الخميس ٣٠ نيسان (أبريل) ٢٠٠٩
بقلم حفيظة مسلك

الوداع

في إحدى الأمسيات الضالة حيث كان القمر بدرا، إنطلقت تباشير موعد اللقيا بين روحين وهيكلا عظميا يحمل بيده زجاجة عطر يتناولها بنهم في نفس طويل، يطرق باب النجوم لينزل الظلام ستائره السوداء. مدّت يدها المرتجفة نحو الأرجاء، يراودها الحلم بين الحقيقة والخيال، أنامل طرية تدغدغ أحشاءها، لم يكن سوى ضيفا بدأ بمغازلتها،غدق عليها حينها قناطير مقنطرة من الدموع الحارة وكلما تذوقتها ازدادت الملوحة مرارة
ظهر من اللاشيء وخاطبها من وراء حجاب، أشاح بيده ليشتد عوده ويحافظ على توازنه مخافة ضياع فرصة المواجهة إقترب منها وصفعها حيث سيأخدها عبر موسيقى الناي الحزين، تساءلت من هذا الذي يحاول دفعها بتلك الطريقة ويهرول بها نحو هذا الممر المظلم؟ وكيف له ان يتسرب من خلف الأسوار العالية، جثا أمامها باكيا وأفرج عن دمعة تطل من وراء حزن عميق، مسك بيديها فأصبحت يداهما متشابكتان والأرض إختزلت أنفاسها عربونا بميلاد لقاء شهم وشقي

 خاطبها قائلا: هل عرفتني؟

 قالت ونبضها يزداد لهفا.. ومن تكون؟

 قال: تأملي تحركات هذا الفارس وستعرفين من أكون؟

قالت: لا أستطيع ان أتبع خطاك...؟؟؟ ثم بلعت ريقها

قال:إسألي ضميرك وانظري الى الصور المختلفة في قلبك، استشيري ذاكرتك لربما عثرتي على انسان حرمته لذة معانقتك،ابحثي وسط الظلام الدامس عن شمعة قمت بإطفائها،تريدين شق أنفاسي مرة ثانية؟؟ آه لو تدرين كم كنت سعيدا وانا بين ثنايا احشائك، كنتي لي النهر المتدفق عند عطشي وقصيدتي الموزونة وخاطرتي المنثورة، لماذا حرمتني من الحياة...؟لما تخليتي عني وتركتني مذعورا.. عاريا.. متشردا.. تطعنني الأيادي الآثمة،لماذا سمحتي لي بمغادرة مملكتك وقدفتي بي نحو القبر.. كم انتي قاسية يا قرة عيني

قالت:يا عمري اسمعني أرجوك

انا لم أتخلى عنك ولكن خوفا عليك اخترت لك دفئا سيطول ونعمة لن تزول وفضاءً بعيدا عن طين الأرض ووحل الألم ومستنقع الضياع،رأيت شَعْري وهو يتساقط..هزال جسمي وهو يكتوي بالإبر، لم أقتلك بموافقة نفسي ولا تحريضا من أحد، بل تألمت لمصابك لأنك ستكون شاهدا على وجع الليالي ورحلتي الشرسة مع السيد "السرطان"، تعرف بأني لن أُرْضِعك مثل الأمهات، كيف اتركك تتألم معي، حبيس زنزانتي،ثورة قهري ما دام الخراب اعلن النهاية فكنا معا انا وانت ضد النهاية،لا تظلمني فقريبا سأتبعك حيث ستلتقي حواسنا وارواحنا،اذكر ان يدك مرت على كتفي فلم اكون سندا لك، ضغطتَ على قلبي مرات فوجدته ممطرا حد الفيضان،كيف اتركك حبيس الغارات الشرسة والمغارات الموحشة، تمنيتك فأصبح الماء رملا، فغرقتْ الأمنية انتشاءً ووجعا،إلتقت عيوني بعيونك نهارا فصار ما يجمعنا أكبر ليلا، فرحيق القهوة المرة ملاذنا والحلم صار أنين العمر، كم احببت صوتك الاخير في اذني لحظة توديعك، سامحني واسمح لي برقصة اخيرة بين ذراعيك، ساعدني على اغنيتي النثيرة،أبتهل في محراب هذا الشعور لألقاك قريبا فلا تجزع يا بني،فمن مثلي يقدر حزنك ولن استطيع استعارة لغة جديدة لأرضيك وابرئ نفسي مغبة الإنتماء لطابور الخطيئة، لم يكن الفرح مهنتي لأصنع لك عالما خاليا من السواد،بني مد يدك اليّ مرة أخرى وودعني بانفاسك المتقطعة وروحك العطرة..احتاج لعفوك.. لحنانك.. لهمسك..فأنا اليتيمة بدونك والورقة الخالية من حبرك فكن بردا وسلاما على أمك

قال: أمي جئتك غاضبا وها انتي تغيرين ملامح الحقيقة، مداد دمع سخيّ يخطط زغبا شمعيا، لملمتي الجراحات المتكسرة وحقي في الحياة كإنسي كتب له ان يكون منسي في الدروب الضريرة،أماه اقتربي لأودعك ولتحضنيني للمرة الأخيرة

الوداع.. الوداع.. الوداع.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى