الثلاثاء ١ آب (أغسطس) ٢٠٠٦
بقلم نعمان إسماعيل عبد القادر

طريق بلا رجعة

صراخ في صراخ.. هكذا أصبحت حياتهم.. ودعوات في دعوات، لو أُسْتُجيب لها لانهدّتْ منها الجبال وأصبحت ركامًا.. وألفاظ نابية تتبعها كلمات لا تخلو من الياء الواصفة.. واتهامات لا تعد ولا تحصى.. الأعصاب مشدودة ومتوترة..

إهانات من خلف جدران البيت تُسمع، عاصفة قاصفة لا تهدأ إلا بعد أن يغادر "إبراهيم" البيت تفاديًا لوقوع مالا يمكن أن يتوقع. تاركًا زوجته "منى" وأولادها ينتحبون في غضب شديد. وقبل أن يخرج اعتاد أن يمطر العرب بقذائفه الثقيلة.. أنتم أيها العرب متخلفون.. لا تعرفون معنى للحياة.. حياتكم أكل وشرب ونوم.. النساء لا تعرف إلا الطبخ والنفخ.. لا أدري كيف تنام المرأة إلى جانب زوجها وقد نسيت في جيبها بصلة.. لن أجد طعمًا للعيش إلا إذا هجرتكم وسافرت إلى أوروبا...

إنها ليست المرة الأولى التي تحدث فيها مثل هذه الخصومات. ولم تكن الحياة لتتغير إلا بعد أن أُكتُشِف أمر الديون الكثيرة من غير أن يفصح عن الأسباب. أين الأموال التي كان يتلاعب بها؟ لا أحد يعرف. خرج... ولكن خروجه الآن من غير عودة.. وهذا التهديد في هذه المرة هو تهديد حقيقي رغم أنها لا تصدقه.. خرج ولم يعد. وقالت له: مع ألف "قلعة" ومن غير رجعة.

كان "إبراهيم" يعمل في أحد مصانع البلاستيك في "تل أبيب". وطلب من صاحب العمل أن ينام في المصنع حتى تنفرج الأزمة، فلبى "شلومو" الطلب. لكنه لم يستطع النوم لا لأنه اعتاد أن يسهر كل يوم في قهوة "أبو الحسن" حتى الساعة الواحدة ليلا، ولا لأن الفراش قديم وتفوح منه رائحة نتنة، بل بسبب غرقه في التفكير الذي لم ينقطع حبله من كثرة تأويلاته في طرق البحث عن بيت يأويه.. ومع ذلك تذكر "إيتامار" البولندية الأصل والتي لم تتصل به منذ زمن طويل.. وتذكر دعوتها له أول مرة إلى بيتها حين تعرّف عليها في جولته على شاطيء "يافا" وطلبت منه شعلةً لتشعل سيجارتها. وحال وصوله إلى بيتها وجدها شبه عارية فرحبت به ترحيبًا لم يسمع مثله من زوجته ولو مرة واحدة. وأخذت تغازله بعد أن "بَشَّرَتْهُ" بسفر زوجها إلى خارج البلاد وسوف يمتد غيابه إلى عشرة أيام، فاطمأن قلبه. ولا يزال يذكر الرجفة الكهربائية التي أحس بها ساعة لامس جسده جسدها الناعم الذي تحسسه وشعرها بأصابعه في صمت النشوة، وعطرها الفواح الذي نشر في نفسه دوافع الغريزة الجامحة. ثم قضى ما قضى وغط إلى جانبها في نوم عميق.

ثم تذكر صديقته "كارميلا" حاملة الجنسية الإيطالية والتي أنفق عليها الكثير من أمواله تقول له:

 ما لنا وهذه البلاد .. تعال نهاجر إلى إيطاليا ونعيش فيها عيش السعداء.. ونربح المال الكثير..

وكان النهار المغمض بغيومه العالية التي تحجب وجه الشمس قد أوشك على الرحيل. والغموض يكتنف طريق الرجل. المبلغ التي طلبه من "شلومو" كانت كبيرًا فأُعطي نصفه فقط شرط أن يخصم من راتبه الشهري.. وغادر إلى مكانه الأثير في شارع "هرتسل".. حيث خمارة "أفينوفيتش" المغربي. بأعصابه المتوترة التي تثقل كاهله كوطأة جبل الشيخ على السهول الشمالية ، تناول سماعة الهاتف الذي يعمل بالعملة النقدية ثم غمغم قائلا:

 " كارميلا" كيف حالك.. لقد حصلت على مبلغ يعادل الألف دولار.. بإمكانك أن تحجزي تذكرتين للطائرة إلى روما في اتجاه واحد.. سفر من غير رجعة..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى