الخميس ١٧ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٢٢

مَواطن الذكرى في ديوان «طائف الذكرى» للشاعر حسن الحضري

منى فرغلي

ديوان (طائف الذكرى) هو الديوان الثامن للشاعر المصري حسن عبد الفتاح الحضري، وهو الإصدار الثاني عشر في ترتيب جملة مؤلفاته المطبوعة، ويضم هذا الديوان خمسًا وأربعين قصيدة ومقطوعة، في أغراض متعددة من أغراض الشعر العربي، وقد رتَّبها الشاعر–كما ذكر في مقدمة ديوانه- حسب الترتيب الهجائي لحروف الرَّويِّ، ثم حسب الحركات ابتداء بالضم فالكسر فالفتح فالسكون، وذلك بحسب تاريخ نظْم كلٍّ منها.

ونجد من بين قصائد هذا الديوان خمس قصائد قد حملت في عنوانها مفردة الذكرى بمشتقاتها المختلفة؛ وهي: (وأزال أذكر، ماذا دعاك إلى التذكر، وما زالت الذكرى، وفي التذكار آيات، أذكرتَ طيفًا)، وكذلك وردت هذه المفردة سبعًا وعشرين مرةً في خمسة وعشرين بيتًا في اثنتي عشرة قصيدة، على النحو الآتي:
في قصيدة (وأزال أذكر):

ما كدتُ أذكرُ غيرَ ذلك مُذْ طغَى
هذا النَّوى بالأمسِ حتى انجابا
وأزالُ أذكرُ ساعةَ الوصلِ التي
أمسَى يخيِّلُها البعادُ سَرابا
وفي قصيدة (طال عهد البين):
يذكرُ العهدَ فؤادٌ راعَه
مِن لهيبِ الشَّوقِ فيضٌ قد وجَبْ
وفي قصيدة (ماذا دعاك إلى التذكر):
ماذا دَعاكَ إلى التَّذكُّرِ بعدما
رَكَضَ الزَّمانُ بسيفِ بينٍ مُصْلَتِ
*****
تاللهِ ما زال الفؤادُ بذِكرِها
يَشْجَى وإنْ رُسُلُ الوشايةِ حَلَّتِ
وفي قصيدة (أرسلتْ آيةَ التنائي):
ليس إلَّا الدُّموعُ في غسقِ اللَّيـ
ـلِ وإلَّا الذِّكرَى وطَيفٌ مُعادُ
*****
هل تَرُدُّ الذِّكرَى زمانًا تولَّى
أو يَسُـرُّ الفؤادَ منكِ وَفادُ
*****
فاذكُري عهدَ الوصلِ ثُمَّ أجيبي
إنَّما الذِّكرَى لِلْمَشُوقِ ضِمادُ
وفي قصيدة (أخلفتِ وعدكِ):
فرَضِيتُ بالذِّكرَى وفِي الذِّكرَى لها
شوقٌ يهِيجُ النَّارَ تحت رَمادِ
وفي قصيدة (وما زالت الذكرى):
تذكَّرتُ منها بسمةً قد تعرَّضَتْ
لقلبي فعادَ الشَّوقُ منِّي وعادَها
*****
وما زالَتِ الذِّكرَى تَروحُ وتغتدي
بأشلاءِ قلبٍ أودعَتْهُ سُهادَها
*****
عليكِ سلامُ اللهِ ما هَبَّ طائفٌ
بذِكراكِ أو أوفَتْ لديكِ مِهادَها
وفي قصيدة (وفِي التذكار آياتٌ):
أتَتْ حِجَجٌ عليه وليس يسلُو
يُقاسِي والتَّذكُّرُ ما أشَدَّهْ
*****
أمِ الذِّكرَى لِقَلبَيْنا سبيلٌ
فكلٌّ يَستَنِيبُ الشَّوقُ وجْدَهْ
*****
وما يُغْني التَّذكُّرُ قلبَ صَبٍّ
مَبِيتُ الشَّوقِ والأشجانِ عِندَهْ
عَفَتْ آياتُ وَصْلِكِ فاستَباحتْ
دموعُ العينِ عندَ الذِّكرِ خَدَّهْ
وفي قصيدة (ما دعا قلبي إلى الهجر):
أشعَلَ الذِّكرَ بقلبي طائفٌ
منكِ أهدَى السُّهدَ ثُمَّ ابتَدَرا
*****
أقفَرَتْ منها رِياضٌ لم تَزَلْ
تَبعثُ الذِّكرَ وتُهدِي السُّعُرا
وفي قصيدة (بعد عهدٍ من الوصال):
أصبحَتْ ذِكرَى يَستعِيدُ صَداها
طائفٌ بالأسحارِ عند الهجوعِ
*****
تتَراءى على البعادِ سرابًا
وتُمِدُّ الذِّكرَى بحبلٍ منيعِ
*****
غيرَ أنَّ الفؤادَ عالَجَ بالصَّبـ
ـرِ وبالذِّكرَى شارِقاتِ الدُّموعِ
وفي قصيدة (وكلُّ مقدَّرٍ لا شكَّ آتٍ):
ذكَرتُ وصالَنا مِن قبلِ بَينٍ
ألمَّ فما يَرى شيئًا مُحالا
وفي قصيدة (على درب السهاد):
على أنَّ التَّذكُّرَ باتَ يُدْمي
فلستُ أراه يَجنحُ للسَّلامِ
وفي قصيدة (أذكرتَ طيفًا):
أذَكَرتَ طيفًا قد شَجاكَ مَزارُهُ
بالأمسِ أم أشْجاكَ سُوءُ ظُنونِها
*****
لكنْ عَداها عن تَذكُّرِ ما مضَـى
قلبٌ عَتِيٌّ راعني بسُكونِها

وفي الديوان قصائد أخرى يذكر فيها الشاعر النأي والبين والبعد والسُّهد والوجد والأسى، وهذه كلها من دواعي الذكرى أو تكون الذكرى من دواعيها.

وتتراوح قصائد الديوان بين الطول والقِصر، كما أن بعضها منظوم في غرضٍ شعريٍّ واحد، وبعضها متعدد الأغراض؛ كقصيدة (بعدَ عهدٍ مِنَ الوصالِ) التي يبتدئها بالشكوى من البين والسهاد، فيقول:

آذَنَ البينُ والنَّوَى بِصُدوعِ
إنَّ شَرَّ النُّفوسِ كلُّ جَزوعِ
فاصطَبِرْ إمَّا يَلْقَفَنَّكَ وجدٌ
أو سُهادٌ يمُوجُ بينَ الضُّلوعِ
ثم يقول فيها:
فدَعِ الأمرَ لِلمُهَيمنِ واصبِرْ
إنَّما النُّجْحُ حظُّ كلِّ قَنُوعِ
وادَّكِرْ قومًا شايَعوا بِهُراءٍ
كلَّ وغْدٍ إلى الضَّلالِ سريعِ

ويستمر في التقريع والتعريض عدة أبياتٍ، ثم يختتم قصيدته ببيتٍ من الحكمة يقول فيه:

مَن يُرِدْهُ ربُّ العبادِ بِخَيرٍ
يَكْفِهِ كيدَ كلِّ وغْدٍ وضِيعِ

والشاعر حسن الحضري ممن تتعدد الأغراض الشعرية في عامة أشعارهم، وهو من الشعراء المحافظين الذين يتمسكون بقواعد الشعر الموروثة عن القدماء، ومعظم أشعاره في الغزل والوصف والفخر والحكمة والمديح النبوي، أما أشعاره في الهجاء فقليلة نوعًا ما، لكنها قوية جدًّا ومتينة السبك كسائر أغراضه الشعرية الأخرى، وله أشعار اتجه فيها إلى القضايا العامة كالدفاع عن لغة الضاد، والدفاع عن السُّنَّة النبوية المطهرة.

ويرى بعضهم أن الشاعر حسن الحضري يُكثر في أشعاره من الألفاظ الصعبة المهجورة، حتى إنه في أحد لقاءاته المتلفزة وجهت له المذيعة سؤالًا عن (سبب استعراض قوَّته اللغوية)، ولكننا حين نقرأ أشعار حسن الحضري، نجد ألفاظه ومفرداته الصعبة والغريبة لها مواضعها التي تتطلب ذلك بحسب غرض القصيدة، فقصيدة الوصف مثلًا تحتمل صعوبة المفردات وغرابتها، بخلاف قصيدة الغزل والحكمة، وقد نبَّه النقاد قديمًا إلى هذه القاعدة وذكروها في مؤلفاتهم، وعلى كل حال فإن عامة ألفاظ ومفردات الشاعر حسن الحضري من النوع الجزل الفخم لكنها مفهومة في معظمها كهذه الأبيات التي أمامنا من ديوانه طائف الذكرى.

ونجد في هذا الديوان أرجوزة وحيدةً وهي مقطوعة صغيرة يقول فيها:

أقسمتُ بالرَّحمنِ ربِّ النَّاسِ
ما ربُّكم لخلْقِه بالنَّاسي
فاصبِرْ على ذي الحقدِ والوَسواسِ
كم مَرَّ بالكرامِ مِن مآسي
أعقَبَها اللهُ بِما يُواسي
ليس كتَقْوى اللهِ مِن لِباسِ
وكلُّ شيءٍ فإلَى اندِراسِ

وقد جاء عنوان الديوان مناسبًا جدًّا؛ إذْ معظم قصائده في الذكرى والشكوى والعتاب وما أشبه ذلك من موضوعات شعرية، سواء أكانت هذه القصائد موحدة الموضوع -ككثيرٍ من قصائد هذا الديوان- أم متعددة الأغراض كما هي الحال في كثيرٍ من أشعار حسن الحضري في هذا الديوان وغيره من دواوينه السابقة.
وقد نظَم الشاعر قصائد هذا الديوان بين سنتي 2017 و2019م كما هو مثبت بجانب عناوين القصائد، وصدر الديوان سنة (2021م).

منى فرغلي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى