رسالة من أخرس إلى أعمى
هل ترى؟
هل ترى كيف أردى الورى
تحل عقدتنا وتفك العرى؟
هل ترى؟
هل ترى كيف المواثيق
كيف القيم كيف التقى
كيف الشرف يباع ويشترى؟
هل ترى كيف بسوق النخاسة
وبدرهمين عرضنا العرض وبعنا الثرى؟
يموت الضيف قراً على بابنا
فلا غوث ولا نخوة ولا قِرى
فبالله عليك، بأبيك وأمك،
بشرفك ومعتقدك، بمصحفك،
بصليبك، بعرضك، بأرضك،
بخبزك، بأصنامك، بآثامك،
بإيمانك، وبكل مقدساتك،
هل أنت حقاً ترى؟
أنائمٌ أنت يا تُرى؟
أميتٌ أنت؟
أأبكمٌ أنت؟
أخائنٌ، أخانعٌ؟
أطامعٌ أنت أو قانع؟
من أنت؟
أو حقاً وصدقاً
ما أنت؟
لترى طفلاً تأكله الذئاب
وتفقأ عينيه أقدام الذباب
وهي تجوس بأفواهها
مُقلةً تسمّرت وتخشّبت
على مرأى جثة والدها
تلوكه أسراب الجراد!
أتُراك ترى ما قد جرى؟
أم أنك أصمٌ أبكم أعمى
بملء إرادتك والنوى؟
الكلب على ضعفٍ
لو هَالهُ وحشٌ
لكانَ في أضعف الإيمان
قد هرَّ في وجهه وعوى.
يا بن آدم.. ناشدتك
فيما بقي من آدم بداخلك
أن لوّح بكلمةٍ واقذفها
علّ الكلمة تصيب عيناً فتبكيها
أو الضمائر فتوقظها،
فنحنُ أمة الكلمة
وليس بمقدورنا إلّاها
فلم تعد على قدر أفعالنا عزيمتنا
ولا على قدر كرامنا صارت مكارمنا،
فلوّح بحراب كلامك
وطوّح ببليغ سهامك!
ناشدتك الله أن تفعلها
خيرٌ من أن تشهد زوراً
منتظراً دورك لتُذبح!
فالحق الذي تخشاه
والعدل الذي تتحاشاه
ليس ملكي أو ملكك،
بل ملكنا وملك أسلاف سبقونا
وحضارة سادت فأبدعت وأمتعت،
ثمّ بادت فشنّعت وفرقت ومزقت
فورثناها منهم بخيرها وشرّها
وبعزّها وضعفها وعلمها وجهلها
لنتسربل السلب ونطرح الإيجاب
فهل حفظنا ما أورثونا؟
لذا، طوّح بكلمةٍ وقل حقاً
فأقلُّ الخير كلمة
وأضعفُ الإيمان كلمة
وأصدق ما قيل وأكذبه كلمة
ولم يحفظ التاريخ إلا كلمة
والله هو نفسه كلمة
فهل أنت الآن ترى؟
أم أن عينيك درهمين؟
وقبضتيك كلّابتين؟
وضميرك مصرف يستوطنه المرابون؟
لتنتهي بعد صمتك في بطنهم
ويطرحوك كالقمامة في الخلا،
ثم تفنى.. ثم تُنسى..
ليستبدلوك بعدها ويكرهوك
ويخلعوك بعدها ويطمسوك
فهل حقاً ترى؟
إذن، طوّح بكلمةٍ واقذفها،
أو مت صامتاً كقبرٍ فارغ!
قلّي ما رأيك
يا هل تُرى؟