سُعَادُ القصِيدة ُ... أنشودة الحُبِّ والعنفوان
(قصيدة رثائيَّة في الذكرى السنويَّة على وفاة الشاعرة والأديبة الكبيرة "سعاد دانيال - بولس - أم زاهر ")
لكِ العلمُ والشِّعرُ .. سِحرُ البيَانْ
بكِ الحسنُ والخُلقُ يلتقيانْ
سلامًا إليكِ أيا طلعة الفجْرِ ...
يا وردَة الفنَّ والأقحُوَانْ
سلامًا وما من لقاءٍ نُكحِّلُ
أعيننا ... ضاقَ فينا المكانْ
فبعدكِ كلُّ حديث سَرابٌ
وبعدكِ كلُّ عزاءٍ مُهَانْ
وبعدكِ كلُّ نشيدٍ نشازٌ
عليكِ بكى الكونُ والفَرقدَانْ
وكنتِ الشَّقيقة ... أمًّا رَؤُومًا
وَصَدْرَ وئام ونبعَ حنانْ
وكنتِ كأرض بلادي عطاءً
بكِ الفنُّ والطهرُ مجتمعان
ويمتدُّ ظلك فوقَ الوجودِ
سنابلَ تبر ... خُيوط جُمَانْ
وإبداعُكِ الفذ في كلِّ صوبٍ
نشيدُ حياةٍ وسحرٌ مبَانْ
وشِعرُكِ أقوى منَ المستحيل
تجاوزَ صَرْحَ المدى والزَّمانْ
فأنتِ الرَّبيعُ يشعُّ سناءً
وأنشودة الحبِّ والعنفوانْ
وأنتِ هنا رمزُ كلِّ عطاءٍ
وَمنْ قد يُشارُ لها بالبنان
كلامُكِ أبلغُ من كلِّ قولٍ
منَ السيفِ أمضى وحدَّ السنانْ
يُشِعُّ أباءً بأرض الجدودِ
ويحملُ روحَ الفدا والطعانْ
وزادُ المُحبِّ إذا ما تلظى
رفيق المناضل في المَعْمَعانْ
أسَيِّدَة القولِ أرَّقنا البُعْدُ...
كنتِ العَطاءَ وَشَط الأمانْ
إليكِ صلاة الشَّذا والخُشُوع
سلاما إليكِ وفي كلِّ آنْ
نُصَلّي ...إليكِ بفيضِ الدموع
نُضِيىءُ الشُّموعَ ويصفُو المكانْ
رحلتِ وكانَ الفراقُ عصِيبًا
مَصَابًا جليلا يهزُّ الكِيانْ
فمِنْ بعدِكِ الفنُّ أضحَى يتيمًا
وبَعدكِ هيهات يشدُو لسَانْ
ولمْ تأخُذي حقَّكِ المُرْتجَى في
حياتِكِ ... والعُمرُ ولَّى وكانْ
وَشِعرُكِ أروعُ من كلِّ نظم
بعُمق المعاني وسِحر البيَانْ
وفيكِ المبادىءُ رمز تجلَّى
لعين الوجودِ وعين الزَّمانْ
كتبتِ لجيلِ الطفولةِ شعرًا
ونثرًا ، لفجر جميل ... يُبَانْ
حكاياتُكِ الغرُّ فيها الدُّروسُ
وفيها المواعظ ... فيها الحَنانْ
فكم قصَّةٍ سوفَ تكونُ المنارَ
لِشَعبٍ يُكافحُ يأبَى الهَوانْ
وكنتِ الغِلالَ بعَهْدٍ يَبَابٍ
وقمحُكِ كانَ بدُونِ زُؤانْ
وفيكِ الشَّجاعةُ روحًا وفكرًا
ومثلكِ في الصَّبرِ ما مِنْ جَنانْ
وِكنتِ المنارَ ورمزَ التَّصَدِّي
ومنكِ تعلَّمَ حتى الجبَانْ
سنينا تعانينَ من ألمِ الداءِ ...
لم تيأسي ...لمْ تكلِّ اليَدَانْ
وأفقكِ عذبٌ برغمِ العذابِ
ووَجهُكِ بالسُّهدِ كالزَّعفرَانْ
وَمَنْ يستطيعُ ... يرُدُّ المَنايا
إذا ما أوانُ المنيَّةِ حَانْ
هُوَ العُمرُ يمضي سريعَ الخُطى فَ
كأنَّا نطاردُ خيط دُخانْ
قطعتِ صحائِفَ هذي الحياةِ
ونجمُكِ والشَّمسُ أسمَى قِرَانْ
وَفُقتِ النساءَ ذكاءً وَوْعيًا
مثالُ التعَقُّلِ والإتزانْ ..
يغني لِفنّكِ زهرُ المروج
ويحنوُ لهُ الطلُّ والبَيْلسَانْ
هَبَطتِ إلينا كضوءِ الشُّموس
وكانَ رحيلكِ قبلَ الأوانْ
وكنتِ كأرض بلادي شذاءً
وعطرًا وسحرًا منارَ الحِسَانْ
وشِعرُكِ يذكي النفوسَ كفاحًا
وكمْ نشتهيهِ كخمرِ الدّنانْ
لواؤكِ في الفنِّ فوقَ النجوم
إلى الشَّمس أطلقتِ أنتِ العنانْ
وجذرُكِ في الأرض يبقى عميقا
كزيتونِ أهلي كما السَّندِيَانْ
فلسطينُ فيكِ تتيهُ افتخارًا
وَشَعبٌ عظيمٌ أبَى أن يُهَانْ
وأنتِ المليكة شعرًا ونثرًا
لكِ العرشُ والتاجُ والصّولجَانْ
ومَنْ قالَ غيرَ الذي قلتُ فيكِ
دَعِيٌّ ووغدٌ ... حقيرٌ ... جَباَنْ
فكمْ ناقدٍ عندنا يجهلُ النَّقْدَ ...
في قلبِهِ الحقدُ كالشَّيصَبَانْ
فيكتبُ ما يطلبُ السَّيِّدُ المُسْ
تَبدُّ ... فيخفي صَدَى الكرَوَانْ
وكمْ من هَجين يدَّعي الشِّعْرَ ..
من روضنا فلنصًدّ الهجَانْ
كلامُهُمْ يقرفُ الناسُ منهُ
ُتصَابُ الخلائقُ بالغثيَانْ
ولكنَّ من قدْ تعَمَّدَ بالحُبِّ
تاريخُهُ ماثِلٌ للعَيَانْ
يُعانقهُ المجدُ طولَ الدُّهور
ويبلى الزَّمانُ وأنَّى يدَانْ
أسَيِّدة القولِ أرَّقنا البُعْدُ ...
كنتِ العطاءَ وشَطَّ الأمانْ
وكنتِ الشُّموسَ التي لا تغيبُ
ولكنْ أوانُ المنيَّةِ حَانْ
هُوَ العُمرُ يمضي سريعَ الخُطى فَ
كأنَّا نطاردُ طيْفَ دُخانْ
مكانكِ في جنَّةِ الخُلدِ دومًا
وفيكِ سيشفعُ حورُ الجنانْ
لأنَّكِ منهنَّ نورًا وَطهرًا
وإيمانُكِ الفذ كانَ الرِّهَانْ
إلى جنَّةِ الخُلدِ أيَّتُها الأمُّ ..
أنتِ رسُولٌ .. ملاكٌ مُصَانْ
(ملاحظة: الشاعرة والكاتبة الأديبة الكبيرة المرحومة سعاد بولس دانيال في طليعة الشعراء والأدباء المحليين وتعتبرُ الرائدة الأولى في مجال أدب وقصص الأطفال وأول من من دخل هذا المضمار على الصعيد المحلي قبل أكثر من خمسين عاما، يومها لم يكن عندنا أدب أطفال ولم يطرق هذا الجانب أي أديب محلي. ورغم مستواها الإبداعي الراقي في جميع المجالات الكتابيَّة (شعر ودراسات وقصص وخواطر .. إلخ ..) لم يكتب عنها وعن إصداراتها العديدة وللأسف أي كاتب وناقد محلي غيري. وأنا الكاتب والناقد والإعلامي الوحيد محليًّا الذي كتب عنها، فقد كتبت عدة دراسات لإصداراتها وأجريت معها لقاء مطولا قبل وفاتها بفترة قصيرة نُشرَ في مجلة عبير المقدسيَّة.