كأنك الوهم
لترحل الآن من أوراق ذاكرتي
وخذ نسيمك من حضني ومن رئتي
وخذ رُضابك من ثغري وَمَلْثَمِهِ
تُطْفَى إذنْ ثورةُ الأشواق في شفتي
أكلما طرتُ فوق الأمس مبتعداً
شدَّ الحنين إلى عينيك أجنحتي؟
وجاء طيفك مختالاً يراودني
وغلّق الباب يضنيني بأخيلتي
يلوح لي كلما عاينته أملاً
كما الظميِّ يرى ماءً بمُجدبةِ
أدور في فُلكه والقلبُ ممتليءٌ
به كما دار مجذوبٌ بأضرحةِ
يدنو وأدنو وعيني ليس تخطئهُ
تبدو المسافةُ بينا قيدَ أُنملةِ
أمدُّ في حذرٍ كفي ألامسهُ
فترجع الكف لي قبضاً بأبخرةِ
ألوم نفسي أن مالت تعانقهُ
كيف استجابت لأطيافٍ مزيفةِ؟
كأنك الوهم يبدو كي أطارده
ويبعثُ الحزنَ في عينٍ مُسهدةِ
كم ذا يعاود طيفٌ منك فعلته !
ويترك الروحَ في ضوضاء أسئلتي؟
إني المصابُ بحبٍ ليس يمنحني
إلا الجنون وحزناً شفَّ أوردتي
في كل شيء أرى ذكراكَ حاضرةً
كأنَّ ظِلّكَ يغزو كل ناحيةٍ
في رشفة البنّ في فنجان قهوته
وكم حظينا بأنسامٍ مُعطرةِ
في قطرة الغيثِ تهمي فوق نافذتي
وكم ضحكنا بِوَجْناتٍ مُبللةِ
في هدأة الليل والنجماتُ ساهرةٌ
وكم سهرنا على ألحان أغنيةِ
في زُرقة البحر والأمواج حانيةٌ
وكم شدونا بأحلامٍ مُؤَجَلَة!
أُطلّ من شرفةِ الأيامِ مرتقباً
جاء البشير ولا بُشرى بقافلتي
لا ثغرُك المشتهى يدنو فألثمَهُ
أو طرفُك المفتدى يأسى لمحرقتي
أو كفّك المرتجى يحنو على ألمي
أو قلبيَ المبتلى ينسى لثانيةِ
يا محنةَ الروح يا ألوان بهجتها
ما بين ضدين زادت فيك ملحمتي
فخذْ هواك من الأعماقِ مزقني
وخذْ خيالك من عينٍ مُحدِّقةِ
إني شقيتُ بهذا الحب من زمنٍ
متى سترجعُ للأفراحِ أزمنَتي؟