صعبٌ أن أحبكِ

ولقد ساءل الحَوَرُ البديعُ معاتبًا:
أين الدليلُ على الصبابةِ والقلب الحبيبِ؟!
فتشتُ في محرابك الشعري أزمانًا
نقبتُ عن اسمي وعن رسمي
فخاب تنقيبي..!
تصوغ الشعر صلواتٍ تُرتلها
على شطآن أوهامٍ
وتختلي بربة الأشعار أياماً..
وما تختلي بي.!
تُغازل الوطنَ المسافرَ في شرايينك
وترشفُ الأحزانَ أقداحاً
محلاةً على شطآن شعرك
بالنحيبِ...!
تُجالس الفنجانُ.. ترمقه على مهلٍ
كيما تبشر في الوجود..
عن عدلٍ سيحيا..
عن حلمٍ سيولد في الزمن القريبِ
وتروي قصة الأوهام عن عهدٍ سيأتي
عن قمرٍ سيظهر للحيارى
سوف يرجم ظلمةَ القهرِ العصيبِ
سوف يحمل بين كفيه النبوءاتِ الحِسانِ
وسط أدغالِ الهموم ..
وعتمة الصمت المريب..!
عن فأسِ الخليلِ إذا تهوِي
فلسوف تكنس في الهجير عذابنا
ولسوف تحصد هامة الوثن المهيب
وعصا الكليم تُناوئها الخُطُوبُ
لكن ستلقف حين تسعي
وهمَ الظنونِ..
وخدعةَ السحر الرهيبِ
وكرامةِ اليسوع إذا مشتْ
بين الزهور الذابلات فإنها
خير حانيةٍ لهن وخير طبيبِ
ومنهاجِ الحبيب سفينةٍ
طوقِ النجاة لمن أراد تقية
من شبهة الشك المعيبِ
وتظلُّ تحلم بالسرابِ وتختبي
في بردة الشعر المُقَفّى
في هدأة الليل الكئيبِ
تغض الطرفَ عن سحر العيون
وعن ألق المحيا
تصُمّ الأُذْن في الأسحار عن شدو العندليبِ..!
وهذا النهر الدافق بالأصداف وبالأسرار
أليس يغري بالجنوح إلى التأملِ
في الدهاليز المثيرة..
في القاع الخصيبِ..؟!
تسافر في التشابيه البليغة
واستعارات المجاز
فيما الحقيقةُ فتنةُ لوَّاحةٌ
للعقل اللبيبِ..!
وتوقف الحَوَرُ البديع عن العتابْ
أطرقتُ ثانيةً.. أفكر في الجوابْ
أي السهامِ سأنتقي..؟
أي الدفوعِ سأبتدي..؟
كيما أبرئ ساحتي عند الطعون
وفي الحسابْ
ماذا أقول له..؟!
إن الفؤادَ متيمٌ..
والروحَ من لفح الغرام يفتُّها
شبحُ المخاوفِ، والعذابْ
من قال إن الصبَّ يغريه التقلب والهوى؟!
الحب عندي مثلما أوتاد أرضٍ
لا يحركها اضطرابْ
كالطير المهاجر ليس ينسى عُشَّه
أبدا..وإن حطت على ملاعبه
انكساراتٌ....واغترابْ
الحكاية أنني لا أستطيع
صعبٌ أن أحبكِ..
مثلما يوماً حلمتِ..وتشتهين
صعبٌ أن أحبكِ..
وسط غارات القنابل
والمدافع
والقذائف
وانكسارات الأنين
صعبٌ أن أحبكِ..
وسط صرخات الحناجر
والمنابر
والحرائر
وانطفاءات الياسمين
صعبٌ أن أحبكِ..
بينما وهج الأماني ينطفي
بين الدروب الحائراتِ
وأرصفة القهر المهين
صعبٌ أن أحبكِ..
والأنين بهذه الأوطان وراثة
وبضاعةٌ..
عبر العصور.. يجرها مُهرُ السنين
صعبٌ أن أحبكِ..
فالخوف في هذي البلاد رضاعةٌ
أزلية..
بها دوماً تجود على البرية
أثداء الضواري في العرين
صعبٌ أن أحبكِ..
فالحب فعلٌ عبقري
لا يُمارس وسط أشباح المخاوف
في الليل الحزين..!
صعبٌ أن أحبكِ..
فالحب في هذي الحياة قد انتحرْ
منذ عشرات السنين..!!
صعبٌ أن أحبكِ..
والحسابات الغبية في هذا الزمان تفصلها الحروب
وأنا ابتداءً لا أجيد الحب في زمن الحروب
يوماً يصافحني السلامُ..
وألفُ ألفٍ تصفعني الخُطُوب
والحزن في أرض العروبة مثلما نداهةٌ
سرقت تباشيرَ الصباح
وأثكلتْ أحلامَنا
نقشت ملامحها علي ليلٍ بادي الشحوب
صعبٌ أن أحبكِ..
فمحطة الأرصاد كل يومٍ تزدرينا
تزدرينا..!
تفتري..
وتقول: إن الدفءَ آتٍ
والطقسَ لواحٌ بالهدوء وبالسكينة
والناسُ من هول الحياةِ
من المآسي
والشقاءْ
موتى على قيد الحياة وترتشفْ
مر الهموم من الصباح إلى المساء..!
صعبٌ أن أحبكِ..
والوجوه الكالحات في وطن الضياع كالنمل المكير
يزحف..
ثم يزحف
كي يُطوق في انتشاءٍ
كعكة الحلم الكبير
صعبٌ أن أحبكِ..
والإنسان في هذا الزمان يحيا كالذبابْ
ويموت أيضاً كالذبابْ
والحواديتُ القديمة عن وطن العدالةِ
محض افتراءٍ
أو سراب..!
قولي...حدثيني
ماذا يساوي الحب في هذي الحياة..؟
فالعيش اغترابْ
والفكر انتحابْ
هل يساوي الحب في هذي الحياة سوي التراب..؟!
يا حلوتي..
الحب كالطير الطليق متوج فوق السحاب
تخبو ملامحه البريئةُ
إن يوماً تدني..
أو تداني مضغةً
بين أضراس الذئابْ
والأرضُ حبلي يا أميرة بالذئاب
هل تسمعين بأن ذئباً ذات يوم قد أجار العندليبْ.؟!
أم تسمعين بأن ليثاً قد تدين ..واستفاق.؟!
مستحيلٌ...مستحيل
إن ذا وهمٌ كبيرٌ
أو سرابْ..!!
يا حلوتي..
أو لم يُخبِّرك الحِسان بأنني..
رجلٌ تسامره الهموم ويشتري
بقصائد الشعر العَذابْ
وبأنني كالنورس الحيران
يشدو للحنين وللسواقي
يحيا في رحيلٍ..واغترابْ
وبأنني كالشمعة المسجاة في كف الظلامِ
يراقصها نور البصيص
إذا مسها عود الثقابْ
ما تفعلين حبيبتي..؟!
لن ينفع المشتاقَ ريُّ سرابْ..!
يا حلوتي..
أنا ما نسيت العمر أنك جنة
وهج الحياة ..وسحرها
وقصيدة الأحبابْ
أنت الحضارة والتجلي
في الظهور..وفي الغيابْ
أنت عنوان القصيد وشمسها
أنت السعادةُ يا حياتي.. والعذابْ