الثلاثاء ١٥ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٩
بقلم مفلح طبعوني

لأننّا

لأننّاَ منحازون لهذا الوطن الجريح نحتفل اليوم بذكرى غياب القائد توفيق زياد عنا وعن ملامح هذه الأرض، غياب القائد الذي قاد شعبه في الجليل وطنه ومثلثه، في ساحله ونقبه...
القائد الذي زرع الوفاء لتراب هذه الأرض، أسّس مع رفاقه معالم الصمود المستحيل، (فوق هذه الأرض أو فيها) الشاعر الذي نقش فوق الاجبنة

كأننا عشرون مستحيل
في اللد والرملة والجليل

لأننّا منحازون لزهور وثمار وأشجار هذا الوطن الباسقة ولأننّا نحب أطفاله، وأطفال العالم بدون تفرقة وانغلاق. لأننّا من رائحة الورد نحتفل اليوم بذكرى غياب عاشق، الأطفال ومنشط، الأزهار، مقٌنب الأشجار، توفيق زيّاد الذي غنى وغنينا معه:

وأعطي نصف عمري للذي
يجعل طفلاً باكيا يضحك
وأعطي نصفه الثاني لأحمي
زهرة خضراء أن تهلك.

أطفال المستقبل وأحفاد الأسرى والمناضلين الذي قدّموا التضحيات الغالية من أجل العَلم, والدولة المستقلة من أجل حريّة الإنسانيّة وكرامتها.

ولأننّا منحازون لآلاف ألأسرى، أسرى هذا الوطن في سجون الاحتلال الذين دفعوا أغلى وأثمن ما يملكون من أجل حرية شعبهم. أسرى مع أحاسيس وطنيّة نابضة ومربكة للأخر المتمترس وراء آلات الموت والدمار. أسرى زادهم من خلايا الوطن ورويهم نداه المعطر وعاشقهم هذه الأرض التي عليها ما يستحق الحياة كما قال الدرويش.
أسرى آمنوا بإمكانية تغيير الواقع القائم بواقع أخر أفضل قاوموا الزيف السياسي والاجتماعي، نبذوا المكاسب الخاصة وعملوا من أجل الصالح العام.

لأننا منحازون لهؤلاء الأسرى نجوم هذا الوطن في السجون الإسرائيلية، نحتفل اليوم بغياب الأسير السابق والسجين السياسي توفيق زياد الذي غنى للأسرى:

هذه أغنيّة
للأيدي المسحوقة بالأغلال الدمويّة
تتحدى الأغلا ل الدمويّة
لعيون تتوقد خلف القضبان
للقامات المنتصبة في
القلب الزنزانات الوحشيّة
تتحدى الزنزانات الوحشيّة

لأننّا منحازون للتقدمية وطروحاتها ولأننّا نعمل ما استطعنا من أجل المعرفة ونتصدى لمن يحاول النيل من مواقفنا المشرفة ولأننّا نعمل جاهدين من أجل أحياء التراث المتأصل فينا، تراثنا وآدابنا الشعبية خصوصاَ المقاوم منها نحتفل اليوم بذكرى غياب عاشق التراث والأدب الشعبي توفيق زيّاد الذي قال: (أن تراثنا الشعبي الفولكلوري غنى وزاخر بقدر ما هو غني وزاخر كفاح شعبنا على مر العصور والأحقاب، وأبطال هذا الأدب المختلفون هم وجوه متعددة للبطل الأساسي الشعب كمجموع).

والذي فصح أغنيات شعبية عاميّة مثل عذب الجمال قلبي:

والتي تقول:
عذب الجمال قلبي
عندما اختار الرحيل
قلت:يا جمال صبراً
قال:(كل الصبر عيل)
قلت:يا جمال قصدك
قال:صحراء الجنوب
قلت:ماذا ضم حملك؟!
قال:(علكا) (وطيوب)

لأننّا ضد الاستسلام وطروحاته التي تهدف بالأساس محاصرة ثقافتنا وحريتنا ولأننّا منحازون للثقافة الحرة الرافضة لثقافة الاستسلام.

لأننّا من طبيعة سمحاء تنبعث من هذه الصخور وجبالها من التراب، من ترابنا ومن رمالنا طبيعة سمحاء تنبعث من الينابيع والندى.

ولأننّا منشغلون بالتطوع والبناء، بالتعمير والعطاء. لأننّا كل الكل، نحتفل بذكرى غياب توفيق زيّاد الشاعر الذي قال:

تعالوا أيها الشعراء
نزرع فوق كل فم
بنفسجة..وقيثاره
تعالوا أيها العمال
نجعل هذه الدنيا العجوز تعود نواره
تعالوا أيها الأطفال
نحلم بالغد الآتي
وكيف نصيد أقماره..
تعالوا كلكم.. فالظلم ينهي
بعد دهر طال مشواره
وأنتم قد ورثتم
كل هذا الكون
روعته وثروته وأسراره!!

لأننّا نصنع المعجزات، من أجل الخروج من صعوبة هذه المرحلة، مرحلة الاحتلال البغيض والخروج من الأزمات الاقتصادية والاستمرار بالتواجد والتكاثر، الخروج من الانتكاسات السياسية.
ولأننّا نرفض التسليم بالأمر الواقع ونعمل بطرق مستحيلة من أجل الأفضل والتسامي بعناصر حياتنا قدر الإمكان.

ولأننّا نتعمد الأفضل لمقاومة الإسقاطات الاحتلاليّة المدمّرة ونعمل بصلابة ووحدة من أجل استعادة كل ذرة تراب من هذا الوطن نحتفل بذكرى غياب الباسل توفيق زيّاد الذي قال للمحتلين:

أي أمّ أورثتكمْ
يا ترى
نصف القنالْ
أي أم أورثتكمْ
ضفة الأردن
سيناءَ
وهايتك الجبالْ
إن من يسلب حقاً
بالقتالْ
كيف يحمي حقه يوماً
إذا الميزانُ
مالْ..؟؟

لأننّا الهاجسون بها بامتياز منذ نكبتها واحتلالها والهاجسون بالنضال الوطني الشعبي، نشارك فيه بدون انزياح عن المواقف الثورية الصادقة نشارك فيه بمبدئية وإخلاص...
لأننّا منصرفون عن الطائفية وصراعاتها ومتمسكون بالدفاع عن هذا الوطن وأرضه بوحدة واستمرارية وعناد،

لأننّا نعمل بأيد ناصعة على استنهاض الهمم لأبعاد أصحابها عن اليأس والإحباط والضياع، ولأننا أبْعَدَنا النضال
عن العادية والسكون وجعلنا منه سنابل البقاء وماء النقاء، نحتفل بذكرى غياب توفيق زيّاد الذي قال عن الأيدي الناصعة
أيها الناس أتيناكم بفكر وكرامة

وبأيدٍ ناصعة
وطريقٍ واسعة
ألَقُ الحب الذي يملأها
أطهرُ من ضوء النجوم اللامعة
...............
إلى أن يقول:
واتيناكم بمجد الورد والزيتون،
والفكرة والأجنحة الكاسية الريش
وعطر الياسمينْ.
وبكلّ الحبّ في الدنيا
وبالخير
لكل الطيّبينْ

لأننّا منحازون لأكتوبر الأممي وأكتوبر المصري،العربي أكتوبر العبور لأننا مع أكتوبر الصمود في فلسطين الشمال والجنوب، فلسطين الساحل والأغوار، فلسطين الزيتون والسنديان.

لأننّا منحازون لثورة الضباط الأحرار في مصر، والتي كانت رداً حاسما على نكبة شعبنا. منحازون للثورة التي انتشرت من المحيط إلى الخليج، غنت لثورة الجزائر ورقصت مع ثورة اليمن، الثورة التي زغردت لشعوب العالم الثالث.. لأننا منحازون لمصرالأمان والتي قهرت العدوان، مصر أم الدنيا والنيل الجبار.

لأننّا منحازون للعبور، عبور، مصر العروبة للقنال ولأننّا منحازون للاهرامات في مصر جمال عبد الناصر، منحازون للسد العالي، مصانع الحديد والصلب والكهرباء، منحازون لبور سعيد الانتصار على العدوان ودحره إلى ما وراء البحار... منحازون لمصر التعليم المجاني، من التلفيع وحتى الجامعات، مصر الأدباء والشعراء، مصر الفنانين والفنانات، مصر الموسيقى والغناء، السينما والمسرح،مصر الأوبرات، منحازون لمصر الناس الطيبين، مصر الطعمية والشيخ إمام، الصنيعية، الفلاحين والعمال، مصر الجنود والضباط، الطلاب والطالبات.

لأننّا منحازون للوحدة العربية مع بلاد الشام، وباقي الأوطان.
لأننّا ضد العدوان، ومع عبور القنال نحتفل اليوم بذكرى صاحب قصيدة العبور توفيق زيّاد والذي قال:

كان العبور مقدساً
والشمس في عزّ الظهيرة
والشام تعود للجولان
زاحفة على جسد الردى
باسم الحياة, وكلِّ وردِ الأرضِ،
عشبِ الأرض،صخر الأرض
أسلحةٌ تقاتل
والقذائف تسحق الفولاذ بالفولاذ،
والناس الدمشقيون كالغضب المقدس،
يزحفون ويزحفون.
كان العبور مقدساً، ومقدساً يبقى
وكان مقدساً
ومقدساً يبقى الوطنْ
كان العبور مقدساً، ومقدساً يبقى
وكان مقدساً
ومقدساً يبقى الثمنْ

لأننّا نعمل، على توحيد الطاقات الكفاحية والنضالية ضد الاحتلال وركائزه، العلة الصهيونية، والغباء العربي، وضد الجيوش العالمية القمعية ممثلة بأمريكا الطاعون على حدّ وصف الدرويش –

لأننّا لا نعرف الحياد في السياق السياسي والاجتماعي والاقتصادي الفلسطيني منه والعربي، لا بل والعالمي ولأننّا نزرع قيم الانتماء الحقيقي للوطنية والوطن، ونمارس التضحية الجماعيّة والفردية بصدق واستمرارية.

لأننّا نرفض الانغلاق والتقوقع وبعيدون عن ملاعن الخنوع والمداهنة نحتفل اليوم بذكرى غياب الرمز توفيق زيّاد الذي قال:

ما دامت في أرضي زهرة
ما دامت في وطني صخرة
ما دامت في الأفق سحابة
ما دامت في الأرض ترابه
سأعيش وأحيا
في هبّة ريح تسري
في أنفاس الزهرِ
وأريج الزعترِ والعشب البري
في جدول ماء يجري
في ليلكةٍ تفهم سري
سأعيش وأحيا..
أتجدّد
كلَّ صباح.. كلَّ دقيقة
في شبّابة راعٍ
في تنهيدة أمٍّ
وربابة شاعرْ
في ضوء الشمس
وفي وشوشة الغاب الساحر
في الصمت،
وفي العاصفة الهوجاء
في خفق جناح طائر
سأعيش وأحيا
سأظل إلى أبد الآباد
أتجدّدُ في وطن الأجداد
فأنا.. والنصر
وشمس الأحرار
على ميعاد..!

لأننّا من أحفاد حادي فلسطين راجح ألسلفيتي وأمثاله الذين حملوا هموم تحقيق العدالة الاجتماعيّة، لانتشال الطبقات المسحوقة من الانعدام والحرمان. الحادي الذي غنّى لناصرة الجليل في مخيمات العمل التطوعيّة، غنّى لصديقه وحبيب قلبه، توفيق زيّاد.
لأننا ذاكرة الحادي الذي غنّى ليوم الأرض الخالد، غنّى لدير حنا وعرابة وسخنين مثلث يوم الأرض غنّى فقال:

مثل السنّة ومثل الفرض
واجبنا نقدس تربتنا
حب الأرض وصون العرض
هاي مبدأنا وعقيدتنا
حيوا الثالوث الحصين
الدير وعرابة وسخنين
فيها تعمد يوم الأرض
بدم الشهداء الخالدين
يوم الأرض الخالد سار
رمز يعبّر عن غضبتنا
في كل ثلاثين آذار
تتجلى روحة وحدتنا

لأننا أحفاد هذا الحادي نحتفل بذكرى غياب مهندس يوم الأرض الخالد توفيق زيّاد الذي قال:

وسوى أرض بلادي
وسماء بلادي
وزهور بلادي
أنا لا أعبد شيّا

لأننا نتفيؤ بظلال الشجرة شجرة حنظله العلي، الذي أحبها وأحبه توفيق زيّاد الفنان الرسام وأحبه ورسمه في القلب، خصوصا بعد صيحته العميقة (أنا عربي يا جحش) رافضاً التقسيم الطائفي محاولاً الحفاظ على الوحدة الاجتماعيّة بإصرار والتزام..

حنظله العلي الذي تفاعل مع توفيق زيّاد واندهش من إبداعاته مثلما اندهش وانفعل ألزيّاد من إبداعاته.

حنظله الذي ولد من خاصرة فلسطين وأحبها بكل نواحيها أحب ألزيّاد ورافقه في ساحات النضال، ساحات أول أيار، ساحات يوم الأرض، رافقه في السجون، وفي الندوات، رافقه بالتطوع والعطاء في رحلات الصيف ورحلات الشتاء.

حنظله العلي الذي" لم يضيِّع في الصيف اللبن" مثلما فعل المرتد ال...، وإنّما حافظ على لبنه صافياً، لم يعرف الماء ولا الحرام، مثل المرتد الذي تحدث عنه ألزيّاد " في قصيدة الندابة " تحدث فيها عن " المحار والنرجس وديك الحقيقة " بأسلوب حنظليّ رائع ومتوقد كحدّ سيف ضد الصيد في "الماء العكر" ببهلوانيّات راقصة على الحبال.

لأننا نتفاعل مع كاريكاتيرات حنظله العلي مثلما تفاعل مع زيّاد الرسام نحتفل اليوم بذكرى رحيل الرسام توفيق زيّاد، بعيدا عن المرتدّ الذي قال عنه ألزيّاد..

يهرب المرتدّ..من كلّ المبادئ
منكراً كلَّ المبادئ
ويغطّى الهرب المخجل باللفِّ
وتطريز الكلام
واحتراف الفذلكة
وادعاءات قديمة
أكل الدهر عليها وشرب
"قفص كل المبادئ"
"قفص كل التزام بالحقيقة"
 
إلى أن يقول:
فعل السبع خطايا
ثم برّأ نفسه
وانسلَّ كالشعرة
من طشت العجين
عاث ما عاث سنينا
ثم ألقى
قيأه الأصفر
سُمَّاً في
وجوه الآخرين

لأننا أوفياء لتراث إبداعات شعراء المقاومة أمثال الشاعر والمقاتل الشهيد عبد الرحيم محمود الذي استشهد بشجرة ناجي العلي والذي أحبه توفيق زيّاد بكل جوارحه، ولأننّا نحفظ عن ظهر قلب شعر عبد الرحيم محمود:

سأحمل روحي على راحتي
وألقي بها في مهاوي الرّدى
فأما حياة تسرُّ الصديق
وأما ممات يغيظ العدى
ونفس الشريف لها غايتان
ورود المنايا ونيل المنى

ولأننّا أحباب وعشاق محمود درويش الذي أحبّ الزيّاد وقال عنه: " ونشيده، نشيد توفيق زيّاد الذي نحته من عتبة بيته الفقير في الجليل، سرعان ما تحول إلى صوت الفقراء الحالمين برغيف نظيف وحريّة عاديّة، لقد حفر اسمه الشخصيّ والجماعيّ، في آن على جذع زيتونة صارت هويّة، لأن الذائقة العامة عثرت فيه على مرآة واضحة لصورتها، وعلى معنى أوضح لكرامة السنديان فيها فقط، بل لأنه رمى في بحيرة الشعر الساكنة آنئذ، أحجارًا حركت الموجَ، فلم تعد "أنا " الشاعر تقيم في داخله وحده، بل صار في وسعها أن تكون مشهدًا عموميًا تمر فيه السابلة".

لأننّا من صلب هذا المناخ، مناخ شعراء المقاومة، نحتفل بذكرى غياب المقاوم توفيق زيّاد الذي قال:

سأحفر كلَّ ما تحكي ليَ الشمسُ
ويهمسهُ ليَ القمرُ
وما ترويهِ قبّرةٌ
على البئرِ التي
عشّاقها هجروا..!
لكي اذكر،
وكي تذكر
جميع فصول مأساتي
وكلَّ مراحل النكبة
من الحبّة
إلى القبّة
على زيتونة..
في ساحة الدار..!!

لأننا ومنذ أكثر من عشرة أجيال نقاوم، كل محاولات السيطرة على هذه الأرض وعطائها ونناضل ببسالة نادرة، بأصالةٍ لامعة، من أجل الحفاظ على ما تبقى من تينها وزيتونها.. الحفاظ برواءٍ واتقاد، على عنبها وبرتقالها، نرتاح فوق سنديانها ونتزوّد بالطاقة من ربّها وعسلها...!!

لأننا ومنذ أكثر من عشرة أجيال نحافظ على تمرها ولوزها...!!
لأننا منحازون لحيفا ويافا، للقدس وصفد، منحازون لرأس الناقورة وأم الرشراش، منحازون لجبل النار لكل مدينة وقرية، لكل ساحة وشارع وزقاق، لكل صخرة وحجر وحبّة تراب.
لأننا منحازون للقفزة في ناصرة السماح نحتفلُ بذكرى غياب ابنها الذي قال:

أنا من هذي المدينة
ومن حواريها الحزينة
من شرايين بيوت الفقر
من قلب الثنيّات الحصينة
***
أنا من شارع يوم الأرض
من دوّار أيار
ومن ساحات صبرا وشتيلا
والزقاقات التي...
لا تجرؤ الشرطة
أن تدخلها
عندما يشتعل الناس غضبْ..!!

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى