الخميس ١٣ آذار (مارس) ٢٠٠٨
بقلم حسن توفيق

تحية تقدير لهن من شاعرين عربيين

يوم المرأة العالمي.. ليس للنساء وحدهن!

لم يكن خروجهن إلي الشوارع أمراً عادياً مألوفاً في ذلك الزمان، لكن نساء الطبقة العليا من المجتمع كسرن ما اعتدن عليه، ونزلن من بيوتهن وقصورهن، دون أن ترتدي أية سيدة منهن الحجاب. كان خروجهن إلي الشوارع عملاً نضالياً غير مسبوق، فقد خرجن متظاهرات ضد الاحتلال الأجنبي للوطن، ورفعن أصواتهن مطالبات إياه بأن يرحل.

كان هذا سنة 1919 حيث الثورة الشعبية الشهيرة التي عمت أرجاء مصر ضد الاحتلال البريطاني، وكأن الرمز الوطني لتلك الثورة هو سعد باشا زغلول.

لفتت المظاهرة النسائية نظر شاعر النيل حافظ إبراهيم، فكتب تحية تقدير ممزوجة بالدهشة تجاه ما يراه، مما لم يكن - كما قلت - أمراً عادياً مألوفاً، ووصف الشاعر الكبير وقائع ما جري من خروج المتظاهرات إلي قيام قوات الاحتلال البريطاني بالتعرض لهن، ولم يفته أن يسخر من جيش الإمبراطورية البريطانية الذي يتحرك للحرب ضد النساء:

خرج الغواني يحتججن..

ورحت أرقب جمعهنه

فإذا بهن تَخذن من

سود الثياب شعارهنه

فطلعن مثل كواكب

يسطعن في وسط الدجنه

وأخذن يجتزن الطريق

.. ودار سعد قصدهنه

يمشين في كنف الوقار

وقد أبن شعورهنه

وإذا بجيش مقبل

والخيل مطلقة الأعنه

وإذا الجنود سيوفها

قد صوبت لنحورهنه

وإذا المدافع والبنادق

.. والصوارم والأسنه

والخيل والفرسان قد

ضربت نطاقا حولهنه

والورد والريحان في

ذاك النهار سلاحهنه

فتطاحن الجيشان..

ساعات تشيب لها الأجنه

ويمضي حافظ إبراهيم في قصيدته التي تكاد تكون قطعة موسيقية تصويرية، واصفا المعركة بين جيش مسلح بكل أدوات القتال ونساء لسن متسلحات إلا بالورد والريحان!

هذا ما كان سنة 1919 أما في شهر مارس - آذار سنة 1962 فإن الطالبات العراقيات اللواتي كن يتلقين العلم في براغ قمن بالاحتفال بيوم المرأة العالمي، بعد أن وجهن الدعوة للشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري الذي كان قد أعد قصيدة ليلقيها ضمن برنامج الاحتفال، لكن الجواهري اختار أن يكتب قصيدته وفقا لموسيقي مجزوء بحر الكامل، وهي الموسيقي التي كتب بها حافظ إبراهيم قصيدته، وكذلك فإنه استخدم نفس القافية، وهذا ما يدفعنا الآن إلي التساؤل: هل أراد الجواهري أن يعارض حافظ إبراهيم بعد ثلاث وأربعين سنة من كتابة القصيدة الأولي الشهيرة ب خرج الغواني يحتججن... ولست أدري حقا إن كان ما قام به الجواهري معارضة فنية أم لا؟!.. ولكني أتوقف هنا عند أبيات مما قاله في يوم المرأة العالمي سنة 1962:

حييتهن بعيد هنه

من بيضهنه وسودهنه

وحمدت شعري أن يروح..

قلائداً لعقودهنه

إنّا وكل جهودنا

للخير رهن جهودهنه

وحدود طاقات الرجال..

لصيقة حدودهنه

تذكرت هاتين القصيدتين لحافظ إبراهيم ومحمد مهدي الجواهري في أجواء الاحتفال بيوم المرأة العالمي، منذ أن تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا يدعو لتخصيص يوم 8 مارس من كل سنة يوما للاحتفال بحقوق المرأة ولصيانة السلام العالمي ولهذا اليوم تاريخ طويل حافل بنضال النساء من أجل المطالبة بحقوقهن، ولكن هل يمكن أن نعد هذا اليوم يوما للنساء وحدهن أم أن علينا أن نتبني ما قاله الجواهري إنا وكل جهودنا - للخير رهن جهودهنه ؟.. في تقديري أن هذا اليوم وإن كان يحمل اسم المرأة إلا أنه يخص الرجال كذلك وليس النساء وحدهن، طالما أن الهدف يتمثل فيما قاساه الإنسان - رجلا كان أو امرأة - من ظلم الظالمين وتجبر المتجبرين، ومازال هذا الظلم وذاك التجبر ماثلين إلي الآن، ويكفي أن نطالع شاشات التليفزيون لنري ما يحدث ضد رجال ونساء العراق من جانب الاحتلال الأمريكي، وما يجري ضد رجال ونساء فلسطين من جانب الاحتلال العنصري الصهيوني.. تحية لكل مناضلة ولكل مناضل ضد الظلم والتجبر.

يوم المرأة العالمي.. ليس للنساء وحدهن!

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى