الأربعاء ٧ آذار (مارس) ٢٠٠٧
بقلم عبد القادر ياسين

قيادتنا السياسية والثقافية

يصلح ما جرى لمركز الأبحاث، التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، وسيلة إيضاح على موقف القيادة التى كانت متنفذة فى منظمة التحرير من الثقافة، حيث من المعروف أن أحمد الشقيري أسس منظمة التحرير على أعمدة ثلاثة: جيش التحرير/ مركز الأبحاث/ والصندوق القومى، ناهيك عن المؤسسات السياسية للمنظمة (المجلس الوطنى/ اللجنة التنفيذية/ مكاتب المنظمة).

غنى عن القول أن الشقيري إنما نسج على منوال المنظمة الصهيونية العالمية فى هذا الميدان، وخيراً فعل، إذ لا ضير فى تقليد الأعداء فى الصواب من أعمالهم.

دارت الأيام ووقعت هزيمة 1967، وكان أبرز ضحاياها الشقيري نفسه، خاصة بعد أن حافظ على أدائه قبل الهزيمة المدوية، فيما كان بقية المهزومين من حكام العرب قد هدأوا من اللعب!.

خلف يحيى حمودة الشقيري فى رئاسة المنظمة، ولكن إلى حين، إذ اتضح بأنه لم يكن إلا قنطرة لمن بعده، وقد انكشف، لاحقاً، بأن عبد الناصر كان طلب إلى قادة "فتح" بأن يطلقوا حرب العصابات ضد المحتل الإسرائيلى، عندها سأله عرفات (أواسط تموز/يوليو1967)، وماذا عن منظمة التحرير؟! رد عليه الزعيم الراحل: هى لكم"!.

فى الدورة الخامسة للمجلس الوطنى الفلسطينى شباط/ فبراير1968 بدأت مسرحية الفصائل فى منظمة التحرير، وتولى عرفات رئاسة اللجنة التنفيذية بالمنظمة، واستمر حتى وفاته فى 11/11/2004.

فيما يخص الثقافة، عرف عن عرفات استخفافه بها، واستخدامه المثقفين الذين يطأطئون له، ويحرقون له البخور، وينخرطون فى التبرير له، يستخدمهم عبر تجيير شعبيتهم له، على النحو الذى فعله مع كل من محمود درويش ومعين بسيسو. أما المثقفون الذين يحافظون على رأيهم الحر المستقل، ولا يبيعون أنفسهم لعرفات، فلطالما ناصبهم الأخير العداء. وكان يسمى أفكارهم النقدية "تحشيش فكرى"! واستمرأ عرفات تطفيش المثقفين الأحرار، بالتضييق عليهم، ومن لم يستجب ويطفش، كان عرفات يعاجله بالقتل. وليست حادثة قتل فنان الكاريكاتير المعروف، ناجى العلى إلا واحدة من جرائم عرفات فى هذا الميدان.

عام 1968 خرج عرفات إلى العلن، ناطقاً بلسان "فتح"، غداة معركة الكرامة (1968)، وتقاطر إليه الصحفيون، ولا أزال أذكر بأن أحدهم سأله عن الفكر الذى تتبناه "فتح"، فرد عليه عرفات من فوره، "الفكر ينبع من فوهة البندقية"! فى تقليد غير واع لمقولة ماوتسى تونغ الشهيرة "السلطة تنبع من فوهة البندقية". فعرفات أخرس الإنسان وأنطق الحديد، بعد أن أخضع الأول للثانى، دون أن يعى عرفات ما يقترف!.

فعرفات يقدس البندقية، وهو القائل قبل أربعين عاما "تحرير فلسطين بالكفاح المسلح وحده" لاغياً بقية أشكال الكفاح. وفى خريف 1988، انقلب عرفات 180 درجة، وأعلن فى سويسرا، دون أن يرف له جفن أن المقاومة تنبذ الكفاح المسلح، بعد أن اعتبره سيادته "إرهاباً". ومع ذلك فإن موقف عرفات من الثقافة ظل على حاله!.

نعود إلى "مركز الأبحاث"، الذى تولى رئاسته المفكر القومى الفلسطينى المرموق، فايز صايغ، ليخلى موقعه، بعد بضعة أشهر لشقيقه المفكر الموسوعى أنيس صايغ. وخلال بضعة أشهر نجح المركز فى تعريف القارىء بالكيان الصهيونى، عبر كراسات وكتب، ويحسب للشقيري أنه ترك كل الحرية للأخوين صايغ، على التوالى، كى يقوما بمهمتهما الثقافية النضالية، وقد أنجزاها على خير وجه.

حين وصل عرفات إلى سدة رئاسة المنظمة، راعه أن مركز الأبحاث كان استثناء دون مؤسسات منظمة التحرير ومكاتبها، الذى لم يحرق لعرفات البخور، ولم يضع صورته على غلاف مجلة المركز "شئون فلسطينية"، فضلا عن أن الباحثين ليسوا كلهم من "فتح" التى تدفق أعضاؤها على مؤسسات المنظمة ومكاتبها، فغصت بهم، إلا مركز الأبحاث. ومن هنا ناصب عرفات أنيس صايغ العداء، وقتر على مركز الأبحاث بالموازنة المالية، وأطلق صبرى جريس لمضايقة صايغ فى المركز، عبر أساليب منحطة، ما اضطر الأخير إلى إعفاء نوابه الأربعة من مناصبهم، إذ كان صايغ عين أربعة منهم إبراهيم العابد، عصام سخنينى وصبرى جريس، لتعميق الديمقراطية فى مركز الأبحاث. حتى أن صايغ اشترط ألا يمر أى عمل – كتاباً أو مقالا- إلا بموافقة النواب الأربعة، بعد صايغ نفسه.

حمل جريس كتاب التنحية إلى عرفات، الذى ألغاه، فى تأشيرة بتوقيعه على قرار التنحية نفسه. ما أزعج صايغ فقدم استقالته، فى شباط/ فبراير1976، وظل عرفات معلقاً أمر موافقته على استقالة صايغ، نحو سنة، حاول خلالها أن يثنى صايغ عن الاستقالة، لكن الأخير اشترط إلغاء سبب الاستقالة، المتمثل فى إلغاء عرفات تنحية نواب صايغ، وتخلص عرفات من الإلغاء، وانتهى إلى قبول استقالة صايغ. وحل محله محمود درويش، لنحو 16 شهراُ، قبل أن يهرب من المسئولية ويسلمها لصبرى جريس، الذى تدهورت على يديه أوضاع المركز ومطبوعاته، وغدت مجلة "شئون فلسطينية" الفكرية الرصينة، مجرد انطباعات فلسطينية.

أما من أراد الاستزادة، فما عليه إلا أن يقرأ حكايات ووقائع مستهجنة فى مذكرات أنيس صايغ، التى صدرت مؤخراً، وحملت عنوان "أنيس صايغ بقلم أنيس صايغ"!.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى