محمود شقير في عامه الثّاني والثّمانين
هذا اليوم 15 مارس 2022 يدخل أديبنا الكبير عامه الثّاني والثّمانين من عمره، ومن محاسن الصدّف أن يحمل أحد نوابغ الشّعر العربي المعاصر اسم محمود، وهو الرّاحل العظيم محمود درويش، المولود في 13 مارس 1941، أيّ أنّ محمود الشّاعر يكبر محمود السّارد بيومين، وإذا ما تربّع محمود الشّاعر على عرش الشّعر، فإنّ محمود السّارد يتربّع على عرش مملكة السرد القصصي أديب كبير وهو القاصّ والروائي محمود شقير الذي نتمنى له الصّحة الجيّدة والعمر المديد، فكلا المحمودين خاضا مجال التجريب، وأتيانا بابداع لافت شكلا ومضمونا، فلم يكرّرا نفسيهما، ولم يقلّدا غيرهما، ولم يدّعيا العظمة يوما، بل على العكس كانا متواضعين في نظرتهما لأدبهما. وكلاهما كان معجبا بالآخر، ويقرؤه بنهم، وعندما رحل درويش، وتمّ تخصيص جائزة رفيعة باسمه، كان محمود شقير أوّل الفائزين بها بجدارة، وعبّر عن سعادته بهذا الفوز، معتبرا جائزة محمود درويش أرفع من جائزة نوبل، لأنها تحمل اسم شاعر عظيم هو محمود درويش.
ونحن هنا لسنا في مجال الحديث عن الشّاعر الكونيّ الأسطورة محمود درويش، فهناك دراسات كثيرة عنه، ولكنّنا سنتحدث عن الأديب الكبير محمود شقير، الذي أغنى المكتبة الفلسطينية والعربية بابداعاته المتميّزة، كما تُرجم العديد من أعماله لأكثر من لغة، بل إن إحدى رواياته للفتيات والفتيان اعتبرت قبلسنوات قليلة واحدة من أفضل مئة رواية في العالم، ولم يقتصر نتاجه الأدبي على القصّة القصيرة التي ارتقى بها فنيّا، وعُرف من خلالها كأديب له بصماته على الحراك الثّقافيّ في فلسطين، وفي الدّول العربية أيضا، بل تعدّى ذلك الى القصّ الوجيز، وأصبح رمزا من رموز كتّاب القصّة القصيرة جدّا، تماما مثلما هو في فنّ القصّ للأطفال ولليافعين، كما كتب أدب الرّحلات، وأدب المراثي، اليوميّات، المسرحيّة، المسلسلات التّلفويونيّة، السّيرة الذّاتيّة والسّيرة الغيريّة، وتميّز أيضا بما كتبه من سرد قصصيّ وروائيّ عن جوهرة المدائن القدس الشريف، ولم يكتف بذلك فقد خاض في مجال بحور الرواية، فجاءت ثلاثيّته الرّوائيّة" فرس العائلة، ظلال العائلة ومديح لنساء العائلة" لافتة من حيث اللغة والشّكل والمضمون.
ونظرا لريادة محمود شقير في فنون الأدب هذه، فقد حظي بانتباه النّقّاد ومتذوّقي الأدب الفلسطينيّين والعرب، فكتبوا عن نتاجه الأدبيّ، وحصل كثيرون على شهادات أكاديميّة من خلال دراستهم لجوانب من أدب محمود شقير.
ومحمود شقير الأديب الكبير والمتميّز لا يزال في قمّة العطاء، ويخصّص غالبيّة ساعات يومه للمطالعة والكتابة، ويسعى دائما الى تحسين أدواته الفنّيّة، لذا فإنّ كلّ جديد له يحمل في ثناياه جديدا يبهر النّقّاد قبل القرّاء العاديين. ويلاحظ أنّ أديبنا المتميّز يخوض التّجريب ويأتينا بجديد، فمنذ عقد ونصف تقريبا وهو ينشر مجموعات قصص قصيرة جدّا متتالية، يمكن قراءة كلّ منها كأقصوصة منفردة، وإذا ما قرئت متتالية فإنّ القارئ سيجد نفسه أمام سرد روائيّ لافت، وهذه ظاهرة يجب أن تخضع لدراسات أكّاديميّة.
محمود شقير الذي عانى من الأسر والإبعاد عن أرض الوطن لا يزال في قمّة عطائه، ورغم شيخوخته ومكابداته خلال إحدى وثمانين سنة من عمره المديد، إلا أنّه لا يزال وسيبقى يحمل روحا شبابيّة، وهذه واحدة من أسرار عطائه الأدبيّ المتواصل.
وهنا لا بدّ من التّأكيد على أنّ محمود شقير مدرسة أدبيّة قلّ مثيلها، وهذا يتطلّب من وزارة الثّقافة الفلسطينيّة واتّحاد الكتّاب الفلسطينيّين أن يبادروا إلى نشر أعماله غير الكاملة، ونشر ما كُتب عنه، لتكون في متناول يد الجميع.
أديبنا الكبير وأستاذنا محمود شقير وأنت تدخل عامك الثّاني والثّمانين من عمرك المديد، نتمنى لك العمر المديد والصّحّة الجيّدة، ونؤكّد أنّك أحد رموزنا الثّقافيّة التي نطاول بها السّماء.