من قتل أحمد جواد؟!!
هل قدَرنا ثابت لا يتغير في بلدنا الذي تتقاسم أغلبيته الساحقة كل أشكال التراجيديا على يد حفنة من المستغلين والبهلوانيين والانتظاريين؟
ما يقع من إذلال عبر فرض الغلاء غير المسبوق للمواد المعيشية الأساسية، وتجميد الأجور ومناصب الشغل، والتراجع الممنهج عن المكتسبات السابقة... لم يسبق للمغرب أن عاشه بهذا الشكل منذ الاستقلال، كما أن ما حدث، ويحدث للثقافة المغربية، وللنخبة في كل المجالات والتخصصات، والتي هي رأسمال وطني حقيقي ومتطور لا غنى عنه، لم يسبق للمغرب أن عاشه بهذا السوء والعبث، ولو في أحلك الظروف، وأزمنة الرصاص !!
لماذا يقع كل هذا في بلد عرف من الرجال والنساء ، منذ أول التاريخ، ما جعل صورة المغاربة شامخة وقوية. .. والآن هناك تحالف غريب يسعى لتدمير كل شيء.
حدثُ الموت التراجيدي للفنان المسرحي والفاعل الجمعوي أحمد جواد بعدما يئس من وضع غامض زاده الوزير الحالي للثقافة،والمؤازر بحكومته التباسا،وزير لا يُقدر تكلفة سوء التدبير على المدى القريب والبعيد، حينما يمارس حوار الصم والهروب إلى الأمام بلا أفق واقعي في حالات لا تتطلب سوى الإرادة الفعلية والشراكة الحقيقة مع الفاعلين.
اختار المسرحي والمبدع والمنشط الثقافي أحمد جواد، في المواجهة، الحل الأصعب بأن رمى دمه"المغدور" في عُنق الحكومة الحالية وعلى القميص "الأبيض" للوزير... ليبقى لطخة دائمة لا تزيلها الخطب، ولن يدكّها جرّار لا يحرث سوى اليأس الفظيع.
ولو كُنّا في بلد تحترم فيه الحكومة المواطن ونفسها، لقدّم وزير الثقافة استقالته اعترافا بعدم قدرته على تدبير قطاع حيوي برؤية بعيدة عن الضيق الحزبي وحساباته المحدودة، أو تتم إقالته ويُحاسب على هذا، وعلى كل ما يقع للثقافة المغربية في هذه الفترة.
يوجد بالمغرب رأسمال بشري مهم، كما يوجد رأسمال مادي ولامادي ممتد عبر عصور كثيرة. والمفارقة التي لا يجد المهتم لها تفسيرا منطقيا ، هي أن دولا لا تمتلك ولو جزءا من هذا الرأسمال، ولا من هذا التراث أو الثراء الثقافي، وتجدها تضاعف من الاهتمام الفعلي والجدّي بالثقافة وأهلها، بينما حالنا مع الحكومة الحالية، والتي لا تختلف عن سابقتها الغريبة، أن تُهمل إهمالا مقصودا الوجه الثقافي، وتعمل على تبديد وهجه.
القتل المادي والمعنوي ما زال مستمرا، ونتائجه في ما جرى من حالات أبرزها أن يحرق فنان جسمه في إشارة إلى اليأس المحموم الذي يدفع إليه صمت المسؤولين، وإهمالهم للقضايا والملفات. وأيضا في ما لا يُرى، ولكن أثره أسوأ على حاضرنا ومستقبلنا.
وإذا كان مجال المثقف المغربي، في كل مجالات التعبير الأدبي والفني، هو خلق التراكم بأجمل النصوص والمشاهد، ومواصلة دوره التاريخي بكل شجاعة ومغامرة لا تُؤتى لغيره، فإنه أيضا من واجبه على هذا الوطن، مواجهة هذا العبث الذي يُبخّسون فيه الإنسان والزمان والكلام، وأن الصراع لا يكفي أن يكون في مساحات الخيال والركح المقهى والجريدة فقط، ولكن المعارك الأجمل والأبهى هي التي تجري في أرض الواقع مع شخصيات غريبة في زمن غريب.
أحمد جواد لم يمت كما يموت خلق الله، بل مات غدرا:
– غدرته المؤسسات، وغياب الرؤية؛
– غدره المُبخسون لكل ما هو جميل ونبيل فينا؛
– عذرته الشعارات البائسة لوزارة عاجزة عن الفعل ؛
– غدره صمت من ينبغي أن يتكلموا، وخذلان المتفرجين...
لكن مأساوية الموقف، وعمق الجرح لا يمنعان من القول:
– إن دم المغدور، لايذهب هدرا. هكذا علمتنا حكمنا الشعبية التي ترسخت عبر الأزمنة والأمكنة؛
– وأن في رقبة وزارة الثقافة عار كبير ستسجله ملفات التاريخ النزيه، وستدينه المواثيق الأخلاقية، ولن يزين جنباته صمت الجبناء، والطامعين، والأفاقين.
المرصد المغربي للثقافة