الخميس ١٠ تموز (يوليو) ٢٠٠٨
بقلم بوشعيب الساوري

صراع العقل والخرافة

1- بعد أعماله الحب الحافي، والنصل والغمد، واحتمالات (قصة ترابطية)، يُطالعنا القاص محمد شويكة بمجموعة قصصية جديدة موسومة بعنوان خرافات تكاد تكون معاصرة. وهو عنوان جامع وليس عنوانا لقصة من المجموعة، كما جرت العادة في عنونة المجاميع القصصية. ولهذا الاختيار أهميته ودلالته.

فهو أولا: جامع يوحد المسعى الدلالي لقصص المجموعة.

وثانيا: ينسجم مع بنيتها الناظمة وهي الصراع بين وعيين؛ وعي شائع وعام معشش في أذهان فئة واسعة من الناس، وآخر مغيب، يحاول مواجهته وتصحيحه حينا، وهدمه حينا آخر.

وهو ثالثا: عنوان مثير يخلق التباسا لدى القارئ، لكونه يجمع بين متقابلين؛ بين الخرافة والمعاصرة. فالخرافة مرتبطة بالماضي وبالحكي الشفوي، فيجعلها القاص مقترنة بالقصة القصيرة وهي جنس أدبي حديث يتوسل بالكتابة ضمن شروط وتقاليد أدبية مجمع عليها.

2- جاءت الكلمة الأولى من العنوان على صيغة جمع نكرة "خرافات"، لتحيل على خلو ذهن القارئ وعدم معرفته بنوع الخرافات ومصدرها ومكانها وزمانها. لكن المؤشر الثاني، المتمثل في عبارة "تكاد تكون معاصرة"، يخفف من تنكيرها ويجعلها قابلة لأن تكون معاصرة، الأمر الذي يحفز ذهن المتلقي على التساؤل عن أي خرافات؟ وهل توجد بالفعل خرافات معاصرة؟ وإن كانت هناك خرافات فما هي؟

تنبع هذه التساؤلات من الدور التحفيزي الذي يطلع به العنوان داخل الأعمال الأدبية. ويولد هذا التردد لدى قارئ المجموعة احتمالين ممكنين للقراءة. وهما:

 إما أن النص سيقدم لنا خرافات حكائية، كما هو معهود في تقاليد السرد. لكن عبارة معاصرة تربك هذا الاحتمال وتزيحه، لتقود القارئ إلى الاحتمال الثاني.

 وإما أن الخرافات ملتصقة من حيث الوجود بالقارئ ما دام بدوره معاصرا، فيوقن أن الأمر يتعلق بخرافات يعرفها أو يعيشها، لكنه لا يعيرها أي اهتمام. فتكون متابعة القراءة حلا لهذا الالتباس المقصود الذي يجابه القارئ.

3- تبين القراءة للمتلقي وتُنبهه إلى وجود الكثير من الخرافات(بكل ما تحمله من قيم سلبية) أو التفكير الخرافي المعادي للعقل الذي يظل قائما ويتحكم في كثير من مواقف وسلوكات ونظرة فئة واسعة من المجتمع إلى الأشياء والعالم المحيطة بنا. إما أنه تساكن معها، حتى صارت مألوفة ولم ينظر إليها باعتبارها خرافة. فتدفعه القراءة إلى إعادة النظر في تصوره لها أو يجعلها موضع تفكير. وتلك واحدة من الأدوار التي يطلع بها الأدب فينتبه إلى أن العنوان يحيل على دلالة يحاول الباث إزاحتها. يقول في قصة أسطورة العادة:"يردف مستهزئا: لا شك يريدكم أن تعرفوا أنكم لستم الوحيدين في هذه البسيطة؟! هناك الجنون والعفاريت أيضا... ألا يكفيهم أن آباءكم ينصحونكم بعدم سكب الماء الساخن فوق الأرض لأن الجن سيلطمكم في حالة حرقه، لا سيما إذا نسيتم البسملة؟! أو إذا ولجتم الأماكن المظلمة؟!"(ص.16.) الواقع هو الذي يساعد على انتشار تلك الخرافات بسبب عجز الطب عن علاج بعض الأمراض المستعصية. يقول في قصة حاكم الجن:"إنها في الحقيقة يعجز العقل والقانون عن حلها! فيفتح الباب على مصراعيه للخرافة والطلاسم لعل سر الرموز ينكشف..."(ص.66.)

تحاول بعض شخصيات المجموعة، المستندة على وعي نقدي، خلخلة سلطة العادة بالمساءلة والنقد والسخرية. تقول إحدى شخصيات "قصة عرس" متحدية سلطان العادة:"سوف أبرهن لك بأنني سأخرق هذه العادة، سأحطمها وهي في حفل زفافها. ألا تعلم أن العادة تجد مرتعها في الحفلات والمآتم... ؟!"(ص.52.) وفي تجاوب أسلوبي مع هذا المسعى نسجل حضورا قويا لتقنية التنسيب في الأفعال الواصفة التي تنحو غالبا نحو اللعب باستعمال لفظتين أو ثلاث لوصف حالة معينة.
4- تلتقي قصص المجموعة حول بنية ناظمة وهي الصراع والتصادم بين وعيين متناقضين:

 وعي تقليدي متساكن مع التخلف، سائد مهيمن بخرافاته وتمثلاته وبأوهامه المعششة في أذهان فئة واسعة من المجتمع،

  وعي تحاول الشخصية القصصية ترسيخه مسائلة ومزعزعة الوعي السائد.
وهو ما أضفى على قصص المجموعة مسحة من التوتر والصراع، صراع بين العقل والخرافة، بين المثال والواقع، بين قيم راسخة وأخرى مبحوث عنها مفتقدة في الواقع.
هكذا يقدم لنا محمد شويكة مجموعة قصصية مبنية على فكرة جوهرية ناظمة لقصصها وهي المواجهة بين العقل والخرافة بين البداهة وسلطان العادة، وهو ما أضفى على قصص المجموعة توترا وتصادما بين وعيين متناقضين.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى