الاثنين ٢١ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١١
سميح القاسم
بقلم شاكر فريد حسن

القلق من ظل السكين على جسد التفاحة

احتضنت مدينة حيفا، عروس البحر ومدينة الكرمل وبلد القسام، هذا الاسبوع، امسية احتفالية تكريمية للشاعر الفلسطيني الكبير سميح القاسم، نظمتها دار «راية» للنشر لصاحبها الشاعر بشير شلش، وذلك بمناسبة صدور سيرته الذاتية، وتقديراً لعطائه الشعري والادبي ومسيرته الابداعية والنضالية المتواصلة منذ خمسينيات القرن الماضي وحتى اليوم.

في هذه الامسية، التي عاد فيها القاسم بشاله الاحمرالى «حيفاه»، التي قضى فيها اجمل ايام شبوبيته وربيع عمره، محرراً في صحافة الحزب الشيوعي، صارح جمهوره ومحبي شعره بحقيقة اعتلال جسده بفعل ذلك المرض اللعين، الذي ينهش الجسد ويفتك بالقلب والروح.. فقال: «لا حاجة للنكد، فالجسد يمر بظروف صعبة، وهذا اللقاء العائلي افضل من العلاج الكيماوي».

وبدا «ابو وطن» منهكاً متمايلاً كالفراشة، رغم روح الدعابة والفكاهة التي تميزه،وابتسامته الدائمة للحياة، ولم يخف قلقه من "ظل السكين على جسد التفاحة" كما جاء في قصيدته الرقيقة الانسيابية العفوية الموسومة"مستشفى"، التي القاها خلال الامسية، وتذكرنا ببواكير قصائده ذات الوضوح والشفافية.

وفي هذه القصيدة يصور عشقه وتشبثه بالحياة وتمسكه بالامل والتفاؤل، ويبكي على الشباب الضائع " وداعاً يا ايام شبابي"، ويصول ويجول في اماكن ومواقع وطنه،مستهلاً بجاره واد سلامة، مشيراً الى عشقه "رائحة الكعك الطالع للتو من الافران في بيت المقدس " وحالماً بالعودة الى بيسان، وانبهاره بملاحم وقصائد شعراء الحرية، وحبه لـ "عسل البطيخ البطوفي " و"التبغ الفسوطي المعلاوي" و"زيت الزيتون الراماوي" و"العرق الزحلاوي" و"عصير الليمون المصري في نكهة عبد الناصر"، ثم يحلق في فضاء الثورات العربية هاتفاً لـ"ربيع الثورة الساطعة في تونس " و"الغضب البوعزيزي" و"ملهمات ساحة رابين وشارع وول ستريت " و"ميادين المدن الصينية " و"الارياف الهندية".

كذلك يستعيد سميح القاسم في قصيدته ايام الصبا والشباب وافتتانه بالجمال والجميلات والساحرات وغطرسة عطرهن، مؤكداً ولعه باغاني واناشيد الحب والهوى و"مواويل حلاقة عرسان الزفة وصبايا الحنا" و"روائع بيتهوفن " واغاني الدبكات الشعبية، واجادة الرقصات الصالونية. ولم ينس تأكيد حبه للزوجة والابناء "في نعمة جدران البيت " وتقديره للطب واعشاب الطب وابر الطب الصيني، ويجزل الشكر والامتنان لكل صناديق المرضى، معلناً كراهيته لرائحة الادوية ورائحة المستشفى، ومعبراً عن خوفه وقلقه من "ظل السكين على جسد التفاحة ".

فيا سميح، يا شاعر الوطن والارض والتراب والشعب والكفاح والمقاومة، لا نخفي نحن ايضاً قلقنا عليك، وليس امامنا سوى الصلاة والتضرع والابتهال ورفع الايدي الى السماء وطلب الشفاء لك. وكلنا ثقة انك قادر على التحدي والصمود والمواجهة ومقاومة المرض وقهره بالتفاؤل الثوري، الذي عبرت عنه وجسدته في قصائدك العصماء، وبالابداع الجميل. وهذا ما فعله الكاتب المسرحي السوري سعد اللـه ونوس، الذي عصف به المرض ولم يستسلم لكآبة الموت وفتك المرض وقاومه بالكتابة المسرحية وغزارة الانتاج، وكان يردد:" اننا محكومون بالامل، وما يحدث اليوم لا يمكن ان يكون نهاية التاريخ".


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى