متنفَّس عبرَ القضبان (84)
بدأت مشواري التواصليّ مع أسرى أحرار يكتبون رغم عتمة السجون في شهر حزيران 2019؛ تبيّن لي أنّ الكتابة خلف القضبان متنفّس للأسير، ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة بعد كلّ زيارة؛
عقّب الشاعر إسماعيل حج محمد من تلفيت: "لك كل الاحترام والتقدير استاذنا الأصيل، ولابا جوهر ورفاقه خيرة ابناء شعبنا الحرية والنصر .. ولكل اسير كتاب".
وعقّب الشاعر هاني مصبح من غزة: "الحرية كل الحرية لأسرانا الابطال ورحم الله والدته واسكنها الله فسيح جناته اللهم آميييييييييييين وكل الاحترام والتقدير لجهودك الطيبة أستاذنا الرائع المحامي الحيفاوي الأستاذ حسن عبادي الإنسان الوطني العريق صاحب فكرة لكل أسير كتاب لك عظيم الاحترام والتقدير".
"تبسّمتْ فأشرقتْ"
بعد لقائي بسائد وهيثم في سجن النقب الصحراويّ صباح الأربعاء 19 تموز 2023، أطل الأسير محمد زكريا قصقص، هذا اللقاء الأول بيننا، فبادرت لتعريفه بي فقال: بعرفك منيح من التلفزيون ومن أخونا أبو مجاهد، ممّا أثار استغرابي وقلت له بأنّه يبدو غلطان، وحينها أعلمني أنّ أبو مجاهد هو صديقي إسماعيل (الله يسامحك يا إسماعيل، رغم معرفتنا سنين طويلة، لم أعرف كنيَتك) فضحكت قائلاً: ما خرّب بيتنا إلّا الأبوات، مما أذاب ذاك الجليد لنبدأ حديثاً طويلًا ذو شجون.
حدّثني بدايةً عن قسم الخيام في سجن النقب الصحراوي، الحر الشديد في هذه الأيام، وظروف الأسر.
تناولنا مشروعه الثقافي الأدبي، "إحنا مش سهلين، بنكتب وبننشر"، يكتب الشعر ويؤمن بالتعبير المكثف، الشعر العامودي وشعر النثر، موضوعي تجريدي معمّق، شعر شخصي/وطني/اجتماعي وغزلي عذري.
رسم لي بكلماته وجه والدته (توفّيت وهو في الأسر) وآخر صورة لها في اللقاء الأخير، صورة تلازمه كلّ الوقت وتغزّل بها، من حقّه طبعاً، فكتب:
"تبسّمت فأشرقت الشمس من ثغرها
وبدا سنا ضوء يملئ الآفاق ضوءا"
ونصّه الأخير، جنين ما زالت تقاوم، ويعمل على ولادة أوّل إصدار له.
"ليل النقب الطويل"
بعد لقائي بسائد وهيثم ومحمد في سجن النقب الصحراويّ أطل الأسير عبد العظيم عبد الحق موسى حسن، وبدأ دون مقدّمات، يحدّثني عن جمال التناقضات في الدنيا، وليل النقب والسما المفتوحة، أوّل مرّة منذ 23 عاما "بشوف السما بالليل"! ومنذ وصوله سجن النقب لم ينَمْ في الليل (صدمني وأعادني للقائي بالأسيرة شروق دويات في سجن الدامون أواخر عام 2021 حين حدّثتني عن فترة العزل في الجلبوع برفقة مُنى، أحلى فترة منذ أسرها حيث تمتّعت بجمال البلاد؛ شافت السماء والجبال والخَضار والعصافير... والغروب دون شبك وقضبان، تمتّعت بالسماء الحقيقي!).
واصلنا العصف الذهني والفكريّ في لقائنا السابق في سجن ريمون، وضع الحركة الأسيرة، "إحنا منبطحين"، ويجب إعادة التفكير بما يدور وغربلة الأمور.
وما يدور في الوطن، باتت المشكلة في عجز الآخرين عن إيجاد حلول، الوطن بات بقرة حلّابة، الكل بدّو يحلب بدون ما نطعمها. والله صعبة يا أبو سارة.
تناولنا مخطوطته الشعريّة "تمرّد" التي حرّرها صديقي فراس حجّ محمد ودور غادة وعملها السيزيفي لتفريغ ونشر ما يكتب...والسارتين.
من وحي اللقاء، شطح وسماء النقب وليلها مع أبو القاسم الشابي وكتب:
"ألا يا أبا القاسم اعذر وفِقْ
برأي الغيور المحب الحذق
فكل الشعوب تريد الحياة
ولكنها لم تزل تُستَرَق
فإنْ يبلغ الشعبُ وعياً بحق
يصلْ للحياة التي يستحق
فلا إن أردنا استجاب القدر
ولا إنْ أردنا الحياة تَحِقْ
عدوي يريد ونحن نريد
فمن ملك الوعي مِنّا سَبَق"
لكم أعزاءي محمد وعبد العظيم أحلى التحيّات، الحريّة لك ولجميع رفاق دربك الأحرار.
[1] الأسير محمد قصقص من عين سينيا/رام الله، أُعتقل عام 2003، حكمت عليه المحكمة العسكريّة الإسرائيلية بالسجن 25 عام.
[2] الأسير عبد العظيم عبد الحق من قصرة/نابلس، أُعتقل عام 2000، حكمت عليه المحكمة العسكريّة الإسرائيلية بالسجن 33 عام.