراب ودهشة . وكنت أخرج لأتمشى كل أصيل ومعى كتاب .. وأتخذ طريق القناة عادة .. وأجلس هناك على كرسى حجرى أطالع ، والرجل على مقربة منى يكتب فى كراسته ، ودنوت منه ذات مرة ، وجلست إلى جواره فوق العشب ، وحييته فحيانى بهزة من رأسه وهو يبتسم ، ومر مركب فى القناة فانحنى على كراسته وكتب شيئا فى تمهل وعناية .
فسألته :
ـ ماذا تكتب ..؟
فنظر إلىّ بوجه ضاحك وقال :
ـ إننى أتلهى ..

ثم أضاف وقد لمعت عيناه بعض الشىء :
ـ لقد كنت ملاحظ " فنار " فى البحر الأحمر ، وكان هذا هو عملى فى النهار والليل .. أرقب السفن وأدون أسماءها ، وأنا أفعل هذا الآن بحكم العادة ، وأجد فى ذلك لذة تنسينى متاعب الحياة ..

ـ لاشك أن العمل فى المنارة وسط البحر ممتع للغاية ..
ـ جرب وسترى ..
ثم شاعت فى وجهه ذى التجاعيد ابتسامة عريضة وسألنى :
ـ هل أنت متزوج ..؟
ـ لا ..
ـ إذن فيمكنك أن تركب البحر إلى هناك .. ولا بأس عليك .. كتاب وفونوغراف ، وكل شىء سيمضى على سننه .. أما إذا كنت متزوجا فستعود من هناك نصف مجنون ..!
ـ وهل اعتزلت هذا العمل من مدة ..؟
ـ مدة طويلة جدا يا بنى .. منذ سنين وسنين ..
وتغير صوته وأطرق .. فأدركت أنه تذكر شيئا يؤلمه .. فتحولت بوجهى عنه ، وأخذت أقلب صفحات الكتاب الذى معى حتى أقبل المساء ، فحييته وانصرفت .

***
والتقيت به بعد ذلك كثيرا فى هذا المكان حتى توثقت بيننا مودة صادقة . وكان الرجل مخمورا أبدا ، وما رأيته غير ثمل فى نهار أو ليل ، وكانت زجاجة الخمر معه لاتبارحه قط ، وكان ادراكه الصحيح للحياة قد جعله لايعبأ بشىء مما تواضع عليه الناس ، فهو يسكر وينام فى الطريق .
وما رأيته متبرما بشىء ، أو شاكيا من شىء .

ورآنى مرة فى حانة صغيرة فى مدينة السويس .. أتحدث مع زوجة صاحب الحان .. فلما انصرفت المرأة لعملها جاء وجلس إلى مائدتى ..
وسألنى :

ـ لماذا تسكر فى هذه السن ..؟
ـ لأننى أشعر فى أعماق نفسى بالتعاسة
ـ إن هذا أحسن جواب لسكير ..!
ـ ولماذا النساء ..؟
فصمت ولم أقل شيئا ..
واستطرد هو :
ـ انك تسكر لأنك وحيد .. ولا رفيق ولا أنيس لك فى هذه المدينة الكئيبة ، ومع كل مساوىء الخمر فإنها قربتك منى ولم تجعلك تسخر من ضعفى ، وأنا أشرب على قارعة الطريق فى بور توفيق ، إنك تدرك الضعف الإنسانى لأنك إنسان ..!
ـ إن هذا لايغير من نظرة المجتمع إلى السكير ..
ـ هذا صحيح .. ولكنى أسكر رغم أنفى وكذلك أنت . وهناك شىء فوق إرادة الإنسان يربطنا بهذه الدنان .. وإن تشرب فى ساعة مظلمة من حياتك ثم تصحو .. إن هذا لاشىء .. ولكن النساء .. هذا شىء آخر .. إنك لا تستفيق من خمرهن إلا وأنت ساقط فى الهاوية ..
وجاء له الساقى بكأس فشربها وعض على نواجذه .. ثم أشعل لفافة من التبغ ، وأخذ يسرح الطرف فى سماء الحان ..
فسألته وأنا أنظر إلى وجهه وقد غضنته السنون :

ـ لماذا تركت البحر ..؟
ـ إنها الأقدار ..
ثم صمت .. وأمسك بالكأس البللورية الفارغة .. ورفعها إلى عينيه كأنه يقرأ فيها من لوح الغيب .
ثم سألنى :
ـ أركبت البحر ..؟
ـ ذهبت منذ سنتين إلى استامبول ..
ـ أشاهدت منارات فى الطريق ..؟
ـ أجل ..
ـ سأحدثك عن قصة منارة من هذه المنارات ..

ووضع الكأس البللورية على المائدة .. وأشعل لفافة أخرى وأقبل علىّ يتحدث :

ـ كنت أعمل فى منارة بالبحر الأحمر منذ سنين .. وكان معى زميل لى يساعدنى على العمل . أمضيت شهرين فى المنارة وسط البحر .. ولا شىء تراه هناك غير البحر .. وكنا نطالع ونصطاد السمك ، ونسمع الفونوغراف .. وننير المنارة فى الليل للسفن ، ونغنى ونفعل كل شىء لنتلهى . ولكنك فى ساعة من الساعات تحس كأن شيئا يثور ويضطرب فى أعماق نفسك ، فتكاد تمزق الكتاب وتحطم الفونوغراف .. وتشعر بسأم .. وتضيق ذرعا بكل شىء .. وتحس بالاختناق .. وتنظر ولا ترى حولك غير البحر ، وبينك وبين الأرض سفر أيام ، فى هذه الساعات كنت أجلس على سلم المنارة وأدلى بساقى فى الماء .. وأحلم بعرائس البحر التى قرأت عنها فى الأساطير .. وأتصور أن واحدة منهن ستطلع وتجىء إلىّ .. وتمر سفينة من بعيد ، وأنوارها ترقص على الموج ، وأتصور أننى أسمع ضحكات نساء .. ورقص نساء .. وأرى بعين الخيال واحدة منهن تتجرد من ثيابها وتتهيأ للنوم ، فيأخذنى السعار .. وأظل أفكر وأحلم فى المرأة .. ولا شىء غير المرأة .. إنها تأخذ عليك مسالك تفكيرك ، وتشغل حواسك ، فإذا رأيت شيئا أبيض يلوح فى سفينة من بعيد تصورته ساق امرأة .. وإذا أبصرت شيئا ينثنى على سطح مركب تصورته امرأة .. إنك تراها فى كل شىء ولا تراها ..
وكنت أنا وزميلى أحسن صديقين .. كنا نعمل فى صفاء ووئام .. وكان الطعام لابأس به ، ووسائل التسلية متوفرة .. أما إذا جن الليل وثارت الغريزة فقد انقلب كل شىء إلى جحيم .

وكان صاحبى متزوجا وكنت أعزب ، وكان يحب زوجته ويحدثنى كثيرا عنها ..
ومضت شهور ، واقترب موعد عودتى إلى السويس لأستريح فى الأجازة المقررة لأمثالنا .
وجاءت الباخرة التى ستقلنى إلى السويس ، وأعطانى صاحبى رسالة إلى زوجته .
***
وأمضيت أياما فى السويس ، والرسالة موضوعة فى جيبى حتى كدت أنساها .. وفى أصيل يوم ذكرتها ، فاتجهت إلى بيت صاحبى وكان فى أقصى المدينة .. وتقدمت فى الشارع الضيق ، وشمس الأصيل تضرب رؤوس المنازل البيضاء بأنوارها الساطعة ، وكل شىء يسبح فى الضوء الباهر .. ووقفت أمام البيت ، واجتزت العتبة ، ورأيت فتاة فى مقتبل العمر تمسح الدرج وقد شمرت عن ساقيها .. ولما رأتنى توقفت عن العمل ، ونظرت إلىّ فى سكون فاقتربت منها وسألتها وأنا مفتون بجمالها :
ـ أهذا منزل عبد السلام أفندى ..؟
ـ أجل ..
ـ أريد أن أقابل زوجته ..
ـ أنا زوجته ..

فابتسمت وظهر على وجهى الارتباك ، فما كنت أتوقع أن تكون زوجة صاحبى صغيرة وجميلة هكذا ..
رأيت أمامى فتاة فوق العشرين بقليل ، خمرية اللون سوداء العينين .. جذابة الملامح إلى حد الفتنة .
وعرفتها بنفسى وسلمتها الرسالة .. فأخذتها فى لهفة ثم ردتها إلىّ وهى تضحك وقالت بصوت ناعم :
ـ أرجو أن تقرأها لى فأنا لا أعرف القراءة
ـ وقرأتها لها فأشرق وجهها وزاد سرورها ..
ثم طوت الرسالة وقالت وهى تشير إلى الداخل :
ـ تفضل ..
ودخلت وجاءتنى بعد قليل بكوب من الليمون
وأخذت أحدثها عن البحر ، وعرائس البحر .. حتى أقبل الليل فحييتها وانصرفت وأنا جذلان طروب .

***
وبعد أيام التقيت بها عرضا فى السوق ، وكانت معها سيدة وفتاة أصغر منها قليلا .
وسلمت علىّ فى بشاشة وقالت :
ـ لماذا لم تزرنا ..؟
ـ سأزوركم طبعا ، قبل عودتى إلى المنارة ..
ـ وقبل ذلك ..؟
ـ وقبل ذلك .. !
ـ سلم على أمى وأختى .. إنهما قادمتان من بور سعيد لزيارتى .. وقد حدثتهما عنك ..!
وسلمت على أمها وأختها ، ومشيت معهن إلى البيت ، وبقيت معهن حتى ساعة الغداء ..

وذهبت إلى الإسماعيلية ، وأمضيت فيها أياما .. ورجعت إلى السويس ، وفى أصيل يوم مررت بمنزل زينب زوجة صاحبى لأخبرها بموعد عودتى إلى المنارة حتى أعطيها فرصة لتعد بعض المأكولات لزوجها ، ووجدتها فى البيت وحدها ، كانت أمها وأختها قد سافرتا .. وشعرت وأنا جالس فى الحجرة بالسرور والارتياح .. وهذه مشاعر لم أستطع تعليلها ..
وكانت زينب تلبس رداء أزرق بسيط التفصيل .. وقد صففت شعرها وعقدته جدائل فوق ظهرها ، وكانت تعصب رأسها بمنديل أزرق كذلك ، وفى عينيها كحل خفيف ، وعلى خدها الأيمن حسنة . ولما جاءت إلىّ بفنجان من القهوة ، ومددت يدى لأتناوله من يدها ، شممت من جسمها روائح الطيب ، فتنبهت حواسى ، ونظرت إليها وكأننى أراها أمامى لأول مرة ..
ولأول مرة أشعر بقلبى يدق وأنا معها فى غرفة واحدة والعرق قد أخذ يتصبب على جبينى ..!

ومالت الشمس إلى الغروب ، ونهضت لأنصرف فقالت وهى تنظر إلىّ :
ـ لماذا أنت مستعجل ..؟
ـ الليل قد أقبل ..
ـ إن هذا أدعى لبقائك لأننى وحدى فى البيت ، فانتظر حتى تأتى خالتى أم اسماعيل ..
وبقيت .. وظللنا نتحدث .. حتى مضت فترة من الليل .
ووجدت أمامى أنا الشاب القوى الذى يعانى مرارة الحرمان امرأة ناضجة محرومة مثلى ..
كان فى نظراتها تكسر ولين

وكان جسمها يروح ويجىء أمامى وهى فى أحسن مجاليها ، فأخذت أنظر إليها ، وأنا مستغرق فيها بحواسى ومشاعرى جميعا ، ونسيت أنها امرأة صاحبى ، نسيت هذا وذكرت أننى وحيد فى قلب الليل مع امرأة أشتهيها من كل قلبى .
ودون أن ندرى ما حدث كانت بين ذراعى وكنت أرتوى منها .
وغرقنا فى النشوة فلم نحفل بأحد .
وأصبحت أقابلها كل يوم ..

ولما حان موعد عودتى إلى المنارة حملتنى هدية لزوجها ، وودعتها وفى قلبى جمرات من نار .

وذهبت إلى المنارة وأعطيت الهدية لصاحبى وسألنى عنها ، وكان يتلهف على كل كلمة يسمعها منى .. كان يحبها إلى درجة العبادة .. سألنى عن صحتها وأحوالها ، وأخذت أجيبه على مئات الأسئلة التى أمطرنى بها ، وكان من فرط ولهه يود لو يقبل يدى لأنها لمست يدها ..!
وحل موعد عودته فتركنى ورحل ..
وكنت فى خلال ذلك أعانى عذاب السعير ، وأتصورها بين ذراعيه فأكاد أجن ..
وانتهت أجازته وعاد .. ورأيته يصعد سلم المنارة بعد غيبة ثلاثة شهور .. وكدت أنكره .. فقد تغير .. إذ ظهر على وجهه الشحوب والذبول وحيانى فى فتور .. ووضع متاعه فى جانب من المنارة .. وصعد إلى البرج .. وهو صامت ..
وجلست بعد هذا أفكر وأسائل نفسى .. ما علة تغيره ؟ هل عرف ..؟ هل علم بكل شىء ..؟ ما أشد جنون المحبين ! إنهم يتصورون أن الناس لاتعرف عنهم شيئا .. وسيرتهم تدور على السنة الناس . إن الحب يعميهم عن ادراك الحقائق .

وكان عليه أن يسهر فى البرج ، وعلىّ أن أنام لأحل محله بعد ذلك .. واستلقيت على الفراش ولكنى لم أنم .. كانت نظراته إلىّ ترعبنى .. وكنت أخافه .. كان أشد منى قوة .. فأغمضت عينى نصف إغماضة وسمعته يهبط السلم .. ويدور فى الغرفة الصغيرة حتى وقف على فراشى ، وتظاهر بأنه يبحث عن شىء وعاد إلى البرج ..

وبعد ساعة سمعته يهبط السلم مرة أخرى .. ورأيته يتجه نحوى .. وكانت فى يده قطعة من الحديد .. إنه يود قتلى .. ودون أن نتبادل كلمة واحدة تشابكنا فى عراك دموى ، وظللنا نقتتل حتى لم تبق فينا قدرة على الحركة ، ورحت فى غيبوبة طويلة .. ولما فتحت عينى ونظرت إليه كان الدم يلطخ وجهه ، وكان صدغه قد تهشم من ضربة قاتلة .. فأدركت هول ما حدث وأغمضت عينى ..

نمت على الأرض وهو بجوارى فاقد الحراك .. ونظرت إلى السماء فوقى ، وإلى البحر الصاخب من حولى ، وإلى الظلام الذى تضل فيه الأبصار ، واستعرضت فى ذهنى صور حياتى إلى أن التقيت بصاحبى هذا .. وجمعتنى الأقدار معه فى عمل واحد .. وامرأة واحدة ..!

وبكيت وماتت فى نفسى كل عواطف البغضاء .. وودت لو أفتديه بحياتى .. وأخذنى بعد قليل ما يشبه الدوار .. ثم فتحت عينى ، وتصورت أن الجثة تتحرك وأنها اقتربت منى .. وكنت مشلولا ولا أستطيع الحركة .. فتملكنى غيظ مستعر ، وجعلت أصر بأسنانى ، وأهذى كالمجنون ، وأصرخ بأعلى صوتى .. ولكن موج البحر كان أعلى من صوتى .

كان يزمجر وكنت أصرخ فيختلط الصوتان معا ويذهبان أباديد ..
وظللت ساعة كاملة وأنا فاتح عينى ومعلق بصرى بالجثة .. وقد عجزت عن كل حركة .. وخيل إلىّ أنها انتفخت .. وأن وجهه يزحف عليه النمل .. والهوام ! وازددت كراهية لها ونفورا .. وخطر لى خاطر لماذا لا أدفعها إلى البحر .. وأتخلص من هذا العذاب ..

وزحفت بجسمى كما يزحف الثعبان .. وحاولتأن أدفع صاحبى فلم أستطع .. فتمددت فى مكانى وبصرى إلى النجوم .. إن الليل مرتع للهواجس .. فإذا طلعت شمس النهار ذهبت هذه الخواطر المرعبة أباديد.. ولكن متى يطلع الصبح ..؟

لقد كنت أرتعش وأصر بأسنانى ، وأشعر بجفاف حلقى .. ولما صحت بأعلى صوتى كان صوتى قد انقطع .. فأغمضت عينى وأخذت أبكى كالأطفال .. وكنت كلما أغمضت عينى ازداد سمعى حدة .. وخيل إلىّ أننى أسمع صياح مردة فى برج المنارة وعواء ذئاب .. ووضعت أصابعى فى أذنى .. ولكن هيهات كان الصوت قويا ، وكان يجلجل فى البرج .

وارتعشت .. وتصبب العرق وأخذنى الدوار .

ولما فتحت عينى ، كان النور قد غمر الكون .. وظللت طول النهار فى مكانى ، وأنا أتلوى من الألم والعذاب . . وكلما أدرت وجهى عن رفيقى .. عدت برغمى أنظر اليه وأرتعش .. حتى طار صوابى .

ومرت مركب فى المساء .. ولاحظت انطفاء المنارة .. فاقتربت وحملتنا .. هو ميت وأنا أشبه بالموتى .

وسجنت .. وخرجت من السجن .. وذهبت إلى كل مكان لأتلهى وأنسى .. ولكن صورة البحر بأمواجه وأشباحه والمنارة المنطفئة .. والزميل الراقد بجوارى لاتبارح مخيلتى أبدا ..
إننى معلق هناك بخيط لايرى ..

نشرت القصة لأول مرة بالمجموعة القصصية لمحمود البدوى " العربة الأخيرة " طباعة مكتبة مصر 1948


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى