السبت ٢٧ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٠
بقلم جميل السلحوت

قصة الشال الصغير الأَحمر في ندوة اليوم السابع

اقشت ندوة اليوم السابع الدورية الأسبوعية قصة الأطفال «الشال الصغير الأحمر»، الصادرة عام2009عن منشورات مركز اوغاريت في رام الله وهي من تأليف ديمة أبو غوش، ورسومات سامي زعرور.

بدأ النقاش الكاتبة نزهة أبو غوش فقالت:

تناولت القاصَّة ديمة أَبو غوش في قصتها موضوعًا مهمًا وحساسًأ، لا يجرؤ أَي كاتب لقصص الأَطفال الخوض فيه، أَلا وهو موضوع الموت، أَوفقدان شخصٍ قريبً منَّا إِلى الأَبد. إِن هذا الموضوع بحاجة إِلى حذر شديد من قبل الكاتب، لأَنه يلامس عواطف الأَطفال وأَحاسيسهم المرهفة، كما ويؤثر على نفسياتهم، وربما يسبب لهم صدمة إذا لم يعرض عليهم الموضوع بالشكل الصحيح في حياتهم.

أَرادت الكاتبة أَن توصل فكرة تقبل الموت عند الأَطفال من خلال وفاة جدة الطفلة سماح ابنة السبعة أَعوام، لقد سكنت الجدة في نفس البيت الذي تسكنه سماح والتي كانت تحبها وتحب حكاياتها اليومية عند المساء، ولم يستطع أَحدًا تعويض حكايات الجدة، لأَن للجدة طريقة خاصة تؤثر عليها، حتى ولا والدتها التي راحت تقرأُ لها القصص من الكتاب.

من أَجل أَن تهيئ الكاتبة عملية تقبل الموت عند القرَّاء-الأَطفال- حاولت أَن تمهِّد للطفلة سماح خبر وفاة جدَّتها من خلال مرض الجدَّة، الذي أَرى بأَنه كان مفاجئًا للقارئ، وجاء بعد عبارة ذات يوم مرضت الجدَّة " وذلك بعد أَن كانت قوية نسجت الشال هدية لحفيدتها، وحكت الحكايات الممتعة، ولو جاء المرض بشكل تدريجي، وكانت فترة التمهيد أَطول قليلا لكان أَفضل، لأَن الموت حدث مباشرة وبعد فترة قصيرة من المرض، إن حزن الأُم الظاهر عليها هو أَيضًا مرحلة للتمهيد، لا أَعلم لماذا لم تجرؤ الطفلة سؤال والدتها عن سبب حزنها؟ هل فهمت مشاعر والدتها وأَرادت مراعاة تلك المشاعر، أَم هو الخوف من المواجهة؟ حبَّذا لو جعلتها الكاتبة أَكثر مبادرة وجرأة، كي نعلم أَطفالنا القدرة على المواجهة ساعة الشدة.

لقد نجحت الكاتبة بالتمهيد للقارئ- الطفل- من خلال دموع الأُم التي راحت تخفيها، وكذلك من خلال شرود الذهن وعدم التركيز في الحصة الدراسية التي أُصيبت بها سماح، ومن خلال غياب الأَهل عن البيت عند العودة من المدرسة، ومن خلال إعلام الأُم طفلتها عن وجود الجدة في غرفة العناية المشدَّدة، ثم تأَخر الوالدين حتى ساعة متأخرة في المستشفى،كل تلك الأَحداث توحي بأَن شيئًا صعبًا سيحدث، عندها يمكن للطفل أَن يتقبله.

ينصح الأَخصائيون النفسيون بأَن قول الحقيقة للطفل عن حدوث الموت هو الأَفضل. هنا عمدت الكاتبة أَبو غوش إِلى أَن يعرف القارئ وقوع الموت الذي لا رجعة منه إلى الحياة ثانية، ولم تقل بأَنها سافرت، أَو ذهبت إلى الجنَّة مثلا، وقد كان ذلك من خلال إعلام سماح بموت جدتها من خلال همسات الجيران، أَي بالشكل غير المباشر، حيث كنت أُفضل هنا أَن تعلم الطفلة الخبر مباشرة من خلال الأُم أَو الأَب، أَو كلاهما معًا فالمواجهة أَفضل بكثير من الهروب في هذه الحالة، ولو تركت الكاتبة الطفلة تعيش تجربة البكاء والحزن بمعية الأَهل، وأَن تدعها تسأَل وتناقش بدل أَن تذهب إلى النوم وحيدة حائرة حزينة وحتى أَنها خائفة من السؤال:" في المساء، أَرادت سماح أَن تسأَل والديها عن جدتها، وعن الموت، وكانا حزينين، فقررت أَن تؤجل ذلك." لماذا لم تعمد الكاتبة إلى ذكر القضاء والقدر؟ لكي يعلم الأَطفال بأَن هناك قوة عليا أَقوى منَّا جميعًا تتحكم بحياة البشر ومصيرهم، وهي الله سبحانه وتعالى. أَعتقد بأَنها لو فعلت ذلك لكان وقع الخبر أَكثر إقناعًا وأَخف وطأَة على نفس الطفلة.

إِن اختيار الأُم للشال الأَحمر الصغير الذي نسجته الجدة هدية لحفيدتها، ووضعها إياه على كتف سماح عند حزنها وقلقها، لهو اختيار ذكي من قبل الكاتبة لتواصُل الطفلة غير المباشر مع الجدة من خلال أَشياء صنعتها بنفسها، مما جعلها أَكثر هدوءًا وطمأنينة.

الشكل الفني في القصة: الرسومات لسامي زعرور في القصة معظمها رسومات معبِّرة ، فقد بدا على الوجوه الحزن والخوف والقلق والفرح واضحًا. شكل الأُم في الرسومات ليس متطابقًا في كل الصفحات.

الصفحات لم تكن مرقَّمة، والخط لو كان بحجم أكبر، وغير متراص لكان أَفضل؛ لأَن الطفل يستطيع تصوير الكلمة في ذهنه حتى لو لم يتعلم القراءة بعد.

اللغة: لغة الكاتبة سهلة وسلسة للأَطفال، والتشكيل لم يشمل كل الحروف. كلمة اليوم زائدة في هذه الجملة "إِنها في العناية المشددة، ولن نستطيع زيارتها اليوم" لأَنها توحي أَن هناك أَملا في الزيارة في يوم آخر. كلمة جميعا"وبعد أَن غنوا لها جميعًا"على من تعود الكلمة؟ إن الكاتبة لم تذكر أَسماء الأَشخاص قبلها، بل كانوا ظاهرين في الصورة فقط.

الشخصيات في القصة: شخصية سماح الأُم والجدة والأَصدقاء، كلها شخصيات ديناميكية متحركة، أَما شخصية الأَب فهي سلبية أَو جامدة حيث أَن الكاتبة لم تشركها في الحوار مع الابنة مثلا، من أَجل تلطيف مشاعرها كما فعلت الأُم، أَو من أَجل توصيل خبر وفاة الجدة، أَو أَي شيءٍ آخر.

وبعدها قالت رفيقة عثمان:

أقدِّم التهاني لكاتبة قصَّة "الشال الصغير الأحمر" على اختيارها هذا الموضوع، والتطرُّق له، أعني موضوع تكيُّف الأطفال مع حالات الفُقدان أو الوفاة، وخاصَّةً عند حصولها لدى أحد أفراد العائلة المُقرَّبين للطفل.إن الاهتمام بموضوع توعية الأطفال بموضوع الفقدان، له أهميَّة كبرى في تنشئة الأطفال تنشئة سليمة خالية من التعقيدات، والمشاكل النفسيَّة المستقبليَّة الناجمة عن تجاهل مشاعر الأطفال عند مواجهة حالة فقدان أحد المقرَّبين للطفل.

اهتمت الكاتبة ديمة في عرض قصَّة الفقدان بطريقة سلسة وشيِّقة، سواء عن طريق الفكرة التربويَّة، أو اللغة، أو الأسلوب. عمدت الكاتبة في الوصول للهدف المركزي من القصَّة، بهدف تبسيط موضوع الفقدان لدى مشاعر الأطفال، وتكيُّفهم مع الموضوع.
أودُّ أن أشير إلى عدم اكتراث الكاتبة في إبراز دور الوالدين في تحمُّل المسؤوليَّة التامة في مواجهة المواقف الصعبة، وخاصّة عند فقدان الجدَّة، فقد همَّشت دور الوالدين في احتواء الموقف الصعب، بعدم تحضير الطفلة لموضوع الفقدان، وعدم إخبارها بوقوع الوفاة، والتصرُّف السليم، ومعالجة الموقف بطريقة تربويَّة تُدخِلُ الطمأنينة في نفس الطفلة.

لقد أولت الكاتبة مهمَّة إخبار الطفلة عن وفاة جدَّتها للصدفة المحضة، في بيت الجيران عندما سمعت همسًا، كما ذكرت في القصَّة: " في بيت الجيران سمعت همسًا يقول إن جدَّتها ماتت. شعرت بأنها لن ترى جدَّته مرَّةً أخرى. صديقتها زينة أخبرتها بأن من يموت لا نراه مرَّةً أخرى."،حبّذا لو قام أحد الأبوين بهذا الدور، بإخبار سماح عن وفاة الجدَّة.ِ

إن الغموض حول إبلاغ الطفل عن حالة الفقدان، تزيد من توتر الطفل وتشوش ذهنه، بحيث يظلُّ باحثًا عن الأسباب، ويزيد من مشاعر اللوم نحو الذات، كأن يكون سببًا مباشرًا، أو غير مباشر في فقدان المقرَّبين إليه.

أجمعت الدراسات التربويَّة على أهميَّة مواجهة الموقف عند الفقدان، وعدم تجاهله؛ لأنَّ الغموض، والتهرُّب من مواجهة الموقف يُؤَثران على نفسيَّة الطفل في المستقبل. إن معالجة الموقف الصعب بالوقت المناسب، والطريقة السليمة يُخفِّفان من شِدة وقع الحدث على نفسيَّة الطفل، ومن ثمَّ تُنشئه تنشئة سليمة نحو مستقبل أفضل، المواجهة سيِِّدة الموقف، وفي الصراحة راحة.

لقد عبَّرت كاتبتنا بشكلِ جيِّد عن التشويش الذي ألمَّ بالطفلة سماح، بعد أن أحسّت بأن مكروهًا ما حصل لجدّتها، كما ذكرت في القصَّة: " في المدرسة، ظلت سماح شاردة الذهن، فلم تنتبه إلى معلمة اللغة العربية وهي تطلب منها أن تقرأ الدرس."، " جلست على عتبة الباب ، وأخذت تبكي". " ذهبت سماح إلى غرفتها لتنام، فتذكَّرت حكايات جدّتها، وأخذت تبكي من جديد". "في الصباح ذهبت سماح إلى المدرسة، كانت حرارتها مرتفعةً، وبقيت في فراشها".

تغييب صورة الوالدين عند مواجهة المواقف الصعبة، والحرجة، وعدم المشاركة الوجدانيَّة للأبناء، وتبادل الأفكار المختلفة معهم، وعدم منح الفرصة الكافية للتعبير عن الذات في كافَّة المواقف بشكل حر وصريح ، كل ذلك يُقلِّل من أهميَّة قيمة الدور التربوي الذي يمارسه الآباء مع الأبناء، وإبداء سطحيَّة العلاقة بين الآباء والأبناء، كذلك يُخفِّف من تكوين وصقل شخصيَّة قويّة قدوتها تُمثَّل في الوالدين. كما ذُكر في القصَّة "أرادت سماح أن تسأل والديها عن جدَّتها، وعن الموت، وكانا حزينين، فقرَّرت أن تؤجِّل ذلك".

عندما سألت سماح أمها: أسئلة حول الموت، مثل: "أين جدَّتي؟ هل ترانا؟ هل تسمعنا؟ هل هي سعيدة أم حزين؟ لم تعرف أمها أن تجيب". أستغرب من الكاتبة، لماذا هذه الصورة للأم الجاهلة، التي لم تعرف أن تُجيب جوابًا مُقنعًا حول الموضوع، لماذا الهروب من إعطاء الأجوبة الصحيحة بأسلوب سلس ومُبسَّط، إن أسلوب المصارحة مع الأبناء، أفضل طريقة للوصول إلى قلوبهم وعقولهم، لا ننكر بأن الأسئلة حول الفقدان، تكون حسَّاسة جدًّا، فيلجأ معظم الآباء للتهرب منها، واختلاق الأجوبة غير الصحيحة، للتخلُّص من المواقف المُحرجة. إن أسلوب التهرُّب هذا يُشوش العلاقة بين الأبناء والآباء، ويُنشئ شخصيَّة مُبلبلة، وغير مُتوافقة مع نفسها، لذا تنصح المراجع التربويّة بضرورة شرح موضوع الفقدان بصراحة، للأطفال وِفق أعمار الأطفال، وباللغة المفهومة لديهم، كذلك إشراكهم بكافَّة المراسيم التي تجري داخل العائلة.
لقد ظهرت صورة الأم في اخر القصَّة بعد أن ظهرت علامات المرض، والأحلام المزعجة، والبكاء، عندما حضنت ابنتها بعد الحلم المزعج الذي راود الطفلة حول حلمها بجدَّتها، أعتقد بأن دور الأم جاء متأخِّرًا، بعد ظهور النتائج السلبية من عدم مصارحتها حول وفاة جدّتها.

هنالك أهميَّة كبرى في منح الأبناء حريَّة التعبير عن النفس، ومناقشتهم في كافَّة الأمور مهما كانت شائكة، أو غامضة، والأهم من ذلك أن يجيب الأهل على أسئلة أبنائهم، بأسلوب سهل، بمحاورة المنطق لديه، بلغة بسيطة، وسهلة، وعدم تأجيل أو رفض أي سؤال يطرحه الأبناء على ألوالدين، كي نّنشئ جيلاً صالحًا، وسويًّا مع نفسه، ومع الآخرين.

إن مشاركة الأم في النهاية، كان جميلا عندما ضمَّتها إلى صدرها، وقالت لها: "ستبقى الجدَّة حيَّة في قلوبنا، طالما بقينا نحبُّها، ونذكر أيامها الجميلة معنا".
كذلك عندما قام الأصدقاء بتسليتها في اللعب، حبَّذا لو كان هذا الموقف بعد تدخُّل الأهل.

بالنسبة لحلم الطفلة، عندما أخبرت أمها: "بأنها ستحلم بجدِّتها، لكن حلمها هذه المرّة، سيكون جميلا." أعتقد بأنه لا توجد سيطرة على أحلامنا، ليس في نوعيَّة الحلم، أو في توقيته. حبَّذا لو استبدلت الكاتبة الحلم بالتفكير، وتخزين المشاعر نحو ذكرى عَطِرة للمقرَّبين المفقودين.

اختفاء صورة الأب أثناء المواساة، ومعالجة الموقف جَنًا إلى جنب مع الأم
خلفيَّة الكتاب:لا يوجد ترقيم للصفحات.

الرسومات فيها تخطيط، لا تلمس فيها التعبيرات ، أو الحركات التلقائيَّة، صور فيها نوع من القيود. نوعيَّة الورق قويَّة وجيِّدة.

اختيار العنوان كان مناسِبًا، وغير مباشر.

وبعدها جرى نقاش مطول شارك في كل من راتب حمد، د.اسراء أبو عياش، ريم المصري وجميل السلحوت.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى