السبت ٣١ تموز (يوليو) ٢٠١٠
بقلم جميل السلحوت

شرفة الهذيان في ندوة مقدسية

كانت رواية الأديب الكبير ابراهيم نصر الله(شرفة الهذيان) مدار بحث أمسية اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس، وبحضور نخبة من كتاب ومثقفي المدينة المقدسة.

بدأ النقاش الأديب ابراهيم جوهـر فقال:

إبراهيم نصر الله ولغة الهذيان الجميل

لقد نقل إبراهيم نصرالله هذيان شرفته إلى شرفة(جوجل) التي صارت تهذي وتخلط ولا تجيد الفرز! فلم تفرّق بين إبراهيم نصرالله وحسن نصرالله وإبراهيم نصر في مقالب الكاميرا الخفية. ولكني وجدت في هذيان(جوجل) جمالا يهذي بمعنى من المعاني حين جمعت بين الكاميرا الخفية وهذيان شرفة إبراهيم نصرالله وتألق لغة نصرالله الخطابية الحاسمة...

لقد فتحت(جوجل) دون أن تدري وبغباء التكنولوجيا شرفة للتخيّل والإبداع، فشكرا لخلطها الهاذي أما (شرفة الهذيان) لإبراهيم نصرالله التي جاءت صرخة احتجاج وسخرية من دول القمع والدم والعار فقد كسرت المألوف وقلبت الموازين لأنها تهدم من أجل البناء، وتثور على الجمود وقوالبه في الحياة والأدب والفن.

لقد حكت عن واقع مجنون بجنون واع، وبلغة ساخرة تقدّم الواقع غير المفهوم بصورة تنفّر وتحرّض وتسخر.

لذا جاءت لغتها متفجّرة، قصيرة الجمل، سريعة الإيقاع رغم البساطة في السرد وبراءة الكلمة الخادعة التي تحمل أبعد من معناها القريب. هي لغة موجزة رغم بعض التفصيلات المقصودة لغرض معنوي يتضافر مع موضوعات الرواية ليحيط بالشخصية المحاصرة من العائلة الصغيرة والعائلة الكبيرة، ومن السماء ومن الأرض. إنها لغة موجعة تكشف الجرح وتنكأه بدهاء وذكاء لتنزل دمعة حزن وتستدعي ابتسامة في الآن ذاته. إنها الهذيان الذي يرسمه المؤلّف ويقدّمه إلى قارئه ليبصّره.
 
في(شرفة الهذيان) أضحت الصورة لغة ؛ الصورة الشخصية، وصورة الحدث، وصورة النبأ في الصحيفة اليومية، وهذه التوليفة اللغوية الأسلوبية (البلفونية) تنسجم مع العنوان، وتتناغم مع الأساليب الحديثة التي تخاطب قارئا واعيا، وتحمل أبعد من الحكاية ذات المستوى البسيط المكتفي بالإمتاع والتعبير والسرد الحكائي الساذج المكتفي بالحدث المشوّق والشخصية.... إنها تؤسس لنهج تال سينمو ويتطور في سبيل البحث عن أفق جديد للتعبير والتغيير.

وكأني بالكاتب يقول: إذا لم تتحطم الأسوار ولم تبن جسور جديدة ولم تقم مفاهيم جديدة ولغة جديدة لن تتحقق الحرية، وسيظل النظر إلى الغرب ممنوعا، وسيظل الكلب خيرا من العصفور... 

إبراهيم نصر الله كاتب مجدّد في ساحة الإبداع والتعبير، يبحث عن التميّز والنوعية ليبني مشروعه الثقافي الخاص. من هنا كانت اللغة والمضمون والأسلوب وإشراك الأبناء في الكتابة، وكان التناص الأدبي متوفرا ليوصل رسالته الإبداعية الجديدة. 

واللغة من أهم مكوّنات الخطاب الروائي لأنها تنقل أهداف المؤلف وتشي بنواياه الخفية وتستفيد من الخصائص اللغوية الكامنة لتبني عالما خاصا أراده الكاتب. فهذا الغلاف الداخلي الأول يحمل لنا مقطعا توجيهيا ذا مضمون محاصر وهاذ... ورد فيه خمسة أفعال أمر، وإشارة إلى عدم الجرأة في السؤال والاستفسار، (سيزورك صحفيون لتصوير المكان، وها أنا أحذّرك، لا تسمح لأي منهم أن يصعد إلى سطح المبنى ليلتقط الصور. اجلب له تلك الطاولة، ضعها في وسط الساحة، ثم دعه يعتليها...).

وتبدأ الرواية بعنوان غير ذي علاقة بالمضمون (الأغنية الأولى!!) متبوعا بعلامتي تعجب الأمر الذي يوفّر للقارىء فرصة الاستنتاج والوقوف على التناقض المقصود بين دلالة العنوان الموحية بالسعادة والشعور بالحرية والحدث الذي تحمله هذه (الأغنية!!) والتحذير الصادم بالوصف النهائي (ولكن حين يأتون...تذكّر : لن تكون أكثر من من كتلة العري تلك، فوق كتلة العري التي تحتها، فوق كتلة العري التي تحتها.....) ثم يستفزّ مشاعر غضب القارىء ليضمن حقده عليهم وهم يتضاحكون متطلعين لعتمة كهفك الصغير!

(الأغنية الأولى) ليست أغنية، وليست مريحة ولا تحمل شيئا من ظلال الكلمة الزائفة الموحية بالهناء، بل هي أغنية على الطريقة المغايرة، إنها (أغنيتهم) وليست (أغنيتك). إنها الدستور الذي يحاصر بقوانينه وتعليماته الشخصية الرئيسة التي ظلّ اسمها غفلا لأن الاسم لا يعني شيئا هنا، فالكل واحد، لذا جاء الخطاب بالضمير المخاطب (باستطاعتك أن تغمض عينيك، وأن تدير ظهرك.....) ثم نعرف أن هذا المخاطب المغلوب على أمره المحاصر بالممنوعات اسمه (رشيد النمر) وهو اسم مناقض لواقع صاحبه وحامله فلا هو بالرشيد ولا هو بالنمر، وإنما يتعرض لتنمّر الآخرين.
تحمل (الأغنية الأولى) معنى القمع والخرس والإهانة وانتهاك الخصوصية والتعذيب السادي....فهذا هو الغناء الموعود، وهذه هي اللغة التي يخاطب من خلالها المواطن رشيد النمر.

وعبّر المؤلف إبراهيم نصرالله عن هذا كله بالسخرية والاستغباء ؛استغبائهم للمخاطب المقموع.

كما توسل بالمصطلح والتكرار والتناقض والتورية وباللغة التي تلخّص نفسها رعبا وجحيما.

إبراهيم نصرالله في (شرفة الهذيان ) ينقل هذياننا ليحرّضنا على سكوننا، وليفتح لنا بوابة الأمل.

وقال داود ابراهيم الهالي: 
 
شرفة الهذيان في زمن الهذيان 
 
 في الطبعة الثالثة من روايته "شرفة الهذيان" يضعنا الأديب إبراهيم نصر الله أمام واقعنا العربي المعاصر بأسلوب يكاد لا يصلح له سوى الهذيان والرمزية التي لا يغيب عنها الأقفاص والعصافير والكلاب، مفككاً لنا في إحدى شرفاته حالنا التراجيدي في زمن ارتأى أن يسميه زمن الأقفاص، والأقفاص الطائرة التي أصبحت تحط على خريطتنا العربية من كل الجهات وخاصة من الجهة الممنوعة أي جهة الغرب. 

بين العامية والفصحى والشعر والنثر والأسلوب الروائي المعهود وأسلوب الدراسات العلمية، وبين الصورة الحديثة وحنظلة ولوحة مودلياني (الصغيرة بالثوب الأزرق)، وبين حسناوات هوليوود، وبين محطات التلفاز التي تبث فليم الحادي عشر من أيلول وغيارات داخلية ولكن ليست فارغة بل ممتلئة... يصوغ نصر الله لنا صورة فذّة تدعو إلى الهذيان للمارين عليها، وفي جوهرها تدعو إلى الحزن والأسى، فهي تضعنا تارةً بين مشهد لقطات ذلك الفيلم الذي التقطت صوره بعناية فائقة من جميع الزوايا في يوم الحادي عشر من أيلول، وتارةً ثانية بين مشهد عروبتنا وهي عارية كلياً وفي منظر أليم في سجن أبي غريب... هذا عالم يزداد كل يومٍ حقارة... وإذا ما حطَّ على شرفة عروبتنا صقر وقفنا نتأمّل مشهد التهامه لما تبقى من لحومنا، بل سارعنا في توفير المزيد له إذا ما رغب، ويدور كل ذلك في سيناريو يدعو للسخرية والاشمئزاز، ولا ضير إن دعا إلى الفكاهة.
 
بين الحين والآخر، يضعنا إبراهيم نصر أمام صورةٍ باتت عادية كتلك الصور التي تنافست كل المحطات على بثها، كصورة إعدام الطفل محمد الدرة في أطول حفلة إعدام عرفها التاريخ، وكذا تنافست محطاتنا - وهي كثيرة والحمد لله- على دسّ مشاهد اصطدام الطائرات ليس بحبل الغسيل أو برج التلفزيون بل ببرجي مركز التجارة العالمية.
يصوّر لنا الكاتب ما وصلنا إليه في زمن الأقفاص ومكافآت مطاردة العصافير، أي أبناء جنسنا الذين لا حول لهم ولا قوة، وزمن السعي وراء الالتحاق بركب الغرب في صناعة الأقفاص التي سنزج فيها كالعصافير واستحضار مرآة- إن كانت غربية فهذا أفضل- لضمان أننا نسير بما يرضي الجهة الممنوعة التي بتنا نخشاها كخشية الله أو أشدّ خشية. ولن نؤول جهداً في قصّ أجنحة أحلامنا، فالكل يبذل النفس والنفيس في سبيل اللحاق بركب الهذيان، وعلى أن نكون شرطة تعترض سبيل حياتنا. 

برمزية رائعة ومعقدة في آن، وبلغة تفصيلية كلغة رجال المخابرات، يكاد الكاتب لا يغفل دوراً في هذا المجتمع إلا ومثله بدم العصفور تارةً، وبمخالب الصقر تارة ثانية وبرائحة البول التي تفوح من دشداشة آخر... ويصوّر حال الفئة الجامعية والتي تدعي أنها فئة مثقفة تبرر العذابات وتأولها وتتجاهل المفاهيم الملغومة برائحة الإرهاب، وهي فئة عارية في زمن العري من أجل الانفتاح، ولعلَّ حال الأستاذ الجامعي المتخصص في العلوم الاجتماعية جار رشيد النمر أوضح مثال على ذلك. 

بين( الزُّومْ إن والزُّومْ أوت) وحتى نهاية الشارع الـDead End وقصاصات من صحفنا العربية التي تحدد مسافة الأمان ووضع الطاولة في وسط الساحة... من حقنا أن نسمع أغنية البداية وأغنية النهاية في زمن الهذيان، فهي نهاية تتخلل البداية... لنرى بأم أعيننا أقفاصاً تحلم عنّا بالأمطار. أقفاصٌ تكتب شعراً وتفيض مواويل، وكالغزلان هنا تتقافز عبر السهل وفي الجبل الأجرد تتلفت كالشنار. لم يعرف أحدٌ منا كيف أتى أول قفص أو كيف اختار الشارع أو انتخب البيت.
 
يقدّم إبراهيم نصر الله عمله هذا بأسلوب غير مألوف في العمل الروائي، فقد ظننت قبل البدء بقراءة الرواية بأنني سأقرأ شيئاً شبيهاً بحالة الهذيان التي صوّرها الروائي الشهير جبرائيل غارسيا ماركيز في "مئة عام من العزلة". إلا أنني وجدت نفسي أمام عمل فريد من نوعه بلغة غريبة سلكت النهج الروائي السابق، إلى جانب الشعر الحرّ والكاريكاتير والرسومات والصور التي تغني عن عشرات السطور، إلى جانب لغة لم أعهدها بتجربتي القصيرة في قراءة الروايات، فالكاتب يستخدم مقولة من قبيل سنأتي على ذلك لاحقاً. 

يعمل إبراهيم نصر الله بجراءة نادرة على كسر الشكل الروائي الحديث الذي استقر، والتقليدي في آن... كما هو موضح على الجهة الثانية من الغلاف، باختصار نجح الكاتب في تقديم عمل يعكس الواقع المعاصر بين الفصحى الأصيلة والعامية ولغة المنتديات الهابطة (الشات)، فهي حالة هذيان لن تهم اللغة بقدر ما يهمنا أن نشفى من هذا الهذيان الذي سنعود عندها أحياء.

وحول المرأة في الرواية قالت د.اسراء أبوعياش: 

.المرأة في رواية إبراهيم نصر الله "شرفة الهذيان"

في تصويره لحالة المهانة التي يعيشها الإنسان العربي في كل تفاصيل حياته، تظهر المرأة في هذه الرواية بأدوار محدودة، وفي حالات قليلة مما قد يعبر عن واقع المرأة في هذا المجتمع الذي لا دور لأحد فيه، فالجميع نكرات تسّير وفق خط مرسوم لها من قبل جهات أعلى، فما بالنا بالمرأة التي هي في الأساس مهمشة، فتهميش دورها هنا يأتي كنتيجة طبيعية لتهميش المجتمع ككل، يعيش رشيد النمر مع زوجته وأولاده في بيت تشيع فيه حالة من الفوضى في العلاقات والمفاهيم، وحالة من اللا تواصل تماما كما هي حالة المجتمع الذي تنتمي له هذه الأسرة، فلا أحلام تجمعهم ولا آمال ولا أهداف وكل يعيش عالمه الخاص.

ولكن ما يبعث على البهجة والأمل، ذلك التصوير الشجاع لإبراهيم نصر الله للمرأة المتمثل في شخصية ابنته الحكيمة-والذي قلما نجد تجسيدا مشابها له- التي تشعر بالتعاطف معه أحيانا كثيرة، وتحجم عن مؤازرته ومساعدته تاركة إياه يواجه هذيانه بنفسه، ففي خضم محاولاته المتكررة لاعتلاء سرج الحرية لا يجد مناصا من الخضوع والقبول بواقعه، لكن تبقى دائما ابنته حارسة أحلامه وأحلام ملايين المقهورين في الحرية والخلاص، نرى ذلك من خلال نظراته لتحديق ابنته في عينيه مباشرة، وطريقة إحجامها عنه بإدارة ظهرها له، وهي عاقدة يديها خلف ظهرها، مما يشير إلى أن رشيد النمر لا يزال يحلم، وقد يسعى لتحقيق حلمه، إن شخصية الابنة التي غردت بعيدا عن السرب، رغم صمتها الدائم اللا متناهي، قالت بهذا الصمت الكثير، ومثلت هؤلاء الذين لم يحن موعد حديثهم، ولكن على الأقل لا يزالون مصّرين على عدم المشاركة في المهزلة، وهنا نرى صورة حنظله المرافقة لظهورها والتي تحمل دلالة عميقة بحتمية الانتصار- رغم تفاهة الآخرين- وأن الأمل لم يمت بعد.

"التفت الى ابنته، كانت تنظر للداخل بصمت عاقدة يديها خلف ظهرها بما يذكر كثيرا بحنظلة – طفل رسومات ناجي العلي-..."(ص. 75)
" حرص على ترتيب اللحاف فوق جسدها.........لسبب ما كان يشك في مسألة موتها" (ص. 74)

هكذا أبقى لنا إبراهيم نصر الله باب الأمل مفتوحا، وجسده في شخصية المرأة أو الفتاة ولم يجسدها في شخصية الرجل أو الفتى على خلاف ما هو معهود، وهذا يعد قفزة نوعية، ونوعا من حسن الفطنة في تصوير المرأة ودورها، ودلالة واضحة على نزعة تجديدية في النظرة لها، ولقدراتها قد يراها البعض بعضا من هذيانه المتواصل.
وبينما يتعرض في روايته إلى الحالة المريعة التي وصل لها حالنا، والفراغ واليأس الفكري الذي أنتج تربة خصبة للتيارات الدينية، وما صاحبه من تراجع في دور المرأة، نرى في الرواية دور الفضائيات الرخيص في الترويج لصورة رديئة عن المرأة، كما برز في كلام رشيد النمر عن ابنه:

"أحيانا يبيعُ جواربَ نسائية وحمّالات صدور وغيارات داخلية، وقبل يومين قال له أحدهم: عليك أنْ تفهمَ أنّك لن تستطيع بيعَ أيّ قطعة من هذه القطع، وحين سأله: لماذا؟ أجابه: لأنك تبيعها فارغة، في حين تبيعُها الفضائيّات لنا طوال الوقت ممتلئة، وحين عاد الولد للبيت اختلى بغرفته سبعَ ليالٍ، وحين خرج قال لي: فعلا، إنّهم يبيعونها ممتلئة ويُعلّمون الناس كيفيّة استعمالها أيضا." (ص. 72)

فما بين صورة الزوجة التي تقضي جُلّ حياتها نائمة مستكينة لحالها تعبيرا عن حالة لا فعل فيها، ولا قوة، ولا حتى وعي بما يدور حولها في إشارة إلى دورها المتراجع، وبين صورة البنت التي تمثل حالة من الوعي الذي قد ينذر بالتغيير، وبين صورة المحبوبة التي لا يستطيع حتى خيانة زوجته معها إلا في الحلم في إشارة إلى عجزه المفرط، يروي لنا إبراهيم نصر الله قصتنا مع القهر والذل وقلة الحيلة والهوان، وهل يعقل أن تصل الحال إلى ما آلت عليه إلا في الأحلام أو في بعض من الهذيان.
وقال سمير الجندي: 

"شرفة الهذيان" ضمن مجموعة روايات أخرى للكاتب افتتحها( الشرفات)، ولكنني هنا أردت التعامل مع نصوص الرواية من الداخل، لدراسة الرمزية في تلك الرواية، بعيدا عن المؤثرات الخارجية، وذلك من خلال اللغة، والمظاهر اللغوية التي تتكرر في النصوص، وقد قرأت النصوص هذه أكثر من مرة، محاولا الوصول إلى الدلالات التي تختفي خلف الألفاظ والكلمات، واجتهدت في ذلك ما استطعت، فإذا أصبت فالحمد لله رب العالمين، وإذا أخطأت فعزائي أني حاولت.

يظن البعض أن هذه النصوص هي نصوص عبثية، وهذا صحيح إذا ما قرأنا الرواية قراءة سريعة واحدة بعيدة عن التركيز، ولكننا إذا ما أعدنا القراءة وغصنا في عمق النصوص، سنجد أنها رواية واقعية يريد الكاتب من قارئها أن يحدد مكانه بوضوح على خارطة المجتمع السياسية، وقد رأيت أن الكاتب قد أبدع في أسلوب ساخر وهزلي بأن يضع إصبعه على المحك، وأن يرسم لنا الواقع بالوانه الطبيعية دون مواربة أو عبث، فحياتنا التي نحياها هذه الأيام تراجيديا ساخرة، ونحن كثيرا ما ننتقد طريقتنا في تسيير أمورنا الحياتية ومتابعة شأننا السياسي، انظر إلى كاتبنا في هذه النماذج من نصوصه وقد استخدم الرمز للتعبير عن أفكاره التي تتصارع في رأسه تحاول الخروج بكل لون:
الأغنية الأولى:

أراد الكاتب القول في هذه الأغنية بأن المشروع الغربي وأعوانه ينظرون للإنسان أينما كان عل انه كتلة عارية لا حقوق لها، كما إنهم يقتلون هذا الإنسان، وينهون حياته بدم بارد، وهنا يشير أيضا إلى استمرار قتل الأبرياء.

الأمر الغريب:

صمت وبقعة دم حمراء وطائر وزرقة سماء وخضرة أشجار، هي اختزال لقضية يحتاج المرء إلى مجلدات لتوثيق تاريخها وحالاتها ومراحلها المتعاقبة، وقد اختار الكاتب هذه الكلمات ووضعها في قالب فني مغلف بسخرية لا تخلو من حسرة تستوعب كل آمال وأحلام وتطلعات الأمة العربية جمعاء، هذه الأمة التي تحتاج إلى ربع بصيص أمل يقودها إلى الراحة والاستقرار.

فصمت العالم على ما يجري هو أشد فتكا من جحيم قنابلهم، والشعب يدفن شهداءه ويطبب جرحاه كل يوم ولكن أمله ونبضه لا يستكينان.

يوميات – 1:

يشير الكاتب هنا إلى الدور السلبي الذي يلعبه التلفاز في حياة الأسرة والمجتمع، فقد فرق العائلة وخلخل ترابطها، وحطم وحدتها، فها هي الأسرة الصغيرة التي هي نواة المجتمع قد تشرذم أبناؤها، وأصبحت الحياة لرب الأسرة لا تطاق، وأسرة كهذه في بنية اجتماعية متفككة كيف لها ان تكون المحطة الأولى في بناء مجتمع ثوري يواجه مخاطر بحجم المشروع الغربي...؟

تريد غناء إذن:

يريد كاتبنا في هذا النص أن يقول، أنه أمام إصرار الجيل الجديد لا يقف أي حائل، ولا تصمد أية عقبة، فرغباته مهما كانت ستتحقق، بسبب إصراره، وعزيمته...

ويكمل الكاتب الفكرة في نص "عصفور في الشرفة" فيحمل الأجيال السالفة وزر ما يحصل على أرضنا العربية الفلسطينية، فقد كانت أحلامهم سطحية بسيطة مسالمة إلى أبعد حد، وهم بذلك يكونون السبب الحقيقي فيما وصلنا إليه، ولا زال الكبار يتصرفون بنفس النهج الاستسلامي الضعيف، الأمر الذي يعاني منه الجيل الحالي والأجيال القادمة، فسبب هزيمتنا هم الذين لا يطورون خططهم، ولا يغيرون أنماط أفكارهم، فقد كانت وما تزال تلك الأفكار الإنهزامية الضعيفة لقمة سائغة على موائد الصقور...

وقد ذكرني هذا النص بقصة "مذكرات دجاجة" للكاتب الأديب اسحق موسى الحسيني، التي تحمل أفكارا تداهن الإنجليز لا لشيء الا لأنهم الأقوياء...
ولكن الكاتب يتحول بنصه نحو فكرة جديرة بالوقوف عندها، وهي أن الأسرة بمن فيها الأولاد والزوج والزوجة، قد أصبحوا من عائلة الصقور بعد أن التهمهم الصقر، لتذوب آمالهم وأحاسيسهم وأفكارهم في بوتقة واحدة لها وجهة واحدة، ومسار واحد نحو الأنانية وحب الذات، وتفضيل المصلحة الفردية على المصلحة الجماعية، وانتهاء عصر المقاومة وبدء عصر التحالف مع العدو.

أمّا جميل السلحوت فقد طرح تساؤلات عن عملية التجريب في البناء الروائي التي يخوضها اديب كبير كابراهيم نصر الله، واستذكر كيف أن الأديب الراحل اميل حبيبي جدد في فن الرواية العربية من خلال رائعته"الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل" فهل جاء ابراهيم نصر الله ليضيف تجديدا على تجديد؟ أن ابراهيم نصر يكسر اللغة ويعجنها ويخبزها لتخرج بمذاق أدبي خاص، تختلط فيه بلاغة النثر بموسيقى الشعر وايقاعه، اسلوبه جذاب، ولغته ممتعة ساحرة، وها هو يخرج علينا ببناء روائي فيه خروج عن المألوف في البناء الروائي، فوجدنا أنفسنا أمام"هذيان" متعب في ملاحقته وشروده، ومتبعة رموزه ومحاولة الامساك بها تحتاج الى قراءة متأنية، بل تحتاج الى اكثر من قراءة حتى يستطيع المرء الامساك بخيوطها،
لقد أتعبنا في هذه الرواية لكنه أمتعنا في نفس الوقت. 


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى