الثلاثاء ١٦ نيسان (أبريل) ٢٠٢٤

الوداع الأخير

محمود أحمد إبراهيم علي السيرة

احملوني فوق المحَفَّة احملوني
زمّلوني ، دثروني، كفّنوني
لُفوا جسدي براية جهادي
لُفوا جسدي بعلم بلادي
و احملوني
سيروا بي في طرقات قريتي
طوفوا بي شوارع مدينتي
قفوا بي عند كل موضعٍ
شهد جرحي و ألمي
ضعوا جسدي على كل موقعٍ
ارتوى يوماً بدمي
و لا ترفعوني حتى تجعلوني
أودِّعه وداعي الأخيرْ
فذاك مكاني الأثيرْ
كنت هنا أُكسٍّر الأحجارْ
و أواجه بها لهيب النارْ
صدقوني!
هنا تعلمت معنى الوطنْ
هنا تعلمت كيف الفداءْ
هنا رجمت للباطل وَثنْ
و من هنا لبَّيتُ النداءْ
و ملأ الأمل عيوني
نعم ... أملْ
أملٌ ممزوج بالدمْ
دمٌ ؟... أجلْ
و كيف الخلاص من همٍ عمّ؟، أجيبوني
كيف الخلاصُ .. أجيبوني، أفهموني
ابحثوا عن جواب .. و أبلغوني
صبرْنا على البلاء حتى ظنوا
أنّا بهم قد رضينا
قمنا لندفع البلاء عنّا .. أنّوا
و أسمعوا أنينَهم للعالمينا
و هل للذئاب من أنينِ؟!
بالله خبِّروني
ماذا أقول لكم
و أنتم معي في الميدانِ
ترون ما بي و بكم
و يرانا كلُّ قاصٍ و دانِ
ماذا أقول؟، قلتُ كل ما عندي
ماذا أقول؟، ما عاد القول يجدي
و الآن هيا ارفعوني، احملوني
صبرًا .. صبرًا .. لا تسرعوا
أبطئوا السير حتى تشعروني، أني ما زلت بينكمْ
فإنَّ بي شعور يرجوني، أن أترك شيئا لكمْ
اذهبوا إلى مَدرستي كي أحيي العلمْ
و اطلبوا من مُدرِّستي أن تمسك بالقلمْ
و ترسم على صفحة بيضاءْ غروبَ شمسِ الأمسْ
و مولدَ يومٍ جديدْ
و لتأخذ نقطةً من دمي حمراءْ و تكتب : " هذا ليسْ
سوى معنى الشهيدْ "
و ارسموني
ارسموني طيرًا خفاقا
ارسموني نبعًا دفَّاقا
ارسموني نهرًا رقراقا
ارسموني كما كنتُ، لا أعرف معنى الجمودْ
فأنا و إنْ قد متُ، فغدًا سوف أعودْ
نعم .. سوف أعودْ
فقط، اذكروني
ربما تتبدل ملامحي، و ربما يتغير اسمي
و لكن ثابتٌ ما بين جوانحي
و إن عُدتُ بجسمٍ غيرِ جسمي
قد أعود شابا يافعا، قد أعود طفلاً رضيعا
قد أعود شيخا رافعا عصاه يضرب نذلاً وضيعا
قد أعود بنتا جميلة، قد أعود امرأةً نبيلة
ترى أبناءها مثلي
فلا تملك إلا أن تتخلص من الشجونِ
و تسرع لقصاصها
فهي قد تعلمت، أن البكاء لن يزيل الكربْ
أن البكاء لن يمنع قدَرْ
و تعلمت كذا كل فنون الضربْ
و كيف تواجه بقوةِ خطرْ
و كيف ترد أذى المجنونِ
و الآن هيا ادفنوني، ضعوني
بأيديكم في رحم الأرض الأُمْ، و لن تنتظروا طويلا
فقريبة لحظة ميلادي من جديدْ
فهي في جسدي ستظل تضمْ، حتى تخرج لكم جيلا
شعاره: "نحن أبناء الشهيد"
هيا ضعوني
و بالتراب واروني
و انثروا على قبري ماءًا
و بعضاً من زيت الزيتونِ.

محمود أحمد إبراهيم علي السيرة

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى