الاثنين ٥ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٩
هذا هو العرس الذي لا ينتهي
بقلم رابعة حمو

هذا هو العرس الفلسطيني

لم يضرْ المشاهد الذي كان يتابع مسلسل (دالس الأمريكي) في بداية الثمانينيات أن يفوته حلقة أو حلقتين أو حتى ثلاث حلقات، لفرط تشابه أحداثه ولطول سنوات عرضه التي استمرت أكثر من أربع سنوات. وكذلك حال الُمشاهد (لمسلسل غزة الفلسطيني) الذي تشابهت أحداثه ووقائعه على الشعب الفلسطيني. فمن انتفاضة إلى اجتياح إلى حصار إلى تجويع إلى قصف، إلى حرب. ومنذ أربع سنوات يتطاير لحم أمنا غزة في الهواء ليس تمثيلاً وليس بفعل الساحر صاحب طاقية الإخفاء أو مشعوذا يدعي أن لديه عصا موسى. بل يتطاير لحمها بفعل شعب الله المختار الذي جاء من عصر الأساطير والأحلام الواهمة والعنصرية المدججة بالنزعة الاستعمارية بعد تيه دام ألفي عام في الأرض سارحا في بلاد الله حتى اهتدى الى وطننا.

غزة الشامخة على خاصرة فلسطين أمنا الثكلى وأختنا الأرملة ليست أجمل المدن الفلسطينية، وليست أرقاها، وليس أقدمها، ولكنها اختصار لتاريخ الشعب الفلسطيني المعمّد بالدم، غزة تقدم أبنائها صباح مساء قرباناً على مذبح الحرية، غزة أمس واليوم وغداً لم تغير طبعها في الصبر، ولم تخجل من صمودها أو فقرها أو جوعها أو حتى مشيها الحافي بدون حذاء، ولن تتخلى عن المقاومة الإبنة الشرعية للشعب الفلسطيني وتعلن للملأ أنها ليست لقيطة، بل نشأت وكبرت على أيدي الأعمام والأخوال من المقاوميين والمناضلين طيلة المسيرة الفلسطينية العامرة والمضمخة بدماء الشهداء. كيف لأمنا غزة أن تتنازل عن ابنتها المقاومة؟ وكيف يرضى الأعمام والأخوال بوئدها وهم الذين علموها وخبؤها في الصدر وحموها بين جوانج وشرايين القلب؟

غزة أمنا الثكلى البعيدة ليس لها مطارات، ولا موانئ ولا جمارك ولا حتى خيول سباق، تمشط شعرها وتكحل عينيها وتلبس ثوبها الأسود الموشح بالزركشات، وتستعد لتستقبل أبناؤها الشهداء الذين رحلوا بعد أن تناثرت جثثهم على أرضها لتحتضنهم في ترابها بعد أن عجزت عن حمايتهم فوقها من الطائرات.

غزة أمنا الصامتة لا تبكي لأن الدمع جف بالمقل، فما عاد أبناؤها يقفوا بطابور الخبز والغاز بعد الآن، فقد رحلوا بعد أن ملّ الصبر من صبرهم، واغتاظ العدو والقريب من صمودهم، فلن يروق لهم أن تتيه وتفخر أمنا غزة بأبنائها وتسعد بهم وبصمودهم وصبرهم، وتزف ابنتها المقاومة لعرس الحرية. فصبّوا نار حقدهم وكراهيتهم المؤججة والمستعرة عليها وعلى أبنائها وظنوا أن غزة سستسلم وتأتي إلى بين الطاعة، ولم يتعلموا أن التاريخ يعيد نفسه للمرة الألف. وأن غزة لم تكتسب اسمها من عبث أو من أم لقيطة، بل اكتسبته بجدارة وسجلته بحقوق طبع محفوظة في كتاب لسان العرب الحديث، وتاريخم الأسود المليئ بالخزي والعار والصمت الرهيب على موت الشعب الفلسطيني منذ 60 عام، إنها غزة في حلق أعدائها وعود في قلب حسادها وكف مخمس على وجه من تأمروا عليها.

هكذا هي أمنا غزة.. تعلمنا أن المسلسل الفلسطيني لا ينتهي، وأن العرس الفلسطيني لا ينتهي، ولن ينتهي ما دام قلبنا وشراييننا نابضة، فغزة باقية وفلسطين باقية مدى الدهر، ونستذكر قول عاشق فلسطين (محمود درويش) في قصيدته العرس الفلسطيني:

هذا هو العرس الذي لا ينتهي
في ساحة لا تنتهي
هذا هو العرس الفلسطيني
لا يصل الحبيب إلى الحبيب
إلا شهيدا..أو شريد
_من أي عام جاء هذا الحزن؟
_من سنة فلسطينية لا تنتهي
وتشابهت كل الشهور، تشابه الموتى
وما حملوا خرائط أو رسوما أو أغاني للوطن
حملوا مقابرهم ..
و ساروا في مهمتهم
وسرنا في جنازتهم
وكان العالم العربي أضيف من توابيت الرجوع
أنراك يا وطني
لأن عيونهم رسمتك رؤيا.. لا قضيه!
أنراك يا وطني
لأن صدورهم مأوى عصافير الجليل و ماء وجه المجدليه!
أنراك يا وطني
لأن أصابع الشهداء تحملنا إلى صفد
صلاة ..أو هويّة
ماذا تريد الآن منّا
ماذا تريد ؟
خذهم بلا أجر
ووزّعهم على بيارة جاعت
لعل الخضرة انقرضت هناك ..
الشيء.. أم هم ؟
...وهذا الشيء.. هذا الشيء بين البحر
والمدن اللقيطة ساحل لم يتسع إلا لموتانا
ومروا فيه كالغرباء ( ننساهم على مهل
وهذا الشيء.. هذا الشيء بين البحر
والمدن اللقيطة حارس تعبت يداه من الإشاره
لم يصل أحد ومروا من يديه الآن
فاتسعت يداه
كلّ شيء ينتهي من أجل هذا العرس
...يصير الشيء أجسادا،
وهم يتناثرون الآن بين البحر و المدن
اللقيطة
ساحلا أو برتقالا
كلّ شيء ينتهي من أجل هذا العرس ..
مرحلة بأكملها.. زمان ينتهي
هذا هو العرس الفلسطينيّ
لا يصل الحبيب إلى الحبيب
إلأّ شهيدا أو شريدا

أمنا غزة .. علمينا علمينا كيف نصبر، فقد ضاق القلب ذرعاً وما عدنا نطيق الكلام ... وأخبرينا يا ثكلى منذ الآن من أين نشتري معجون الإبتسام.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى