الخميس ١٨ نيسان (أبريل) ٢٠٢٤

المدينة تمضي إلى الحرب

محمود محمد محمود إبراهيم

للمدينة إطلالةٌ بحريّةٌ
حيث تجلس على شاطئه
لا مهتمةً باستقبالٍ أو وداع
أذنها على صفحة الماء
وعينها مغروسةٌ أعلى المنارة
تراقب الدخان الذي تنفثه سفن الغزاة
للمدينة بابٌ على الصحراء
حيث تجلس فوق الرمل
لا يشغلها أمر القوافل
أو ألاعيب السراب
أذنها على الرمل المشتعل
وعينها معلقة على النخيل
تراقب الغبار الذي يثيره الغزاة
المدينة، تلك التي تبدو
وكأنها لا تخاف البحر أو الصحراء
تلك التي تبدو في أوقاتها العادية
وكأنّها لا تخاف السماء
يرجف قلبها الحجري،
تفعلها على نفسها
حين تأتي سيرة الحرب.
هي الآن تخلع أفرول العامل، وكفَّ الفلاح،
ومريلة التلميذة، ورائحة "الملوخية" على مريول الأم
ترتدي الكاكي
وتتأهب للذهاب إلى الحرب
العامل في مصنع الغزل
بعدما صنع ما يكفي من الرايات والأكفان
قبّل ماكينته
أفرغ زيتها في خزّان الدبابة
ومضي لنداء الواجب
الفلاح على أطرافها
المُوكّل بغسيل رئتيها كل صباح
بعدما مسح على رأس فأسه
علّقها على الجدار مكان البندقية
بندقيته الخرطوش التي كان يخيف بها الثعالب
ومضى لنداء الواجب
التلميذُ
الذي حيّا العلم في طابور الصباح
صعد على ظهر طائرته الورقية
ومضى لنداء الواجب
الطالبُ في الجامعة
غادر المحاضرة ولوّح بكفّه للبنت التي يحلم بها
ومضى لنداء الواجب
العجوزُ
الذي يحفظ ذاكرتها
حشا عكازه بالبارود
ومضى لنداء الواجب
الأم
التي ودعت رجال عائلتها الماضين للحرب سريعًا
عادت لمطبخها أعدّت لفائف القطن وزجاجات الميكروكروم
وأخرجت كل ما ادّخرت بفطرتها من برطمانات فارغة
تصلح للاحتفاظ بالدموع
كانت لا تُحِير جوابًا عن لماذا؟ ولأيّ وقتٍ تكنزها؟
ومضت لنداء الواجب
النسر الكبير الذي في وكره
ألقم أفراخه كل ما في حوصلته
ومضى، تتبعه النسور في أختام المدينة،
لنداء الواجب
السياسي من يكد صباح مساء في الكذب
صار يصيغ البيانات
والشاعرُ الكسول
ألف نشيدًا حماسيًّا للجنود
حتى رجل الدين منحته المدينة في زمن الحرب دورًا
ها هي ذي بعد أن خبّأت في دولابها السري نفائسها:
"أضابير البلديّة، ما دوّن الرحّالة عنها، سجّلات الضرائب، ومخالفات المرور والبناء"
تمضي على طريق الحرب
في آخر الصفوف، كدأب القادة دومًا، تهتفُ في جنودها:
تقدموا يا كتاكيتي
تقدموا إلى الثغور
باغِتوا الحرب قبل أن تصل التخوم
الحربُ شرٌ
أوفر المدن حظًا تلك التي تمضي إليها.

محمود محمد محمود إبراهيم

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى