السبت ٢٧ نيسان (أبريل) ٢٠٢٤

مجازات الهوى

عادل غسان مرعي

وكانَ الزمانُ طرياً،
وكانَ المكانُ سخيُ البشاشةِ.
أينعَ الحريقُ قبلَ احتضارِ السراجِ،
دبَّ الشرودُ في لسانِ الدخانِ.
وجهتي كلُّ الجهاتِ، وغايتي عصيةٌ على التكهنِ.
الدربُ مزروعةٌ بالأحداقِ التائهةِ، ودمي ماءٌ يركضُ في أوردةِ الغيمِ.
تخرجُ النساءُ منْ خزائنِ ليلي، أقرأُ بريدَ عيونهنَ:
تلكَ نجمةٌ عاريةٌ،
وأخرى قمرٌ يرتدي قبعةً وقفازينِ ويحملُ مروحةَ مكائدَ،
ثالثةٌ تشبهُ عذراءَ الحكايةِ،
أخرياتٌ يحاربنَ بجمالهنَ طواحينَ الوقتِ،
غزالاتٌ يشربنَ من نهرِ المسكِ ويزغنَ كلمحِ الفرحِ.
أتوجسُ منْ فزّاعةِ العشّاقِ، أتعثرُ بحطامِ الفجرِ، تلفحُني شمسٌ رخوةٌ، تبدأُ زخّاتُ القلقِ بالروغانِ.
أمضي كغريبٍ يتلثمُ بشالِ السديمِ، أدخلُ غابةَ الماضي، ترشدُني غريزةُ الذاكرةِ، تؤنسني شواهدُ القبورِ، تحرسُني الأرواحُ الممشوقةُ.
أشجارُ أياميٌ شجّتها فأسٌ مخمورةٌ، قصفتها صاعقةُ الحسرةِ، وفنارُ الغيرةِ ضعضعَ الشراعَ، لمْ يتركْ لحوافرِ الأقلامِ ورقاً للطرادِ.
(ذكرياتٌ عبرتْ أفقَ خيالي ...)
وكانَ المكانُ بديناً،
وكانَ الزمانُ غارشاً بالذنوبِ.
يغفو الكلامُ على صدرِ دميةٍ.
إلى أينَ يأخذُنا النعاسُ؟
هلِعاً منْ صولةِ الغرامِ أمارسُ سوسةَ الورعِ،
أتظاهرُ بالعمى كي لا أرتطمَ بالمدائنِ الفاضلةِ،
تمرُّ علي المواسمُ كفاتٍح مرَّ سهواً على أطلالِ جسدٍ،
أرشفُ منْ قاموسِ الضحكِ لعاباً يابساً،
رايتي مزّقتها حرابٌ صديقةٌ، وسيفي ذابَ في بطنِ الهواءِ.
قلبي الناحلُ متخمٌ بالخيالِ، أمّي لمْ يختمرْ عجينُها بعدُ،
منْ سيعتذرُ لأبي عنْ قبرهِ الضّيقِ، كيفَ لأخوتي أنْ يغتسلوا منْ لعنةِ الترابِ.
تورطتُ في حبٍّ أخرسٍ، قليلهُ لا يكفي، وكثيرهُ حرامٌ.
ما استطعتُ السفرَ إلى بلادِ البشائرِ، ولا كنتُ أجرؤُ على الدخولِ إلى خرائبِ النّدمِ.
تلعثمتُ في حضرةِ الاعترافِ، خانتني ذخيرتي الشائخةُ، أطلقتُ قبلاتي إلى الوراءِ، ومازلتُ ألملمُ فوارغَ العطشِ.
يهدأُ النهمُ إذا ما شمَّ عطرَ المصيدةِ، أو لمحَ احتراقاً تبثهُ عيونٌ ضاريةٌ.
هذا الهراءُ صارَ صكوكَ غفرانٍ للجرائمِ السعيدةِ.
قابَ اشتهاءٍ سيقطفُ الجناةُ تفاحهمُ منْ كرومِ البراءةِ.
في غمرةِ الانتشاءِ تتواطأُ الضحيةُ معَ جلادِها.
(أنتِ النعيمُ لقلبي والعذابُ له .....)
وكانَ الزمانُ عجولاً،
وصارَ المكانُ هوىً.
خمسونَ انتظاراً وأزهاري يلقّحُها الخريفُ.
استلقى الذئبُ على سريري وارتدى قمصانَ نومي.
أكتبُ المعوذاتِ على يافطاتِ الشوارعِ إشاراتِ مرورٍ لحفاةِ الرغائبِ،
بينَ مرّينِ تحلو صلاةُ الشفاعةِ، أتصدقُ بآثامي على رواةِ الخرافةِ، استحضرُ للغدِّ خيانةً شائقةً، أحفظُ تفاصيلَها عنْ ظهرِ قلبٍ.
سيخلَّدُ أبطالهُا وتدوّنُ أسماؤهمُ على أغلفةِ الهدايا.
الساعةُ مازالتْ غافيةً، القفيرُ منكبٌّ على بلاهتهِ، المليكةُ تلعبُ بالصولجانِ، واليعاسيبُ ينتظرونَ صافرةَ النزالِ.
مهما شاخَ البحرُ، هيهاتَ أنْ يستكينَ الموجُ.
ينكفأُ الطوفانُ عنِ المدِّ بعدَ أنْ يهينَ هيبةَ النّارِ ويؤدبَ غرورَ الريحِ.
دائماً، وقبلَ اشتعالِ النّدى، لا ينامُ القساةُ قبلَ أنْ يطربوا لنشيجِ المُقلِ.
كلّما تثاءبَ رمشٌ، خرجَ البؤبؤُ منْ جحرِ العتمةِ، راحَ يستحمُّ في محبرةِ الدمعِ.
للقلبِ خلاعتُهُ المشروعةُ، وللعقلِ وقارُهُ السّمجُ.
في بهجةِ الانطفاءِ، يخصبُ العشبُ في أقداحِ السُكارى.
تستيقظُ أقمارُ الزيتونِ، تستحلبُ ديمةً عطشى، تُجزي وحدتَها بالتزينِ لغريمٍ مجهولٍ.
وتبقى مجازاتُ الهوى تراوغُ عدوَ الزمانِ وضيقَ المكانِ.
يعودُ الشّاعرُ إلى غيبوبتهِ معفراً بالوهمِ، يستلُّ دمَهُ ويكتبُ على جبهةِ الليلِ:
إلى خليلٍ يتنزّهُ فوقَ رصيفِ الندمِ، ثمةَ جرحٌ تضرّجَ بالكبرياءِ، طهّرهُ باللغةِ الخضراءِ، وعاجلهُ بضمادِاتِ الاشتياقِ.
(أقولُ وقدْ ناحتْ بقربي حمامةٌ ...!!)
إكرامُ العاشقِ وصلهُ.

عادل غسان مرعي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى