السبت ٢٩ كانون الثاني (يناير) ٢٠٢٢
بقلم لبنى محمود ياسين

ثوب باهظ الثمن

يا للخيبة، أنظر إليه، وأردد بحزن: يا للخيبة.

ثوبي الأحب، ثوبي الذي دفعت ثمناً باهظاً لشرائه، وأفردت له مكاناً واسعاً بعيداً عن زحمة الثياب في خزانتي، ثوبي الطويل الضيق الملون، الذي يشبهني...في حالة يرثى لها.

بدأت قصتي مع الثوب عندما وقعت عيناي عليه لأول مرة، خلف واجهة زجاجية لمحل تجاري، ُعرف بأسعاره الباهظة، وبضاعته المتفردة.

بلحظة واحدة أسرني الثوب، طويل، ملون، رشيق، يبدو كأنه أنا، يشبهني كثيراً، أنا المرأة التي عُرفت دائماً بالرشاقة والأناقة، نظرتُ إلى سعره، فتسارعتْ دقات قلبي، كان سعره خيالياً، باهظاً بشكل مبالغ به، فهو في الآخر مجرد ثوب.

طلبت من البائع أن يعطيني إياه لأجربه، أعطيته المقاس، فأحضره لي على عجل، دخلت غرفة القياس، ارتديته، كان خيالياً، الثوب الذي لن أخلعه أبداً...أردته بشدة، فقد أظهر رشافتي أكثر مما فعل أي ثوب آخر.

خلعته عني، وخرجت أفكر في أمر سعره، لا بأس بعض الخسائر لأجل ما أريده ليست بذات شأن، توجهت إلى الصائغ، منحته إسورة كانت قد أهدتني إياها أمي، وزنها، ومنحني المبلغ الكافي لشراء الثوب.

عدت إلى المتجر على عجل، نقدت البائع السعر الذي أوجع قلبي وجيبي، وأخذت ثوبي، وأنا في غاية الفرح.

ارتديته، شعرت بالزهو، كأنني أميرة تخطو على السحاب، وخرجت أتهادى به بين الناس، كل من رآني أرتديه قال أنه لائق جداً علي، وكأنه تم تفصيله على جسدي، فرحت بذلك، وعاملته كما لو كان حبيباً، وليس مجرد ثوب.

بعد أيام، لفت نظري ثقب في إبط الثوب، قريب من القلب، هالني ذلك، خلعته وأخذت أنظر إليه، ماذا أفعل، لن أعمل الإبرة في ثوبي، ثم أن خيطاً هجيناً سيشوه شكله.

قررت أن أرتديه كما هو، وأن أنتبه إلى حركاتي لئلا يكبر الثقب أكثر، تقيدت يدي، صارت تحيتي لأصدقائي باهتة، أقف كتمثال، وألقيها بلا روح، خوفاً من أن يزيد الوضع سوءاً، صرت أمشي كرجل آلي دون أن ألتفت إلى أحد، لا أرفع يدي للتحية، أختزل وجودي بين الناس قدر المستطاع، لأتخلص من قيود الحركة التي يجبرني ثوبي الممزق على تحملها.

لكن ذلك لم يحل الأمر، فبعد أيام أصبح الثقب أكبر، صار علي أن أشد يدي إلى جسدي بقوة، لئلا يفتضح أمر التمزق في ثوبي.

قيد الثوب حركتي تماماً، وخسرت أصدقائي واحداً تلو الآخر، أظنهم اعتقدوا أن الثوب غيرني، وأن كونه جميلاً علي جعلني أشعر بالغرور، كنت بدوري عاتبة على أصدقائي الذين لم يتحروا أمر المصاعب التي أمر بها، فتركتهم يذهبون إلى غير رجعة.

استيقظت اليوم، التقطت الثوب لأرتديه، بدا التمزق كبيراً بحيث أنه يستحيل علي الخروج به.

رميت الثوب على السرير، وأخذت أفكر، هل أعمل به الإبرة، وإن صار منظره غريباً؟ أم أتخلص منه وأقتني غيره، وأعود إلى أناقتي، وأصدقائي؟!. لبنى ياسين


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى