الثلاثاء ٧ آب (أغسطس) ٢٠٠٧
علي سرور في حوار مع السفير:

اعتقلتُ وأعرفُ معادلة الحب والموت

عناية جابر - عن السفير - لبنان

«ميكانيك الغرام» وقبلها رواية «أخت المتعة» للروائي علي سرور، تخوضان في بورنوغرافيا واضحة، وفي أوصاف داخلية وخارجية للحب ومسائله. وسواء كانت كتابة سرور بنت التجربة، او بنت الخيال او الاثنين معا، فهي تثير دائما لغطا نقديا وتحظى بانتباه.
عن اصداره الروائي الجديد، كان هذا اللقاء.

 لماذا «ميكانيك الغرام»، وقبلها «أخت المتعة»، هل أصبحت محجة في تعليم الغرام؟
 أزعم ان اختيار العنوان يقطع نصف المسافة الى القارئ. والعنوان من المفترض ان يكون جذابا لاعتبار أساسي ان الكتاب يتيم في هذه الأيام. اضافة الى ان العنوان عليه ان يخرج من رحم النص. ومن يقرأ الرواية السابقة «أخت المتعة» والرواية الحالية «ميكانيك الغرام» سيوافقني الرأي. كما أنني ارتحت في هذا النوع من الكتابة. وهذه الراحة نابعة من التراث الذي أنتمي اليه، ان كان على المستوى الشخصي او الديني او الفكري.
وأنا أرى ان الكتابة المقبلة بشكل عام ستأخذ نوعا من التخصص، كما هي الحال في الطب وفي مهن اخرى.

 أحسب انك كتبتها أثناء الحرب الماضية. هل اللذة التي تطرحها في الكتاب وتعالج ميكانيكيتها تعادل الموت الذي كان يجري حولنا الصيف الماضي؟
 هذه الرواية كتبت منذ اكثر من سبع سنوات. لكنني قبل الحرب الاخيرة بحوالى شهرين كنت أعمل على اعادة تركيبها من جديد. وأثناء الحرب توقفت عن متابعتها لأن كل الحياة توقفت. وأنا أرى ان الغرام هو اقوى من كل الاشياء في هذه الحياة. ودليلي على ذلك ان الموتى لا يوعدون بعد الموت الا بالنساء والغرام اضافة الى مسرات اخرى، هي تتمات او محفزات للوصول الى الغرام، واختراع ميكانيك الوصال. الحرب، أنا ابنها. لقد عشت الحرب كلها من بدايتها الى نهايتها. وأعني بذلك الحرب الاهلية اللبنانية والحروب الاسرائيلية التي شنت على وطني لبنان. وقد اعتقلت حوالى عامين في السجون الاسرائيلية واعتقلت ايضا لدى الميليشيات. هذا يعني ان اعرف تمام المعرفة معادلة الموت والحب وماذا يعني كل منهما، وما هي الصلة التي تجمع بينهما. من الحرب يخلق الرماد. ومن الحب يخلق الجمال. وأنا منحاز الى كل ما هو جميل في هذا العالم.
أماكن خام
 الى أي مدى راعيت الصياغة والحبكة اللازمتين في سردك الذي وجدته الى حد، متشظيا بقصص نساء شبقات أحسبهن موجودات في الحقيقة فعلا؟
 أعتقد ان روايتي الجديدة «ميكانيك الغرام» هي اكثر رواياتي وحدة وتماسكا. ولا بد من الاشارة الى ان هذه الرواية هي الجزء الاول من عمل لاحق وفي هذا الجزء قمت بوضع أساسات البناء. وهنا أشير الى أنني عملت في حقل البناء. وخبرتي عكستها في عملي الروائي. وأوافقك الرأي ان من يقرأ «ميكانيك الغرام» سيخرج في هذا الانطباع. لكن عليه ان يمهلني بعض الوقت حتى أبدأ بتركيب الديكور، وفرش الاثاث، والقيام بكل ما يلزم ليرى امام عينيه عملا متكاملا بوسعه حينها الحكم عليه.

 هذه هي المرة الاولى على ما أعتقد، أقرأ لكاتب عربي روائي تحديدا، فعل الاغتصاب على يدي امرأة عربية. أي الادوار معكوسة عندك، ماذا ترى؟
 أبحث في كتابتي عن الأماكن الخام او الاولية او البكر. و«أبحبش» عن غير المألوف، والصادم، والذي يهز البدن في العمق. وأنا أكتب، مثلما يخب الحصان أي أكتب باحثا عن حريتي، متمردا في وجه كل السائد، جامحا وقافزا عن كل الحواجز. هذه هي كتابتي. ولأنني هكذا، أكتب من حيث لا يتوقع القارئ ان الذي حصل، او ما يقرأه هو حاصل فعلا وفي الحقيقة. وهذا بحاجة الى زلزال من المشاعر والأحاسيس والجرأة والعنفوان والحقيقة والصدق.
الاغتصاب صفة ذكورية على ما هو شائع ومتعارف عليه. لكن الانثى تغتصب وتعمل ما لا يستطيع ان يعمله الرجل، او حتى ما لا يفكر في القيام به. وربما هي الحقيقة المجردة التي مررت بها، ومر بها كثير غيري. وكانت المغتصبات نساء بكامل وعيهن وبكامل عدتهن وزينتهن، وبكامل فنون ميكانيكهن. وإذا كنت وللمرة الاولى تقرأين مثل هذا الفعل الاغتصابي على يد امرأة لدى كاتب عربي، فإن الكاتب العربي قد سنح له الوقت او الظرف، او تمسك بالصبر والجرأة وأعلن ذلك على الملأ. وهذا بذاته نوع من انواع فضيلة الصدق التي تحتاجها الرواية الحقيقية.
 إلى أي مدى يبدو السرد ذاتيا؟ او الى أي مدى لعب التخييل في روايتك؟ أيضا، الى أي مدى اقتربت او بدت نوعا من الـ «بورنو» الشائع لدى كتّاب أجانب؟
 على ما تعرفين، الكتابة لا تخرج من رحم الفراغ. الكتابة اولا وأخيرا، هي بنت التجربة. والكتابة ايضا هي بنت الخيال، وبذلك الكتابة هي هذه العائلة او هذا التزاوج ما بين التجربة والخيال. ولا يمكن ان تقدم تجربة عارية من دون اضافات، فكيف للرواية ان تكتب من دون خيال؟ الكاتب هو إله من آلهة الخيال. وكما كان الآلهة يصنعون معجزاتهم فالكتّاب يمارسون الدور نفسه ولكن مع فروقات البيئة والظروف وعوامل اخرى لا حصر لها. وأنا كإله للخيال شأن الكثيرين، لا يعيبني الكلام عن الجنس ولا عن الغرام ولا عن المتعة ولا عن البورنو بلغة اليوم. لأنه لا يعيبني التعلق بالمكان الذي جئت منه. فكما أحب بيتي كثيرا أحب اكثر ذلك البيت الصغير الذي يبرم ويدور حوله العالم، كل العالم ومن كل الأجناس ومن كل الألوان ومن كل الفئات ومن كل الاعمار ومن كل الديانات وسوى ذلك.

المناضل

 في روايتك يبدو جليا اتكاؤك على انتماء حزبي قديم وتأثر بالرواية او الأدب الروسي في كثير من الاستشهادات والدلائل في «ميكانيك الغرام». هل شيوعيتك القديمة او التي ما زالت سمحت لك او لشخصيات روايتك بالانفلات الجنسي اذا صح اعتقادي؟
 روايتي قامت على ظهري. بمعنى أنا ملتزم بما قاله ابو الأدب الروسي مكسيم غوركي عندما سئل يوما كيف تعلمت الاقتصاد؟ فأجاب من السياط التي على ظهري. وشيوعيتي رضعتها عندما كنت مراهقا. وسرت في دمي. ولا يمكن لهذا الدم ان يصبح غيره، الا اذا استبدلناه بدم آخر. أنا مرتاح ونشيط وحيوي في الدماء التي يضخها قلبي في أطرافي وعروقي ورأسي.

أنا أوافقك الرأي أيضا، أنني لو لم أكن شيوعيا لما كتبت هذه الرواية. فالشيوعية عندما رضعتها علمتني التمرد والتفلت والحرية، وعندما أساء بعض الشيوعيين الى هذه القيم ابتعدت عنهم وتقربت اكثر الى الينابيع الى ينابيع ماركس وانغلز وكل الشيوعيين العالميين وبعض العرب.

وشيوعيتي اعطتني القدرة على التحليل، والتقاط النبض، وفهم الظروف ورسم صورة حقيقية لما تعانيه الشخصيات، وهذه ادوات من ادوات كتابة الرواية.
وإذا ألقينا نظرة على أسماء كتّاب الرواية عندنا في هذا العالم الواسع نجد ان معظمهم ينتمي الى ما كنت أنتمي اليه. وهو انتماء مشرف وجميل ولذلك ازعم أنهم أعطوا روايات مشرفة وجميلة عكست روح مجتمعاتهم اروع انعكاس، وقد دخلت رواياتهم ثقافة الأجيال ولا تزال.

عناية جابر - عن السفير - لبنان

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى