الاثنين ٣ آب (أغسطس) ٢٠٠٩
بقلم علي أبو مريحيل

على حرِّ شمسين من صيفكِ الحارق

(من يوميات الحرب)
هنا في الطابق الثالث تحت الموت، بين فكي الظلام، لا نفكر بالنجاة بل نحلق عالياً في رسم خريطة لقدر قادم على ظهر دبابة. كلٌّ يعمل لآخرته، أبي يصلي، وجار لنا لا يعرف الطريق إلى الجامع يرتل آيات من سورة الكهف بصوت مرتفع، أما أنا فتعيدني آخرتي إلى آخر يوم أشرقت فيه عيناك على وجعي، لأجد نفسي مندفعاً بقوة تفوق صوت الطائرات لاستكمال حديث ابتلعه انقطاع التيار الكهربائي حين كنا نتحدث عبر الشاشة الإلكترونية عن الصورة التي أجبرتني على رفع الراية البيضاء. لا أدري لماذا أفكر الآن في الكاميرا التي التقطت لك تلك الصورة! كيف استطاعت أن تصمد على حرِّ شمسين من صيفك الحارق؟ كيف استطاعت أن تحافظ على اتزانها أمام أنوثتك المربكة؟ هل كونها أنثى يبرر هدوءها القاتل؟ لكن.. أليس للإناث مشاعر وأحاسيس؟ تُرى بماذا تفكر الآن وأنا أراك تبتسمين لي في صورة جديدة على بعد قبلتين من عدستها؟ قد تفكر في الوقوف أمام المرآة، وقد تطلق العنان لشعرها بعد أن تلطخ شفتيها باللون الأحمر، أملاً منها بتقليص الفارق ــ ولو وهماً ــ بينكما! وقد تفكر في الإضراب عن العمل لأن الوقوف أمام كوكب هارب من المجموعة الشمسية يستحق أجراً أكبر من ذلك الذي تتقاضاه لقاء طاعتها العمياء! وقد تفكر في ممارسة العادة السرية.. فقط تكون كاميرا عزباء أو أرملة وربما مطلقة، لا أدري.. فلست قاضياً شرعياً في عالم الكاميرات، هذا إذا سلّمنا بأن في عالمها قانون ينظم أحوالها المدنية! أخيراً قد لا تفعل شيئاً، فهي ليست أكثر من آلة معدة لالتقاط الصور، تماماً كالطائرات التي تحلق فوق رؤوسنا الآن، مع فرق بسيط.. أن هذه الطائرات معدة لالتقاط أرواحنا لا صورنا!!
(من يوميات الحرب)

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى