قراءة في «رادا» لإسراء عبوشي
امرأة تبحث عن طعم حياة
الرواية من حيث الشكل والتي تأخذ اسم فتاة رادا وهذا الإسم غير متداول بالبلاد العربية ويعني الريح اللينة، وفي اللغة الكنعانية تعني رامية الحجر،
وفي الإهداء نقرأ (إلى وطن ارهقناه ونحن ننبش جراحه بأقلامنا،
إلى شهداء يحسبونهم أرقاماً.
إلى أسير غمرته دمعة شوق لحضن أحبابه)
ولأن الشكل يجب أن يشي بشيء من مضمون الرواية كما هو متعارف عليه، لكن واقع الرواية أشار لشيء مختلف،
فالقارئ للعنوان والإهداء يذهب بدون شك إلى الاعتقاد أن هذه الرواية تمثل الأدب المقاوم بكل سردياتها، وأن بطلة الرواية رادا ستكون امرأة مقاومة ضد الاحتلال، يقول هيدجر (الوضوح هو اكثر الأشياء غموضاً)
إن الظهور في خاصية العنوان لا يكون إلا سمة أو علاقة على المعنى يحيل أو يفضي وإنما بالحكاية التي ستقولها،
وهذا ما فعلته الكاتبة إسراء في روايتها، حيث تناولت الرواية الاضطهاد الاجتماعي التي تعاني منه البطلة رادا ولم تتطرق إلى الاضطهاد الوطني وتأثيره في مسيرتها، هذا من حيث الشكل أما من حيث مضمون الرواية،
فالرواية قائمة على قلق السؤال حول مصير المرأة في المجتمع الذكوري ومعاناتها، وحول مصير الوطن بكل أبعاده من الخارج والداخل، الرواية أحالتنا على "ما يسمى الفوبيا الاجتماعية" إذ فتحت الرواية المجال واسعا للشخصيات أن تتحدث عن نفسها دون أية رقابة وهذه الميزة خاصية أصبحت تتعلق بالكتابة الروائية العربية عموما بعد التطورات الكبيرة التي يشهدها الواقع وخاصة بعد دخول ما يعرف بالأدب الحداثوي،
الزمن: لا وجود لزمن في الرواية تستطيع أن تتكأ عليه فالزمن هنا مفتوح غير محدد وهذا قد يشكل مأخذاً على الرواية من حيث التقنية الفنية، لكن في الأدب الحداثوي هناك تجاوزات تحصل لصالح الفكرة، أنا لم أعرف لماذا لم تحدد الكاتبة الزمن في الرواية.
لقد عودتنا الكاتبة، ان قضية فلسطين تحتل حيزا كبيرا في أدبها. لعل هذا التوتر الفكري احتل معظم أحلام اليقظة لديها، وغالبا ما توظف نسق الوطن.. الشهيد.. الأسير... العودة.. الحرية.. المرأة.. هاجسا لكشف المزيد من طبقات البنية السيكولوجية للمجتمع الفلسطيني، تشتغل الرواية عموماً على اللغة البصرية والحسية من خلال عملها على تحديد مظاهر الحجاج "الاضطهاد الاجتماعي، الفساد" وأساليبه المتعددة ٌلإقناع المتلقي أو تبرير تيمة الانزياح ومعناها ودلالاتها المختلفة، حيث يكون دور المتلقي كبيراً من خلال تحوله "إلى منتج للدلالة، اعتماداً على ما تلقاه من بيانات وحمولات ومعطيات لسانية ورؤيوية وبصرية وفرها له النص ذاته وسياقاته الثقافية أحياناً، عندما يكون ذلك ضرورياً ولازماً لإيقاظ الذاكرة البصرية والسمعية والروحية لدى المتلقي تبقى تقنية الانزياح اللغوي على المستوى الأساسي في تحقيق لذة القراءة والرغبة في التأويل وفك شيفرة النص الروائي، لترتقي وتتوطد العلاقة بين النص والقارئ.
تكتب الكاتبة روايتها بشغف وهي تمتلك ناصية السرد الروائي، وبمرونة واضحة تطوِّع الحكاية والتي ملؤها الدهشة والمفاجأة والتعبير السلس عن المشاعر والأحاسيس والمواقف. حتى يتمكن من الاضطلاع بالوظيفة المعهودة إليه
تبحث حكاية "رادا" عن ذاتها، عن أحقيتها في الحياة، من خلال سرد "ملفوظات حميمية" كتقنية أسلوبية حاضرة بكل تجلياتها الإيقاعية والدلالية.
لقد اعتمدت الرواية على دلالات حسية من خلال خلق علاقة متبادلة بين الذات والمضمون في إطار خاص.
تجربة رادا التي عاشتها مع زميلاتها في المسابقة، فقد صورت أحاسيس ومشاعر وانسجام تام بين رادا وعروبة وحنين وهن فلسطينيات مثلها أرادت الكاتبة أن تربط المرأة الفلسطينية في مناطق ٤٨ والضفة والشتات، لقد نسجت الكاتبة روايتها نسجاً عنكبوتياً بلغة جميلة مبدعة تفرض على قارئها التوغل جيداً في مجاهل هذا النسج الذي يجمع شتات تركيز القارئ في موضوعة واحدة (الوطن والمرأة) فالصورة السردية الآخذة في التصاعد تؤكد دوافع البطلة "رادا" في التخلص من الظلم الاجتماعي وفي حماية الوطن من الفاسدين ومن المحتلين عندما تشير بشكل واضح عند فوزها في مسابقة القلم الذهبي في لبنان إلى والدة سليم وابنته صفد هذا الشاب خريج الكيماء الذي لم يجد مكانا للعمل في وطنه وذهب إلى الخارج وقتل عندما دسو له جرثومة السيدا بالدم لأنه فلسطيني رفض العمل في شركة أدوية يملكها يهودي، تترك الكاتبة نهاية الرواية مفتوحة، وقد روت روايتها بأسلوب الراوي العليم، اعتمدت إلى تكثيف السرد، والاتكاء على الحوار الممسرح كوسيلة للكشف، ولتطوير الحدث، وإيصال رسائل الكاتبة الخفية.
تحرص الرواية على لفت انتباه قارئها إلى ثنائية الهواجس:
هاجس الحرية /الوطن، والهاجس الكياني الوجودي..
هاجس الكينونة الإنسانية ذاتها، وكيف يتحقق وجودها وتتخلق ماهيتها.
الرواية من الروايات القصيرة وقد اتخذت من التكثيف والحوار منطلقا ً لها في سرديتها، محمد حسين كاتب وقاص وروائي فلسطيني.. سورية