الخميس ١٩ كانون الثاني (يناير) ٢٠٢٣
بقلم جميل السلحوت

رواية «ومضة أمل» بين الحبّ والخيانة

صدرت نهاية العام 2022 رواية "ومضة أمل" للمرحوم حنا جميل رشماوي عن جسور الثّقافيّة للنّشر والتّوزيع في عمّان، وتنفيذ مكتبة بغداد الثّقافيّة في بيت لحم والدّيوان التّلحمي للنّشر، تقع الرّواية التي صمّم غلافها رامي قبّج في 230 صفحة من الحجم المتوسّط، وكتب تقديما للرّواية "المحقق المشرف"، د. جورج أنطون أبو الدنين،م يخائيل رشماوي، ود. حنا رشماوي.

الكاتب: ولد المرحوم حنّا جميل رشماوي في بيت ساحور عام 1946، تعلّم حتّى نهاية المرحلة الإعداديّة، اشتغل في مهنة الصّدف، وعمل في البلاط، نشط في نقابات العمال والنّادي الأرثوذكسي في بيت ساحور، وتوفّي عام 2020.

مدخل: جاء في التّقديم أنّ الكاتب انتهى من كتابة روايته عام 1965، وكتبها بقلم رصاص في خمسة دفاتر مدرسيّة. وهذا يقودنا إلى العودة إلى الرّوايات الفلسطينيّة في مرحلة ما قبل العام 1965.

مثل: "خليل بيدس (1875- 1949)، وأحمد شاكر الكرمي (1894-1927)، وجميل البحري (توفي عام 1930)، الذي أصدر أول رواية فلسطينية تحت عنوان "الوريث" والتي ظهرت في القدس عام 1920، ونشر أيضاً مجموعة قصصية بعنوان آفاق الفكر عام 1924 في القاهرة.

وقد أسّس كلّ من هؤلاء الأدباء مجلة أدبيّة خاصة وأشرف على تحريرها بنفسه، وكانت معظم ما تنشره قصصا مترجمة، كانوا يقومون بترجمتها بأنفسهم من اللغات الأوروبيّة والآداب العالميّة.

وفي عام 1943 أصدر إسحق موسى الحسيني الرّواية الفلسطينية الثّانية، تحت عنوان"مذكرات دجاجة" وقد كتب لها المقدمة د.طه حسين، وقد طبعت عدّة مرّات؛ لما حصلت عليه من شهرة آنذاك في العالم العربيّ.

أمّا ما بين العامين 1948-1967؛ فقد اشتهر في هذه الفترة أربعة كتّاب كانوا جميعا يعيشون خارج فلسطين، وهم: محمود سيف الدّين الإيراني 1914-1974، جبرا إبراهيم جبرا 1917-1994، سميرة عزّام 1924- 1964، غسّان كنفاني 1963- 1972.

وكتب محمود سيف الدّين الإيراني القصّة منذ الأربعينات، وهي أكثر نضجا من المحاولات السّابقة لها في فلسطين، وانتقل إلى الأردنّ عام (1942)، فكان من أهم روّاد القصّة في شرق الأردنّ، وربّما كانت مجموعته "مع النّاس" (1956)، هي ما أثبت قدراته المتعدّدة.

أمّا أعمال جبرا القصصية؛ فقد بشرت بميلاد مستوى مختلف وأكثر حداثة، وقد نشر مجموعته "عرق وقصص أخر" عام (1956)، وقد كانت قصصه إلهاماً للصفوة.

أمّا سميرة عزام، التي بدأت الكتابة قبل عام 1948، فقد دلّت أعمالها على وعي بالأحداث الخطيرة التي كانت على وشك الحدوث، بالإضافة إلى أنّ قصصها عكست انضباطا فرضته على ذاتها واحتراما لأدواتها الفنّيّة، وباختصار، فإنّ قصصها الفنّيّة هي خير ما يمثل القصص القصيرة الفلسطينيّة في مرحلة الخمسينات والسّتّينات.

أمّا غسان كنفاني فقد دخل عالم الأدب بنشره عام 1961 مجموعته "موت سرير رقم 12"، وقد بدا أنّ هذا الكاتب قادر على تحقيق العمق والتّنوّع، وبصدور مجموعته الثّانية "أرض البرتقال الحزين" عام 1963؛ رسخ نفسه كاتبا قصصيا من الطّراز الأوّل، ثم أصدر بعد ذلك "عالم ليس لنا" 1965، عن الرّجال والبنادق 1968، وأصدر كنفاني روايته الأولى "رجال في الشّمس" عام 1963، ثم رواية "ما تبقّى لكم" عام 1966، "وعائد إلى حيفا" 1969. وكانت رواية رجال في الشّمس هي التي وضعته في طليعة كتّاب القصّة في الأدب العربيّ عامّة، والفلسطينيّ خاصّة. أمّا رواية "ما تبقّى لكم" فكانت محاولة جريئة لتحديث القصّة في العالم العربيّ." "راجع تقرير وكالة أنباء وفا بهذا الخصوص".

ولا يمكن القفز عن مجلّة الأفق الجديد التي صدرت عام 1961-1966، التي أسّسها وترأس تحريرها المرحوم أمين شنّار، وممّن كتبوا فيها القصّة وأبدعوا فيها لاحقا، وكتب البعض منهم الرّواية: محمود شقير، ماجد أبو شرار، يعقوب الأطرش، جمال بنّورة، يحيى يخلف، صبحي الشّحروري، حكم بلعاوي، خليل السّواحري، وفخري قعوار.

وعودة إلى رواية "ومضة أمل" للمرحوم حنّا جميل رشماوي، وتنبع أهمّيتها كونها كتبت في العام 1965، وإذا استثنينا روايات الشّهيد غسّان كنفاني، في ستّينات القرن العشرين وروايات جبرا ابراهيم جبرا، وما قبلها فإنّ عدد الرّوايات الفلسطينيّة وقتئذ لا يصل إلى عدد أصابع اليدين، وغالبيّتها لا تنطبق عليه شروط الرّواية.

موضوع الرّواية: تتحدّث الرّواية عن أسرتين، أحدهما تتكوّن من الأمّ الأرملة "أمّ زكي" ابنها"زكي" شقيقته" سلوى"، ولاجئة فلسطينيّة" سعاد" يتيمة الأبوين، ولها شقيق"سليم" يدرس في مدرسة داخليّة، ولم ترد عنه أيّ معلومة أخرى. وأسرة شقيقتها أمّ سمير، الزّوج "أبو سمير"، الأبناء "سمير، فؤاد ونبيل". يزور سمير الذي عاش حياة ماجنة بسبب ثراء أبيه، خالته أمّ زكي التي تسكن في قرية، يحبّ ابنتها سلوى، ولا يلبث أن يتحوّل إلى حبّ سعاد اللاجئة التي تعيش معهم في البيت نفسه. زكي سافر إلى بيروت للدّراسة وانقطعت أخباره بعدما اندمج في الضّياع مع المومسات والمخدّرات، ولا يظهر إلّا عندما عاد في نهاية الرّواية، تموت أمّ زكي بمرض السّل الذي كان مرضا قاتلا ومخيفا قبل اكتشاف طعم له في أواخر السّتينات، وتوصي سمير ابن أختها بأن يتزوّج ابنتها سلوى. يصاب سمير بحادث طرق إصابات بالغة، شوّهت وجهه وأصيب بكسور؛ ليمضي بقيّة حياته أعرجا.

أبو سمير رجل ثريّ له محلّات تجاريّة كثيرة، رجل جلف ظالم كريه اضطهد زوجته وأبناءه، وترشّح للبرلمان، لكنّه ما لبث أن قبض الأمن عليه بتهمة التّجسّس، وصودرت أمواله وحكم عليه بالإعدام، وأودع مستشفى الأمراض العقليّة قبل تنفيذ حكم الإعدام عليه.

يحبّ فؤاد سلوى ابنة خالته، أمّا نبيل فلم يكن له أيّ دور في الرّواية.

الأسلوب: تفاوت أسلوب الكاتب بين السّرد الحكائي بالذّات في النّصف الأوّل من الرّواية والذي طغى فيه استعمال كان ومشتقّاتها، وبين السّرد الرّوائيّ، ويطغى عنصر التّشويق في الرّواية، بحيث أنّني قرأتها في جلسة واحدة دون ملل. وواضح أنّ الرّواية واقعيّة فيها خيال يخدم السّرد الرّوائي، وهذا يسجّل لصالح الكاتب.

ملاحظات: يبدو أنّ من راجعوا الرّواية ودقّقوها، أخذوها كما هي دون انتباه، ويتجلّى ذلك في الصفحة 146، حيث جاء في بداية الفصل"4" ملاحظة تخصّ الكاتب وليست من النّصّ الرّوائي، وأخذت ثلث الصّفحة الأخير وامتدت للثّلث الأوّل من الصفحة التي تليها"147". وكذلك الحال في بداية الفصل "5" حيث أخذت ثلثي الصّفحة 202 ملاحظة تخصّ الكاتب أيضا وليست من النّصّ الرّوائي.

 الكلمات التي جرى تفسيرها في الهامش لا ضرورة لها، فهي معروفة للقارئ.

اللغة: مع أنّ لغة الرّواية بليغة وجميلة، إلّا أنّها لا تخلو من عشرات الأخطاء اللغويّة والنّحويّة.

وفي تقديري أنّ الرّواية انتهت بنهاية الفقرة الأولى صفحة 202، وما بعدها يمكن تطويرة لرّواية أخرى.

المكان: ورد في الرّواية اسم مدينتي القدس وعمّان، وأسرة أبي سمير تعيش في عمّان دون ذكر أسماء الأمكنة والشّوارع والأحياء في المدينة. وأسرة أمّ زكي تعيش في قرية يبدو أنّها من قرى القدس، وعولجت وتوفّيت أمّ زكي في مستشفى في القدس، وسمير جرى معه حادث طرق مريع أثناء عودته إلى بيت خالته في القرية دون ذكر المكان، وعولج أيضا في مستشفى في القدس لم يذكر اسمه، علما أنّه كان في القدس في ستّينات القرن العشرين ثلاث مستشفيات هي: المستشفى الحكومي"الهوسبيس" في البلدة القديمة، مستشفى المطّلع" أوغستا فكتوريا" في جبل الزّيتون، والمستشفى الفرنسيّ في الشّيخ جرّاح، وواضح أنّ زمن الرّواية يمتدّ من مرحلة نكبة العام 1948، وحتّى منتصف السّتّينات، ويظهر ذلك من خلال اللجوء، وتجسّس أبي سمير.

تساؤلات: الكاتب مولود عام 1946، وانتهى من كتابة هذه الرّواية عام 1965، أي وعمره تسعة عشر عاما، فلماذا توقّف عن الكتابة بعدها، خصوصا وأنّه عاش حتّى عام 2020. أي عاش خمسة وخمسين عاما بعد الرّواية؟

وفي النّهاية تشكّل الرّواية إضافة نوعيّة للمكتبة الفلسطينيّة والعربيّة، وتتضاعف أهمّيّتها عندما نعلم زمن كتابتها.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى